موسوعة التفسير

سُورةُ القَمَرِ
الآيات (23-32)

ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ

غريب الكلمات:

وَسُعُرٍ: أي: شَقاءٍ وعَناءٍ وعَذابٍ، أو جُنُونٍ؛ مِن قَولِهم: ناقةٌ مَسعورةٌ: إذا كانت كأنَّ بها جُنونًا، وأصلُ (سعر): يدُلُّ على اشتِعالِ شَيءٍ واتِّقادِه [242] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 433)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 277)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/75)، ((البسيط)) للواحدي (21/107)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 380)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 399). .
أَشِرٌ: أي: مُتكَبِّرٌ بَطِرٌ يُريدُ أن يَتعظَّمَ علينا بالنُّبُوَّةِ. والأَشَرُ: المَرَحُ والتَّجَبُّرُ والكِبرياءُ، وأصلُ (أشر): يدُلُّ على الحِدَّةِ [243] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 433)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 82)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/108)، ((البسيط)) للواحدي (21/108)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 398)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 122). .
فِتْنَةً: أي: اختِبارًا، وابتِلاءً، وامتِحانًا، وأصلُ (فتن): يدُلُّ على اختِبارٍ وابتِلاءٍ [244] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 76، 101)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/472، 473)، ((المفردات)) للراغب (ص: 624)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 29، 139 - 140). .
فَارْتَقِبْهُمْ: أي: فانتَظِرْهم وتَبصَّرْ ما هم صانِعوه، وأصلُ (رقب): يدُلُّ على انتِصابٍ لِمُراعاةِ شَيءٍ [245] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/142)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/427)، ((تفسير القرطبي)) (17/140)، ((تفسير ابن كثير)) (7/479). .
شِرْبٍ: أي: نصيبٍ وحظٍّ مِن المَاءِ [246] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 433)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 293)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/267)، ((تحفة الأريب)) لأبي حيان (ص: 182)، ((المفردات)) للراغب (ص: 448)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 251). .
مُحْتَضَرٌ: أي: محضورٌ مَشهودٌ، وأصلُ (حضر): يدُلُّ على الوُرودِ والمُشاهَدةِ [247] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 433)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/75)، ((المفردات)) للراغب (ص: 242)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 380)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 398). .
فَتَعَاطَى: أي: فتَناوَلَ النَّاقةَ؛ مِنَ العَطوِ: وهو التَّناوُلُ باليَدِ، وأصلُ (عطو): يدُلُّ على أخذٍ ومُناوَلةٍ [248] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/143)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/353)، ((البسيط)) للواحدي (21/111)، ((تفسير ابن كثير)) (7/479). .
فَعَقَرَ: أي: قَتَل ونَحَر، وأصلُ (عقر) هنا: يدُلُّ على جَرحٍ [249] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 433)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/90)، ((المفردات)) للراغب (ص: 577)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 381). .
صَيْحَةً: الصَّيحةُ: المرَّةُ مِن الصَّوتِ الشَّديدِ، المُزعِجِ المُهلِكِ، وأصلُ (صيح): يدُلُّ على الصَّوتِ العالي [250] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/324)، ((المفردات)) للراغب (ص: 496)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (7/22). .
كَهَشِيمِ: الهشيمُ: هو ما يَبِسَ مِنَ الوَرَقِ وتكَسَّرَ وتحطَّمَ، وأصلُ (هشم): يدُلُّ على الكَسرِ [251] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 434)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (6/53)، ((البسيط)) للواحدي (21/112)، ((المفردات)) للراغب (ص: 842)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 381). .
الْمُحْتَظِرِ: أي: صاحِبِ الحَظيرةِ؛ يُقالُ: احتَظَر على نَعَمِه وحَظَر: إذا جَمَع الشَّجَرَ ووَضَع بَعضَه فَوقَ بَعضٍ؛ لِيَمنَعَ بَرْدَ الرِّيحِ عن النَّعَمِ، وأصلُ (حظر): يدُلُّ على المَنعِ [252] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 434)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/80، 81)، ((البسيط)) للواحدي (21/112)، ((المفردات)) للراغب (ص: 243)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 398)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 359). .

المعنى الإجمالي:

يقولُ الله تعالى مبيِّنًا موقفَ ثَمُودَ مِن نبيِّهم صالحٍ عليه السَّلامُ: كذَّبت ثَمُودُ -قَومُ صالحٍ- بنُذُرِ اللهِ الَّتي تُنذِرُهم عَذابَه! فقالوا: أبَشَرًا مِثلَنا واحِدًا نتَّبِعُه؟ إنَّا إنِ اتَّبَعْناه لَفِي ذَهابٍ عن الحقِّ والصَّوابِ، وفي شَقاءٍ وعَذابٍ. أأُنزِلَ الوَحيُ عليه مِن بَيْنِنا؟! كيف يكونُ ذلك؟ بل هو كذَّابٌ مُتجَبِّرٌ مُتكَبِّرٌ مُعجَبٌ بنَفْسِه. فقال اللهُ تعالى ردًّا عليهم، ومهدِّدًا لهم: سيَعلَمونَ قَريبًا: مَنِ الكَذَّابُ المُتجَبِّرُ المُتكَبِّرُ؟!
ثمَّ يبيِّنُ الله تعالى ما اختَبر به قومَ صالحٍ، وما أمَر به نبيَّه صالحًا عليه السَّلامُ، فيقولُ: إنَّا مُرسِلو النَّاقةِ؛ اختِبارًا لِثَمودَ، فتَرقَّبْهم -يا صالِحُ- وانظُرْ ماذا يَصنَعون، واصبِرْ عليهم صَبرًا بالِغًا، وأخبِرْهم أنَّ ماءَ القَريةِ مَقسومٌ بَيْنَهم وبيْنَ النَّاقةِ؛ فلَها يَومٌ تَشرَبُ فيه مِن ذلك الماءِ، ولهم يومٌ يَشرَبونَ فيه مِنه، كُلُّ شِربٍ مَحضورٌ مَشهودٌ؛ فإذا كان يومُ النَّاقةِ حَضَرت نصيبَها مِن الماءِ، وإذا كان يومُ ثَمودَ حَضَروا نصيبَهم مِن الماءِ.
ثمَّ يقولُ الله تعالى مبيِّنًا ما كان مِن ثمودَ واتِّفاقِهم على قتلِ النَّاقةِ: فنادى كُفَّارُ ثَمودَ صاحِبَهم وأشقاهم، فنَحَرَ النَّاقةَ، فكيف كان عذابي لِثَمودَ؟ وكيف كان إنذاري بتلك العُقوبةِ مَن نَهَج نَهْجَهم؟!
ثمَّ يُبيِّنُ تعالى ما حلَّ بهم مِن عذابٍ، فيقولُ: إنَّا أرسَلْنا على ثمودَ صيَحةً واحِدةً عَظيمةً، فأهلَكَتْهم! فصاروا كحُطامِ النَّباتِ المتفَتِّتِ الَّذي يجمعُه مَن يَصنعُ الحظيرةَ.
ثمَّ يختِمُ الله سبحانَه هذه القصَّةَ بما ختَم به القصَّتينِ السَّابقتَينِ، فيقولُ: ولقد سهَّلْنا القُرآنَ للتَّذَكُّرِ به، والاتِّعاظِ، فهل مِن مُتذَكِّرٍ؟

تفسير الآيات:

كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (23).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا انقَضَت قِصَّةُ عادٍ؛ ذَكَر تعالى قِصَّةَ ثمَودَ؛ لأنَّها تلي قِصَّةَ عادٍ في الفَظاعةِ، فقال تعالى [253] يُنظر: ((تفسير الشربيني)) (4/147). :
كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (23).
أي: كذَّبت قَبيلةُ ثَمُودَ -قَومِ صالحٍ- بما جاءَهم مِنَ اللهِ مِن النُّذرِ الَّتي تُنذِرُهم عَذابَه [254] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/139)، ((تفسير القرطبي)) (17/137)، ((تفسير ابن كثير)) (7/479)، ((تفسير السعدي)) (ص: 826)، ((تفسير ابن عاشور)) (27/195، 196). قال القرطبي: (قَولُه تعالى: كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ هم قومُ صالحٍ، كَذَّبوا الرُّسُلَ ونَبيَّهم، أو كذَّبوا بالآياتِ الَّتي هي النُّذُرُ). ((تفسير القرطبي)) (17/137). ويُنظر: ((تفسير الشوكاني)) (5/151). !
فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (24).
فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ.
أي: فقال كُفَّارُ ثَمُودَ: هو آدَميٌّ مِثلُنا، ورَجُلٌ واحِدٌ فحَسْبُ، فكيف نتَّبِعُه [255] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/139)، ((الوسيط)) للواحدي (4/210)، ((تفسير السعدي)) (ص: 826)، ((تفسير ابن عاشور)) (27/196). قال ابنُ عاشور: (وَصْفُ «بَشَرًا» بـ وَاحِدًا: إمَّا بمعنى أنَّه مُنفَرِدٌ في دَعوتِه، لا أتْباعَ له ولا نُصَراءَ، وإمَّا بمعنى أنَّه مِن جملةِ آحادِ النَّاسِ، أي: ليس مِن أفضَلِنا، وإمَّا بمعنى أنَّه مُنفَرِدٌ في ادِّعاءِ الرِّسالةِ، لا سلَفَ له). ((تفسير ابن عاشور)) (27/196، 197). ؟
إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ.
أي: إنَّا إنِ اتَّبَعْناه لَفي ذَهابٍ عن الحقِّ والصَّوابِ، وفي شَقاءٍ وعَذابٍ [256] يُنظر: ((معاني القرآن)) للفراء (3/108)، ((تفسير ابن جرير)) (22/139)، ((تفسير القرطبي)) (17/138)، ((تفسير ابن كثير)) (7/479)، ((تفسير السعدي)) (ص: 826)، ((تفسير ابن عاشور)) (27/197)، ((تفسير ابن عثيمين: سورة الحجرات - الحديد)) (ص: 279). قيل: السُّعُرُ: بمعنى: العَناءِ. وممَّن قال بهذا المعنى: مقاتلُ بنُ سُلَيمانَ، والفرَّاءُ، والسَّمعانيُّ. يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (4/181)، ((معاني القرآن)) للفراء (3/108)، ((تفسير السمعاني)) (5/313). وممَّن قال بهذا القولِ مِن السَّلفِ: ابنُ عبَّاسٍ في روايةٍ عنه، وقَتادةُ، والحسَنُ، والكلبيُّ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/140)، ((البسيط)) للواحدي (21/107)، ((الدر المنثور)) للسيوطي (7/679). وقيل: السُّعُرُ هنا: الجُنونُ. ومِمَّن ذهب إلى ذلك: الزَّجَّاجُ، والقرطبيُّ، وابنُ عاشور. يُنظر: ((معاني القرآن وإعرابه)) للزجاج (5/89)، ((تفسير القرطبي)) (17/138)، ((تفسير ابن عاشور)) (27/197). وممَّن قال بهذا القولِ مِن السَّلفِ: ابنُ عبَّاسٍ في روايةٍ عنه. يُنظر: ((البسيط)) للواحدي (21/ 107). قال ابن عطيَّة: (وَسُعُرٍ معناه: في احتِراقِ أنفُسٍ واستِعارِها حَنَقًا وهَمًّا باتِّباعِه). ((تفسير ابن عطية)) (5/217). !
أَؤُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ (25).
أَؤُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا.
أي: وقالوا: أأُنزِلَ الوَحيُ على هذا الرَّجُلِ فاختُصَّ بالنُّبُوَّةِ مِن بَيْنِنا؟! كيف يكونُ ذلك؟ وأيُّ مَزيَّةٍ له علينا حتَّى يَستَحِقَّ ذلك [257] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/140)، ((تفسير القرطبي)) (17/138)، ((تفسير السعدي)) (ص: 826). ؟!
بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ.
أي: وقالوا: لمْ يختَصَّ اللهُ صالِحًا بالوَحيِ والنُّبُوَّةِ، وإنَّما هو امرُؤٌ كَذَّابٌ، كَثيرُ المَرَحِ والتَّجَبُّرِ والتَّكبُّرِ، فهو مُعجَبٌ بنَفْسِه، مُدَّعٍ ما ليس له [258] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 433)، ((تفسير ابن جرير)) (22/140)، ((تفسير القرطبي)) (17/138)، ((تفسير ابن كثير)) (7/479)، ((تفسير السعدي)) (ص: 826)، ((تفسير ابن عاشور)) (27/198). !
سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ (26).
أي: قال اللهُ تعالى: سيَعلَمونَ قَريبًا حينَ يأتيهم العَذابُ: مَنِ الكَذَّابُ، الكَثيرُ المَرَحِ والتَّجَبُّرِ والتكَبُّرِ: أصالِحٌ أم قَومُه [259] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 433)، ((تفسير ابن جرير)) (22/141)، ((تفسير القرطبي)) (17/139)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (19/119)، ((تفسير ابن عاشور)) (27/198). قال القرطبي: (سَيَعْلَمُونَ غَدًا أي: سيَرَونَ العَذابَ يومَ القيامةِ، أو في حالِ نُزولِ العَذابِ بهم في الدُّنيا). ((تفسير القرطبي)) (17/139). ؟!
إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ (27).
إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ.
أي: إنَّا باعِثُو النَّاقةِ؛ اختِبارًا وامتِحانًا لِثَمودَ؛ فإمَّا أن يُؤمِنوا باللهِ ويتَّبِعوا نَبيَّه صالِحًا، أو يُكَذِّبوه ويَكفُروا باللهِ تعالى [260] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/141)، ((تفسير ابن كثير)) (7/479)، ((تفسير السعدي)) (ص: 826)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (7/479). قال السعدي: (أرسَل اللهُ النَّاقةَ الَّتي هي مِن أكبَرِ النِّعَمِ عليهم، آيةً مِن آياتِ الله، ونعمةً يَحتلِبون مِن ضَرْعِها ما يكفيهم أجمَعينَ، فِتْنَةً لَهُمْ أي: اختِبارًا منه لهم وامتِحانًا). ((تفسير السعدي)) (ص: 826). وقال الشنقيطي: (فِتْنَةً لَهُمْ أي: ابتِلاءً واختِبارًا، وهو مفعولٌ مِن أجْلِه؛ لأنَّهم اقترَحوا على صالحٍ إخراجَ ناقةٍ مِن صخرةٍ، وأنَّها إن خرجتْ لهم منها آمَنوا به واتَّبَعوه، فأخرَج اللهُ النَّاقةَ مِن تلك الصَّخرةِ مُعجِزةً لصالحٍ، وفِتْنةً لهم، أي: ابتِلاءً واختِبارًا؛ وذلك أنَّ تلك النَّاقةَ مُعجِزةٌ عايَنوها، وأنَّ اللهَ حذَّرهم على لسانِ نبيِّه صالحٍ مِن أن يَمَسُّوها بسوءٍ، وأنَّهم إن تعرَّضوا لها بأذًى أخَذَهم اللهُ بعذابِه). ((أضواء البيان)) (7/479). ويُنظر: ((تفسير الرازي)) (14/305). .
كما قال الله تبارك وتعالى: قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آَيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [الأعراف: 73] .
وقال سُبحانَه: وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آَيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ [هود: 64] .
وقال عزَّ وجلَّ: وَآَتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا [الإسراء: 59] .
فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ.
أي: فتَرقَّبْ -يا صالِحُ- وانظُرْ ما يَحصُلُ لهم مِنَ الفِتنةِ عندَ ظُهورِ النَّاقةِ، وما هم صانِعوه فيها، واصبِرْ عليهم صَبرًا قَويًّا بالِغًا [261] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/142)، ((تفسير القرطبي)) (17/140)، ((تفسير السعدي)) (ص: 826). قال ابن عاشور: (الارتقابُ: الانتظارُ... والمعنى: فارتقِبْ ما يحصُلُ لهم مِن الفتنةِ عندَ ظهورِ النَّاقةِ. والاصطبارُ: الصَّبرُ القويُّ... أي: اصبِرْ صبرًا لا يَعتريه مللٌ ولا ضجَرٌ، أي: اصبِرْ على تكذيبِهم، ولا تيأسْ مِن النَّصرِ عليهم). ((تفسير ابن عاشور)) (27/200). .
وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ (28).
وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ.
أي: وأخبِرْهم أنَّ ماءَ القَريةِ مَقسومٌ بَيْنَهم وبيْنَ النَّاقةِ؛ فلَها يَومٌ تَشرَبُ فيه مِن ذلك الماءِ، ولهم يومٌ يَشرَبونَ فيه مِنه [262] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/142)، ((تفسير القرطبي)) (17/140)، ((تفسير ابن كثير)) (7/479)، ((تفسير الشوكاني)) (5/152)، ((تفسير السعدي)) (ص: 826)، ((تفسير ابن عاشور)) (27/200، 201). .
كما قال تعالى: قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ [الشعراء: 155] .
كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ.
أي: إذا كان يومُ النَّاقةِ حَضَرت نصيبَها مِن الماءِ، وإذا كان يومُ ثَمودَ حَضَروا نصيبَهم مِن الماءِ [263] يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (4/181)، ((معاني القرآن)) للفراء (3/108)، ((معاني القرآن)) للزجاج (5/90)، ((الوسيط)) للواحدي (4/211)، ((تفسير القرطبي)) (17/141)، ((تفسير الخازن)) (4/220)، ((تفسير السعدي)) (ص: 826)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (7/480). قال ابنُ عاشور: (هذا مِن جملةِ ما أُمِرَ رَسولُهم بأن يُنَبِّئَهم به، أي: لا يَحضُرِ القَومُ في يَومِ شِرْبِ النَّاقةِ، وهي بإلهامِ اللهِ لا تَحضُرُ في أيَّامِ شِرْبِ القَومِ، والشِّرْبُ -بكَسرِ الشِّينِ-: نَوبةُ الاستِقاءِ مِن الماءِ). ((تفسير ابن عاشور)) (27/201). وقيل: المعنى: أنَّ ثمودَ يَحضُرونَ في يَومِهم إذا غابت النَّاقةُ فيَشرَبونَ مِن الماءِ، ويَحضُرونَ في يومِ النَّاقةِ فيَشرَبونَ مِن لَبَنِها. وممَّن ذهب إلى هذا المعنى: ابنُ جرير، وممَّن قال به مِن السَّلفِ: مجاهدٌ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/143). .
فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ (29).
فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ.
أي: فنادى كُفَّارُ ثَمودَ صاحِبَهم وأشقاهم لِعَقرِ النَّاقةِ [264] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/143)، ((تفسير القرطبي)) (17/141)، ((تفسير السعدي)) (ص: 827). قال ابنُ كثير: (قال المفسِّرون: هو عاقِرُ النَّاقةِ، واسمُه قُدارُ بنُ سالفٍ، وكان أشقى قَومِه!). ((تفسير ابن كثير)) (7/479). قال ابنُ عاشور: (العَقرُ: أصلُه: ضَربُ البَعيرِ بالسَّيفِ على عراقيبِه؛ لِيَسقُطَ إلى الأرضِ جاثيًا، فيتَمكَّنَ النَّاحِرُ مِن نَحْرِه). ((تفسير ابن عاشور)) (27/202). .
كما قال تعالى: إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا [الشمس: 12] .
فَتَعَاطَى فَعَقَرَ.
أي: فباشَرَ قَتْلَها بنَفْسِه [265] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 433)، ((تفسير ابن جرير)) (22/143)، ((تفسير القرطبي)) (17/141)، ((تفسير ابن كثير)) (7/479)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (7/ 481، 482). .
فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (30).
أي: فكيف كان عَذابي لِثَمودَ على كُفرِهم؟ وكيف كان إنذاري بتلك العُقوبةِ للكُفَّارِ مِن غَيرِهم؛ لِيَحذَروا أن يَحُلَّ بهم العَذابُ [266] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/143)، ((تفسير ابن كثير)) (7/479، 480). ؟
ثُمَّ بَيَّن الله تعالى ما أجْمَله مِن العذابِ، فقالَ [267] يُنظر: ((تفسير الشوكاني)) (5/153). :
إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ (31).
إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً.
أي: إنَّا أرسَلْنا على ثمودَ صيَحةً واحِدةً عَظيمةً، فأهلَكَتْهم [268] يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (4/182)، ((تفسير ابن عثيمين: سورة الحجرات - الحديد)) (ص: 283). وقد ذهب مقاتلُ بنُ سُلَيمانَ، والزمخشريُّ، والقرطبيُّ: إلى أنَّ الصَّيحةَ كانت صادِرةً مِن جِبريلَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ. يُنظر: ((مقاتل بن سليمان)) (4/182)، ((تفسير الزمخشري)) (4/438)، ((تفسير القرطبي)) (17/142). وقال الواحدي: (يعني: الصَّاعِقةَ الَّتي أخذَتْهم، وهي مذكورةٌ في مواضِعَ مِن التَّنزيلِ. وقال عَطاءٌ: يُريدُ صَيحةَ جِبريلَ). ((البسيط)) (21/112). !
كما قال تعالى: وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ [هود: 67] .
وقال سُبحانَه: فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ [الحجر: 83] .
فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ.
أي: فصاروا كحُطامِ النَّباتِ وما تكَسَّرَ مِنَ الشَّجَرِ اليابِسِ الَّذي يجمعُه مَن يصنعُ الحظيرةَ [269] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/144)، ((الوسيط)) للواحدي (4/211)، ((تفسير ابن كثير)) (7/480)، ((تفسير ابن عاشور)) (27/202، 203). قال القاسمي: (فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ أي: كالشَّجرِ اليابسِ المُتكسِّرِ، الَّذي يتَّخِذُه مَن يَعملُ الحَظيرةَ للغنَمِ ونحوِها. أو كالحشيشِ اليابسِ الَّذي يَجمَعُه صاحبُ الحظيرةِ لماشيتِه في الشِّتاءِ). ((تفسير القاسمي)) (9/93). والمُحتَظِرُ: قيل: هو صاحِبُ الحَظيرةِ، فكأنَّه يعني: صاحِبَ الغَنَمِ الَّذي يجمَعُ الحَشيشَ في الحظيرةِ لغَنَمِه. وممَّن قال بهذا المعنى في الجملةِ: ابنُ قُتَيْبةَ، والألوسيُّ. يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 434)، ((تفسير الألوسي)) (14/89). وقيل: المُحتظِرُ: الَّذي يَعمَلُ الحَظيرةَ، وهي حائِطٌ مِن الأغصانِ أو القَصَبِ ونحوِ ذلك، وما يُحتظَرُ به يَيبَسُ بطُولِ الزَّمانِ، وتطَؤُه البهائمُ فيَتحطَّمُ ويَتهشَّمُ. وممَّن قال بهذا: الواحديُّ، والزَّمخشريُّ، والنَّسَفيُّ، وابنُ جُزَي، وجلالُ الدِّينِ المحلِّيُّ، والشَّوكانيُّ. يُنظر: ((الوجيز)) للواحدي (ص: 1048)، ((تفسير الزمخشري)) (4/438)، ((تفسير النسفي)) (3/404)، ((تفسير ابن جزي)) (2/325)، ((تفسير الجلالين)) (ص: 707)، ((تفسير الشوكاني)) (5/153). وممَّن قال بهذا القولِ مِن السَّلفِ: ابنُ عبَّاسٍ في روايةٍ عنه. يُنظر: ((تفسير الثعلبي)) (9/168)، ((تفسير البغوي)) (4/325). قال السَّمينُ الحَلَبي: (أي: لَمَّا هَلَكوا صاروا مِثلَ حُطامِ النَّباتِ الَّذي يتَّخِذُه الرَّاعي حَظيرةً، في كَونِه هشيمًا مُتكَسِّرًا، ولله دَرُّ القُرآنِ! ما أبلَغَ تَشبيهاتِه!). ((عمدة الحفاظ)) (4/252). وقال ابنُ عطية: (قرأ جمهورُ النَّاسِ: كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ بكَسرِ الظَّاءِ، ومعناه: الَّذي يَصنَعُ حَظيرةً؛ مِن الرِّعاءِ ونَحوِهم، قاله أبو إسحاقَ السَّبيعيُّ، والضَّحَّاكُ، وابنُ زَيدٍ، وهي مأخوذةٌ مِن الحَظْرِ، وهو المنعُ، والعرَبُ وأهلُ البوادي يَصنَعونَها للمَواشي وللسُّكنى أيضًا مِنَ الأغصانِ والشَّجَرِ المُورِقِ والقَصَبِ ونَحوِه، وهذا كُلُّه هَشيمٌ يَتفَتَّتُ إمَّا في أوَّلِ الصَّنعةِ، وإمَّا عندَ بِلَى الحَظيرةِ وتَساقُطِ أجزائِها). ((تفسير ابن عطية)) (5/218). .
وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (32).
وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ.
أي: ولقد سهَّلْنا القُرآنَ للتَّذَكُّرِ به، وحُصولِ الفَهمِ والاتِّعاظِ به [270] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 432)، ((تفسير ابن جرير)) (22/148)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 1047)، ((تفسير ابن عطية)) (5/215)، ((تفسير القرطبي)) (17/134)، ((تفسير ابن كثير)) (7/478)، ((تفسير السعدي)) (ص: 825)، ((تفسير ابن عاشور)) (27/ 189، 190)، ((تفسير ابن عثيمين: سورة الحجرات - الحديد)) (ص: 273، 276). .
فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ.
أي: فهل مِن مُتذَكِّرٍ؛ فيَتَّعِظَ ويَعتَبِرَ بما في القُرآنِ [271] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/148)، ((تفسير القرطبي)) (17/134)، ((تفسير ابن كثير)) (7/478). ؟

الفوائد التربوية:

1- في قَولِه تعالى: إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ إشارةٌ إلى أنَّ اللهَ تعالى قد يُظْهِرُ للإنسانِ مِن الآياتِ ما يُؤْمِنُ على مِثْلِه البشَرُ، حتَّى إذا استكبرَ كان استِكبارُه عن عِلْمٍ، فكان عِقابُه أشدَّ وأوجَعَ؛ ولهذا جَعَلَ اللهُ النَّاقةَ فِتنةً؛ لأنَّها أظهرَتِ الحقَّ لهم، ولكِنْ لم يَقبَلوه، وانتبِهْ لهذا الاستِدراجِ مِن اللهِ عزَّ وجلَّ، إذا يَسَّرَ اللهُ لك أسبابَ المعصيةِ فلا تَفعَلْ؛ فإنَّ اللهَ رُبَّما يُيَسِّرُ أسبابَ المعصيةِ للإنسانِ؛ فِتنةً له [272] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين: سورة الحجرات - الحديد)) (ص: 281). .
2- في قَولِه تعالى: فَارْتَقِبْهُمْ لم يَقُلْ: «فارتَقِبِ العذابَ»؛ إشارةً إلى حُسنِ الأدَبِ، والاجتِنابِ عن طَلَبِ الشَّرِّ [273] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (29/310). .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- في قَولِه تعالى: كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ سؤالٌ عن وَجهِ قَولِه تعالى هنا: بِالنُّذُرِ، وفي قِصَّةِ عادٍ قال: كَذَّبَتْ [القمر: 18] ولم يقُلْ: «بالنُّذُرِ»، وفي قِصَّةِ نوحٍ قال: كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ [القمر: 9]!
الجوابُ: أنَّ المرادَ بقَولِه: كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ أنَّ عادتَهم ومَذهَبَهم إنكارُ الرُّسُلِ وتَكذيبُهم؛ فكَذَّبوا نُوحًا بِناءً على مذهبِهم، وإنَّما صَرَّح هاهنا؛ لأنَّ كلَّ قَومٍ يأتُونَ بعدَ قَومٍ، وأتاهما رَسولانِ، فالمكَذِّبُ المتأخِّرُ يُكَذِّبُ المُرسَلينَ جَميعًا حَقيقةً، والأوَّلونَ يُكَذِّبونَ رَسولًا واحِدًا حَقيقةً، ويَلزَمُهم تَكذيبُ مَن بَعْدَه بِناءً على ذلك؛ لأنَّهم لَمَّا كَذَّبوا مَن تقَدَّمَ في قَولِه: «اللهُ تعالى واحِدٌ، والحَشرُ كائِنٌ» ومَن أُرسِلَ بعْدَه كذلك في قَولِه ومَذْهَبِه- لَزِمَ منه أن يكَذِّبوه [274] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (29/305). .
2- في قَولِه تعالى: فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ أنَّ المُشابَهةَ في البَشَريَّةِ لا تَستَلزِمُ عدَمَ التَّفاوُتِ في فَضلِ اللهِ تعالى! كما قال جَلَّ وعلا: فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا [التغابن: 6] ، وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ [المؤمنون: 34] ، وهذا كثيرٌ في القُرآنِ، وهذه الأقيِسةُ فاسدةٌ [275] يُنظر: ((العذب النمير)) للشنقيطي (3/142). !
3- في قَولِه تعالى؛ إنكارًا على ثَمودَ: فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ حُجَّةٌ واضحةٌ في قَبولِ خبرِ الواحدِ العَدْلِ، ورَدٌّ على مَن يَرُدُّه؛ لأنَّ ثمودَ مع بشَريَّةِ صالحٍ أَنكَروا وَحْدَتَه، فكذَّبوه لذلك [276] يُنظر: ((النكت الدالة على البيان)) للقصاب (4/208). !
4- في قَولِه تعالى: فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ أنَّ هذا الكَلامَ مِن ضَلالِهم وشَقائِهم؛ فإنَّهم أَنِفُوا أن يتَّبِعوا رَسولًا مِنَ البَشَرِ، ولم يَأنَفوا أن يكونوا عابِدينَ للشَّجَرِ والحَجَرِ والصُّوَرِ [277] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 826). !
5- في قَولِه تعالى: أَؤُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ أنَّ مِن مَدارِكِ عُقولِ الجَهَلةِ قِياسَ الأُمورِ بمقاييسِ قُصورِ أفهامِهم، ويَحسَبونَ أنَّ أسبابَ الأَثَرةِ في العاداتِ هي أسبابُها في الحقائِقِ [278] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/197). !
6- في قَولِه تعالى: أَؤُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ مع قَولِه عن مُشرِكي قُرَيشٍ: وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْءانُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ [الزخرف: 31] فيه أنَّ قُلوبَ الكُفَّارِ مُتشابِهةٌ، فكانت أعمالُهم مُتشابِهةً، كما قال تعالى: كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ [البقرة: 118] ، وقال تعالى: أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ [279] يُنظر: ((أضواء البيان)) للشنقيطي (7/112). [الذاريات: 53]!
7- في قَولِه تعالى: وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ دَلالةٌ على جوازِ «المُهايَأةِ» [280] المُهايَأةُ: هي أنْ يَتَواضَعوا على أمرٍ فيَتَراضَوْا به، وحقيقَتُه أنَّ كلًّا منهم يرضَى بحالةٍ واحدةٍ ويختارُها. أو هي مُقاسَمةُ المنافِعِ، وهي أنْ يَتراضى الشَّريكانِ أنْ يَنتَفِعَ هذا بهذا النِّصفِ المُفْرَزِ، وذاك بذاك النِّصفِ، أو هذا بكلِّه في كذا مِن الزَّمانِ، وذاك بكُلِّه في كذا مِن الزَّمانِ بقَدرِ مُدَّةِ الأوَّلِ. يُنظر: ((طلبة الطلبة)) للنسفي (ص: 127)، ((المغرب في ترتيب المعرب)) للمُطَرِّزي (ص: 509). على الماءِ [281] يُنظر: ((أحكام القرآن)) لِلْكِيَا الهَرَّاسي (4/395)، ((الإكليل في استنباط التنزيل)) للسيوطي (ص: 252). .
8- في قَولِه تعالى: وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ دَليلٌ على أنَّ الماءَ مَقسومٌ بيْنَ النَّاسِ، ليس لأحدٍ أنْ يَنفَرِدَ به، ويَمنعَ غيرَه، فما كان مِن السَّماءِ والأنهارِ والعُيونِ فالقِسمةُ واقعةٌ عليه بالسَّوِيَّةِ، وما كان يَجري بالنَّفَقةِ والكُلْفةِ فهو لِمَن أجراه وأَنفقَ عليه؛ يَمنَعُه ممَّن أحَبَّ إلَّا الشَّفةَ [282] الشَّفَةُ واحدةُ الشِّفاهِ، أصلُها شَفَهَةٌ، أُسقِطَت الهاءُ تَخفيفًا، والمرادُ الشُّرْبُ بالشِّفاهِ، وأهلُ الشَّفَةِ هم الَّذين لهم حَقُّ الشُّرْبِ بشِفاهِهم، وسَقْيُ دَوابِّهم والاستِقاءُ بالأوانِي، دونَ سقيِ الأراضي. يُنظر: ((طلبة الطلبة)) للنسفي (ص: 156)، ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (10/79). ، فلا يجوزُ مَنعُه بوَجهٍ مِن الوُجوهِ، إلَّا أنْ يُحرَزَ منه شَيءٌ في بيتٍ أو رَكْوةٍ أو آنيةٍ، أو ما أشْبَهَ ذلك [283] يُنظر: ((النكت الدالة على البيان)) للقصاب (4/208). .
9- قولُه تعالَى: فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ فيه دَلالةٌ على أنَّ عاقرَ النَّاقةِ واحدٌ، وقد جاءتْ آياتٌ أُخَرُ تدُلُّ على كَونِه غيرَ واحدٍ، كقولِه: فَعَقَرُوا النَّاقَةَ [الأعراف: 77] ، وقولِه: فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا [الشمس: 14] ؟
والجوابُ مِن وجهَينِ:
 الأوَّلُ: أنَّهم تَمالَؤوا كلُّهم على عَقْرِها، فانْبَعَث أشْقاهم لمُباشَرةِ الفِعلِ؛ فأُسنِدَ العقْرُ إليهم؛ لأنَّه برِضاهم ومُمالأتِهم. فثَمودُ اتَّفَقوا كلُّهم على عقْرِ الناقةِ، فنادَوا واحدًا منهم ليُنفِّذَ ما اتَّفَقوا عليه؛ أصالةً عن نفْسِه، ونِيابةً عن غيرِه. ومَعلومٌ أنَّ المُتمالئِينَ على العقْرِ كُلهم عاقِرون، وصحَّت نِسبةُ العقْرِ إلى المُنفِّذِ المباشِرِ للعقرِ، وصحَّت نِسبتُه أيضًا إلى الجميعِ؛ لأنَّهم مُتمالِئون، كما دلَّ عليه تَرتيبُ تَعاطي العقْرِ بالفاءِ في قولِه: فَتَعَاطَى فَعَقَرَ على نِدائِهم صاحبَهم؛ ليَنوبَ عنهم في مُباشَرةِ العقْرِ في قولِه تَعالى: فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ، أي: نادَوه ليَعقِرَها.
 الوجهُ الثَّاني: أنَّه مِن إسنادِ الفعلِ إلى المجموعِ مُرادًا به بَعضُه [284] يُنظر: ((دفع إيهام الاضطراب)) للشنقيطي (ص: 226)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (7/481). .
10- في قَولِه تعالى: إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً مُناسَبةٌ في أخذِ ثَمودَ بالصَّيحةِ الطَّاغيةِ؛ لأنَّهم نَادَوا صاحِبَهم فَتَعَاطَى فَعَقَرَ، فلمَّا كان نِداؤُهم صاحِبَهم سَبَبًا في عَقرِ النَّاقةِ، كان هَلاكُهم بالصَّيحةِ الطَّاغيةِ [285] يُنظر: ((تتمة أضواء البيان)) لعطية سالم (8/259). !
11- عبَّر الله عزَّ وجلَّ عن الهلاكِ الَّذي أهلَك به ثمودَ بعِباراتٍ مُختلِفةٍ؛ فذكره في مَواضِعَ مِن كتابِه باسمِ الصَّيحةِ، ومِن ذلك قولُه هنا: إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً.
وعبَّر عنه بالصَّاعِقةِ في مَواضِعَ مِن كتابِه، منها قولُه تعالى في سورةِ (الذَّارياتِ): وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ * فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ [الذاريات: 43، 44].
وعبَّر عنه بالرَّجْفةِ في سورةِ (الأعرافِ)، في قولِه تعالى: فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ * فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ [الأعراف: 77، 78].
وعبَّر عنه بالتَّدميرِ في سورةِ (النَّملِ)، في قولِه تعالى: فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ [النمل: 51].
وعبَّر عنه بالطَّاغيةِ في (الحاقَّة)، في قولِه تعالى: فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ [الحاقة: 5] .
وعبَّر عنه بالدَّمْدَمةِ في (الشَّمس)، في قولِه تعالى: فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا [الشمس: 14] .
وعبَّر عنه بالعذابِ في سورةِ (الشُّعَراء)، في قولِه تعالى: فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ * فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ [الشعراء: 157، 158].
ومعنى هذه العِباراتِ كلِّها راجعٌ إلى شيءٍ واحدٍ، وهو أنَّ اللهَ أرسَل عليهم صَيحةً أهلكَتْهم، والصَّيحةُ: الصَّوتُ المُزعِجُ المُهلِكُ. والصَّاعِقةُ تُطلَقُ أيضًا على الصَّوتِ المُزعِجِ المُهلِكِ، وعلى النَّارِ المُحرِقةِ، وعليهما معًا، ولِشِدَّةِ عظمِ الصَّيحةِ وهَوْلِها مِن فَوقِهم رجفَتْ بهم الأرضُ مِن تحتِهم، أي: تحرَّكَتْ حرَكةً قويَّةً، فاجتمَع فيها أنَّها صَيحةٌ وصاعِقةٌ ورَجْفةٌ، وكَوْنُ ذلك تدميرًا واضحٌ. والمرادُ بالصَّيحةِ: الطَّاغيةُ الَّتي أهلَكهم الله بها، وقيل لها طاغيةٌ؛ لأنَّها واقِعةٌ مُجاوِزةٌ للحدِّ في القوَّةِ وشدَّةِ الإهلاكِ.
وأمَّا قولُه تعالى: فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ [الشمس: 14] فإنَّه لا يُخالِفُ ما ذكَرْنا؛ لأنَّ معنَى الآيةِ أنَّه أطبَق عليهم العذابَ، وألْبَسَهم إيَّاه بسببِ ذَنْبِهم.
وأمَّا إطلاقُ العذابِ عليه في سورةِ (الشُّعَراءِ) فواضِحٌ؛ فاتَّضَح رُجوعُ معنَى الآياتِ المذكورةِ إلى شَيءٍ واحدٍ [286] يُنظر: ((أضواء البيان)) للشنقيطي (7/21-23). .

بلاغة الآيات:

1- قولُه تعالَى: كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ * فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ * أَؤُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ
- مَوقِعُ هذه الجُملةِ كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ كمَوقعِ جُملةِ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ [القمر: 9]؛ فكان مُقْتضَى الظَّاهرِ أنْ تُعطَفَ عليها، وإنَّما فُصِلَت عنها؛ ليَكونَ في الكلامِ تَكريرُ التَّوبيخِ والتَّهديدِ والنَّعْيِ عليهم عقِبَ قولِه: وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ * حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ [القمر: 4، 5]، ومَقامُ التَّوبيخِ والنَّعْيِ يَقْتضي التَّكريرَ [287] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/191، 195). .
- وإسنادُ حُكْمِ التَّكذيبِ إلى ثَمودَ -وهو اسمُ القَبيلةِ- مُعتبَرٌ فيه الغالبُ الكثيرُ؛ فإنَّ صالحًا قد آمَنَ به نفَرٌ قليلٌ، كما حَكاهُ اللهُ عنهم في سُورةِ (الأعرافِ): قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آَمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ [288] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/195). [الأعراف: 75، 76].
- وفُرِّعَ على جُملةِ كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ قولُه: فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إلى قولِه: بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ؛ لأنَّ المعنى: أنَّهم كذَّبوا إنذاراتِ رَسولِهم -أي: جَحَدوها- ثمَّ كذَّبوا رَسولَهم [289] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/196). .
- وقولُهم: أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ ... إلى آخِرِه، هذا القولُ يَقتَضي كَوْنَه جَوابًا عن دَعوةٍ وإنذارٍ، وإنَّما فُصِّلَ تَكذيبُ ثَمودَ وأُجمِلَ تَكذيبُ عادٍ؛ لقَصْدِ بَيانِ المُشابَهةِ بيْن تَكذيبِ ثَمودَ وتَكذيبِ قُريشٍ؛ إذ تَشابَهَت أقوالُهم [290] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/196). .
- وهذا قَولٌ قالوه لرَسولِهم لَمَّا أنْذَرَهم بالنُّذُرِ؛ لأنَّ قولَه: كَذَّبَتْ يُؤْذِنُ بمُخبِرٍ؛ إذ التَّكذيبُ يَقْتضي وُجودَ مُخبِرٍ، وهو كلامٌ شافَهوا به صالحًا عليه السَّلامُ، وهو الَّذي عَنَوه بقَولِهم: أَبَشَرًا مِنَّا إلخ، وعَدَلوا عن الخِطابِ إلى الغَيبةِ [291] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/196). .
- قولُه: أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ، الاستفهامُ هنا إنكاريٌّ؛ أنْكَروا أنْ يُرسِلَ اللهُ إلى النَّاسِ بشَرًا مِثلَهم في الجِنسيَّةِ، وطَلَبوا أنْ يكونَ مِن جِنسٍ أعْلى مِن جِنسِ البشَرِ، وهم الملائكةُ [292] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/437)، ((تفسير أبي حيان)) (10/43)، ((تفسير أبي السعود)) (8/171)، ((تفسير ابن عاشور)) (27/196). .
- وانتَصَب أَبَشَرًا على المَفعوليَّةِ لـ نَتَّبِعُهُ على طَريقةِ الاشتِغالِ [293] الاشتِغالُ: هو أن يتقَدَّمَ اسمٌ واحِدٌ، ويتأخَّرَ عنه عامِلٌ مُشتَغِلٌ عن العَمَلِ في ذلك الاسمِ بالعَمَلِ في ضَميرِه مُباشَرةً، أو في سَبَبِه -أي: كلِّ شَيءٍ له صِلةٌ وعَلاقةٌ به؛ مِن قَرابةٍ، أو صداقةٍ، أو عَمَلٍ-، بحيثُ لو فُرِّغ مِن ذلك المعمولِ وسُلِّطَ على الاسمِ المتقَدِّمِ، لعَمِلَ فيه النَّصبُ لَفظًا أو محَلًّا. وأركانُ الاشتِغالِ ثلاثةٌ؛ هي: أ- مَشغولٌ عنه: وهو الاسمُ المتقَدِّمُ. ب- مشغولٌ: وهو الفِعلُ المتأخِّرُ. ج- ومَشغولٌ به: وهو الضَّميرُ الَّذي تعدَّى إليه الفِعلُ بنَفْسِه أو بالوَساطةِ. يُنظر: ((أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك)) لابن هشام (2/139). ، وقُدِّمَ لاتِّصالِه بهَمزةِ الاستفهامِ؛ لأنَّ حقَّها التَّصديرُ، واتَّصَلت به دونَ أنْ تَدخُلَ على (نتَّبِع)؛ لأنَّ مَحلَّ الاستفهامِ الإنكاريِّ هو كَونُ البشَرِ مَتْبوعًا، لا اتِّباعُهم له، وهذا مِن دَقائقِ مَواقعِ أدواتِ الاستفهامِ [294] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/196). .
- قوله: وَاحِدًا صِفةٌ أُخرى لـ (بَشَرًا)، وتأْخيرُه عن الصِّفةِ المُؤوَّلةِ؛ للتَّنبيهِ على أنَّ كلًّا مِن الجِنسيَّةِ والوَحدةِ ممَّا يَمنَعُ الاتِّباعَ، ولو قُدِّمَ عليها لَفاتتْ هذه النُّكتةُ [295] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (8/171). .
- جُملةُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ تَعليلٌ لإنكارِ أنْ يتَّبِعوا بشَرًا منهم، تَقديرُه: أَنتَّبِعُك وأنت بشَرٌ واحدٌ منَّا [296] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/197). ؟!
- و(في) للظَّرفيَّةِ، جَعَلوا تَلبُّسَهم بالضَّلالِ والجُنونِ كتَلبُّسِ المَظروفِ بالظَّرْفِ [297] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/197). .
- وجُملةُ أَؤُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا تَعليلٌ للاستِفهامِ الإنكاريِّ، أي: كيف يُلْقَى عليه الذِّكرُ دُونَنا؟! يُريدون أنَّ فيهم مَن هو أحقُّ منه بأنْ يُوحَى إليه [298] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/437)، ((تفسير البيضاوي)) (5/166)، ((تفسير أبي حيان)) (10/43)، ((تفسير ابن عاشور)) (27/197). .
- وقولُه: بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ إضرابٌ عمَّا أنْكَروه بقَولِهم: أَؤُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا، أي: لم يَنزِلِ الذِّكرُ عليه مِن بيْنِنا، بلْ هو كذَّابٌ فيما ادَّعاهُ، بَطِرٌ مُتكبِّرٌ [299] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/198). .
2- قولُه تعالَى: سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ مَقولُ قَولٍ مَحذوفٍ دلَّ عليه السِّياقُ، تَقديرُه: قُلْنا لنَذيرِهم... الَّذي دلَّ عليه قولُه: كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ [القمر: 23]؛ فإنَّ النُّذرَ تَقْتضي نَذيرًا بها، وهو المُناسِبُ لقولِه بعْدَه: فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ [القمر: 27]، وذلك مَبْنيٌّ على أنَّ قولَه آنِفًا: فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ [القمر: 24] كَلامٌ أجابوا به نِذارةَ صالحٍ إيَّاهم المُقدَّرةَ مِن قَولِه تعالى: كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ [القمر: 23]، وبذلك انتظَمَ الكلامُ أتمَّ انتِظامٍ [300] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/198). ؛ فقولُه: سَيَعْلَمُونَ غَدًا ... حِكايةٌ لِما قالَهُ تعالَى لصالحٍ عليهِ السَّلامُ؛ وعْدًا له، ووَعيدًا لقَومِه، والسِّينُ لتَقريبِ مَضمونِ الجُملةِ وتأْكيدِه [301] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (8/171). .
- قولُه: سَيَعْلَمُونَ قُرِئَ بياءِ الغَيبةِ، وهو مِن إعلامِ اللهِ تعالى لصالحٍ عليه السَّلامُ. وعلى قِراءةِ سَتَعْلَمُونَ -بتاءِ الخِطابِ [302] وهي قراءةُ ابنِ عامرٍ، وحمزةَ، وقرأ الباقون سَيَعْلَمُونَ. يُنظر: ((النشر في القراءات العشر)) لابن الجزري (2/380). - فهي تَحتمِلُ أنْ يكونَ هذا حِكايةَ كَلامٍ مِن اللهِ لصالحٍ عليه السَّلامُ، على تَقديرِ: قُلْنا له: قُلْ لهم؛ ففيه حذْفُ قَولٍ. ويَحتمِلُ أنْ يكونَ خِطابًا مِن اللهِ لهم، بتَقديرِ: قُلْنا لهم: ستَعْلَمون. ويَحتمِلُ أنْ يكونَ خِطابًا للمُشرِكين على جعْلِ الجُملةِ مُعترِضةً [303] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/437، 438)، ((تفسير البيضاوي)) (5/166)، ((تفسير أبي حيان)) (10/44)، ((تفسير أبي السعود)) (8/172). .
- وفي قولِه: سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ ما يُعرَفُ في البَلاغةِ بالإبهامِ؛ ليَكونَ الوَعيدُ أحفَلَ بالانتقامِ والتَّهديدِ، وأشدَّ أثَرًا في النُّفوسِ، وأَورَدَه مَورِدَ الإبهامِ وإنْ كانوا همُ المَعْنِيِّينَ؛ لأنَّه أراد وقْتَ الموتِ، ولم يُرِدْ غدًا بعَينِه [304] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (10/44)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (9/385). .
3- قولُه تعالَى: إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ هذه الجُملةُ بَيانٌ لجُملةِ سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ [القمر: 26]، باعتِبارِ ما تَضمَّنَته الجُملةُ المُبيَّنةُ مِن الوَعيدِ، وتَقريبِ زَمانِه، وأنَّ فيه تَصديقَ الرَّسولِ الَّذي كذَّبوه [305] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/199). .
- وضَميرُ لَهُمْ جارٍ على مُقْتضَى الظَّاهرِ على قِراءةِ سَيَعْلَمُونَ بياءِ الغائبةِ. وعلى قِراءةِ سَتَعْلَمُونَ -بتاءِ الخِطابِ- فضَميرُ لَهُمْ الْتِفاتٌ [306] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/199). .
- وإرسالُ النَّاقةِ إشارةٌ إلى قِصَّةِ مُعجزةِ صالحٍ أنَّه أخرَجَ لهم ناقةً مِن صَخْرةٍ -على قولٍ-، وكانتْ تلك المُعجِزةُ مُقدِّمةَ الأسبابِ الَّتي عُجِّلَ لهم العذابُ مِن أجْلِها؛ فذِكْرُ هذه القِصَّةِ في جُملةِ البَيانِ تَوطئةٌ وتَمْهيدٌ [307] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/199). .
- واسمُ الفاعلِ مِن قولِه: إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ مُستعمَلٌ في الاستِقبالِ، بقَرينةِ قولِه: فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ، فعُدِلَ عن أنْ يُقالَ: (سنُرسِلُ) إلى صِيغةِ اسمِ الفاعلِ؛ لتَقريبِ زمَنِ الاستِقبالِ مِن زمَنِ الحالِ [308] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/200). .
- قولُه: فَارْتَقِبْهُمْ الارتقابُ: الانتِظارُ، ارتقَبَ مِثلُ: رقَبَ، وهو أبلَغُ دَلالةً مِن رقَبَ؛ لزِيادةِ المَبْنى فيه [309] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/200). .
- وعُدِّيَ الارتقابُ إلى ضَميرِهم على تَقديرِ مُضافٍ يَقْتضيهِ الكلامُ؛ لأنَّه لا يَرتقِبُ ذَواتِهم، وإنَّما يَرتقِبُ أحوالًا تَحصُلُ لهم، وهذه طَريقةُ إسنادِ أو تعليقِ المُشتقَّاتِ الَّتي مَعانيها لا تُسنَدُ إلى الذَّواتِ، فتَكونُ على تَقديرِ مُضافٍ اختصارًا في الكلامِ؛ اعتمادًا على ظُهورِ المعْنى [310] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/200). .
- والاصطبارُ: الصَّبرُ القويُّ، وهو أقْوى دَلالةً مِن الصَّبرِ [311] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/200). .
- وحُذِفَ مُتعلَّقُ (اصْطَبِرْ)؛ ليَعُمَّ كلَّ حالٍ تَسْتدعي الضَّجَرَ، والتَّقديرُ: واصطَبِرْ على أذاهُم، وعلى ما تَجِدُه في نفْسِك مِن انتظارِ النَّصرِ [312] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/200). .
4- قولُه تعالَى: وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ مَعطوفٌ على جُملةِ إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ، باعتِبارِ أنَّ الوعْدَ بخلْقِ آيةِ النَّاقةِ يَقْتضي كَلامًا مَحذوفًا، تَقديرُه: فأرسَلْنا لهم النَّاقةَ، وقُلْنا: نَبِّئْهم أنَّ الماءَ قِسمةٌ بيْنَهم، على طَريقةِ العَطْفِ والحذْفِ في قولِه: فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ [الشعراء: 63] ، وإنْ كان حرْفُ العطْفِ مُختلِفًا، ومِثلُ هذا الحذْفِ كَثيرٌ في إيجازِ القرآنِ [313] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/200). .
- والتَّعريفُ في الْمَاءَ للعهْدِ، أي: ماءَ القريةِ الَّذي يَسْتقُون منه؛ فإنَّ لكلِّ مَحلَّةٍ يَنزِلُها قومٌ ماءً لسُقْياهُم [314] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/200).. .
- وأُخبِرَ عن الماءِ بأنَّه قِسمةٌ بيْنَ النَّاسِ وبيْنَ النَّاقةِ، والمُرادُ مَقسومٌ؛ فهو مِن الإخبارِ بالمَصدرِ للتَّأكيدِ والمُبالَغةِ [315] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/200).. .
- وضَميرُ (بَيْنَهُمْ) عائدٌ إلى مَعلومٍ مِن المَقامِ بعْدَ ذِكرِ الماءِ؛ إذ مِن المُتعارَفِ أنَّ الماءَ يَسْتقي منه أهلُ القريةِ لأنفُسِهم وماشِيَتِهم، ولَمَّا ذُكِرَت النَّاقةُ عُلِمَ أنَّها لا تَسْتغني عن الشُّربِ؛ فغُلِّب ضَميرُ العُقلاءِ على ضَميرِ النَّاقةِ الواحدةِ [316] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/438)، ((تفسير البيضاوي)) (5/167)، ((تفسير ابن عاشور)) (27/201). .
- والمُحتضَرَ: اسمُ مَفعولٍ مِن الحُضورِ، وهو ضِدُّ الغَيبةِ، والمعْنى: مُحتضَرٌ عندَه، فحُذِفَ المُتعلَّقُ؛ لظُهورِه [317] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/201). .
5- قولُه تعالَى: فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ
- عُبِّرَ عن قاتِلِ النَّاقةِ بـ صَاحِبَهُمْ؛ للإشارةِ إلى أنَّهم راضُون بفِعلِه؛ إذ همْ مُصاحِبون له ومُمالِئون [318] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/201). .
- ونِداؤهم إيَّاهُ نِداءُ الإغراءِ بالنَّاقةِ، وإنَّما نادَوه لأنَّه مُشتهِرٌ بالإقدامِ، وقِلَّةِ المُبالاةِ؛ لعِزَّتِه [319] يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (5/218)، ((تفسير أبي حيان)) (10/44، 45)، ((تفسير ابن عاشور)) (27/201). .
- وفَتَعَاطَى مُطاوِعُ عاطاهُ، وهو مُشتَقٌّ مِن: عَطا يَعْطو، إذا تناوَلَ. وصِيغةُ (تَفاعل) تَقْتضي تَعدُّدَ الفاعلِ، شُبِّهَ تَخوُّفُ القَومِ مِن قتْلِها لِما أنذَرَهم به رسولُهم مِن الوعيدِ، وتَردُّدُهم في الإقدامِ على قتْلِها بالمُعاطاةِ؛ فكلُّ واحدٍ حِينَ يُحجِمُ عن مباشَرةِ ذلك، ويُشيرُ بغَيرِه، كأنَّه يُعْطي ما بيَدِه إلى يَدِ غيرِه حتَّى أخَذَه أشقَى القَومِ فعقَرها [320] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (10/45)، ((تفسير ابن عاشور)) (27/201، 202). .
- وعُطِفَ فَعَقَرَ بالفاءِ؛ للدَّلالةِ على سُرعةِ إتيانِه ما دَعَوه مِن أجْلِه [321] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/202)، ((تفسير ابن عثيمين: سورة الحجرات - الحديد)) (ص: 283). .
6- قولُه تعالَى: فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ تَفريعٌ على القصَّةِ، فليس هو تَكريرًا، ولكنَّه خاصٌّ بهذه القصَّةِ [322] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/187، 202). .
7- قولُه تعالَى: إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ بَيانٌ للإجمالِ الَّذي في قولِه: فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ [القمر: 30]، وهو في صُورةِ جَوابٍ للاستِفهامِ الصُّوريِّ، وكِلْتا الجُملتَينِ يُفيدُ تَعريضًا بتَهديدِ المُشرِكين بعَذابٍ على تَكذيبِهم [323] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/192، 202). .
- والصَّيحةُ: الصَّاعقةُ، وهي المُعبَّرُ عنها بالطَّاغيةِ في سُورةِ (الحاقَّةِ)، وفي سُورةِ (الأعرافِ) بالرَّجْفةِ، وهي صاعقةٌ عظيمةٌ خارِقةٌ للعادةِ أهلَكَتْهم؛ ولذلك وُصِفَت بـ وَاحِدَةً؛ للدَّلالةِ على أنَّها خارقةٌ للعادةِ؛ إذ أتَتْ على قَبيلةٍ كاملةٍ [324] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/202). .
- والهشيمُ: ما يَبِسَ وجَفَّ مِن الكلَأِ ومِن الشَّجَرِ، وهو مُشتقٌّ مِن الهشْمِ، وهو الكسْرُ؛ لأنَّ اليابِسَ مِن ذلك يَصيرُ سَريعَ الانكسارِ، والمرادُ هنا شَيءٌ خاصٌّ منه، وهو ما جَفَّ مِن أغصانِ العِضاهِ والشَّوكِ وعَظيمِ الكلَأِ، كانوا يتَّخِذون منه حَظائرَ لحِفظِ أغنامِهم مِن الرِّيحِ والعاديةِ [325] العاديَةُ: مِن عَدَا يَعْدو على الشَّيءِ، إذا اختلَسه. يُنظر: ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) لابن الأثير (3/193). ؛ ولذلك أُضِيفَ الهَشيمُ إلى المُحتظِرِ -وهو بكسْرِ الظَّاءِ المُعجَمةِ- الَّذي يَعمَلُ الحظيرةَ ويَبْنِيها؛ وذلك بأنَّه يَجمَعُ الهشيمَ ويُلْقِيه على الأرضِ؛ ليَرصُفَه بعْدَ ذلك سِياجًا لحَظيرتِه، فالمُشبَّهُ به هو الهشيمُ المَجموعُ في الأرضِ قبْلَ أنْ يُسيَّجَ؛ ولذلك قال: كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ، ولم يَقُلْ: كهَشيمِ الحظيرةِ؛ لأنَّ المَقصودَ بالتَّشبيهِ حالتُه قبْلَ أنْ يُرصَفَ ويُصفَّفَ، وقبْلَ أنْ تُتَّخَذَ منه الحَظيرةُ [326] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/203)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (9/385). .
- وتَعديةُ إرسالِ الصَّيحةِ إلى ضَميرِهم بِناءً على الغالِبِ [327] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/192، 203). .
8- قولُه تعالَى: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ تَكريرٌ ثانٍ بعْدَ نَظِيرَيهِ السَّالفَينِ في قصَّةِ قَومِ نُوحٍ وقصَّةِ عادٍ؛ تَذْييلًا لهذه القصَّةِ كما ذُيِّلَت بنَظِيرَيه القِصَّتانِ السَّالِفتانِ، اقْتَضى التَّكريرَ مَقامُ الامتِنانِ والحثِّ على التَّدبُّرِ بالقرآنِ؛ لأنَّ التَّدبُّرَ فيه يأْتي بتَجنُّبِ الضَّلالِ، ويُرشِدُ إلى مَسالِكِ الاهتداءِ، فهذا أهمُّ مِن تَكريرِ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ؛ فلذلك أُوثِرَ [328] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (27/203). .
- وفائدةُ تَكريرِ قولِه: فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ وقولِه: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ؛ حتَّى يُجدِّدَ المُستمِعون عندَ استماعِ كلِّ نَبأٍ مِن أنباءِ الأوَّلينَ ادِّكارًا واتِّعاظًا، وأنْ يَستأنِفوا تَنبُّهًا واستيقاظًا إذا سَمِعوا الحثَّ على ذلك والبَعثَ عليه، وأنْ يَقْرَعَ لهم العَصا مرَّاتٍ، ويُقعقِعَ لهم الشَّنَّ [أي: القِرْبة الخَلَق] تاراتٍ؛ لئلَّا يَغلِبَهم السَّهوُ، ولا تَستوليَ عليهم الغَفْلةُ، وهكذا حُكْمُ التَّكريرِ؛ كقولِه: فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ عندَ كلِّ نِعمةٍ عدَّها في سُورةِ (الرَّحمنِ)، وقولِه: فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ عندَ كلِّ آيةٍ أورَدَها في سُورةِ (المرسَلاتِ)، وكذلك تَكريرُ الأنباءِ والقصصِ في أنفُسِها؛ لتَكونَ تلك العِبَرُ حاضرةً للقلوبِ، مُصوَّرةً للأذهانِ، مَذكورةً غيرَ مَنْسيةٍ في كلِّ أوانٍ [329] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/439)، ((تفسير البيضاوي)) (5/167)، ((تفسير أبي حيان)) (10/46)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (9/379). .