موسوعة الآداب الشرعية

تاسعًا: أن يُكَفِّرَ عن يمينِه إن حَنِثَ فيها


تَجِبُ كَفَّارةُ اليَمينِ على كُلِّ يَمينٍ مَعقودةٍ [2590] اليمينُ المعقودةُ هي أنْ يحلِفَ على أمرٍ في المُستقبَلِ أنْ يَفعلَه أو لا يَفعلَه. يُنظر: ((فقه الأيمان والنذور)) إعداد القسم العلمي بمؤسسة الدرر السنية (ص: 91). فيها حِنثٌ [2591] الحِنثُ هو مخالفةُ اليمينِ بأنْ يفعلَ غيرَ ما حلَف عليه. يُنظر: ((فقه الأيمان والنذور)) إعداد القسم العلمي بمؤسسة الدرر السنية (ص: 100). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ الكِتابِ والسُّنَّةِ والإجماعِ
أ-مِنَ الكِتابِ
قال تعالى: لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [المائدة: 89] .
ب-مِنَ السُّنَّةِ
1-عن عَبدِ الرَّحمَنِ بنِ سَمُرةَ رَضيَ اللهُ عنه، قال: قال لي رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((يا عَبدَ الرَّحمَنِ بنَ سَمُرةَ، لا تَسألِ الإمارةَ؛ فإنَّك إن أُعطِيتَها عن مَسألةٍ وُكِلتَ إليها، وإن أُعطيتَها عن غَيرِ مَسألةٍ أُعِنتَ عليها، وإذا حَلَفتَ على يَمينٍ فرَأيتَ غَيرَها خَيرًا مِنها، فكَفِّرْ عن يَمينِك، وائْتِ الذي هو خَيرٌ)) [2592] أخرجه البخاري (7146)، ومسلم (1652) واللفظ له. .
3- عن عَدِيِّ بنِ حاتِمٍ رَضيَ اللهُ عنه، قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إذا حَلَف أحَدُكُم على اليَمينِ، فرَأى خَيرًا مِنها، فليُكَفِّرْها، وليَأتِ الذي هو خَيرٌ)) [2593] أخرجه مسلم (1651). .
3- عن أبي هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه، قال: ((أعتَمَ [2594] أعتَمَ الإنسانُ: إذا دَخَل في العَتَمةِ، وهي ظُلمةُ أوَّلِ اللَّيلِ. يُنظر: ((جامع الأصول)) لابن الأثير (11/ 669). رَجُلٌ عِندَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ثُمَّ رَجَعَ إلى أهلِه فوجَدَ الصِّبيةَ قد ناموا، فأتاه أهلُه بطَعامِه، فحَلَف لا يَأكُلُ مِن أجْلِ صِبيتِه، ثُمَّ بَدا له فأكَلَ، فأتى رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فذَكَرَ ذلك له، فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: مَن حَلَف على يَمينٍ، فرَأى غَيرَها خَيرًا مِنها، فليَأتِها، وليُكَفِّرْ عن يَمينِه)) [2595] أخرجه مسلم (1650). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
في قَولِه: ((وليُكَفِّرْ عن يَمينِه)) أنَّ الأمرَ يُفيدُ وُجوبَ الكَفَّارةِ إذا حَنِث [2596] يُنظر: ((التنوير شرح الجامع الصغير)) للصنعاني (10/ 206). .
ج-مِنَ الإجماعِ
نَقَل الإجماعَ على ذلك غيرُ واحدٍ [2597] مِمَّن نَقَل الإجماعَ على ذلك: الطَّبَريُّ، وابنُ المُنذِرِ، وابنُ عَبدِ البَرِّ، والدَّميريُّ. قال الطَّبَريُّ: (أجمَع الجَميعُ لا خِلافَ بَينَهم أنَّ اليَمينَ التي تَجِبُ بالحِنثِ فيها الكَفَّارةُ تَلزَمُ بالحِنثِ في حَلِفِ مَرَّةٍ واحِدةٍ، وإن لم يُكَرِّرْها الحالفُ مَرَّاتٍ، وكان مَعلومًا بذلك أنَّ اللَّهَ مُؤاخِذٌ الحالِفَ العاقِدَ قَلبَه على حَلفِه وإن لم يُكَرِّرْه ولم يُرَدِّدْه). ((جامع البيان)) (8/ 617). وقال ابنُ المُنذِرِ: (أجمَعَ أهلُ العِلمِ على أنَّ مَن حَلَف فقال: باللهِ أو تاللَّهِ، فحَنِثَ، أنَّ عليه الكَفَّارةَ، وإذا حَلَف باسمٍ مِن أسماءِ اللهِ فعليه الكَفَّارةُ). ((الإقناع)) (1/ 276). وقال ابنُ عَبدِ البَرِّ: (الذي أجمَعَ عليه العُلماءُ في هذا البابِ هو أنَّه مَن حَلَف باللهِ أو باسمٍ مِن أسماءِ اللهِ أو بصِفةٍ مِن صِفاتِه أو بالقُرآنِ أو بشَيءٍ مِنه فحَنِثَ، فعليه كَفَّارةُ يَمينٍ على ما وصَف اللَّهُ في كِتابِه مِن حُكمِ الكَفَّارةِ، وهذا ما لا خِلافَ فيه عِندَ أهلِ الفُروعِ، وليسوا في هذا البابِ بخِلافٍ). ((التمهيد)) (14/ 369). وقال الدَّميريُّ: (أجمَعَتِ الأُمَّةُ على انعِقادِ اليَمين وتَعَلُّقِ الكَفَّارةِ بها). ((النجم الوهاج)) (10/ 8). .

انظر أيضا: