كانت فرنسا توَدُّ أن تدعَمَ محمد علي باشا وأن يحتفِظَ بما أخضعه من مناطِقَ، ولكِنَّ إنجلترا لا تريد ذلك؛ لمنافسة فرنسا على مركزها في مصر، وخوفًا من منافَستِها على طريق الهند، وأما النمسا وبروسيا فتريان في قوة محمد علي خطرًا على أوربا خشيةَ أن يسيطرَ على الدولة العثمانية فيفَكِّرَ في إعادة ما كانت عليه، ولقد تمَّ عقد اتفاقية عام 1256هـ بين إنكلترا وروسيا والنمسا وبروسيا بعد انسحاب فرنسا ومحاولة اتفاقها مباشرةً مع الدولة العثمانية ومحمد علي، وتشجيعه على رفض مطالب إنكلترا، ودعمه إن عارضته إنكلترا، غير أن الاتفاقية قد نصَّت على الآتي: يجب على محمد علي أن يعيد إلى الدولة العثمانية ما أخذه من بلاد الشام، ويحتفظ لنفسِه بالجزء الجنوبي منها، مع عدم دخول عكا في هذه الجزء، يحِقُّ لإنكلترا بالاتفاق مع النمسا محاصرةُ موانئ الشام، ومساعدة كل من أراد من السكان خلع طاعة محمد علي والعودة إلى الدولة العثمانية، (ومعنى هذا: التحريضُ على العصيان)، أن يكون لمراكب روسيا وإنكلترا والنمسا حق الدخول إلى استانبول لحمايتها فيما إذا تعرَّضت لهجوم من قِبَل المصريين، ولا يحِقُّ لأحد أن يدخلها ما دامت غيرَ مهددة بهجوم. يجب أن تُصَدَّق هذه الاتفاقية خلال شهرين في لندن، كما يجب تصديقُها من الخليفة العثماني. ثم عُرِضت الاتفاقية على محمد علي فرفض ذلك، فاجتمع سفراء هذه الدول في استانبول مع الصدر الأعظم، واتخذوا قرارًا بسَلخِ ولاية مصر من محمد علي، وسحبت فرنسا سفُنَها من سواحل مصر والشام تاركةً السفن الإنكليزية بمفردها؛ مما أثار الرأيَ العام الفرنسي على الحكومةِ التي تخَلَّت عن حليفها محمد علي وقتَ أزمته، ثم حصَّنت الموانئ الشامية وخاصةً بيروت وعكا، وجاء إبراهيم باشا من مقَرِّه قرب بعلبك إلى بيروت بناءً على طلب سليمان باشا الفرنساوي، وأنزلت إنكلترا قواتِها شمال بيروت، وبدأت المعارِكُ، وهدمت أكثر المدينة وأحرقت، وكذا بقية الثغور الشامية، وتمكنت القوات الإنكليزية ومن معها من أخذ الموانئ وإجلاء المصريين، وطلب محمد علي من ابنِه إبراهيم الانسحابَ حيث لا يستطيع مقاومةَ الدُّوَل كلها، فانسحب وتعرَّض أثناء ذلك لكثيرٍ من الهجمات عليه من العرَبِ، حتى فقد ثلاثة أرباع جيشِه.
وقعت فلسطينُ تحت الاحتلال الفرنسي في عام 1799م/1214هـ حين توجَّه نابليون بونابرت على رأس جيشٍ فرنسي قوامه 13000 جندي بحملةٍ عسكرية نحو فلسطين, هدفُها احتلال فلسطين والشام وإخضاعها للسيطرة الفرنسية، ومِن ثمَّ القضاء على السلطنة والإمبراطورية العثمانية في اسطنبول, فاحتلَّ العديد من المدن الفلسطينية وارتكب نابليون مجزرةً؛ حيث قتل فيها أكثر من 12000 أسيرٍ عربيٍّ، ثم أصيب جيش نابليون بداءِ الطاعون، ورغم ذلك توجَّه نابليون بجيوشه نحو عكا، ولم يتمكَّنْ مِن فتحِها؛ بسبب صمودِ أهلِها,، وخلال القرن 19 شهدت فلسطين تطوراتٍ مهمَّةً، ومنها حملة محمد علي باشا إلى فلسطين 1831م وقامت في فلسطين ثوراتٌ كثيرة ضِدَّ نظام إبراهيم باشا بسبَبِ نظام الضرائب والتجنيد الإلزامي، غيرَ أن هذه الثورات لم تنجَحْ، وفي عام 1840م عُقِدَ مؤتمر في لندن أقرَّ انسحاب محمد علي من بلاد الشام ومصر.. ثم عادت فلسطينُ إلى أحضان الخلافةِ العثمانية.
أسَّس أحمد باي حاكِمُ تونس مدرسةَ باردو العربية التي تعتبَرُ أول مدرسة عصرية لتخريج الضباطِ والفنيين لجيشه النظامي، وجعل الباي مقرَّ المدرسة في سرايته، وانتقل هو إلى قصرٍ آخر، وجلب لها أساتذةً وضباطًا أوربيين، واستمرت في العمل لمدة 24 عامًا.
استطاع الجيش العثماني الدخولَ إلى مدينة حلب في سوريا، وذلك بعد طردِ الجيش المصري بقيادة إبراهيم باشا من بلاد الشام، وذلك بعد معاهدة لندن في يوليه 1840م، والتي نصَّت على إخلاء والي مصر محمد علي باشا لبلاد الشام، وعودة الدولة العثمانية للسيطرةِ عليها.
شرعت فرنسا وإنجلترا تُثير الفِتَن الطائفية من عام 1256هـ/ 1841م بين الأقليات غير المسلِمة في لبنان، والهَدفُ هو إنهاك قوة الدولةِ العثمانية التي أرسلت قواتٍ لإنهاء الفتنة، وكذلك إيجادُ المبرر للتدخُّل الفرنسي والبريطاني في لبنان؛ تمهيدًا لتمزيقِه واحتلالِه.
ظهر عبدُ الله بن ثنيان بن إبراهيم بن ثنيان بن سعود بن محمد بن مقرن بن مرخان بن إبراهيم بن موسى بن ربيعة بن مانع بن ربيعة المريدي، على مسرحِ الأحداث التاريخية في نجدٍ بعد غزوة البياض التي رافق فيها خالدُ بن سعود ضِدَّ آل شامر من هذه السنة. وكان خالد بن سعود حريصًا على مراقبةِ تحرُّكات عبد الله بن ثنيان؛ لأنه ظَلَّ يشُكُّ في نواياه تجاهه. وعندما قرر خالد بن سعود التوجُّهَ إلى بلدة الشنانة ليودِّعَ خورشيد باشا الذي قرَّر الرحيل إلى مصر بعد معاهدة لندن في 1256هـ، طلب خالد من ابن ثنيان أن يرافِقَه فتعَلَّل ابن ثنيان بالمرضِ، وعندما غادر خالد الرياض انسَلَّ ابن ثنيان وذهب إلى قبائل المنتفق في جنوبي العراق، والتجأ إلى رئيسِها عيسى بن محمد السعدون، وظلَّ هناك عدة أسابيع دارت خلالها مراسلاتٌ بينه وبين خالد بن سعود، وكان من أهَمِّ ما توصل إليه الطرفان أن يعود ابن ثنيان إلى الرياض مكرَّمًا ويُعطى أمانًا. ولما عاد ابن ثنيان إلى الرياض شَكَّ قبل أن يدخُلَها في نوايا خالد بن سعود تجاهَه، فتوجه إلى الجنوب عند قبيلة سبيع، فساعده رئيسُها راشد بن جفران، وأهالي الجنوب في الحوطة والحلوة والحريق وغيرها، ومن هناك أعلن ابنُ ثنيان رفْضَه لحكم خالد بن سعود الذي كان يعمل باسمِ محمد علي باشا فعليًّا وباسمِه هو ظاهريًّا. وظل ابن ثنيان مؤمِنًا بضرورة عودةِ الحكم السعودي رافِضًا التبعيَّةَ السياسية لسيادة محمد علي باشا، وساعده على ذلك أمران؛ الأولُ: تأييد غالبية أهالي نجد له؛ لأنه مُطالِبٌ شرعي بالحكم في غيابِ الإمام فيصل بن تركي، بالإضافةِ إلى تأييد علماء نجد له، والثاني: خروجُ قوات محمد علي باشا من الجزيرة العربية عَقِبَ توقيع معاهدة لندن عام 1256هـ، وهي المعاهدةُ التي نصَّت على أن حكم محمد علي باشا محصورٌ في ولاية مصر العثمانية فقط. فرأى النجديون أن تحرُّكَ ابن ثنيان ضِدَّ خالد بن سعود تجسيد لمبدأ الحكم الرافض للتبعيَّة السياسية للإدارة في مصر، وعدُّوا تحرُّكَه هذا تخليصًا لهم من حكم محمد علي باشا المفروض عليهم بالقوة. وقد أثبتت الحوادثُ التاريخية تدريجيًّا أن مقاومة خالد بن سعود للتيَّار الذي كان يقوده ابن ثنيان كانت مقاومةً واهية، بينما أخذ موقِفُ ابن ثنيان في النمو والتأييد؛ لذا لم يصمد خالد بن سعود وأتباعه في وجهِ ابن ثنيان بعد انسحاب القوات المصرية من نجد، واضطر خالدٌ إلى الانسحاب شرقًا إلى الأحساء ومنها إلى الكويت، ثم توجَّه إلى مكة المكرمة حيث توفِّيَ فيها. تسلَّم ابن ثنيان حُكمَ نجد ومَدَّ نفوذه إلى بلاد أخرى كانت تابعة للدولة السعودية الأولى، وذلك إحياءً لوجودها. لكِنَّ حُكمَه لم يدم طويلًا بعد أن عاد الإمامُ فيصل بن تركي سنة 1259 هـ من منفاه في مصر إلى الرياضِ؛ لأنه كان الإمامَ الشرعيَّ المبايَع. أمسك فيصلُ بن تركي بعبد الله بن ثنيان بعد مقاومةِ الأخير له، فحبسه في السجنِ، وتوفِّيَ فيه، وصلى عليه الإمامُ فيصل، ودُفِنَ في مقابر العود.
بدأت إنكلترا وفرنسا تعملان لإلغاء المعاهدة الدفاعية بين روسيا والدولة العثمانية خونكار اسكله سي، التي تقضي بمرورِ السفن الروسية من المضائقِ العثمانية في الوقتِ الذي تشاء ودون تفتيشِ سُفُنِها، وقد استطاعت الدولتان فرنسا وإنكلترا الاتفاقَ مع الدول الأخرى -بما فيها روسيا- على أن تبقى المضائِقُ مُقفَلةً أمام جميع الدول بلا استثناء، ووُقِّعت المعاهدة التي عُرِفت بمعاهدة المضائق في 23 من جمادى الأولى من هذا العام، والتي نصَّت على أنه لا يجوزُ لأي دولة غير تركيا وروسيا اللتين تملكان سواحل في البحر الأسود- إبقاءُ أي سفينة حربية في هذا البحر، وقد أبطلت هذه المعاهدةُ بشَكلٍ كامل معاهدةَ "اتفاقية رصيف هنكار".
حدثت معركةُ بقعاء بين زعماء القصيم وجبل شمر، وملخَّصُها أن غازي ضبيان رئيسُ الدهامشة من عنزة أغار على ابن طوالة من شمر، فأخذ منهم إبلًا وأغنامًا لأهل حائل، فأغار عبد الله بن علي بن رشيد رئيس الجبل على غازي فأخذ منهم إبلًا كثيرةً، فغضب لهم أميرُ بريدة؛ لأن غازيًا من أهل القصيم، فنادى أمير بريدة في حرب ابن رشيد، وكان أهل القصيم قد اتَّفَقوا فيما بينهم لمحاربة كلِّ من يقصدهم بعداوة مهما كانوا، وأجمعوا على حرب ابن رشيد، وكان معهم حلفاءُ وأتباعٌ، فأغاروا على شمر فأخذوا منهم أموالًا كثيرة من الإبل والغنم والأثاث، فأشار يحيى بن سليم أمير عنيزة لعبد العزيز أمير بريدة: دعنا نرجع؛ فهذا العز والنصر كفاية، فأقسم ألَّا يرجِعَ، فتجهز يحيى بن سليم بجنودٍ كثيرة من أهل عنيزة وأتباعهم وتجهَّز عبد العزيز أمير بريدة بأهلِ بريدة وجميـع بلدان القصيم واجتمعوا على موضعِ ماء يسمى (بقعاء) ليقاتِلَ ابن الرشيد في بلده حائل، فساروا إلى الجبل ونزلوا بقعاء المعروفة في جبل شمر، فخرج إليهم أهلها فأمسكوهم عندهم، ونزلت عُربان عنزة على ساعد -الماء المعروف عند بقعاء- فلما علم بذلك عبد الله بن رشيد أمر أخاه عبيد العلي وفرسانًا معه أن يُغيروا على عربان عنزة، فشَنُّوا عليهم الغارة قبل الفجر فحصل قتالٌ عظيم بينهم، مرة يهزِمُهم العربان، ومرة يهزمهم عبيد وأتباعه هذا، ويحيى وعبد العزيز في شوكة أهل القصيم ينتظرون الغارةَ في بقعاء إلى طلوع الشمس، فلما لم يأتهم أحدٌ والقتال راكد على أصحابهم، فزع يحيى بن سليم بالخفيف من الرجالِ وأهل الشجاعة على أرجُلِهم، فلما وصلوا فإذا عبد الله بن رشيد ومعه باقي جنوده قد ورد عليهم مع أخيه عبيد، فانهزم عربان القصيم لا يلتَفِتُ أحد على أحد، وتبعتهم خيول شمر يأخذون من الإبل والأغنام، وتركوا يحيى بن سليم ومن معه في مكانِهم لا ماء معهم ولا رِكابَ، فلما رأى عبد العزيز ومن معه ذلك انهزموا وركبوا ركائبَ يحيى ومن معه وتركوهم، ثم وقع القتال بين يحيى وابن رشيد ثم أُسِرَ في نهايتها يحيى بن سليم وقُتِل. وقد قُتِلَ في هذه المعركة كثيرٌ من رؤساء أهل القصيم ووجهائهم وتجَّارهم، وغَنِمَ فيها ابن رشيد كثيرًا من المال والسلاح.
بادرت القواتُ الدرزية بزعامة أولاد بشير جنبلاط إلى محاصرة "دير القمر"؛ إيذانًا ببدء الحرب الأهلية الأولى. وعلى الرغم من استعداداتِ الموارنة وادِّعاءاتهم بما سيفعلونه بالدروز عندما تقع الحرب، تحوَّل القتال إلى كارثة مروِّعة نزلت بالموارنة في دير القمر؛ إذ دبَّت فيهم الفوضى، فأصبحوا أهدافًا سهلة للقوات الدرزية. وما إن سمع البطريرك بما حدث لدير القمر، حتى أغلق الكنائس، وطلب من كلِّ نصراني أن يحمِلَ السلاح. وهاجمت القواتُ المارونية بعضَ المواقع الدرزية المتفَرِّقة؛ لينتشر لهيبُ الحرب الأهلية بسرعة في البلاد. وتبادل الطرفانِ إحراق القرى وسلْب الأموال، والتمثيل بالأسرى والقتلى. ولكِنَّ كِفَّة الدروز كانت هي الراجحةَ؛ فبعد أن سيطروا على المناطق المارونية في الجنوب شرعوا يدقُّون أبواب النصف الشمالي الماروني عبْرَ نهر الكلب. وخلال هذه الحرب الأهلية وقف الأرثوذكس إلى جانب الدروز؛ لاعتقادهم أن تفوُّقَ الموارنة سيعَرِّضُهم لاضطهاد ماروني، حملًا لهم على ترْك عقيدتِهم. وحينما اشتَدَّ الضغط الدرزي على الموارنة وثبت لهؤلاء أن الحرب تسير في مصلحة خصومهم، وأن الجبهة المارونية هشة مفكَّكة؛ إذ كان رجال الدين الموارنة في جانب، والإقطاعيون في جانب آخر، فضلًا عن تعدد الخلافات بين الزعامات المارونية- سارَعَ الموارنةُ حينها إلى السلطاتِ العثمانية، والقناصل الأوروبيين -خاصة القنصل الفرنسي. وأسفرت الحربُ عن موافقة البطريرك الماروني على إبعادِ الأمير بشير الشهابي الصغير الدرزي عن الحُكم، على أن يحلَّ محلَّه الأميرُ بشير الشهابي الكبير؛ الأمر الذي ترك انطباعًا سيئًا لدى القنصل الإنجليزي عن رجالِ الدين الموارنة.
دعمت فرنسا الموارنةَ في لبنان على حين دعَمَت إنكلترا الدروز، فاعتدى الدروزُ على الموارنة في عام 1257هـ ودخلوا ديرَ القمر وارتكبوا أبشَعَ الأعمال، وكرَّروا الاعتداء عام 1261هـ، فعزل الخليفةُ العثماني الأميرَ بشير الشهابي ووضع واليًا عثمانيًّا مكانه، وحَرَم الجبل مما كان له من امتيازات، ولم تقبل الدولُ الأوربية بذلك فاضطرَّ أن يعيد للجبل امتيازاتِه، وأن يعيِّنَ قائمينِ درزي وآخر ماروني، وذلك في عام 1258هـ، ولكن الأمر لم يستقِمْ لاختلاط الطوائِفِ في القرى، فرأى الخليفة ضمَّ شمال الجبل -أي منطقة الموارنة- إلى ولاية طرابلس، فاحتَجَّ الموارنة فأرسل من يدرس الموضوعَ ويقَدِّمُ الحلول، فلم يفد ذلك شيئًا، وأصر الدروز أن يبقى الموارنة تحت سلطانِهم، وفَضَّل الموارنة بعدئذ أن يتَّبِعوا ولاية أخرى من أن يكونوا تحت سلطانِ الدروز، فاستحسن الخليفةُ الرأيَ.
كان الأميرُ ميترينخ وزيرُ خارجية ومستشار النمسا، صاحِبَ مشروعٍ مبنيٍّ على الواقِعِ الموجود في لبنان، وقِوامُه الاعترافُ بالحقيقة الطائفية في هذا البلد، إذا أريد التوصُّلُ إلى نظامِ حُكمٍ يكون مقبولًا من الطرفين المتنازعَين: الموارنة والدروز، على أن يكون ذلك في إطارٍ مِن الاعتراف بالسيادة العثمانية. فدعا المستشارُ النمساوي إلى تقسيم الجبل، بإنشاء وحدتَين إداريتَين؛ إحداهما درزية في نصفه الجنوبي، ويحكُمُها حاكم درزي. والثانية مارونية تحت حاكم ماروني في النصف الشمالي من الجبل. وقد حصل هذا المشروعُ على موافقة الدول الكبرى، وعُدَّ ذلك نصرًا كبيرًا للدبلوماسية الأوروبيَّةِ على البابِ العالي.
بعث عبد الله بن ثنيان قوةً بقيادة عبد الله بن بتال المطيري لاحتلال الأحساء، فاستولى عليها، ثم عيَّن عمر بن عفيصان أميرًا على الأحساء وكلَّفه بالسير إلى القطيف فأخضعها، وهدَمَ سور سيهات، وقبض على أميرها ابن عبد الرحيم، كما أشخص أميرَ القطيف علي بن غانم إلى نجد لمقابلة ابن ثنيان، فوجَّه إليه تهمة الخيانة العظمى بالتواطؤِ مع آل خليفة، فسجنه وصادر أموالَه وأملاكه، ثم عيَّنَ أحمد السديري أميرًا على القطيف، وكتب إلى ابن عفيصان بالرجوعِ إلى الأحساء، كما بعث قوةً إلى ميناء العقير، فاستخلصه من أيدي آلِ خليفة، وكان أهل الأحساء قد رحَّبوا بحكم ابن ثنيان في البدايةِ إلَّا أنهم سخطوا عليه أخيرًا بسبب أعمالِه في القطيف.
في ليلةِ عشرين من رمضان أنزل اللهُ من الغيث العظيم على نجدٍ، فسالت منه الوديان، وضاقت من جَورِ سَيلِه الشعبان، وعمَّ جميع الأوطان والبلدان حتى أشفقوا من الغرق، فتضَرَّعوا إلى الله خوفًا من الغرق، فكان هذا السيلُ رحمة من الله للعباد والبلدان، وإنقاذًا من بعد السنين الشداد، فجرى به كلُّ وادٍ، وكان قد مضى على وادي سدير نحو أربع عشرة سنة ما عَمَّ بلدانَه سَيلُه، وغارت آبارُه وهلك كثيرٌ من نخله، فأخذ وادي منيخ أكثَرَ من خمسة أيام وجرت الأودية كلُّها بسيلٍ لم يُعرَفْ مِثلُه منذ أعوام، ونزل على الوشم مسيلٌ عظيم لم يُعرَف له نظير منذ ثلاثين سنة، حتى قيل: إن وادي بلد القرابين شال صخرةً عظيمة في مجراه ولا يدري أحد أين رماها، وجرى وادي حنيفة وخرب العامِرَ وخرب السيل في الفرع والخرج والجنوب، وجعل كلَّ عامرٍ
دامرًا، وعم الضِّرابَ والآكامَ، وابتهج به جميعُ الأنام، وهذه المنة الجسيمة كلها في هذه الليلة العظيمة، وذلك في الوسمي لسبعٍ مضين من حلول الشمس برج العقرب، وكان الناس في غاية الضعفِ مِن قلة البَذرِ وقِلَّة العوامل والرجال بعد سنين القحط، والوقت الشديد والجَدب المبيد، وغَور الآبار، وموت النخيل والأشجار، حتى جلا أهلُ البلدان ولم يبقَ في كُلِّ بلد إلا عُشرُ أهلِها، وتتابعت المصائب عليها، وتشتَّت شَملُها وتفَرَّقوا في الأقطارِ، وأكثَرُهم جَلَوا إلى البصرة وما حولها من الديار، ودام هذا الوقتُ كلَّ سنة بزيادةِ شِدَّةٍ إلى أن مضت تسعُ سنين، فأنزل الله لهم هذه السنة هذا السيلَ العظيم البركة، فكانوا على أوفَقِ التيسير في البَذرِ والعوامل والمحترفين، وسخَّر الله الغنيَّ للفقير، والمستأجِرَ للأجير، والمُعير للمستعير، حتى لم يحتَجْ حاجةً أحدٌ تلجِئُه إلى ترك الزرع، فضاقت كلُّ بلد بزروع أهلها، وزرعوا وَعْرَها وسهلها، وأعشبت الأرض من أوانها، وأربعت المواشي في وسط بلدانها وتزخرفت.
بدأت الدَّعوة السنوسية في الجزائر على يدِ مؤسِّسِها محمد بن علي المعروف بالسنوسي الكبير، وبدأت هذه الدعوةُ تنتشِرُ داخِلَ أفريقيا من الصومال إلى السنغال وعلى طول الطريق إلى تشاد، وفي المغرب، وكانت أكثر المناطق التي انتشرت فيها بقوة هي ليبيا، وخاصةً منطقة الجبل الأخضر؛ حيث كان فيها أكثر من 300 زاوية سنوسية تعيشُ على الزراعة، وهم أوَّلُ من قاوم المحتلين الإيطاليين في ليبيا، وكان من أبرَزِ رجال هذه الدعوة عمر المختار، المعروف في الجبل الأخضر، كما انتشرت في برقةَ.
استعمرت فرنسا جُزُرَ القمر الكبرى وأنجوان ومايوت وموهيلي، ما بين عامي 1843 و1920م، وقد وضعَتْها فرنسا تحت إدارةِ الحاكم العام في مدغشقر. وفي سنوات لاحقةٍ أقام فيها المقيمون الفرنسيون والشركاتُ الفرنسية وبعضُ التجار العرب الأغنياء اقتصادًا زراعيًّا يعتَمِدُ على المزارع التي كانت تصدِّرُ ثلث الإنتاج. وفي سنة 1947م أصبحت جزرُ القمر واحدةً من الأقاليم الفرنسية فيما وراء البحار، وأعطيت تمثيلًا في البرلمان الفرنسي. وقيل: عُرِفَت جزر القمر دوليًّا لأول مرة عندما ظهرت على خريطةِ العالم التي رسَمَها الرحالة البرتغالي ديوجو ريبير عام 934هـ 1527م، ورغم سيطرةِ النفوذ الإسلامي والعربي على الجزرِ، فإنَّ الاضطرابات كانت تسودها، واستطاعت فرنسا أن تفرِضَ سيطرتها على جزيرة مايوت هذا العام، وقام وفدٌ من سكان جزيرة أنجوان بمقابلةِ قائد القوات المصرية في شرق إفريقيا رضوان باشا في 1292هـ 1875م، وطلبوا منه دخولَ الجزيرة تحت الحمايةِ المصرية، إلَّا أن الحكومة المصرية كانت مشغولةً بتدعيم سيطرتها على مناطِقَ أخرى أكثَرَ مِن اهتمامِها بتلك الجزر الصغيرة؛ لذلك لم تعطَ هذه الدعوةُ أيَّ اهتمام، فوقَّع حكام أنجوان معاهدة مع الإنجليز سنة 1300هـ 1882م نصَّت على إلغاء تجارة الرقيق في الجزيرة، فثار تجَّارُ الرقيق على هذه المعاهدة، واندلعت حروب أهلية، فطلب حكامُ الجزيرة فَرْضَ الحماية الفرنسية عليهم، ووقِّعَت معاهدة بذلك في 1304هـ 1887م، أما جزيرة موهيلي فاحتلتها فرنسا سنة 1303هـ 1886م. ورغم وجودِ أغلبية مسلمة في الجُزُر الأربع فإنَّهم لم يكن لهم دور فعَّالٌ في مقاومة النفوذ الفرنسي، كما لم يحاولوا تنظيم أنفسهم، وانشغلوا بالحروبِ الأهلية فيما بينهم. وصدر قرارٌ فرنسي سنة 1330هـ 1912م أصبحت بموجِبِه هذه الجزر مستعمرةً فرنسية، وأُلحِقَت بمدغشقر، وبَقِيَت تتبعها عامين، ثم انفصلت وأصبحت مستعمَرةً مستقلةً حتى الحرب العالمية الثانية. وفَرَضَت بريطانيا سيطرتَها على الجزر أثناء الحربِ بعد هزيمة فرنسا أمام ألمانيا، واتخذتها قاعدةً لسفنها الحربية في المحيط الهندي، ثم عادت هذه الجزرُ إلى فرنسا بعد انتهاء الحرب.
بعد أن استقَرَّ الإمام فيصل بن تركي في الرياض وبايعه رؤساءُ القبائل وأمراء بلدان نجد، تطلع إلى الخليج، وبدأ باستعادة قَصرِ الدمام من آل خليفة حُكَّام البحرين، وجعل فيه قوةً سعودية، وحاول أكثَرَ مِن مرة ضَمَّ البحرين ولكِنَّه لم يتمكَّنْ من ذلك؛ بسبب التدخُّلات البريطانية التي كانت تخشى على مصالحِها ونفوذها، فعَمَدت إلى ضرب ساحل الأحساء، وانتهى الأمرُ بأن توسط سعيد بن سحنون حاكِمُ أبو ظبي بين الطرفين، على أساس أن تقوم البحرين بدفعِ الزكاة للدولة السعودية سنويًّا.
هو عيسى بن محمد السعدون رئيس المنتفق، احترق في منزلِه، وسببُ ذلك أنَّ بيوتَهم التي يأوون إليها من قَصَبٍ يتَّخِذونها في وقت القيظ على شاطئ الفرات، فاتَّفق في ليلة نام مع أهله، ونسيت الخادِمُ الفنر أن تطفِئَه وتركته معلقًا على القصب المحكَم شَدُّه كالجدار، فعَلقَت النارُ فيه فاضطرمت في البيتِ وهو في نومِه مع أهله على سريره، فما استيقظ إلا وقد شملت النار جميعَ البيت وليس له مَهربٌ، وعليه بابٌ مُحكَمٌ، فهرب إلى أسفل البيت بين صناديقَ رجاءَ أن ينجو أو يأتيَه من يخرجه، فلما ظهرت النارُ في البيت واجتمع الناسُ لها، فلما أطفؤوها بالماء، وجدوه قد احترق إلى مجمعِ فخذيه، فأخذوا باقيَه ودفنوه، واذا بزوجته نائمةٌ على سريرها قد احترق جانبُها الأعلى، وكانت سيرتُه فيما ظهر غيرَ ما كان عليه أسلافُه من محبة أهل السنة والجماعة وكراهة الرافضةِ وغيرهم من أهل البِدَع، بل كان يُكرِمُ الرافضةَ ويحتَرِمُهم ويُدنيهم، وهو في الظاهِرِ على طريقة أهلِه وعشيرتِه فيما يَدَّعي.