موسوعة أصول الفقه

الفرعُ الخامِسُ: مَوانِعُ حَملِ المُطلَقِ على المُقَيَّدِ


يَمتَنِعُ حَملُ المُطلَقِ على المُقَيَّدِ في الحالاتِ الآتيةِ:
1- إذا قُيِّدَ المُطلَقُ بقَيدَينِ مُتَنافيَينِ، وليس هناكَ مُرَجِّحٌ لأحَدِهما على الآخَرِ، فإن قُيِّدَ بقَيدَينِ مُتَنافيَينِ امتَنَعَ الحَملُ، وبَقيَ على إطلاقِه [2249] يُنظر: ((بدائع الفوائد)) لابن القيم (3/1243)، ((التمهيد)) للإسنوي (ص: 423)، ((مذكرة أصول الفقه)) لمحمد الأمين الشنقيطي (ص: 365)، ((معالم أصول الفقه)) للجيزاني (ص: 439). .
ومِثالُ ذلك: تَقييدُ صَومِ الظِّهارِ بالتَّتابُعِ في قَولِ اللهِ تعالى: فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ [المجادلة: 4] ، وتَقييدُ صَومِ التَّمَتُّعِ بالتَّفريقِ في قَولِ اللهِ تعالى: فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ [البقرة: 196] ، مَعَ إطلاقِ صَومِ قَضاءِ رَمَضانَ في قَولِ اللهِ تعالى: فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة: 184] [2250] يُنظر: ((معالم أصول الفقه)) للجيزاني (ص: 439). .
2- إذا وُجِدَت قَرينةٌ مانِعةٌ مِنَ الحَملِ، كَأن يَستَلزِمَ حَملُ المُطلَقِ على المُقَيَّدِ تَأخيرَ البَيانِ عن وقتِ الحاجةِ، فلا حَملَ والحالةُ كذلك [2251] يُنظر: ((بدائع الفوائد)) لابن القيم (3/1244)، ((معالم أصول الفقه)) للجيزاني (ص: 439). .
قال ابنُ القَيِّمِ: (إنَّما يُحمَلُ المُطلَقُ على المُقَيَّدِ إذا لم يَستَلزِمْ حَملُه تَأخيرَ البَيانِ عن وقتِ الحاجةِ، فإنِ استَلزَمَه حُمِلَ على إطلاقِه) [2252] ((بدائع الفوائد)) (3/1244). .
ومِثالُ ذلك: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لَم يَشتَرِطْ قَطعَ الخُفَّينِ للمُحرِمِ، بَل أطلَقَ لُبسَ الخُفَّينِ، وكان هذا في عَرَفاتٍ؛ حَيثُ قال: ((مَن لَم يَجِدْ نَعلَينِ فليَلبَسْ خُفَّينِ)) [2253] أخرجه البخاري (5804) واللَّفظُ له، ومسلم (1178) من حديثِ عبدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما. ، فلا يُحمَلُ هنا المُطلَقُ على المُقَيَّدِ.
وقال بالمَدينةِ على المِنبَرِ لمَن سَألَه ما يَلبَسُ المُحرِمُ: ((مَن لَم يَجِدْ نَعلَينِ فليَلبَسْ خُفَّينِ، وليَقطَعْهما أسفلَ مِنَ الكَعبَينِ)) [2254] أخرجه البخاري (5852) واللَّفظُ له، ومسلم (1177) من حديثِ عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما. .
قال ابنُ القَيِّمِ: (فهذا مُقَيَّدٌ، ولا يُحمَلُ عليه ذلك المُطلَقُ؛ لأنَّ الحاضِرينَ مَعَه بعَرَفاتٍ مِن أهلِ اليَمَنِ ومَكَّةَ والبَوادي، لَم يَشهَدوا خُطبَتَه بالمَدينةِ، فلَو كان القَطعُ شَرطًا لَبَيَّنَه لهم؛ لعَدَمِ عِلمِهم به، ولا يُمكِنُ اكتِفاؤُهم بما تَقدَّمَ مِن خُطبَتِه بالمَدينةِ. ومِن هنا قال أحمَدُ ومَن تابَعَه: إنَّ القَطعَ مَنسوخٌ بإطلاقِه بعَرَفاتٍ اللُّبسَ، ولَم يَأمُرْ بقَطعٍ في أعظَمِ أوقاتِ الحاجةِ) [2255] ((بدائع الفوائد)) (3/1244). .
مِثالٌ آخَرُ: قَولُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لمَن سَألَته عن دَمِ الحَيضِ: ((اغسِليه بماءٍ وسِدرٍ)) [2256] أخرجه أبو داود (363)، والنسائي (395) واللفظ لهما، وابن ماجه (628) من حديثِ أم قَيس بنت مُحَصَّن رَضِيَ اللهُ عنها صَحَّحه ابنُ حبان في ((صحيحه)) (1395)، وابن القطان في ((الوهم والإيهام)) (5/669)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (1/516). وأخرجه مسلم (332) عن عائِشةَ: أنَّ أسماءَ سَألَتِ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن غُسلِ المَحيضِ؟ فقال: تَأخُذُ إحداكُنَّ ماءَها وسِدرَتَها، فتَطَهَّرُ فتُحسِنُ الطُّهورَ. ، ولَم يَشتَرِطْ عَدَدًا، مَعَ أنَّه وقتُ حاجةٍ، فلَو كان العَدَدُ شَرطًا لَبَيَّنَه لها، ولَم يُحِلْها على غَسلِ وُلوغِ الكَلبِ [2257] عن أبي هرَيرةَ قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: طُهورُ إناءِ أحَدِكُم إذا ولَغَ فيه الكَلبُ أن يَغسِلَه سَبعَ مَرَّاتٍ أولاهنَّ بالتُّرابِ. أخرجه مسلم (279). ؛ فإنَّها رُبَّما لم تَسمَعْه، ولَعَلَّ الأمرَ بغَسلِ وُلوغِه لَم يَكُنْ مَشروعًا بَعدُ [2258] يُنظر: ((بدائع الفوائد)) لابن القيم (3/1244). .

انظر أيضا: