الموسوعة التاريخية


العام الهجري : 344 العام الميلادي : 955
تفاصيل الحدث:

شَمِلَ النَّاسَ ببغداد وواسط وأصبهان والأهواز داءٌ مُرَكَّبٌ مِن دمٍ وصفراء ووباء، مات بسبب ذلك خلقٌ كثير، بحيث كان يموتُ في كلِّ يومٍ قَريبٌ مِن ألف نفسٍ، وجاء فيها جرادٌ عظيمٌ أكل الخَضروات والأشجار والثِّمار، ووقع بالريِّ وباءٌ كثيرٌ مات فيه من الخَلقِ ما لا يُحصى، وكان فيمن مات أبو عليِّ بنُ محتاج صاحِبُ جيوش خراسان، ومات معه ولَدُه.

العام الهجري : 344 العام الميلادي : 955
تفاصيل الحدث:

خرج بأذربيجان رجلٌ ادَّعى حُرمةَ اللُّحومِ وما يخرُجُ مِن الحيوان، وأنَّه يعلَمُ الغَيبَ، فأضافه رجلٌ وأطعَمَه كشكيَّةً بشَحمٍ، فلمَّا أكَلَها قال له: ألستَ تُحَرِّمُ اللحم، وما يخرجُ مِن الحيوان، وأنَّك تعلمُ الغيبَ؟ قال: بلى! قال: فهذه الكشكيَّة بشَحمٍ، ولو عِلمْتَ الغيبَ لَمَا خَفِيَ عليك ذلك، فأعرض النَّاسُ عنه.

العام الهجري : 344 العام الميلادي : 955
تفاصيل الحدث:

أنشأ عبدُ الرَّحمنِ النَّاصِرُ صاحِبُ الأندلس مركبًا كبيرًا لم يُعمَلْ مِثلُه، وسيَّرَ فيه أمتعةً إلى بلادِ الشرق، فلقِيَ في البَحرِ مَركبًا فيه رسولٌ مِن صقليَّةَ إلى المُعِزِّ، فقطع عليه أهلُ المركب الأندلسيُّ، وأخذوا ما فيه، وأخذوا الكتُبَ التي إلى المعِزِّ، فبلغ ذلك المعِزَّ، فعمَّرَ أسطولًا واستعمل عليه الحسَنَ بنَ علي صاحِبَ صقليَّة، وسيَّرَه إلى الأندلس، فوصلوا إلى المرية، فدخلوا المرسى، وأحرقوا جميعَ ما فيه من المراكِبِ، وأخذوا ذلك المركبَ، وكان قد عاد من الإسكندريَّة، وفيه أمتعةٌ لعبد الرحمن، وجوارٍ مغَنِّياتٍ، وصعِدَ مَن في الأسطول إلى البَرِّ فقَتَلوا ونهبوا ورجعوا سالِمينَ إلى المهديَّة. ولَمَّا سَمِعَ عبد الرحمن الناصِرُ سَيَّرَ أسطولًا إلى بعضِ بلاد إفريقية، فنزلوا ونهبوا، فقَصَدتْهم عساكِرُ المعِزِّ فعادوا إلى مراكِبِهم، ورجعوا إلى الأندلس، وقد قَتَلوا وقُتِلَ منهم خلقٌ كثيرٌ.

العام الهجري : 344 العام الميلادي : 955
تفاصيل الحدث:

أمَرَ النَّاصِرُ بالأندلسِ بإطلاقِ اللَّعنِ على ملوكِ الشِّيعةِ بجميعِ منابرِ الأندلسِ، وإنفاذِ كُتُبِه بذلك إلى العُمَّالِ بسائر الأقطار.

العام الهجري : 345 العام الميلادي : 956
تفاصيل الحدث:

عَصِيَ روزبهان الديلميُّ على معِزِّ الدولة وانحاز إلى الأهوازِ ولَحِقَ به عامَّةُ من كان مع المهلبي وزيرِ مُعِزِّ الدولة الذي كان يحارِبُه، فلمَّا بلغ ذلك مُعِزَّ الدولةِ لم يصَدِّقْه؛ لأنَّه كان قد أحسن إليه ورفع مِن قَدْرِه بعد الضَّعةِ والخمول، ثم تبيَّنَ له أنَّ ذلك حَقٌّ، فخرج لقتالِه وتَبِعَه الخليفةُ المطيع لله خوفًا مِن ناصرِ الدَّولةِ بنِ حمدان؛ فإنَّه قد بلغه أنَّه جهَّزَ جَيشًا مع ولدِه أبي المرجا جابر إلى بغداد ليأخُذَها، فأرسل معِزُّ الدولة حاجِبَه سبكتكين إلى بغداد، وصمَدَ مُعِزُّ الدولة إلى الروزبهان فاقتتلوا قتالًا شديدًا، وهزمه معِزُّ الدولة وفَرَّق أصحابَه وأخذه أسيرًا إلى بغداد فسَجَنه، ثم أخرجه ليلًا وأغرَقَه؛ لأنَّ الديلمَ أرادوا إخراجَه من السجن قهرًا، وانطوى ذِكرُ روزبهان وإخوتِه، وكان قد اشتعل اشتعالَ النَّارِ، وحَظِيَت الأتراكُ عند معِزِّ الدولة وانحطَّت رتبةُ الديلم عنده؛ لأنَّه ظهر له خيانتُهم في أمر الروزبهان وإخوتِه.

العام الهجري : 345 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 956
تفاصيل الحدث:

سار سَيفُ الدولة بن حمدان في جيوشٍ إلى بلاد الروم وغزاها، حتى بلغ خرشنة، وصارخة، وفتح عِدَّةَ حُصونٍ وسَبى وأسر، وأحرقَ وخرَّب، وأكثَرَ القتلَ فيهم، ورجع إلى أذنة فأقام بها حتى جاءه رئيسُ طرسوس، فخلع عليه وأعطاه شيئًا كثيرًا، وعاد إلى حَلَب، فلمَّا سَمِعَ الروم بما فعل جمعوا وساروا إلى ميافارقين، وأحرقوا سوادَها ونهبوه، وخربوا وسَبَوا أهلَها، ونهبوا أموالهم وعادوا، وفي جمادى الآخرة سار الرومُ في البحر، فأوقعوا بأهلِ طرسوس، وقتلوا منهم ألفًا وثمانِمائة رجل، وأحرقوا القُرى التي حولها.

العام الهجري : 346 الشهر القمري : رمضان العام الميلادي : 957
تفاصيل الحدث:

هو المرزبان بن محمَّد بن مسافر بن السلار، وهو صاحِبُ أذربيجان، كان قد تآمرَ مع أخيه وهسوذان على والديهما، واستولَيا على بعضِ قلاعه، وكان السببُ سوءَ معامَلتِه معهما ومع غيرِهما، ثم إنَّهما قبضا على أبيهما محمَّدِ بنِ مسافر، وأخذا أموالَه وذخائِرَه، وبَقِيَ في حصنٍ آخَرَ وحيدًا فريدًا بغيرِ مالٍ ولا عُدَّة. وقع المرزبان في الأسرِ عند ركن الدولةِ البويهي, فحبَسَه في قلعة سميرم، فاحتال حتى فكَّ قَيدَه. كانت وفاتُه بفساد المزاج، فلمَّا يَئِسَ مِن نَفسِه أوصى إلى أخيه وهسوذان بالمُلك، وبعده لابنِه جستان بن المرزبان.

العام الهجري : 347 العام الميلادي : 958
تفاصيل الحدث:

رَكِبَ مُعِزُّ الدولة إلى المَوصِل فأخذها من يد ناصِرِ الدَّولةِ؛ وذلك أن الأخيرَ امتنَعَ مِن أداء الخَراجِ الذي تعهَّدَ به لقاءَ إمارتِه المَوصِلَ، ثم هرب ناصِرُ الدولة إلى نصيبينَ، ثم إلى ميافارقين، فلَحِقَه مُعِزُّ الدولة فصار إلى حَلَب عند أخيه سيفِ الدولة، ثم أرسل سيفُ الدولة إلى معِزِّ الدولة في المصالحةِ بينه وبين أخيه، فوقع الصُّلحُ على أن يحمِلَ ناصر الدولةِ في كلِّ سنةٍ ألفي ألف وتسعمائة ألف، ورجع مُعِزُّ الدولة إلى بغدادَ بعد انعقاد الصُّلحِ.

العام الهجري : 347 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 958
تفاصيل الحدث:

هو أبو مُحمَّد عبد الله بن جعفر بن دُرُسْتوَيه بن المرزبان أبو محمَّد الفارسي الفسوي النحوي. ولد سنة 258، بفَسا ثم انتقلَ في صباه إلى بغداد, واستوطنها, وبرع في العربية، وصنَّف التصانيفَ, ورُزِقَ الإسنادَ العاليَ, وكان ثِقةً. كان أبوه من كبارِ المحَدِّثين وأعيانِهم. ودُرُسْتُويه: بضم الدال والراء وسكون السين، وضم التاء، وقيل: بفتح الدال والراء والواو، كان عالِمًا فاضلًا أخذ فَنَّ الأدب عن عبَّاسِ الدوريِّ وابنِ قتيبة والمبَرِّد، وأخذ عنه جماعةٌ من الأفاضِلِ كالدارقطني وغيرِه مِن الحُفَّاظ، وأثنى عليه غيرُ واحدٍ، منهم أبو عبد الله بن مَنْدَه. وذكَرَ له ابنُ خَلِّكانَ مُصَنَّفاتٍ كثيرةً مُفيدةً فيما يتعَلَّقُ باللغةِ والنحو وغيرِهما.

العام الهجري : 347 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 958
تفاصيل الحدث:

عظُمَ أمرُ أبي الحسَنِ جوهَرِ الصِقليِّ عند المعِزِّ بإفريقيَّة، وعلا محَلُّه، وصار في رُتبة الوزارة، فسَيَّرَه المعِزُّ في صفر في جيشٍ كثيفٍ، فيهم زيري بن مناد الصنهاجي وغيره، وأمره بالمسير إلى أقاصي المغربِ، فسار إلى تاهرت، ومدينة أفكان، دخَلَها بالسيف، ونهبها، ونهب قصور يعلى، وأخذ ولده، وكان صبيًّا، وأمر بهدم أفكان وإحراقِها بالنار، ثم سار منها إلى فاس، وبها صاحِبُها أحمد بن بكر، فأغلق أبوابَها، فنازلها جوهرٌ وقاتَلَها مُدَّةً، فلم يَقدِرْ عليها، وأتته هدايا الأُمَراء الفاطميِّينَ بأقاصي السوس، وأشار على جوهرٍ وأصحابِه بالرَّحيلِ إلى سجلماسة، وكان صاحِبُها محمَّدُ بن واسول قد تلقَّبَ بالشَّاكر لله، ويُخاطَبُ بأمير المؤمنين، وضَرَب السِّكَّة باسمه، وهو على ذلك سِتَّ عشرة سنة، فلما سَمِعَ بجوهر هرب، ثم أراد الرجوعَ إلى سجلماسة، فلَقِيَه أقوام، فأخذوه أسيرًا، وحَمَلوه إلى جوهر وسلك تلك البلادَ جَميعَها فافتتحها وعاد إلى فاس، فقاتلها مدَّةً طويلة، حتى كان فتحُها في رمضان سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة.

العام الهجري : 348 العام الميلادي : 959
تفاصيل الحدث:

خرج مُحمَّدُ بنُ ناصر الدولة بن حمدان في سَريَّةٍ نحوَ بلاد الروم، وكانت الرومُ قد وصلوا إلى الرَّها وحرَّان فأسروا أبا الهيثمِ ابنَ القاضي أبي الحُصَين وسَبَوا وقتلوا، وفي هذه السنة مات مَلِكُ الروم وطاغيتُهم الأكبر بالقُسطنطينية، وأقعَدَ ابنَه مكانَه، ثم قُتِلَ ونُصِبَ في الملك غيرُه، وفي هذه السَّنَة وصلت الرومُ إلى طرسوس فقتلوا جماعةً وفَتَحوا حِصنَ الهارونية وخَرَّبوا الحِصنَ المذكورَ وقَتَلوا أهلَه، ثم كَرَّت الرومُ إلى ديار بكر ووصَلوا ميافارقين، فعَمِلَ في ذلك الخَطيبُ عبد الرحيم بن نباتة الخُطَبَ الجهاديَّة؛ لتحميس الناسِ على الجهادِ ضِدَّ الرُّومِ.

العام الهجري : 349 العام الميلادي : 960
تفاصيل الحدث:

هو أنوجور بنُ الإخشيدِ مُحمَّد، تولَّى إمرةَ مِصرَ صَغيرًا، فكان الذي يتحَكَّمُ بالأمور كُلِّها كافور، ولَمَّا كَبِرَ أنوجور حصَلَت بينه وبين كافور وَحشةٌ؛ بسبب استبدادِ كافور بالحُكم والاسمُ لأنوجور، ولكِنْ لم يلبث أن توفِّيَ أنوجور في آخِرِ هذه السنة وحُمِلَ إلى القدس ودُفِنَ بجوار والده، بعد أن كانت مُدَّة ولايته أربع عشرة سنة، فخَلَّفَه أخوه عليٌّ الإخشيدي وأقَرَّه الخليفةُ على ذلك، ولكِنْ بقي كافور هو المستبِدَّ بالحُكمِ.

العام الهجري : 350 العام الميلادي : 961
تفاصيل الحدث:

أخذ مَلِكُ الرومِ رومانوس بن قُسطَنطين من المسلمين جزيرةَ أقريطش (كريت) من بلادِ المغرب، وكان الذي افتتح أقريطشَ عُمَرَ بنَ شُعَيبٍ، غزاها وافتتحها في حدودِ سنةِ ثلاثين ومائتين، وصارت في يدِ أولادِه إلى هذا الوقتِ.

العام الهجري : 350 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 961
تفاصيل الحدث:

مَرِضَ مُعزُّ الدولة بن بُوَيه بانحصارِ البَولِ، فقَلِقَ من ذلك وجمَعَ بين صاحبه سبكتكين ووزيره الحسَن المهلبي، وأصلح بينهما ووصَّاهما بوَلَدِه بختيار خيرًا، ثم عوفيَ مِن ذلك فعزم على الرَّحيلِ إلى الأهواز لاعتقادِه أنَّ ما أصابه مِن هذه العِلَّة بسبَبِ هواءِ بغداد ومائِها، فأشاروا عليه بالمُقام بها، وأن يبني بها دارًا في أعلاها حيث الهواءُ أرَقُّ والماءُ أصفى، فبَنى له دارًا غرِمَ عليه ثلاثة عشر ألف ألف درهم، فاحتاج لذلك أن يصادِرَ بعضَ أصحابِه، ويقال أنفقَ عليها ألفي ألف دينار. قال ابن كثير: " ومات وهو يبني فيها ولم يَسكُنْها، وقد خَرَّبَ أشياءَ كثيرةً مِن معالم الخُلَفاءِ ببغداد في بنائها، وكان ممَّا خَرَّب المعشوق من سُرُّ مَن رأى، وقَلَعَ الأبواب الحديد التي على مدينة المنصورِ والرَّصافة وقصورها، وحَوَّلها إلى داره هذه لا تمَّتْ فَرحتُه بها، فإنَّه كان رافضيًّا خبيثًا "

العام الهجري : 350 الشهر القمري : رمضان العام الميلادي : 961
تفاصيل الحدث:

هو أميرُ المؤمنين، الناصِرُ لدينِ الله، أبو المطرِّف عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن الحكم بن هشام بن الداخل عبد الرحمن، كان أبوه محمَّدٌ وَلِي عَهْد والده عبد الله بن محمد، فقَتَله أخوه أبو القاسِمِ المطرِّف، فقَتَله أبوهما به. ولَمَّا قُتِلَ محمد، كان لابنِه عبد الرحمن عشرونَ يومًا. ووليَ الخلافةَ بعد جَدِّه عبد الله. قال ابن حزم: "كانت خلافتُه من المُستطرَف؛ لأنَّه كان شابًّا، وبالحَضرةِ جماعةٌ مِن أعمامه، وأعمامِ أبيه، فلم يعتَرِضْ معترِضٌ عليه. واستمَرَّ له الأمر وكان شهمًا صارِمًا ". نظر أهلُ الحَلِّ والعقدِ مَن يقومُ بأمرِ الإسلام، فما وجدوا في شبابِ بني أميَّةَ مَن يَصلُحُ للأمرِ إلَّا عبدُالرحمن بن محمد، فبايعوه، وطلب منهم المالَ فلم يَجِدْه، وطلب العُدَدَ فلم يجِدْها، فلم يزَل السَّعدُ يخدُمُه إلى أن سار بنَفسِه لابن حفصون، فوجده مجتازًا لوادي التُّفاح، ومعه أكثَرُ من عشرين ألف فارس, فهزمه وأفلت ابنُ حفصون في نفرٍ يسيرٍ، فتحصَّنَ بحِصن مبشر. ولم يزل عبدُ الرحمن يغزو حتى أقام العَوَج، ومهَّدَ البلاد، ووضع العدلَ، وكثُرَ الأمنُ، ثم بعث جيشًا إلى المغرب، فغزا سجلماسة، وجميعَ بلاد القبلة، وقتَلَ ابنَ حفصون. ولم تزَلْ كلمته نافذةً, وصارت الأندلسُ أقوى ما كانت وأحسَنَها حالًا، وصَفا وجهُه للروم، وشَنَّ الغاراتِ على العدُوِّ، وغزا بنَفسِه بلادَ الروم اثنتي عشرة غزوةً، ودوخَّهم، ووضع عليهم الخَراجَ، ودانت له ملوكُها، فكان فيما شرط عليهم اثنا عشر ألف رجلٍ يصنعون في بناء الزهراءِ التي أقامها لسُكناه على فرسخ من قُرطُبة. كلُّ مَن تقدَّمَ مِن آباءِ عبد الرحمن لم يتسَمَّ أحَدٌ منهم بإمرةِ المؤمنين، وإنما كانوا يُخاطَبونَ بالإمارة فقط، وفعل مِثلَهم عبدُ الرحمن إلى السَّنَةِ السابعة والعشرين مِن ولايته، وكان قد تلقَّبَ بأمير المؤمنين لما رأى مِن ضَعفِ الخلافةِ في بغداد, وظهورِ الشِّيعةِ العُبَيدية بالقيروان وادِّعائِهم لقبَ الخلافة، وما آلت إليه البلادُ مِن التفرُّقِ والتشَتُّت، فرأى أنَّه أحَقُّ بإمرةِ المؤمنين فتسمَّى بأمير المؤمنين وخليفةِ المُسلِمين سنة 316، ولم يزَلْ منذ وليَ الأندلسَ يستنزِلُ المتغلِّبينَ حتى صارت المملكةُ كُلُّها في طاعته، وأكثَرُ بلادِ العدوة، وأخاف ملوكَ الطوائف حوله. قال عبدُ الواحد المراكشي: " اتَّسَعت مملكة الناصر، وحَكَم على أقطار الأندلس، ومَلَك طنجةَ وسبتة وغيرَهما من بلاد العدوة، وكانت أيامُه كلُّها حروبًا, وعاش المسلمون في آثارِه الحميدة آمنينَ ". وقد ابتدأ الناصِرُ ببناء مدينة الزهراء في أوَّلِ سنة خمس وعشرين وثلاثمائة، فكان يَقسِمُ دَخْلَ مملكتِه أثلاثًا: فثُلُثٌ يرصُدُه للجند، وثلُثٌ يدَّخِرُه في بيتِ المال، وثُلُثٌ ينفقه في الزهراء, وكان دخَلُ الأندلس خمسة آلاف ألف دينار وأربعمائة ألف وثمانين ألفًا، ومن السوق والمُستخلَص سبعمائة ألف دينار وخمسة وستون ألفًا. ويقال: إنَّ بناء الزهراء أُكمِلَ في اثنتي عشرة سنة، بألفِ بنَّاءٍ في اليومِ، مع البنَّاءِ اثنا عشر فاعلًا. حكى أبو الحسن الصفار: " أنَّ يوسف بن تاشفين مَلِكَ المغرب لَمَّا دخل الزهراء، وقد خَرِبَت بالنيران والهَدْمِ، من تسعين سنةً قبل دخولِه إليها، وقد نقل أكثَر ما فيها إلى قُرطُبة وإشبيليَّة، ونظر آثارًا تَشهَدُ على محاسنها، فقال: الذي بنى هذه كان سفيهًا. فقال أبو مروان بن سراج: كيف يكونُ سفيهًا وإحدى كرائمِه أخرجت مالًا في فداءِ أُسارى في أيَّامِه، فلم يوجَدْ ببلادِ الأندلسِ أسيرٌ يُفدَى ". وقد افتتح سبعينَ حِصنًا -رحمه الله. بدأ عبدَ الرَّحمنِ الناصرَ المرَضُ وبقي فترةً على ذلك، إلى أن توفِّيَ في هذه السنة في صدر رمضان، فكانت إمارتُه خمسين سنة وستة أشهر، ثم خَلَفه ابنُه الحكمُ الذي تلقَّبَ بالمُستنصِر.

العام الهجري : 350 الشهر القمري : شوال العام الميلادي : 961
تفاصيل الحدث:

هو عبدُ المَلِك بنُ نوحٍ الساماني صاحِبُ خُراسان وغزنة وما وراءَ النَّهرِ. تولَّى حُكْمَ الدَّولةَ السامانيَّةَ بعد والده, وكان في العاشرةِ مِن عُمُرِه، وكان ضعيفَ الهيبةِ ولم يَقُم بشَيءٍ للمُحافظة على وَحدةِ دَولتِهم، وكان سبَبُ مَوتِه أنَّه سقط عن فَرَسِه فوقع ميتًا وافتُتِنَت خراسان بعده، فقام بالأمرِ مِن بعده أخوه منصورُ بنُ نوح الساماني. وفي عهدِ منصور بدأت الدَّولةُ في الضَّعفِ بسبَبِ خروجِ بَعضِ القادة عن طاعتِه، وازداد نفوذُ البُويهيِّين الذين امتلكوا أهمَّ أقاليم الدَّولة السامانيَّة.

العام الهجري : 351 العام الميلادي : 962
تفاصيل الحدث:

كان دخولُ الرُّومِ إلى حَلَب بصحبة الدُّمُسْتُق مَلِك الروم، في مائتي ألفِ مقاتل، وكان سببُ ذلك أنَّه ورَدَ إليها بغتةً فنهَضَ إليه سيفُ الدولة بن حمدان بمن حضَرَ عنده من المقاتِلة، ولم يتمَكَّنوا من مقاوَمتِه لكثرةِ جُنودِه، وقَتَلَ مِن أصحاب سيف الدولة خلقًا كثيرًا، وكان سيفُ الدولة قليلَ الصبرِ ففَرَّ منهزمًا في نفرٍ يسيرٍ مِن أصحابه، فأوَّل ما استفتح به الدُّمُسْتُق- قبَّحه الله- أن استحوذ على دار سيفِ الدولة، وأخذ ما فيها من النِّساءِ والولدان وغيرِهم، ثمَّ حاصَرَ سُورَ حَلَب فقاتل أهلُ البلد دونه قتالًا عظيمًا، وقَتَلوا خلقًا كثيرًا من الروم، وثَلَمت الرومُ بسور حلب ثُلمةً عظيمة، فوقف فيها الرومُ فحمل المسلمون عليهم فأزاحوهم عنها، فلمَّا جَنَّ الليلُ جَدَّ المسلمون في إعادتِها، فما أصبح الصباحُ إلا وهي كما كانت، وحَفِظوا السورَ حِفظًا عظيما، ثم بلغ المسلمونَ أنَّ الشُّرَط والبلاحية قد عاثُوا في داخل البلد ينهَبونَ البُيوتَ، فرجع الناسُ إلى منازلهم يمنعونها منهم قبَّحهم الله؛ فإنَّهم أهلُ شَرٍّ وفساد، فلما فعلوا ذلك غَلَبت الرومُ على السور فعَلَوه ودخلوا البلد يقتلونَ مَن لَقُوه، فقتلوا من المسلمينَ خلقًا كثيرًا وانتهبوا الأموالَ وأخذوا الأولاد والنساء، وخَلَّصوا من كان بأيدي المُسلمين من أسارى الروم، وكانوا ألفًا وأربعمائة، فأخذ الأُسارى السيوفَ وقاتَلوا المسلمين، وكانوا أضَرَّ على المسلمينَ مِن قَومِهم، وخَرَّبوا المساجِدَ وأحرقوها، وكلُّ شيءٍ لا يَقدِرونَ على حَملِه أحرقوه، وأسَرُوا نحوًا مِن بضعة عشر ألفًا ما بين صبيٍّ وصبيَّةٍ، ومن النساء شيئًا كثيرا، ومن الرجال الشَّباب ألفينِ، وأقاموا في البلد تسعةَ أيام يفعلون فيها الأفاعيلَ الفاسدةَ العظيمة، كلُّ ذلك بسببِ فِعلِ البلاحية والشُّرطِ في البلد- قاتَلَهم الله. ثم عزم الدُّمُسْتُق على الرحيلِ عنهم؛ خوفًا من سيف الدولة، ثمَّ إن الدُّمُسْتُق أمر بإحضارِ مَن في يديه من أُسارى المسلمين الرِّجال، وكانوا قريبًا من ألفينِ فضُرِبَت أعناقُهم بين يديه- لعنه الله- ثم كَرَّ راجِعًا.

العام الهجري : 351 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 962
تفاصيل الحدث:

سار ركنُ الدَّولةِ إلى طبرستان، وبها وشمكير بنُ زيار الديلمي، فنزل على مدينةِ سارية فحصرها ومَلَكها، ففارق حينئذٍ وشمكيرُ طبرستان وقصَدَ جرجان، فأقام ركنُ الدولة بطبرستان إلى أنْ مَلَكَها كُلَّها، وأصلح أمورَها، وسار في طلَبِ وشمكير إلى جرجان، فأزاح وشمكيرَ عنها، واستولَّى عليها، واستأمَنَ إليه مِن عَسكرِ وشمكير ثلاثةُ آلاف رجل، فازداد قوَّةً، وازداد وشمكيرُ ضعفًا ووهَنًا فدخل بلادَ الجيل.

العام الهجري : 351 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 962
تفاصيل الحدث:

دخلَت الرُّومُ عينَ زربة- مدينةٌ قديمةٌ في آسيا الصغرى بناها الرومُ وجَدَّدَ بناءَها الرشيدُ سنة 180- بصُحبة الدُّمُسْتُق، فاستأمنه أهلُها فأمَّنَهم، وأمر بأن يدخُلوا كلُّهم المسجِدَ ومَن بَقِيَ في منزله قُتِلَ، فصاروا إلى المسجِدِ كُلُّهم، ثم قال: لا يبقينَّ أحَدٌ مِن أهلها اليوم إلَّا ذهب حيث شاء، ومن تأخَّرَ قُتِل، فازدحموا في خروجِهم من المسجدِ فمات كثيرٌ منهم، وخرجوا على وجوهِهم لا يدرونَ أين يذهبون، فمات في الطُّرُقاتِ منهم خلقٌ كثير، ثم هدَمَ الجامِعَ وكَسَر المِنبرَ وقطع مِن حَولِ البلد أربعين ألفَ نخلةً، وهدم سورَ البلد والمنازِلَ المشار إليها، وفتح حولَها أربعة وخمسين حصنًا بعضُها بالسيفِ وبعضُها بالأمان، وقتل الدُّمُسْتُق خلقًا كثيرًا، وكانت مُدَّة مقامه بعين زربة واحدًا وعشرين يومًا، ثمَّ سار إلى قيسرية فلَقِيَه أربعةُ آلاف من أهل طرسوس مع نائِبِها ابن الزيات، فقَتَل أكثَرَهم وأدركه صومُ النصارى فاشتغل به حتى فرَغَ منه، ثمَّ هجَمَ على حلَب بغتة.

العام الهجري : 351 الشهر القمري : ربيع الآخر العام الميلادي : 962
تفاصيل الحدث:

كتَبَ عامَّةُ الشيعة ببغداد، بأمرِ مُعِزِّ الدولة، على المساجِدِ ما هذه صورتُه: لعن الله معاوية بن أبي سفيان، ولعن من غصب فاطمة، رضي الله عنها، فدكًا، (يعنون أبا بكر الصديق رضي الله عنه) ومن منع من أن يُدفَن الحسن عند قبر جَدِّه، عليه السلام (يعنون مروان بن الحكم)، ومن نفى أبا ذرٍّ الغفاريَّ (يعنون عثمان بن عفان رضي الله عنه)، ومَن أخرج العبَّاس من الشورى (يعنون عمر بن الخطاب رضي الله عنه)، فأمَّا الخليفة فكان محكومًا عليه لا يقدِرُ على المنع، وأمَّا معز الدولة فبأمره كان ذلك، فلما كان الليلُ حَكَّه بعضُ النَّاسِ مِن السُّنَّة، فأراد معزُّ الدولة إعادته، وأشار عليه الوزير أبو محمَّد المهلبي بأن يكتب مكانَ ما محيَ: لعن اللهُ الظالمينَ لآل رسول الله، صلَّى الله عليه وسلَّم، ولا يذكر أحدًا في اللَّعنِ إلا معاوية، ففعل ذلك.