موسوعة أصول الفقه

المَطلَبُ الثَّاني: صيغَ الأمرِ وما تُفيدُه


للأمرِ صيغةٌ مَوضوعةٌ له تَدُلُّ عليه حَقيقةً، وهيَ تَدُلُّ بمَجرَّدِها على كَونِها أمرًا إذا تَعَرَّت عنِ القَرائِنِ، وهيَ: (افعَلْ) للحاضِرِ، و(ليَفعَلْ) للغائِبِ [698] قال ابنُ قُدامةَ: (للأمرِ صيغةٌ مُبَيِّنةٌ، فتَدُلُّ بمَجرَّدِها على كَونِها أمرًا إذا تَعَرَّت عنِ القَرائِنِ، وهيَ: "افعَلْ" للحاضِرِ، "وليَفعَلْ" للغائِبِ. هذا قَولُ الجُمهورِ). ((روضة الناظر)) (1/543). ويُنظر: ((شرح مختصر الروضة)) للطوفي (2/354)، ((شرح مختصر أصول الفقه)) للجراعي (2/329). .
بَيانُ صيَغِ الأمرِ كما يَلي [699] يُنظر: ((البحر المحيط)) للزركشي (3/274)، ((مذكرة أصول الفقه)) لمحمد الأمين الشنقيطي (ص: 294)، ((أصول الفقه)) لعياض السلمي (ص: 220)، ((الوجيز)) لمحمد الزحيلي (2/22). :
1- فِعلُ الأمرِ، مِثلُ قَولِ اللهِ تعالى: اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ [الأنعام: 106] ، وقَولِ اللهِ تعالى: وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ [البقرة 110].
ومِثلُ قَولِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((صَلُّوا كما رَأيتُموني أُصَلِّي)) [700] أخرجه البخاري (631) من حديثِ مالِكِ بنِ الحُوَيرِثِ رَضِيَ اللهُ عنه، ولَفظُه: أتَينا إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ونَحنُ شَبَبةٌ مُتَقارِبونَ، فأقَمنا عِندَه عِشرينَ يَومًا وليلةً، وكان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رَحيمًا رَفيقًا، فلمَّا ظَنَّ أنَّا قدِ اشتَهَينا أهلَنا -أو قدِ اشتَقنا- سَألَنا عَمَّن تَرَكْنا بَعدَنا، فأخبَرْناه، قال: ارجِعوا إلى أهليكُم، فأقيموا فيهم وعَلِّموهم ومُروهم وذَكَرَ أشياءَ أحفَظُها أو لا أحفَظُها- وصَلُّوا كَما رَأيتُموني أُصَلِّي، فإذا حَضَرَتِ الصَّلاةُ فليُؤَذِّنْ لكُم أحَدُكُم، وليَؤُمَّكُم أكبَرُكُم. .
2- الفِعلُ المُضارِعُ المُقتَرِنُ بلامِ الأمرِ، مِثلُ قَولِ اللهِ تعالى: لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ [الطلاق: 7]، وقَولِ اللهِ تعالى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة: 185] .
3- المَصدَرُ النَّائِبُ عن فِعلِ الأمرِ، وهو المَصدَرُ المَجعولُ جَزاءَ الشَّرطِ بحَرفِ الفاءِ، مِثلُ قَولِ اللهِ تعالى: فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ [النساء: 92] أي: فحَرِّروا، وقَولِ اللهِ تعالى: فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ [محمد: 4] ، فلَفظُ ضَرْبَ مَصدَرٌ نابَ عن فِعلِ الضَّربِ، والمَعنى: فاضرِبوا الرِّقابَ.
4- اسمُ فِعلِ الأمرِ، مِثلُ (مَه)، و(عليكُم)، مِثلُ قَولِ اللهِ تعالى: عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ [المائدة: 105] ، أيِ الزَموا أنفُسَكُم.
وقَولِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَهْ، عليكُم ما تُطيقونَ مِنَ الأعمالِ؛ فإنَّ اللَّهَ لا يَمَلُّ حتَّى تَمَلُّوا)) [701] أخرجه البخاري معلقًا بصيغةِ الجَزم (1151) واللَّفظُ له، وأخرجه موصولًا مُسلِم (785) باختِلافٍ يَسيرٍ من حديثِ عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها. .
5- الجُملةُ الخَبَريَّةُ التي يُقصَدُ منها الطَّلَبُ، مِثلُ قَولِ اللهِ تعالى: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ [البقرة: 233] ، فالمَقصودُ الأمرُ بالإرضاعِ وطَلَبُه مِنَ الوالِداتِ.
وذَكَر بَعضُ الأُصوليِّينَ أنَّ الأمرَ قد يَأتي بمَعنى الخَبَرِ، مِثلُ قَولِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إذا لم تَستَحْيِ فاصنَعْ ما شِئتَ)) [702] أخرجه البخاري (3484) من حديثِ أبي مَسعودٍ الأنصاريِّ رَضِيَ اللهُ عنه. ، أي: صَنَعتَ ما شِئتَ [703] يُنظر: ((منهاج الوصول)) للبيضاوي (ص: 112)، ((الإبهاج)) لابن السبكي ووالده (4/1029). .

انظر أيضا: