لما فرَّ السلطان محمد الشيخ السعدي من وقعة الأتراك بفاس وصل إلى مراكش، فاستقَرَّ بها وصرف عزمَه لقتال أبي حسون، فأخذ في استنفار القبائل وانتخاب الأبطال وتعبئة العساكر والأجناد، فاجتمع له من ذلك ما اشتدَّ به أزْرُه وقويَ به عَضدُه، ثم نهض بهم إلى فاس، فخرج إليه السلطان أبو حسون في رُماة فاس وما انضاف إليهم من جيش العرب، فكانت الهزيمة على أبي حسون فرجع إلى فاس وتحصَّن بها، فتقدم الشيخ السعدي وحاصره إلى أن ظفِرَ به في وقعة كانت بينهما بالموضع المعروف بمسلمة، فقتله واستولى على حضرة فاس وصفا له أمرُها، وكان استيلاؤه عليها يوم السبت الرابع والعشرين من شوال من هذه السنة, وبمقتل السلطان أبي حسون انقَرَضت دولة الوطاسيين المرينيين بالمغرب.
بعد عودة فاس للسعديين ظهر السلطان محمد الشيخ السعدي كخصم عنيد للعثمانيين، ومن المعارضين لسياستهم التوسعيَّةِ في بلاد المغرب، بل والأكثر من ذلك أنه أعلن إثرَ دخوله فاس بأنه عازمٌ على الذهاب إلى الجزائر لمنازلة العثمانيين هناك، فهذا التنافسُ السعديُّ العثماني على شمال إفريقيا، بل وعلى الخلافةِ الإسلامية كان في صالحِ الإسبان والبرتغال، ولا عجب إذا رأينا بعد ذلك تقاربًا بين هؤلاء جميعًا ضد العثمانيين حيث بعث الملك البرتغالي جون الثالث رسالةً إلى حاكم مازكان البرتغالي الفارودي كالفولو ردًّا على الطلب الذي تقدم به السلطانُ محمد الشيخ إلى كلٍّ من مدريد ولشبونة لتزويده بقوات عسكرية ضد العثمانيين، كما حددت الرسالةُ بعض الشروط التي يراها البرتغاليون لمساعدة السعديين، كتسليم بعض المراكز البحرية المغربية، مثل: بادس بنيون والعرائش، بالإضافة إلى تموين القوات التي سيرسلها لمساعدته، وأخيرًا يختتمُ الملك جون الثالث بضرورة إخبار الإمبراطور الإسباني بذلك للتنسيق في عمل مشترك ضِدَّ العثمانيين؛ ونتيجة لهذا التقارب فقد عُقِدت هدنةٌ بين السعديين والبرتغال بواسطة حاكم مازكان لمدة ستة أشهر, وظلَّ مفعول هذه الهدنة زمنًا طويلًا.
عُقِدت معاهدة أماسيا بين الخليفة سليمان القانوني والدولة الصفوية بإيران؛ لتثبيت الحدود بين الدولتين، بموجِبِها ضُمَّت كل الأراضي الواقعة شمالَ شرق نهر دجلة حتى بحيرة وان إلى الدولة العثمانية كما استقرت عام 955، وبموجِب هذه المعاهدة تخلى الصفويون عن حقوقِهم بالعراق، واعتَرَفوا بها على أنَّها جزءٌ من الدولة العثمانية.
نتيجةً لتحالف السعديين مع الإسبان والبرتغال ضِدَّ العثمانيين تحَّركت القوات العثمانية تحت قيادةِ صالح رايس والي الجزائر من قِبَل العثمانيين للوقوف مع أبي حسون الوطاسي وحصلت اصطدامات عسكرية بين قوات محمد الشيخ السعدي والقوات العثمانية قرب بادس التي رسا بها الأسطول العثماني، فلحقت الهزيمة بالقوات السعدية؛ مما أفسح المجالَ أمام العثمانيين لكي يواصلوا زحفهم نحو الداخل، وفي هذا العام سقطت مدينة تازة في يد العثمانيين الذين اشتبكوا مع السعديين في معاركَ متواصلة أهمُّها بكدية المخالي في ساحة فاس، عند ذلك تقدَّمت القوات العثمانية ومعها أبو حسون نحو فاس التي دخلتها في 3 صفر سنة 964, وأعلن الباب العالي ضمَّ المغرب إلى الدولة العثمانية بعد أن خطب الإمام للسلطان العثماني، مكث صالح رايس بمدينة فاس أربعة أشهر ضَمِن خلالها استقرار الأمور للدولة العثمانية، وخلال وجود صالح رايس في فاس لم يترك الجهادَ ضِدَّ الإسبان فأرسل فرقة من جيشه إلى الريف المغربي استرجع من الإسبان مَعقِلَهم الكبير باديس أو صخرة فالين كما يَدْعونها، كما حاول صالح رايس أن يستبدل الباشا العثماني أبا حسون بالشريف الإدريسي الراشدي بوبكر، بناء على اقتراح المرابطين الصوفيين للقيامِ على حكم فاس باسم السلطان العثماني، إلا أنَّ ثورة الأهالي اضطرَّت صالح رايس لإعادة أبي حسون إلى حكم فاس، فأذعن أبو حسون لشروط العثمانيين بشأنِ الحفاظِ على السيادة العثمانية من حيث الخطبةُ باسم السلطان العثماني، وإقامةُ حاميةٍ عثمانية في مقَرِّ بلاطه.
لم يكن صالح رايس والي الجزائر يهتمُّ قبل كلِّ شيء إلا بمحاربة الإسبان، ولا يهدفُ من وراء أي عملٍ إلَّا جمعَ القوى الإسلامية من أجلِ تطهير البلاد من الوجودِ الأوروبي الصليبي، فكان يرى قبل كل شيءٍ وجوبَ طردِ الإسبانِ مِن وهران، لكن كيف يتسنَّى له ذلك وسلطانُ السعديين بالمغرب يترقَّبُ به الفُرَص، وسلطانُ قلعة بني عباس ببلاد مجانة يُعلنُ انفصاله واستقلاله، ترامت لصالح رايس يومئذٍ الأنباءُ عن ضعفِ القوى الإسبانية بمدينة مجانة، علاوةً عن معاناةِ الحامية بالضيقِ، فرأى صالح أن يغتنمَ الفرصةَ وأن يبدأ بتطهير الشرقِ من الإسبان قبل أن يُطهِّرَ الغربَ، ولعلَّ انقاذ بجاية سيكون له أثرٌ في عودة مُلك بجاية إلى حظيرة الوحدةِ الإسلامية تحت ضغطِ السكَّان، سار صالح رايس في ربيع أول من هذه السنة نحو مدينة بجاية على رأسِ قوةٍ كبيرةٍ بنحو ثلاثين ألف رجلٍ عزَّزهم في الطريقِ بالمجاهدين في إمارةِ كوكو، فوطَّدت الجيوشَ العثمانية وحاصروا المدينة، بينما جاء الأسطولُ العثماني يحمِلُ الأسلحة والمدافِعَ بجانب الجيشِ، وصوَّب المسلمون قذائفَهم على القلعة ودارت معركةٌ عنيفة، ونجح صالح رايس في انتزاعِ بجاية من الإسبان, ولم يستطع حاكم نابولي من نجدةِ حاكمِها في الوقتِ المناسب، كما استسلم الحاكِمُ الإسباني للقوَّات العثمانية.
أُطلِعَ صالح رايس- والي الجزائر من قِبَل العثمانيين- على تلك المؤامرةِ التي كانت تُحاك ضِدَّ الدولة العثمانية بين ملكِ المغرب السلطانِ الشيخ المهدي أبي عبد الله محمد السعدي والإسبان، والتي كان هدفُها طردَ العثمانيين من الجزائر؛ لأنَّه طالما أن الدولة في الجزائر معناه خطرٌ على إسبانيا، فبعث صالح رايس للباب العالي يخبرُه بشأن تلك المحادثات، فكان جوابُ السلطان سليمان سريعًا وحاسمًا بوجوبِ مهاجمة وهران قبل أن تسفِرَ المحادثات بين الجانبين السعدي والإسباني عن نتيجةٍ عملية، فأرسل السلطانُ سليمان أربعين سفينة لمساعدة رايس في الاستيلاءِ على وهران والمرسى الكبير، ومنذ ذلك الوقت كانت الهجرةُ والتجنيدُ الطوعي من مختلِفِ أنحاء الدولة العثمانية، فاستعَدَّ صالح رايس لفتح وهران، وضَمَّ أسطوله الى جانب أسطول السلطان، وصار لديه نحو سبعين سفينة، واجتمع لديه من الجند ما يقارب من أربعين ألف جندي، وكان ينوي من إتمام زحفه هذا بالمسير الى مراكش للقضاء على الفِتَن والاضطرابات وإخضاعها لسلطانه، ولكن القَدَر لم يمهِلْه، فتوفِّي صالح رايس بالطاعون في شهر رجب 963هـ وقام القائد يحيى بإكمال خطة صالح رايس، فأبحر نحو وهران، وفي الطريق وصلت الأوامر السلطانية بتعيين حسن قورصو لمنصب بيلرباي، ووصلت الجيوش البرية والبحرية إلى وهران، وحوصرت حصارًا شديدًا، إلَّا أنها لم تُفتحْ رغم استعدادات العثمانيين الكبيرة؛ وذلك بسبب النجدات المتواصلة التي كانت تبعثُها إسبانيا إلى المدينة المحاصَرة.
هو القائدُ أمير البحر صالح رايس، ويقال (ريس)، قائدُ البحرية العثمانية في البحر المتوسط, وهو عربيٌّ من الإسكندرية، ولد فيها سنة 893 تعرَّف على الأتراك حين قدِموا إلى مصر، ورافق أميرَ البحار خير الدين بربروسا في رَحَلاته البحرية, ومن أهمِّ أعمال رايس أنَّه ساهم في إنقاذ بقايا المسلمين في الأندلس، وقد تولى منصِبَ حاكم الجزائر عام 1552م. كان صالح رايس يهتم كثيرًا بمحاربة الإسبان، ويهدف من ورائه جمعَ قوى المسلمين من أجل تطهير بلاد المغرب من الوجود الصليبي فيها؛ لذا كان يرى قبل النزولِ إلى الأندلس لاستردادها وجوبَ طرد الإسبانِ من وهران، فعَمِلَ على إتمام فتح بجاية فدَكَّ الحصون التي يتحصَّن بها الإسبان، ثم هزَمَهم واسترَدَّ بجاية منهم, واحتفظ بها العثمانيون قرابة 188 سنة, ثم بدأ بالاستعداد لفتح مدينة وهران، لكنَّ الأجل أدركه أثناء استعداداته لفتحِها, فتوفِّي بالطاعون عن عمر سبعين سنة.
هو محمد بن محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن زيدان الحسني، أبو عبد الله، المعروف بالشيخ، والملقب بالسلطان المهدي: ثالثُ سلاطين الدولة السعدية بالسوس ومراكش. ولِدَ سنة 896. كان مع أبيه القائمِ بأمر الله في بدء ظهورِه، ثم كان مع أخيه أحمد الأعرج، وكانت كلمتُهما واحدة مدة 23 عامًا، ثم افترقت كلمتُهما، فقام محمد بخلع أخيه أحمد والقبض عليه وعلى أولاده سنة 946، واجتمعت الكلمة عليه، فباشر الجهادَ في الثغور، فافتتح حصنَ فونتي وآسفي، واختط مرسى أغادير بالسوس الأقصى سنة 947, ثم ضمَّ مراكش سنة 951 فانتقل إليها. وبعدها طمِحَت نفسه للاستيلاء على بقية المغرب والقضاء على الوطاسيين أصحابِ فاس وأطرافِها، فافتتح مكناسة الزيتون سنة 956, وقبض على أكثَرَ مَن بها من الوطاسيين وأرسلَهم مُصفَّدين إلى مراكش. وقاتل العثمانيين في تلمسان وكانوا قد استولوا عليها، فأخذها منهم، ثم امتنعوا عليه بها. وكانت قد بقيت بفاس طائفةٌ من الترك العثمانيين الذين أحضرهم أبو حسون الوطاسي، فجعلهم الشيخ المهدي جندًا على حِدَة وسمَّاهم اليشكارية- العسكر الجديد- وأرسل له السلطانُ سليمان القانوني يهنِّئُه بالمُلك ويطلب منه الدعاء له على منابر المغرب وأن يكتُبَ اسمَه على سكَّته، فرفض طلبه، ثم أرسل السلطانُ سليمان أشخاصًا اتصلوا باليشكارية فتربَّصوا الشيخ المهدي حتى قتلوه غيلةً, وكان من عظماء الرِّجال؛ مهيبًا، غزير العلم، عُنِيَ بالتفسير، وحفظ صحيح البخاري وديوانَ المتنبي.
تولَّى السلطانُ الغالب بالله الحُكمَ، وذلك بعد مقتل أبيه ومبايعةِ أهل فاس له وأهلِ مراكش، فاستوثق له الأمرُ وتمهَّد له ملك أبيه. وكان قد نشأ في عفافٍ وصيانة، وحَفِظَ القرآن وأخذ بطرفٍ صالحٍ من العلم، وكان وليَّ عهد أبيه، وكان يلقَّب من الألقاب السلطانية بالغالب بالله، لقَّبَه به غيرُ واحد من الأئمةِ.
لَمَّا ولِيَ السلطان أبو محمد عبد الله الغالب بالله الخلافةَ، اشتغل بتأسيس ما بيده وتحصينِه بالعَدَد والعُدَّة، ولم تطمح نفسه إلى الزيادة على ما ملك أبوه من قَبلِه. وغزاه حسن بن خير الدين باشا التركي صاحبُ تلمسان في جيشٍ كثيفٍ من الأتراك، فخرج إليه السلطان الغالب بالله فالتقيا بمقربةٍ من وادي اللبن من عمالة فاس، فكانت الدائرة على حَسنٍ، فرجع منهزمًا يطلب صياصيَ الجبال إلى أن بلغ إلى باديس، وكانت يومئذ للترك ورجع الغالب بالله إلى فاس، لكنَّه لم يدخلها لوباءٍ كان بها يومئذ.
حقَّق القائد العثماني الشهير حسن باشا بن بربروسا انتصارًا كبيرًا على النصارى الإسبان في معركة "مستغانم" بالجزائر؛ حيث قُتل في هذه المعركة 12 ألفًا من الإسبان، وتشتهرُ هذه المعركة في التاريخ بأنَّه لم يبقَ فيها جندي إسباني على قيدِ الحياة، حيث تمَّ إفناءُ الجيش الإسباني عن بَكرة أبيه. وكان سببُها أن حاكم وهران دو الكوديت كان يدركُ أنَّ استرجاع العثمانيين لتلمسان يهدِّدُ الوجود الإسباني تهديدًا خطيرًا، فقرَّر الاستيلاءَ على مستغانم التي جعلها العثمانيون قاعدةً لهم للهجومِ على وهران، وكان دو الكوديت يأملُ أن يجعَلَها قاعدةً للهجوم على الجزائر؛ لذلك أعدَّ قوة كبيرة تتكون من اثني عشر ألف مقاتل وخرج على رأسها فهاجم مدينة مستغانم، إلَّا أن محاولته باءت بالفشل، وكان حاكم وهران الكوديت من بين هؤلاء القتلى.
نشبت حرب قونيَّة الميدانية بين السلطان سليمان القانوني وأخيه بايزيد حولَ أمور متعلِّقة بولاية العهدِ في الدولة العثمانية، وقد هُزِمَ بايزيد وهَرَب إلى الدولة الصفويَّة المعادية للعثمانيين، إلَّا أن الصفويين ما لبثوا أن قتلوه بناءً على طلبٍ مِن سليمان القانوني.
انتصر الأسطولُ العثماني بقيادة طرغد باشا على الأسطول الإسباني الصليبي في معركة "جربا" قرب تونس، في واحدة من كبرى المعارك البحرية في التاريخ العالمي في تلك الفترة، وقُتِلَ أكثرُ من ثلثي بحَّارة الأسطول الإسباني، في حين لم يسقُط من العثمانيين سوى ألف.
أمير البحر العثماني طورغوت يستولي على جزيرة جربة بعد معركةٍ جرت قبلها في شهر رمضان من هذا العام، هزمت فيها أساطيل جنوة وفلورنسا وصقلية ومالطة وإسبانيا، وتوغَّل طوغورت بعد ذلك في الداخل، فاستولى على مدُنِ قفصة وصفاقس والموناستير والقيروان وسوسة، وكان الأعرابُ الشابية قد استولوا عليها فحرَّرها منهم وانتقلت إلى الدولة العثمانية.
أحمد بن مصطفى بن خليل المعروف بطاش كبري زاده، من مشاهير الموسوعيين الأتراك وكُتَّاب السِّيَر، ولد في بروصا عام 901هـ ثم انتقل إلى أنقرة ثم إستانبول، قرأ الفقه والنحو والصرف، وتولى قضاءَ حلب، ويعتبَرُ من المصنِّفين في الموسوعات، فكتابه: مفتاح السعادة ومصباح السيادة، يعتبر ذخيرةً للتعريف بكثيرٍ من العلوم، وله كتابٌ في السير هو: الشقائق النعمانية فيه سيرة شيوخ الطرق، وله العقدُ المنظوم في ذكر أفاضل الروم، وله مؤلَّفٌ في البحث والمناظرة، وله نوادر الأخبار في مناقب الأخيار.
هو الأمير بايزيد (بالتركية شاهزاده بايزيد) بن سليمان بن سليم الأول بن بايزيد الثاني بن محمد الفاتح, هو الابنُ الرابع من أبناء سليمان القانوني، والابن الثالث من زوجته الثانية روكسلان. قاد جيشًا متمردًا على الدولة اعتراضًا على ولاية العهد لأخيه سليم الثاني الذي يصغُرُه بسنة ونصف، فهُزم في معركة قونية الميدان سنة 966, فاضطرَّ بايزيد أن يلجأ لإيران عند شاه, ولكن بموجب المعاهدة بين الطرفين قام الشاه طهماسب الصفوي بتسليم بايزيد وأبنائه مقابل مال دُفع له أيضًا، فقام سليمان القانوني بقتل ولده بايزيد وقَتَل معه أبناءَه الخمسة في قزوين, وكان بايزيد يبلُغُ من العمر سبعًا وثلاثين سنة!!