موسوعة أصول الفقه

الفرعُ الثَّالِثُ: العامُّ المَخصوصُ


العامُّ المَخصوصُ هو: اللَّفظُ العامُّ الذي لم تَصحَبْه قَرينةٌ تَنفي احتِمالَ تَخصيصِه، كما في النَّوعِ الأوَّلِ، ولَم تَصحَبْه أيضًا قَرينةٌ تَنفي بَقاءَه على عُمومِه، وتَدُلُّ على أنَّ المُرادَ منه بَعضُ أفرادِه، كما في النَّوعِ الثَّاني.
مِثالُه: قَولُ اللهِ تعالى: وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ [البقرة: 228] .
فهذه الآيةُ عامَّةٌ في كُلِّ مُطَلَّقةٍ، سَواءٌ كانت حاملًا أو غَيرَ حامِلٍ، وسَواءٌ كان الطَّلاقُ قَبلَ الدُّخولِ أو بَعدَه.
ولَكِنَّ هذا العُمومَ خُصَّ بقَولِ اللهِ تعالى: وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [الطلاق: 4] ، وبقَولِ اللهِ تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا [الأحزاب: 49] [1229] ينظر لهذا الفرع: ((تفسير النصوص)) للصالح (2/104)، ((الوجيز)) لمحمد الزحيلي (2/58). .
الفَرقُ بَينَ العامِّ المُرادِ به الخُصوصُ والعامِّ المَخصوصِ:
يُفرَّقُ بَينَ العامِّ المُرادِ به الخُصوصُ والعامِّ المَخصوصِ مِن وُجوهٍ، أهَمُّها [1230] يُنظر: ((الإتقان)) للسيوطي (3/50)، ((مباحث في علوم القرآن)) لمناع القطان (ص: 231). :
1- العامُّ المُرادُ به الخُصوصُ لا يُرادُ شُمولُه لجَميعِ الأفرادِ مِن أوَّلِ الأمرِ، لا مِن جِهةِ تَناوُلِ اللَّفظِ، ولا مِن جِهةِ الحُكمِ.
أمَّا العامُّ المَخصوصُ فأُريدَ عُمومُه وشُمولُه لجَميعِ الأفرادِ مِن جِهةِ تَناوُلِ اللَّفظِ، لا مِن جِهةِ الحُكمِ.
فالنَّاسُ في قَولِ اللهِ تعالى: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ [آل عمران: 173] ، وإن كان عامًّا إلَّا أنَّه لَم يَرِدْ به لفظًا وحُكمًا سِوى فردٍ واحِدٍ [1231] قال القُرطُبيُّ: (اختُلِف في قَولِه تعالى: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ فقال مُجاهِدٌ ومُقاتِلٌ وعِكرِمةُ والكَلبيُّ: هو نُعَيمُ بنُ مَسعودٍ الأشجَعيُّ. واللَّفظُ عامٌّ، ومَعناه خاصٌّ، كقَولِه: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ [النساء: 54]، يعني مُحَمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم). ((الجامع لأحكام القرآن)) (4/ 279). .
أمَّا لَفظُ النَّاسِ في قَولِه تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران: 97]، فهو عامٌّ أُريدَ به ما يَتَناولُه اللَّفظُ مِنَ الأفرادِ، وإن كان حُكمُ وُجوبِ الحَجِّ لا يَتَناولُ إلَّا المُستَطيعَ مِنهم خاصَّةً.
2- العامُّ المُرادُ به الخُصوصُ مَجازٌ؛ لنَقلِ اللَّفظِ عن مَوضوعِه الأصليِّ، واستِعمالِه في بَعضِ أفرادِه.
بخِلافِ العامِّ المَخصوصِ، فالأصَحُّ فيه أنَّه حَقيقةٌ؛ لأنَّ تَناوُلَ اللَّفظِ للباقي بَعدَ التَّخصيصِ كَتَناوُلِه له بلا تَخصيصٍ، وذلك التَّناوُلُ حَقيقيٌّ اتِّفاقًا، فليَكُنِ التَّناوُلُ الآخَرُ حَقيقيًّا أيضًا.
3- قَرينةُ العامِّ المُرادِ به الخُصوصُ عَقليَّةٌ غالِبًا، ولا تَنفكُّ عنه، وقَرينةُ العامِّ المَخصوصِ لَفظيَّةٌ، وقد تَنفكُّ.
يوضِّحُ ذلك أنَّ القَرينةَ المُخَصِّصةَ نَوعانِ: عَقليَّةٌ، ولَفظيَّةٌ.
أمَّا القَرينةُ العَقليَّةُ: فمِثلُ الدَّلالةِ الدَّالَّةِ على أنَّ غَيرَ القادِرِ غَيرُ مُرادٍ بالخِطابِ بالعِباداتِ؛ بناءً على مَنعِ تَكليفِ ما لا يُطاقُ.
وأمَّا القَرينةُ اللَّفظيَّةُ، فمِثلُ أن يَقولَ المُتَكَلِّمُ بالعامِّ: أرَدتُ به البَعضَ الفُلانيَّ دونَ غَيرِه [1232] يُنظر: ((المحصول)) للرازي (3/14)، ((العقد المنظوم)) للقرافي (2/134). .

انظر أيضا: