موسوعة الآداب الشرعية

ثامنًا: التَّواضُعُ لهما


مِنَ الأدَبِ مَعَ الوالدَينِ: التَّواضُعُ لهما.
الدَّليلُ على ذلك مِنَ الكِتابِ والسُّنَّةِ:
أ- مِن الكتابِ
1- قال تعالى: وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ [الإسراء: 24] .
(أي: وكُنْ لوالدَيك ذَليلًا مُتَواضِعًا؛ رَحمةً مِنك بهما، ولا تُخالِفْهما فيما يَأمُرانِك به ويَنهَيانِك عَنه مِمَّا ليس فيه مَعصيةٌ للَّهِ.
كما قال تعالى: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا [لقمان: 14-15] ) [1123] ((التفسير المحرر)) إعداد القسم العلمي بمؤسسة الدُّرر السَّنية (14/ 125، 126). .
قال ابنُ عَطيَّةَ: (يَنبَغي بحُكمِ هذه الآيةِ أن يَجعَلَ الإنسانُ نَفسَه مَعَ أبَويه في خَيرِ ذِلَّةٍ في أقوالِه واستِكانتِه ونَظّرِه، ولا يُحِدَّ إليهما بَصَرَه؛ فإنَّ تلك هيَ نَظرةُ الغاضِبِ) [1124] ((المحرر الوجيز)) (3/ 449). قال ابنُ تيميَّةَ: (الولَدُ مَأمورٌ بأن يَخفِضَ جانِبَه لأبَويه، ويَكونَ ذلك على وَجهِ الذُّلِّ لَهما لا على وَجهِ الخَفضِ الذي لا ذُلَّ مَعَه، وقد قال للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الشعراء: 215] ، ولَم يَقُلْ: جَناحَ الذُّلِّ؛ فالرَّسولُ أُمِرَ بخَفضِ جَناحِه، وهو جانِبُه، والولَدُ أُمِر بخَفضِ جَناحِه ذُلًّا؛ فلا بُدَّ مَعَ خَفضِ جَناحِه أن يَذِلَّ لأبَويه، بخِلافِ الرَّسولِ؛ فإنَّه لَم يُؤمَرْ بالذُّلِّ، فاقتِرانُ ألفاظِ القُرآنِ تَدُلُّ على اقتِرانِ مَعانيه، وإعطاءِ كُلِّ مَعنًى حَقَّه). ((مجموع الفتاوى)) (20/ 465). .
وقال الشوكاني: (مِنَ الرَّحْمَةِ [الإسراء: 24] فيه مَعنى التَّعليلِ، أي: مِن أجلِ فَرطِ الشَّفقةِ والعَطفِ عليهما لكِبَرِهما وافتِقارِهما اليَومَ لمَن كان أفقَرَ خَلقِ اللهِ إليهما بالأمسِ، ثُمَّ كَأنَّه قال له سُبحانَه: ولا تَكتَفِ برَحمَتِك التي لا دَوامَ لَها، ولَكِنْ قُلْ: رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا [الإسراء: 24] ... أي: رَحمةً مِثلَ تَربيَتِهما لي، أو مِثلَ رَحمَتِهما لي) [1125] يُنظر: ((فتح القدير)) (3/ 260، 261). .
2- قال تعالى: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا [الأحقاف: 15] .
قال القُرطُبيُّ: (الإحسانُ إلى الوالدَينِ: مُعاشَرَتُهما بالمَعروفِ، والتَّواضُعُ لَهما، وامتِثالُ أمرِهما، والدُّعاءُ بالمَغفِرةِ بَعدَ مَماتِهما، وصِلةُ أهلِ وُدِّهما) [1126] ((الجامع لأحكام القرآن)) (2/ 13). .
ب- مِن السُّنَّةِ
عَن مُعاويةَ بنِ جاهِمةَ السُّلَميِّ، ((أنَّ جاهمةَ جاءَ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: يا رَسولَ اللهِ، أرَدتُ أن أغزوَ وقد جِئتُ أستَشيرُك، فقال: هَل لَك مِن أُمٍّ؟ قال: نَعَم، قال: فالزَمْها؛ فإنَّ الجَنَّةَ تَحتَ رِجلَيها [1127] أي: أنَّ التَّواضُعَ لهنَّ وتُرضيهنَّ سَبَبٌ لدُخولِ الجَنَّةِ، فقَولُه: ((تَحتَ رِجلَيها)) كِنايةٌ عن غايةِ الخُضوعِ ونِهايةِ التَّذَلُّلِ. يُنظر: ((الكاشف عن حقائق السنن)) للطيبي (10/ 3171)، ((فيض القدير)) للمناوي (3/ 362). ) [1128] أخرجه النسائي (3104) واللفظ له، وابن ماجه بعد حديث (2781)، وأحمد (15538). قال الألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (3104): حسن صحيح، وصحَّح إسناده الحاكم في ((المستدرك)) (2537)، ووحَسَّنه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (15538). .

انظر أيضا: