موسوعة التفسير

سُورةُ القَمَرِ
الآيات (33-40)

ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ

غريب الكلمات:

حَاصِبًا: أي: حِجارةً، أو: ريحًا عاصِفًا تَرمي بالحَصْباءِ، وهي الحَصَى، وأصلُ (حصب): يدُلُّ على الرَّميِ [330] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 338)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/70)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 206)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 267)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 412). .
بِسَحَرٍ: السَّحَرُ: آخِرُ اللَّيلِ، وأصلُه: يدُلُّ على وَقتٍ مِن الأوقاتِ [331] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/138)، ((تفسير ابن عطية)) (1/411)، ((بصائر ذوي التمييز)) للفيروزابادي (3/200). .
بَطْشَتَنَا: أي: عُقوبتَنا، وأخْذَنا إيَّاهم بالعَذابِ، وأصلُ (بطش): يدُلُّ على أخْذِ الشَّيءِ بقَهرٍ وغَلَبةٍ [332] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/262)، ((المفردات)) للراغب (ص: 129)، ((تفسير القرطبي)) (17/144)، ((تفسير ابن كثير)) (7/480). .
فَتَمَارَوْا: أي: شَكُّوا وكَذَّبوا، والمِرْيَةُ: التَّردُّدُ في الأمرِ، وهو أخصُّ مِن الشَّكِّ [333] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 434)، ((تفسير ابن جرير)) (22/149)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/314)، ((المفردات)) للراغب (ص: 766)، ((تفسير القرطبي)) (17/144)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 399). .
رَاوَدُوهُ: أي: أرادوا منه تَمكينَهم مِن ضُيوفِه، والمُراوَدةُ: مُفاعَلةٌ مِن راد يَرودُ: إذا جاء وذَهبَ، وأصلُ (رود): يدُلُّ على مجيءٍ وذَهابٍ [334] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/457)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 381)، ((تفسير القرطبي)) (17/144)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 483). .
فَطَمَسْنَا: أي: مَحَوْنا وأَعمَيْنا، والطَّمسُ: إزالةُ الأثَرِ بالمحْوِ، وأصلُ (طمس): يدُلُّ على مَحوِ الشَّيءِ ومَسْحِه [335] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/424)، ((المفردات)) للراغب (ص: 524)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 350). .
صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً: أي: جاءَهم وقْتَ الصُّبحِ، يُقالُ: صَبَحْتُ فُلانًا وصَبَّحْتُه: إذا أتَيْتَه صَباحًا، وأصلُ (بكر): يدُلُّ على أوَّلِ الشَّيءِ وبَدئِه [336] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/123)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/287)، ((البسيط)) للواحدي (21/117)، ((المفردات)) للراغب (ص: 140)، ((تفسير البغوي)) (7/433). .

المعنى الإجمالي:

يقولُ الله تعالى مبيِّنًا موقفَ قَومِ لوطٍ مِن نبيِّهم لوطٍ عليه السَّلامُ: كذَّبتْ قَومُ لُوطٍ بما جاءَهم مِنَ اللهِ مِن نُذُرٍ تُنذِرُهم عَذابَه، إنَّا أرسَلْنا على قَومِ لُوطٍ حِجارةً مِنَ السَّماءِ لإهلاكِهم إلَّا آلَ لُوطٍ الَّذين آمَنوا به واتَّبَعوه على دينِه؛ فإنَّا نَجَّيْناهم مِنَ العَذابِ وقْتَ السَّحَرِ في آخِرِ اللَّيلِ؛ إنعامًا مِنَّا عليهم، وكما أنجَيْنا لُوطًا وآلَه مِنَ العَذابِ نُنْجِي أيضًا كُلَّ مَن شَكَرَنا على نِعَمِنا.
ثمَّ يقولُ تعالى مبيِّنًا الأسبابَ الَّتي أدَّت إلى إهلاكِ قَومِ لوطٍ: ولقد خوَّف لُوطٌ قَومَه وحَذَّرهم مِن أخْذَتِنا الشَّديدةِ لهم، فشَكُّوا في إنذارِه لهم وكذَّبوا، ولقد راوَدوه عن ضُيوفِه؛ أنْ يمكِّنَهم مِن فِعلِ الفاحِشةِ بهم، فطَمَسْنا أعيُنَهم، فلمْ يُبصِروا! فذُوقوا -يا قَومَ لُوطٍ- عَذابي وعاقِبةَ إنذاري.
ثمَّ يُبيِّنُ تعالى ما حلَّ بهم مِن عذابٍ، فيقولُ: ولقد صبَّحَهم أوَّلَ النَّهارِ عَذابٌ ثابِتٌ مُستَمِرٌّ. فذُوقوا -يا قَومَ لُوطٍ- عَذابي وعاقِبةَ إنذاري.
ويختمُ سبحانَه قِصَّتَهم بما ختَم به القصصَ السَّابقةَ، فيقولُ: ولقد سهَّلْنا القُرآنَ للتَّذَكُّرِ به، والاتِّعاظِ، فهل مِن مُتذَكِّرٍ؟

تفسير الآيات:

كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ (33).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا كانت قِصَّةُ لُوطٍ -عليه السَّلامُ- مع قَومِه أعظَمَ ما كان بعدَ ثَمودَ مِمَّا تَعرِفُه العَرَبُ بالأخبارِ، ورُؤيةِ الآثارِ، ومعَ ما في قِصَّتِهم مِن تَصويرِ السَّاعةِ مِن تبديلِ الأرضِ غيرَ الأرضِ- استأنَفَ قَولَه [337] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (19/123). :
كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ (33).
أي: كذَّبتْ قَومُ لُوطٍ بما جاءَهم مِنَ اللهِ مِن النُّذرِ الَّتي تُنذِرُهم عَذابَه [338] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/148)، ((تفسير القرطبي)) (17/143)، ((تفسير ابن كثير)) (7/480)، ((تفسير السعدي)) (ص: 827)، ((تفسير ابن عثيمين: سورة الحجرات - الحديد)) (ص: 284). قوله: بِالنُّذُرِ يجوزُ أنْ يكونَ جمعَ نذيرٍ، أي: كَذَّبَتْ بِالرُّسلِ المُرسَلينَ إليهم، وقال: بِالنُّذُرِ معَ أنَّ لُوطًا كان واحدًا؛ لأنَّ مَن كذَّب واحِدًا مِن الرُّسُلِ، فكأنَّه كذَّب جميعَ الرُّسلِ. ويجوزُ أنْ يكونَ مصدرًا بمعنَى الإنذارِ، أي: كَذَّبَتْ بالإنذارِ الَّذي أُنْذِروا به. يُنظر: ((تفسير السمعاني)) (5/315)، ((تفسير الشوكاني)) (5/151). .
قال تعالى: وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ * أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ [العنكبوت: 28، 29].
وقال سُبحانَه: كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ [الشعراء: 160].
إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آَلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ (34).
إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا.
أي: إنَّا أرسَلْنا على قَومِ لُوطٍ حِجارةً أُمطِرَتْ عليهم؛ لإهلاكِهم [339] يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (4/182)، ((تفسير ابن جرير)) (22/148)، ((تفسير ابن كثير)) (7/480)، ((تفسير ابن عثيمين: سورة الحجرات - الحديد)) (ص: 284). قيل: الحاصِبُ: هو الحِجارةُ. ومِمَّن قال بهذا: مقاتلُ بنُ سُلَيمانَ، وابنُ جرير، وابن كثير، وابن عثيمين. يُنظر: المصادر السابقة. وقيل: هو الرِّيحُ الَّتي تَرمي بالحَصباءِ، وهي الحَصى. وممَّن قال بهذا: القرطبيُّ، والبِقاعي، وابنُ عاشور. يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (17/143)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (19/124)، ((تفسير ابن عاشور)) (27/204). وممَّن قال مِن السَّلفِ: إنَّ المرادَ صِغارُ الحَصى: الضَّحَّاكُ. يُنظر: ((تفسير الثعلبي)) (9/168)، ((تفسير البغوي)) (4/326). وقيل: الحاصِبُ: السَّحابُ الرَّامي بالبَرَدِ وغَيرِه. وممَّن ذهب إلى هذا القَولِ: ابنُ عطيَّة. يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (5/219). قال الشنقيطي في سورةِ الإسراءِ بعدَ أن ذكر أنَّ الحاصِبَ قد قيل: إنَّها السَّحابةُ أو الرِّيحُ، قال: (وكِلا القَولَينِ صحيحٌ؛ لأنَّ كلَّ ريحٍ شديدةٍ تَرمي بالحَصْباءِ تُسمَّى حاصِبًا وحَصِبَةً، وكلَّ سَحابةٍ تَرمي بالبَرَدِ تُسمَّى حاصِبًا أيضًا). ((أضواء البيان)) (3/173). وقيل غيرُ ذلك في معنى الحصباءِ. يُنظر: ((تفسير الماوردي)) (5/417). .
إِلَّا آَلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ.
أي: إلَّا لوطًا ومَن تبِعه على دينِه وآمَن به؛ فإنَّا نَجَّيْناهم مِنَ العَذابِ وَقتَ السَّحَرِ في آخِرِ اللَّيلِ [340] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/148)، ((تفسير القرطبي)) (17/143-144)، ((تفسير ابن كثير)) (7/480)، ((تفسير الشوكاني)) (5/ 153)، ((تفسير ابن عاشور)) (27/204). آَلَ لُوطٍ أي: لُوطًا ومَن تَبِعه، وقيل: لم يَتْبَعْه إلَّا ابنتاه. يُنظر: ((تفسير الثعلبي)) (25/ 245)، ((تفسير الشوكاني)) (5/ 153). .
كما قال تعالى: فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ [هود: 81] .
نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ (35).
نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا.
أي: إنعامًا مِنَّا عليهم، وكَرامةً لهم مِن عِندِنا [341] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/148)، ((تفسير القرطبي)) (17/144)، ((تفسير ابن عاشور)) (27/204). قال ابنُ عثيمين: (أي: أنعَمْنا على آلِ لوطٍ نِعمةً مِن عندِ اللهِ عزَّ وجلَّ؛ مِن وَجهَينِ: الوَجهُ الأوَّلُ: أنَّ اللهَ أنجاهم. والوَجهُ الثَّاني: أنَّ اللهَ أهلَكَ عَدُوَّهم؛ لأنَّ إهلاكَ العَدُوِّ مِن نِعمةِ اللهِ). ((تفسير ابن عثيمين: سورة الحجرات - الحديد)) (ص: 285). !
كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ.
أي: كما أنجَيْنا لُوطًا وآلَه مِنَ العَذابِ؛ بسَبَبِ طاعتِهم للهِ تعالى- نُنْجِي أيضًا كُلَّ مَن شَكَرَنا على ما أنعَمْنا عليه مِنَ النِّعَمِ، فآمَنَ باللهِ وأطاعَه [342] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/148)، ((تفسير القرطبي)) (17/144)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (19/125)، ((تفسير ابن عثيمين: سورة الحجرات - الحديد)) (ص: 285). .
وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ (36).
أي: ولقد خوَّف لُوطٌ قَومَه، وحَذَّرهم مِن أخْذَتِنا الشَّديدةِ قبْلَ حُصولِها، فشَكُّوا في إنذاراتِه، وكذَّبوا بها [343] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/149)، ((تفسير القرطبي)) (17/144)، ((تفسير ابن كثير)) (7/480)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (19/125)، ((تفسير ابن عاشور)) (27/205)، ((تفسير ابن عثيمين: سورة الحجرات - الحديد)) (ص: 285، 286). .
وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (37).
وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ.
أي: ولقد طَلَب قَومُ لُوطٍ منه تمكينَهم مِن فِعلِ الفاحِشةِ بضُيوفِه، وألَحُّوا في طَلَبِهم مِرارًا [344] قال ابن كثير: (وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ وذلك لَيلةَ ورَدَ عليه الملائِكةُ: جِبريلُ وميكائيلُ وإسرافيلُ في صورةِ شَبابٍ مُرْدٍ حِسانٍ؛ محنةً مِنَ اللهِ بهم، فأضافهم لوطٌ عليه السَّلامُ). ((تفسير ابن كثير)) (7/480). ، فطَمَسْنا أعيُنَهم، فصارت كسائِرِ الوَجهِ بلا شَقٍّ، فلم يُبصِروا [345] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/149)، ((تفسير القرطبي)) (17/144)، ((تفسير ابن كثير)) (7/480)، ((تفسير ابن عاشور)) (27/206)، ((تفسير ابن عثيمين: سورة الحجرات - الحديد)) (ص: 286). وممَّن قال بأنَّ معنى طَمْسِ الأعيُنِ هنا: هو تصييرُها كسائِرِ الوَجهِ، فلا يكونُ لها شَقٌّ: ابنُ جرير، والبِقاعي، والشوكاني، ونسَبَه البَغَويُّ إلى أكثَرِ المفَسِّرينَ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/149، 150)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (19/126)، ((تفسير الشوكاني)) (5/153)، ((تفسير البغوي)) (4/326). وقال القرطبي: (فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ يُروى أنَّ جِبريلَ عليه السَّلامُ ضَرَبَهم بجَناحِه، فعَمُوا. وقيل: صارت أعينُهم كسائِرِ الوَجهِ لا يُرى لها شَقٌّ، كما تَطمِسُ الرِّيحُ الأعلامَ بما تَسفي عليها مِنَ التُّرابِ. وقيل: لا، بل أعماهم اللهُ مع صِحَّةِ أبصارِهم، فلم يَرَوهم. قال الضَّحَّاكُ: طَمَس اللهُ على أبصارِهم، فلم يرَوُا الرُّسُلَ، فقالوا: لقد رأَيْناهم حينَ دَخَلوا البَيتَ فأين ذَهَبوا؟! فرجَعوا ولم يَرَوهم). ((تفسير القرطبي)) (17/144). وقال ابن عثيمين: (أمَّا كيف طَمَس أعيُنَهم: هل جِبريلُ عليه السَّلامُ ضَرَبَهم بجَناحِه، أو غيرُ ذلك؟ اللهُ أعلَمُ، إنَّما علينا أن نؤمِنَ بأنَّ اللهَ تعالى طَمَس أعيُنَهم، حتَّى أصبَحوا لا يُبصِرونَ). ((تفسير ابن عثيمين: سورة الحجرات - الحديد)) (ص: 286). !
كما قال تعالى: وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ * قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ * قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آَوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ [هود: 78 - 80] .
وقال سُبحانَه: وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ * قَالَ إِنَّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُونِ * وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ * قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ * قَالَ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ [الحجر: 67 - 71] .
فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ.
أي: فذُوقوا -يا مَعشَرَ قَومِ لُوطٍ- عَذابي الَّذي حلَّ بكم، وعاقِبةَ إنذاراتي الَّتي أُنذِرْتُم بها [346] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/152)، ((الهداية)) لمكي بن أبي طالب (11/7202)، ((الوسيط)) للواحدي (4/212)، ((تفسير القرطبي)) (17/144)، ((تفسير ابن عاشور)) (27/206). !
وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ (38).
أي: ولقد صبَّحَ قَومَ لوطٍ أوَّلَ النَّهارِ عَذابٌ ثابِتٌ لا يَنقَطِعُ عنهم [347] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/152، 153)، ((تفسير الزمخشري)) (4/439)، ((تفسير ابن عطية)) (5/219)، ((تفسير القرطبي)) (17/144)، ((تفسير ابن عاشور)) (27/206، 207). قال أبو حيَّان: (عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ: أي: لم يَكشِفْه عنهم كاشِفٌ، بل اتَّصَل بمَوتِهم، ثمَّ بما بعدَ ذلك مِن عذابِ القَبرِ، ثمَّ عذابِ جَهنَّمَ!). ((تفسير أبي حيان)) (10/46). وقال ابنُ عاشور: (المُستَقِرُّ: الثَّابِتُ الدَّائِمُ الَّذي يجري على قُوَّةٍ واحِدةٍ لا يُقلِعُ، حتَّى استأصَلَهم. والعذابُ: هو الخَسفُ ومَطَرُ الحِجارةِ). ((تفسير ابن عاشور)) (27/207). .
قال تعالى: فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ [هود: 82، 83].
وقال سُبحانَه: فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ * فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ [الحجر: 73، 74].
فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (39).
أي: فذُوقوا -يا مَعشَرَ قَومِ لُوطٍ- عَذابي الَّذي حَلَّ بكم، وعاقِبةَ إنذاراتي الَّتي أُنذِرْتُم بها [348] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/153)، ((الهداية)) لمكي بن أبي طالب (11/7202)، ((الوسيط)) للواحدي (4/212)، ((تفسير القرطبي)) (17/144). .
وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (40).
وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ.
أي: ولقد سهَّلْنا القُرآنَ للتَّذَكُّرِ به، وحُصولِ الفَهمِ والاتِّعاظِ به [349] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 432)، ((تفسير ابن جرير)) (22/153)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 1047)، ((تفسير ابن عطية)) (5/215)، ((تفسير القرطبي)) (17/134)، ((تفسير ابن كثير)) (7/478)، ((تفسير السعدي)) (ص: 825)، ((تفسير ابن عاشور)) (27/189، 190)، ((تفسير ابن عثيمين: سورة الحجرات - الحديد)) (ص: 273، 276). .
فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ.
أي: فهل مِن مُتذَكِّرٍ؛ فيتَّعِظَ ويَعتَبِرَ بما في القُرآنِ الكريمِ [350] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/153)، ((تفسير القرطبي)) (17/134)، ((تفسير ابن كثير)) (7/478). ؟

الفوائد التربوية:

في قَولِه تعالى: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يَسَّرَ القرآنَ للذِّكْرِ؛ لِحِفْظِه، ولِفَهْمِ مَعناه، وهذا الخبرُ يُرادُ به الحَثُّ على حِفْظِ القُرآنِ، وعلى تَدَبُّرِ معناه؛ لأنه مُيَسَّرٌ سَهْلٌ [351] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين: سورة الحجرات - الحديد)) (ص: 288). .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- قَولُه تعالى: إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا أَخَذَ منه أهلُ العِلمِ أنَّ اللُّوطيَّ يُقتَلُ بكُلِّ حالٍ -الفاعِلَ والمفعولَ به-، وهذا هو القَولُ الرَّاجِحُ: أنَّ اللِّواطَ يجبُ فيه القَتلُ على كُلِّ حالٍ، وليس كالزِّنا [352] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين: سورة الحجرات - الحديد)) (ص: 287). .
2- في قَولِه تعالى: إِلَّا آَلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ أنَّ لفْظَ «آلِ فلانٍ» إذا أُطلِقَ في الكتابِ والسُّنَّةِ دَخَلَ فيه فُلانٌ [353] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (22/462). .
3- ذِكْرُ بِسَحَرٍ -أي: في وقْتِ السَّحَرِ-؛ للإشارةِ إلى إنجائِهم قُبَيلَ حُلولِ العَذابِ بقَومِهم؛ لقولِه بعْدَه: وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ [354] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/204). [القمر: 38].
4- في قَولِه تعالى: كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ أنَّ إهلاكَ العَدُوِّ هو مِن نِعمةِ اللهِ تعالى [355] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين: سورة الحجرات - الحديد)) (ص: 285). .
5- في قَولِه تعالى: كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ أنَّه كما جازَيْنا لُوطًا وأهْلَه بالإنجاءِ فكذلك نَجزي مَن شَكَر -أي: آمَنَ باللهِ وأطاعه-. قال المفَسِّرونَ: هو وعْدٌ لأمَّةِ محمَّدٍ -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ- بأنَّه يَصونُهم عن الهلاكِ العامِّ [356] يُنظر: ((تفسير ابن عادل)) (18/271). .
6- في قَولِه تعالى: وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ دليلٌ على أنَّ قومَ لوطٍ عَمُوا قبْلَ أنْ يُخسَفَ بهم، ويُمطَرَ عليهم؛ ففيه بيانٌ واضِحٌ -لِمَن تَدَبَّرَه- أنَّ النَّظَرَ إلى المُرْدِ للشَّهوةِ مَعصِيةٌ؛ لأنَّ الملائِكةَ كانوا جاؤوا لوطًا في صُورةِ المُرْدِ مِنَ البَشَرِ، فلمَّا رَمَقُوهم بعَينِ الشَّهوةِ عُوقِبوا بالعَمَى [357] يُنظر: ((النكت الدالة على البيان)) للقصاب (4/209). .
7- في قَولِه تعالى: فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ سؤالٌ: أنَّ النُّذُرَ كيف تُذاقُ؟
الجوابُ: أنَّ المرادَ ثَمَرتُه وفائِدتُه [358] يُنظر: ((تفسير الشربيني)) (4/152). .
8- في قَولِه تعالى: فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ أنَّ لفْظَ «الذَّوقِ» يُستعمَلُ في كلِّ ما يُحَسُّ به ويَجِدُ أَلَمَه أو لَذَّتَه، ولا يَختَصُّ لفظُ «الذَّوقِ» بما يكونُ بالفَمِ [359] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (7/110). !

بلاغة الآيات:

1- قولُه تعالَى: كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ قيل: عُرِّفَ قومُ لُوطٍ بالإضافةِ إليه؛ إذ لم يكُنْ لتلك الأُمَّةِ اسمٌ يُعرَفون به عندَ العرَبِ [360] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/204). .
- ولم يُحْكَ هنا ما تَلقَّى به قومُ لُوطٍ دَعوةَ لُوطٍ، كما حُكِيَ في القصصِ الثَّلاثِ قبْلَ هذه، وقد حُكِيَ ذلك في سُورةِ (الأعرافِ)، وفي سُورةِ (هُودٍ)، وفي سُورةِ (الحِجْرِ)؛ لأنَّ سُورةَ (القمَرِ) بُنِيَت على تَهديدِ المُشرِكين عن إعراضِهم عن الاتِّعاظِ بآياتِ اللهِ الَّتي شاهَدوها، وآثارِ آياتِه على الأُمَمِ الماضيةِ الَّتي عَلِموا أخبارَها، وشَهِدوا آثارَها؛ فلم يكُنْ ثَمَّةَ مُقْتَضٍ لتَفصيلِ أقوالِ تلك الأُمَمِ إلَّا ما كان منها مُشابِهًا لأقوالِ المُشرِكين في تَفصيلِه، ولم تكُنْ أقوالُ قَومِ لوطٍ بتلك المَثابةِ؛ فلذلك اقتُصِرَ فيها على حِكايةِ ما هو مُشترِكٌ بيْنَهم وبيْنَ المُشرِكين، وهو تَكذيبُ رسولِهم، وإعراضُهم عن نُذُرِه [361] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/204). .
2- قولُه تعالَى: إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آَلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ
- قولُه: إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آَلَ لُوطٍ استِئنافٌ بَيانيٌّ ناشئٌ عن الإخبارِ عن قَومِ لوطٍ بأنَّهم كذَّبوا بالنُّذرِ، وكذلك جُملةُ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ [362] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/204). .
- والاستِثناءُ حَقيقيٌّ؛ لأنَّ آلَ لُوطٍ مِن جُملةِ قَومِه، وآلُ لوطٍ: قَرابتُه، وهم بَناتُه، ولُوطٌ داخِلٌ بدَلالةِ الفَحْوى [363] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/204). والمرادُ بالفَحْوى هنا: إثباتُ حُكمِ المنطوقِ به للمَسكوتِ عنه بطريقِ الأَوْلَى. يُنظر: ((تقريب الوصول إلى علم الأصول)) لابن جُزَي (ص: 163)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 860). .
- وقد ذُكِرَ في آياتٍ أُخرى أنَّ زَوجةَ لوطٍ لم يُنَجِّها اللهُ، ولم يُذكَرْ ذلك هنا؛ اكتِفاءً بمَواقِعِ ذِكرِه، وتَنبيهًا على أنَّ مَن لا يُؤمِنُ بالرَّسولِ لا يُعَدُّ مِن آلِه، كما قال: يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ [364] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/204). [هود: 46] .
3- قولُه تعالَى: نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ
- جُملةُ كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ مُعترِضةٌ، وهي استِئنافٌ بَيانيٌّ عن جُملةِ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ [القمر: 34]، باعتِبارِ ما معها مِن الحالِ، أي: إنعامًا مِن أجْلِ أنَّه شكَرَ؛ ففيه إيماءٌ بأنَّ إهلاكَ غيرِهم لأنَّهم كَفَروا، وهذا تَعريضٌ بإنذارِ المُشرِكين، وبِشارةٌ للمؤمنينَ [365] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/205). .
- وفي قولِه: مِنْ عِنْدِنَا تَنويهٌ بشَأْنِ هذه النِّعمةِ؛ لأنَّ ظرْفَ (عِند) يدُلُّ على الادِّخارِ والاستِئثارِ، فذلِكَ أبلَغُ مِن أنْ يُقالَ: نِعمةً مِنَّا، أو: أنعَمْنا [366] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/205). .
- وفي الآيةِ احتِباكٌ [367] الاحتِباكُ: هو الحذفُ مِن الأوائلِ لدَلالةِ الأواخِرِ، والحذفُ مِن الأواخرِ لدَلالةِ الأوائلِ، إذا اجتمَع الحَذفانِ معًا، وله في القرآنِ نظائرُ، وهو مِن إبداعاتِ القرآنِ وعناصرِ إعجازِه، وهو مِن ألطَفِ الأنواعِ. يُنظر: ((الإتقان)) للسيوطي (3/204)، ((البلاغة العربية)) لعبد الرحمن حَبَنَّكَة الميداني (1/347). ؛ فقد ذكَرَ الإنعامَ أوَّلًا -لأنَّه السَّبَبُ الحَقيقيُّ- دليلًا على حَذْفِه ثانيًا، والشُّكرَ ثانيًا -لأنَّه السَّبَبُ الظَّاهِرُ- دليلًا على حَذْفِه أوَّلًا [368] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (19/125). .
4- قولُه تعالَى: وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ عَطفٌ على جُملةِ إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا [القمر: 34]. وتأْكيدُ الكلامِ بلامِ القسَمِ وحرْفِ التَّحقيقِ (قدْ) يُقصَدُ منه تأْكيدُ الغرَضِ الَّذي سِيقَت القصَّةُ مِن أجْلِه، وهو مَوعظةُ قُرَيشٍ الَّذين أنذَرَهم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فتَمارَوا بالنُّذرِ [369] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/205). .
- وفي قولِه: وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا لَطيفةٌ ومُناسَبةٌ حسَنةٌ، حيثُ قال اللهُ تعالَى هاهنا: بَطْشَتَنَا، ولم يقُلْ: (بطْشَنا)، وقال في سُورةِ (البُروجِ): إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ [البروج: 12] ؛ وذلك لأنَّ قولَه تَعالى: إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ بَيانٌ لجِنسِ بطْشِه، فإذا كان جِنسُه شَديدًا؛ فكيف الكُبْرَى منه؟! وأمَّا لُوطٌ عليه السَّلامُ فذَكَرَ لهم البَطْشةَ الكُبرَى؛ لئلَّا يكونَ مُقصِّرًا في التَّبليغِ [370] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (29/315). .
- والتَّماري: تَفاعُلٌ مِن المِراءِ، وهو الشَّكُّ، وصِيغةُ المُفاعَلةِ للمُبالَغةِ [371] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/205). .
- وضُمِّن فَتَمَارَوْا معنى: كذَّبوا؛ فعُدِّيَ بالباءِ [372] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/205). .
5- قولُه تعالَى: وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ إجمالٌ لِمَا ذُكِرَ في غيرِ هذه السُّورةِ في قِصَّةِ قَومِ لوطٍ؛ أنَّه نزَلَ به ضَيفٌ، فرامَ قومُه الفاحشةَ بهم، وعجَزَ لُوطٌ عن دفْعِ قَومِه؛ إذ اقتَحَموا بَيتَه، وأنَّ اللهَ أعْمى أعيُنَهم -على قولٍ في تفسيرِ الآيةِ-، فلمْ يَرَوا كيف يَدخُلون [373] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/205). .
- وأُسنِدَت المُراوَدةُ إلى ضَميرِ قَومِ لُوطٍ وإنْ كان المُراوِدونَ نفَرًا منهم؛ لأنَّ ما راوَدوا عليه هو مُرادُ جَميعِ القومِ، بقَطْعِ النَّظَرِ عن تَعيينِ مَن يَفعَلُه [374] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/206). .
- ويَتعلَّقُ قولُه: عَنْ ضَيْفِهِ بفِعلِ رَاوَدُوهُ بتَقديرِ مُضافٍ، أي: عن تَمكينِهم مِن ضُيوفهِ [375] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/206). . وقيل: ضُمِّنَ رَاوَدُوهُ معْنى دفَعُوه وصَرَفوه؛ فعُدِّيَ بحرْفِ (عَن) [376] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/206). .
- قولُه: فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ مَقولُ قولٍ مَحذوفٍ دلَّ عليه سِياقُ الكلامِ، أي: قُلْنا للنَّفَرِ الَّذين طمَسْنا أعيُنَهم: فذُوقوا عَذابي [377] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (8/173)، ((تفسير ابن عاشور)) (27/206). .
- وعطْفُ النُّذرِ على العَذابِ باعتِبارِ أنَّ العذابَ تَصديقٌ للنُّذرِ، أي: ذُوقوا مِصْداقَ نُذُري [378] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/206). .
- وتَعديةُ فِعلِ فَذُوقُوا إلى نُذُري بتَقديرِ مُضافٍ، أي: وآثارَ نُذُري [379] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/206). .
- وحُذِفَت ياءُ المتكلِّمِ مِن قولِه: وَنُذُرِ؛ تَخفيفًا [380] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/206). .
- وفي تَكرارِ قولِه تعالى: فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ أنَّ سَبَبَ العذابِ التَّكذيبُ بالإنذارِ لأيِّ رَسولٍ كان، وكان استِئنافُ كُلِّ قِصَّةٍ مُنَبِّهًا على أنَّها أهلٌ على حِدَتِها لأنْ يُتَّعَظَ بها [381] يُنظر: ((تفسير الشربيني)) (4/152). !
6- قولُه تعالَى: وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ
- ذِكْرُ بُكْرَةً؛ للدَّلالةِ على تَعجيلِ العذابِ لهم [382] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/207). .
- وفي وصْفِ العَذابِ بالاستِقرارِ إيماءٌ إلى أنَّ ما قبْلَه مِن عَذابِ الطَّمْسِ يَنتهِي إليهِ [383] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (8/173). .
7- قولُه تعالَى: فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ تَفريعُ قَولٍ مَحذوفٍ خُوطِبوا به، مُرادٍ به التَّوبيخُ [384] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (10/46)، ((تفسير أبي السعود)) (8/173)، ((تفسير ابن عاشور)) (27/207). .
- والخِطابُ لجَميعِ الَّذين أصابَهم العذابُ المُستقِرُّ، وبذلك لم تكُنْ هذه الجُملةُ تَكريرًا [385] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/207). .
- والعذابُ الَّذي نزَلَ بهم مِن طمْسِ الأعيُنِ غيرُ العذابِ الَّذي أُهْلِكوا به؛ فلذلك حَسُنَ التَّكريرُ [386] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (17/144). .
- وفائدةُ الإعلامِ بما قِيل لهم مِن قولِه: فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ في الموضِعَينِ: أنْ يَتجدَّدَ عندَ استِماعِ كلِّ نبَأٍ مِن ذلك ادِّكارٌ لهم، واتِّعاظٌ، وإيقاظٌ؛ استيفاءً لحقِّ التَّذكيرِ القُرآنيِّ [387] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/207). .
8- قولُه تعالَى: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ تَكريرٌ ثالثٌ؛ تَنويهًا بشأْنِ القرآنِ؛ للخُصوصيَّةِ الَّتي تقدَّمت في المواضعِ الَّتي كُرِّرَ فيها نَظيرُه وما يُقارِبُه، وخاصَّةً في نَظيرِه المُوالي هو له. ولم يُذكَرْ هنا فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ؛ اكتِفاءً بحِكايةِ التَّنكيلِ لقَومِ لُوطٍ في التَّعريضِ بتَهديدِ المُشرِكين [388] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/207). .