موسوعة أصول الفقه

المَطلَبُ الأوَّلُ: تَعريفُ المَصلَحةِ المُرسَلةِ


أوَّلًا: تَعريفُ المَصلَحةِ لُغةً
المَصلَحةُ لُغةً: مَأخوذةٌ مِن مادَّةِ "صلح"، وصَلَحَ الشَّيءُ: خِلافُ فَسَدَ، والصَّلاحُ: ضِدُّ الفسادِ، والمَصلَحةُ واحِدةُ المَصالِحِ، يُقالُ: في الأمرِ مَصلحةٌ، أي: خَيرُ، والمَصلَحةُ: المنفَعةُ [2593]  يُنظر: ((الصحاح)) للجوهري (1/384)، ((مختار الصحاح)) للرازي (178)، ((المصباح المنير)) للفيومي (1/345)، ((المعجم الوسيط)) (1/ 520). .
ثانيًا: تَعريفُ المَصلَحةِ اصطِلاحًا
المُرادُ بالمَصلَحةِ: المُحافَظةُ على مَقصودِ الشَّرعِ، ومَقصودُ الشَّرعِ مِنَ الخَلقِ خَمسةٌ: وهو أن يَحفظَ عليهم دينَهم ونَفسَهم وعَقلَهم ونَسلَهم ومالَهم، فكُلُّ ما يَتَضَمَّنُ حِفظَ هذه الأُصولِ الخَمسةِ فهو مَصلَحةٌ، وكُلُّ ما يُفَوِّتُ هذه الأُصولَ فهو مَفسَدةُ، ودَفعُها مَصلَحةٌ [2594]  يُنظر: ((المستصفى)) للغزالي (ص: 174)، ((التحقيق والبيان)) للأبياري (3/ 119)، ((ضوابط المصلحة)) للبوطي (ص: 23). .
أو هيَ: المَنفعةُ التي قَصَدَها الشَّارِعُ الحَكيمُ لعِبادِه مِن حِفظِ دينِهم، ونُفوسِهم، وعُقولِهم، وأموالِهم، ونَسلِهم [2595] يُنظر: ((ضوابط المصلحة)) للبوطي (ص: 23)، ((المهذب)) لعبد الكريم النملة (3/ 1003). .
وقيل: هيَ ما فُهِمَ رِعايَتُه في حَقِّ الخَلقِ مِن جَلبِ المَصالِحِ ودَرءِ المَفاسِدِ على وَجهٍ لا يَستَقِلُّ العَقلُ بدَركِه على حالٍ، فإذا لم يَشهَدِ الشَّرعُ باعتِبارِ ذلك المَعنى بَل شَهِدَ برَدِّه كان مَردودًا [2596]  يُنظر: ((الاعتصام)) للشاطبي (2/609). .
والمَصالِحُ مُنحَصِرةٌ في الكُلِّيَّاتِ الخَمسِ، وأيُّ مَصلَحةٍ عَظُمَت أو صَغُرَت لا تَخرُجُ عن واحِدةٍ مِنها، كما أنَّ المِعيارَ الصَّحيحَ للمَصلحةِ المُعتَبَرةِ هو قَصدُ الشَّرعِ وأدِلَّتُه دونَ الأهواءِ والشَّهَواتِ [2597]  يُنظر: ((المصالح المرسلة)) لمحمود عبد الرحمن (ص: 21،22). .
والعُلماءُ مُتَّفِقونَ على أنَّ الشَّرعَ جاءَ بحِفظِ المَصالِحِ وتَكميلِها، ودَرءِ المَفاسِدِ وتَقليلِها، وأنَّ اللَّهَ جَلَّ وعَلا قد راعى في أحكامِه مَصالِحَ العِبادِ، وأنَّ الشَّريعةَ ليسَت نِكايةً بالخَلقِ ولا تَعذيبًا لهم، وإنَّما هيَ رَحمةٌ وتَزكيةٌ [2598]  يُنظر: ((أصول الفقه)) لعياض السلمي (ص: 204). ؛ قال اللهُ تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء: 107] ، وقال اللهُ سُبحانَه: يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ [البقرة: 151] ، وقال اللهُ عَزَّ وجَلَّ في صِفةِ رَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة: 128] .

انظر أيضا: