موسوعة الآداب الشرعية

أولًا: استحضارُ النِّيَّةِ عندَ الزِّيارةِ


يَنبَغي أن يَستَحضِرَ المُسلِمُ النِّيَّةَ [323] قال زبيدٌ: (أُحِبَّ أن يَكونَ لي في كُلِّ شَيءٍ نيَّةٌ، حتَّى في طَعامي وشَرابي). ((حلية الأولياء)) لأبي نعيم (5/ 61). عِندَ زيارَتِه لإخوانِه أو مَعارِفِه، وأن يكونَ ذلك للَّهِ وفي اللهِ.
الدليلُ على ذلك مِنَ الكِتابِ والسُّنَّةِ:
أ- مِنَ الكِتابِ
1- قال تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ [البينة: 5] .
2- قال تعالى: إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ [الزمر: 2-3] .
3- قال تعالى: قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ * قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي [الزمر: 11 - 14] .
4- قال تعالى: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ [الملك: 2] .
قال الفُضَيلُ بنُ عِياضٍ في قَولِه تعالى: لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (أخلَصُه وأصوَبُه؛ فإنَّ العَمَلَ إذا كان خالصًا ولَم يَكُنْ صَوابًا لَم يُقبَلْ، وإذا كان صَوابًا ولَم يَكُنْ خالصًا لَم يُقبَلْ، حَتَّى يَكونَ خالصًا صَوابًا، والخالِصُ إذا كان للهِ، والصَّوابُ إذا كان على السُّنَّةِ) [324] يُنظر: ((الإخلاص والنية)) لابن أبي الدنيا (22)، ((حلية الأولياء)) لأبي نعيم (8/ 95). .
وقال أيضًا: (كان يُقالُ: لا يَزالُ العَبدُ بخَيرٍ ما إذا قال قال للهِ، وإذا عَمِلَ عَمِلَ للَّهِ) [325] ((حلية الأولياء)) لأبي نعيم (8/ 95). .
ب- مِنَ السُّنَّةِ
1- عن عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنه، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((الأعمالُ بالنِّيَّةِ، ولكُلِّ امرِئٍ ما نَوى، فمَن كانت هِجرتُه إلى اللهِ ورَسولِه فهِجرتُه إلى اللهِ ورَسولِه، ومَن كانت هِجرتُه لدُنيا يُصيبُها، أوِ امرَأةٍ يَتَزَوَّجُها، فهِجرتُه إلى ما هاجَرَ إليه)) [326] أخرجه البخاري (54) واللَّفظُ له، ومسلم (1907). .
2- عن أبي إدريسَ الخَولانيِّ، قال: دَخَلتُ مَسجِدَ دِمَشقَ فإذا فتًى شابٌّ برَّاقُ الثَّنايا [327] برَّاقُ الثَّنايا: أي: شديدُ بياضِها، وأبيضُ الثَّغرِ حَسَنُه. وقيل معناه: كَثيرُ التَّبَسُّمِ طَلقُ الوَجهِ. يُنظر: ((المنتقى شرح الموطأ)) لأبي الوليد الباجي (7/ 274)، ((مطالع الأنوار)) لابن قرقول (1/ 478). ، وإذا النَّاسُ مَعَه إذا اختَلفوا في شيءٍ أسنَدوا إليه، وصَدَروا عن قَولِه، فسَألتُ عَنه، فقيل: هذا مُعاذُ بنُ جَبَلٍ! فلمَّا كان الغَدُ هَجَّرتُ فوجَدتُه قَد سَبَقَني بالتَّهجيرِ [328] التَّهجيرُ: المضيُّ إلى الصَّلاةِ في أوَّلِ وَقتِها، وهو مِثلُ التَّبكيرِ، ولا يرادُ بهما: المضيُّ في الهاجِرةِ ولا في البكرةِ. ((جامع الأصول)) لابن الأثير (6/ 552). ، ووجَدتُه يُصَلِّي، قال: فانتَظَرتُه حتَّى قَضى صَلاتَه، ثُمَّ جِئتُه مِن قِبَلِ وَجهِه، فسَلَّمتُ عليه، ثُمَّ قُلتُ: واللهِ إنِّي لأحِبُّك للَّهِ، فقال: آللهِ؟ فقُلتُ: آللهِ! فقال: آللهِ؟ فقُلت: آللهِ! فقال: آللهِ؟ فقُلتُ: آللهِ! قال: فأخَذَ بحَبوةِ [329] أي: مجتَمَعِ ثَوبِه الذي يحتبي به، ومُلتَقَى طَرَفَيه في صَدرِه. ينظر: ((مطالع الأنوار)) (2/ 219). رِدائي فجَبَذني [330] الجَبذُ لُغةٌ في الجَذبِ. وقيل: هو مقلوبُ جَذَبَني. ينظر: ((النهاية)) لابن الأثير (1/ 235). إليه، وقال: أبشِرْ؛ فإنِّي سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: ((قال اللهُ تَبارَك وتعالى: وجَبَت مَحَبَّتي للمُتَحابِّينَ فيَّ، والمُتَجالِسينَ فيَّ، والمُتَزاوِرينَ فيَّ، والمُتَباذِلينَ فيَّ)) [331] أخرجه أحمد (22030) واللفظ له، ومالك (2/953). صحَّحه ابن حبان في ((صحيحه)) (575)، والحاكم على شرط الشيخين في ((المستدرك)) (7520)، والنووي في ((رياض الصالحين)) (182)، وصحح إسناده ابن عبد البر في ((التمهيد)) (21/124)، والمنذري في ((الترغيب والترهيب)) (4/81)، وابن القيم في ((تهذيب السنن)) (14/30)، وابن حجر في ((فتح الباري)) (10/515). .
وفي رِوايةٍ عن مُعاذِ بنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: ((قال اللهُ عَزَّ وجَلَّ: المُتَحابُّونَ في جَلالي لهم مَنابِرُ مِن نورٍ، يَغبِطُهم [332] يَغبِطُهم: مِنَ الغِبطةِ، وهي تمَنِّي نِعمةٍ على ألَّا تَتَحَوَّلَ عن صاحِبِها، بخِلافِ الحَسَدِ؛ فإنَّه تَمَنِّي زَوالِها عن صاحِبِها. يُنظر: ((مرقاة المفاتيح)) للقاري (8/3137). النَّبيُّونَ والشُّهَداءُ)) [333] أخرجها الترمذي (2390)، وأحمد (22080) صحَّحها ابن حبان في ((صحيحه)) (577)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (2390)، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (2/173)، وقال الترمذي: حسن صحيح. .
3- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((سَبعةٌ يُظِلُّهمُ اللهُ تعالى في ظِلِّه يَومَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّه: إمامٌ عَدلٌ، وشابٌّ نَشَأ في عِبادةِ اللهِ، ورَجُلٌ قَلبُه مُعَلَّقٌ في المَساجِدِ، ورَجُلانِ تَحابَّا في اللهِ، اجتَمَعا عليه وتَفرَّقا عليه، ورَجُلٌ دَعَته امرَأةٌ ذاتُ مَنصِبٍ وجِمالٍ، فقال: إنِّي أخافُ اللَّهَ، ورَجُلٌ تَصَدَّق بصَدَقةٍ فأخفاها حتَّى لا تَعلمَ شِمالُه ما تُنفِقُ يَمينُه، ورَجُلٌ ذَكَر اللهَ خاليًا، ففاضَت عيناه)) [334] أخرجه البخاري (1423) واللَّفظُ له، ومسلم (1031). .
قال النَّوويُّ: (قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "ورَجُلانِ تَحابَّا في اللهِ، اجتَمَعا عليه وتَفرَّقا عليه" مَعناه: اجتَمَعا على حُبِّ اللهِ وافتَرَقا على حُبِّ اللهِ، أي: كان سَبَبُ اجتِماعِهما حُبَّ اللهِ، واستَمَرَّا على ذلك حتَّى تَفرَّقا مِن مَجلِسِهما وهما صادِقانِ في حُبِّ كُلِّ واحِدٍ مِنهما صاحِبَه للهِ تعالى حالَ اجتِماعِهما وافتِراقِهما) [335] ((شرح مسلم)) (7/ 121، 122). .
4- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ((أنَّ رَجُلًا زار أخًا له في قريةٍ أخرى، فأرصَدَ اللهُ له على مَدرَجَتِه مَلَكًا [336] أي: جَعَله يَرقُبُه على طَريقِه حتَّى يَمُرَّ به، ومَدرَجةُ الطَّريقِ: قارِعتُه. وقال أبو العَبَّاسِ القُرطُبيُّ: (قولُه: "فأرصَدَ اللَّهُ على مَدرَجَتِه) أي: جَعَل اللَّهُ مَلَكًا على طَريقِه يَرصُدُه، أي: يَرتَقِبُه ويَنتَظِرُه ليُبَشِّرَه. والمَرصَدُ: مَوضِعُ الرَّصدِ. والمَدرَجةُ بفَتحِ الميمِ: مَوضِعُ الدَّرجِ، وهو المَشيُ). ((المفهم)) (6/ 543). ، فلمَّا أتى عليه قال: أين تريدُ؟ قال: أريدُ أخًا لي في هذه القريةِ، قال: هل لك عليه من نِعمةٍ تَرُبُّها [337] أي: تَقومُ عليها وتَسعى في صَلاحِها وتَنهَضُ له بسَبَبِ ذلك. يُنظر: ((إكمال المعلم)) لعياض (8/ 35، 36). ؟ قال: لا، غَيرَ أنِّي أحبَبتُه في اللهِ عَزَّ وجَلَّ، قال: فإنِّي رَسولُ اللهِ إليك، بأنَّ اللَّهَ قد أحَبَّك كما أحبَبتَه فيه)) [338] أخرجه مسلم (2567). .
قال أبو العَبَّاسِ القُرطُبيُّ: (قولُه: "هل لك عليه مِن نِعمةٍ تَرُبُّها؟"، أي: تَقومُ بها وتُصلِحُها، فتتعاهَدُه بسَبَبِها؟ فقال: "لا، غيرَ أنِّي أحبَبتُه في اللهِ"، أي: لم أزُرْه لغَرَضٍ مِن أغراضِ الدُّنيا، ثُمَّ أخبَرَ بأنَّه إنَّما زارَه مِن أجلِ أنَّه أحَبَّه في اللهِ تعالى؛ فبَشَّرَه المَلَكُ بأنَّ اللَّهَ تعالى قَد أحَبَّه بسَبَبِ ذلك) [339] ((المفهم)) (6/ 543). .

انظر أيضا: