موسوعة أصول الفقه

المسألةُ الثَّالِثةُ: تعريفُ الرُّخصةِ


أوَّلًا: تعريفُ الرُّخصةِ لُغةً:
الرُّخصةُ في اللُّغةِ التَّسهيلُ في الأمرِ والتَّيسيرُ، والرُّخصةُ في الأمرِ خِلافُ التَّشديدِ فيه، يُقالُ: رَخَّصَ الشَّرعُ لَنا في كذا تَرخيصًا، وأرخَصَ إرخاصًا: إذا يَسَّرَه وسَهَّلَه، ورَخَّصَ لَه في الأمرِ: أذِنَ لَه فيه بَعدَ النَّهيِ عنه، والاسمُ الرُّخصةُ، وفُلانٌ يَتَرَخَّصُ في الأمرِ، أي: لَم يَستَقصِ، والرُّخصُ ضِدُّ الغَلاءِ، وأصلُ (رخص): يَدُلُّ على لِينٍ وخِلافِ شِدَّةٍ [986] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/ 500)، ((مختار الصحاح)) للرازي (ص:120)، ((لسان العرب)) لابن منظور (7/40)، ((المصباح المنير)) (1/ 223)، ((تاج العروس)) للزبيدي (17/594). .
ثانيًا: تَعريفُ الرُّخصةِ اصطِلاحًا:
عَرَّف الأُصوليُّونَ الرُّخصةَ بتَعريفاتٍ كثيرةٍ، والمُختارُ أنَّها: الحُكمُ الثَّابتُ على خِلافِ الدَّليلِ لعُذرٍ [987] يُنظر: ((منهاج الوصول)) للبيضاوي (ص: 58)، ((نهاية السول)) للإسنوي (ص: 33). ويُنظر: ((تيسير الوصول)) لابن إمام الكاملية (1/380). .
وقيلَ هي: ما شُرِع مِنَ الأحكامِ لعُذرٍ مَعَ قيامِ السَّبَبِ المُحَرمِ [988] يُنظر: ((أصول السرخسي)) (1/118)، ((الإحكام)) للآمدي (1/132). .
وقيلَ هي: جَوازُ الفِعلِ مَعَ قيامِ المُقتَضي للمَنعِ [989] يُنظر: ((المحصول)) للرازي (1/ 120). .
شَرحُ التَّعريفِ المُختارِ وبيانُ مُحتَرَزاتِه:
- كَلِمةُ "الحُكم": جِنسٌ في التَّعريفِ يَشمَلُ الرُّخصةَ والعَزيمةَ.
- كَلِمةُ "الثَّابت": إشارةٌ إلى أنَّ التَّرَخُّصَ لا بُدَّ لَه مِن دَليلٍ، وإلَّا لَزِمَ تَركُ العَمَلِ بالدَّليلِ السَّالمِ عنِ المُعارِضِ.
- جُملةُ "على خِلافِ الدَّليلِ": احتِرازٌ عنِ العَزيمةِ؛ فهي على وَفقِ الدَّليلِ، واحتِرازٌ عَمَّا أباحَه اللهُ تعالى مِنَ الأكلِ والشُّربِ وغيرِهما، فلا يُسَمَّى رُخصةً؛ لأنَّه لَم يَثبُتْ على المَنعِ مِنه دَليلٌ.
- كَلِمةُ "لعُذرٍ": يَعني المَشَقَّةَ والحاجةَ، واحتُرِزَ بها عن شيئينِ:
1- الحُكمُ الثَّابتُ بدَليلٍ راجِحٍ على دَليلٍ آخَرَ مُعارِضٍ لَه لغيرِ عُذرٍ، فلا يُسَمَّى رُخصةً.
2- التَّكاليفُ كُلُّها فإنَّها أحكامٌ ثابتةٌ على خِلافِ الدَّليلِ؛ لأنَّ الأصلَ عَدَمُ التَّكاليفِ، لَكِنَّها لغيرِ عُذرٍ، فلا تَدخُلُ في التَّعريفِ [990] يُنظر: ((نهاية السول)) للإسنوي (ص: 43)، ((الإبهاج)) لابن السبكي ووالده (2/218-221)، ((تيسير الوصول)) لابن إمام الكاملية (1/380)، ((المهذب)) لعبدالكريم النملة (1/451). .
ومِن أمثِلةِ الرُّخصةِ:
أكلُ المَيتةِ للمُضطَرِّ؛ فإنَّها رُخصةٌ ثابتةٌ بالدَّليلِ الشَّرعيِّ، وهو قَولُ اللهِ سُبحانَه: فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المائدة: 3] ، وذلك على خِلافِ الدَّليلِ وهو قَولُ اللهِ تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ [المائدة: 3] ؛ وذلك لعُذرٍ، وهو حِفظُ النَّفسِ واستِبقاؤُها [991] يُنظر: ((شرح مختصر الروضة)) للطوفي (1/460). .
وقَصرُ الصَّلاةِ الرُّباعيَّةِ للمُسافِرِ، الثَّابتُ بقَولِ اللهِ تعالى: وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ [النساء:101] [992] يُنظر: ((الدرر اللوامع)) للكوراني (1/288). .

انظر أيضا: