موسوعة الآداب الشرعية

سابعًا: حُسنُ الظَّنِّ باللهِ عَزَّ وجَلَّ


يَجِبُ على العَبدِ أن يُحسِنَ الظَّنَّ برَبِّه تعالى [88] يُنظر: ((تيسير العزيز الحميد)) لسليمان بن عبد الله (ص: 582). قال النَّوويُّ: (قال العُلَماءُ: معنى حُسْنِ الظَّنِّ باللهِ تعالى: أن يظُنَّ أنَّه يرحمُه، ويعفو عنه. قالوا: وفي حالةِ الصِّحَّةِ يكونُ خائفًا راجيًا، ويكونان سواءً، وقيل: يكونُ الخوفُ أرجَحَ. فإذا دنت أماراتُ الموتِ غلَّب الرَّجاءَ أو محَّضَه؛ لأنَّ مقصودَ الخوفِ الانكفافُ عن المعاصي والقبائِحِ، والحرصُ على الإكثارِ من الطَّاعاتِ والأعمالِ، وقد تعذَّر ذلك أو مُعظَمُه في هذا الحالِ، واستُحِبَّ إحسانُ الظَّنِّ المتضَمِّنُ للافتقارِ إلى اللهِ تعالى، والإذعانِ له). ((شرح مسلم)) (17/ 210). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
1- عن أبي هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه، قال: قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((يقولُ اللهُ تعالى: أنا عند ظَنِّ عَبدي بي، وأنا معه إذا ذكَرَني؛ فإنْ ذكَرَني في نَفسِه ذكَرتُه في نفسي، وإن ذكَرَني في ملأٍ ذكَرتُه في ملأٍ خَيرٍ منه)) الحديثَ [89] أخرجه البخاري (7405) واللَّفظُ له، ومسلم (2675). .
2- عن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((إنَّ اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ قال: أنا عِندَ ظَنِّ عَبدي بي؛ إن ظَنَّ بي خَيرًا فله، وإن ظَنَّ شَرًّا فله)) [90] أخرجه أحمَد (9076) واللَّفظُ له، وابن حبان (639). صَحَّحه ابنُ حبان، والألباني في ((صحيح الجامع)) (4315)، وشعيب الأرناؤوط في تخريِ ((مسند أحمد)) (9076). وقَولُه: ((أنا عِندَ ظَنِّ عَبدي بي)) أخرجه البخاري (7507)، ومسلم (2675). .
قال الشَّوكانيُّ: («أنا عِندَ ظَنِّ عَبدي بي» فيه تَرغيبٌ مِنَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ لعِبادِه بتَحسينِ ظُنونِهم وأنَّه يُعامِلُهم على حَسَبِها؛ فمَن ظَنَّ به خَيرًا أفاضَ عليه جَزيلَ خَيراتِه، وأسبَلَ عليه جَميلَ تفضُّلاتِه، ونَثر عليه مَحاسِنَ كَراماتِه وسَوابِغَ عَطيَّاتِه، ومَن لم يَكُنْ في ظَنِّه هَكَذا لم يَكُنِ اللَّهُ تعالى لَه هَكَذا، وهذا هو مَعنى كَونِه سُبحانَه وتعالى عِندَ ظَنِّ عَبدِه؛ فعلى العَبدِ أن يَكونَ حَسَنَ الظَّنِّ برَبِّه في جَميعِ حالاتِه، ويَستَعينَ على تَحصيلِ ذلك باستِحضارِه ما ورَدَ مِنَ الأدِلَّةِ الدَّالَّةِ على سَعةِ رَحمةِ اللهِ سُبحانَه وتعالى) [91] ((تحفة الذاكرين)) (ص: 13). .
3- عن جابِرِ بنِ عبدِ اللَّهِ الأنصاريِّ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قَبلَ مَوتِه بثَلاثةِ أيَّامٍ يَقولُ: ((لا يَموتَنَّ أحَدُكُم إلَّا وهو يُحسِنُ الظَّنَّ باللهِ عَزَّ وجَلَّ)) [92] أخرجه مسلم (2877). .
4- عن حَيَّانَ أبي النَّضرِ، قال: دَخَلتُ مَعَ واثِلةَ بنِ الأسقَعِ على أبي الأسوَدِ الجُرَشيِّ في مَرَضِه الذي ماتَ فيه، فسَلَّمَ عليه، وجَلسَ ... فقال له واثِلةُ: واحِدةٌ أسألُك عنها، قال: وما هيَ؟ قال: كيف ظَنُّك برَبِّك؟ قال: فقال أبو الأسوَدِ: وأشارَ برَأسِه، أي: حَسَنٌ، قال واثِلةُ: أبشِرْ؛ إنِّي سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: ((قال اللهُ عَزَّ وجَلَّ: أنا عِندَ ظَنِّ عَبدي بي، فليَظُنَّ بي ما شاءَ)) [93] أخرجه أحمد (16016) واللفظ له، والدارمي (2731) دون القِصَّةِ في أوَّلِه، وابن حبان (641) بنحوه. صَحَّحه ابنُ حبان، والألباني في ((صحيح الجامع)) (4316)، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (2/244)، وصَحَّحَ إسنادَه الحاكِم في ((المستدرك)) (7812)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (16016). وقَولُه: ((أنا عِندَ ظَنِّ عَبدي بي)) أخرجه البخاري (7507)، ومسلم (2675) من حديثِ أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه. .
5- عن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُعجِبُه الفألُ الحَسَنُ، ويَكرَهُ الطِّيَرةَ)) [94] أخرجه ابن ماجه (3536) واللَّفظُ له، وأحمد (8393). صَحَّحه ابنُ حبان في ((صحيحه)) (6121)، والألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (3536)، وحَسَّنه الوادِعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (1280)، وحسن إسناده ابن حجر في ((فتح الباري)) (10/225)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((صحيح ابن حبان)) (6121) .
قال ابنُ حَجَرٍ: (قال الحَليميُّ: وإنَّما كان صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُعجِبُه الفألُ؛ لأنَّ التَّشاؤُمَ سوءُ ظَنٍّ باللهِ تعالى بغَيرِ سَبَبٍ مُحَقَّقٍ، والتَّفاؤُلُ حُسنُ ظَنٍّ به، والمُؤمِنُ مَأمورٌ بحُسنِ الظَّنِّ باللهِ تعالى على كُلِّ حالٍ) [95] ((فتح الباري)) (10/ 215). ويُنظر: ((المنهاج في شعب الإيمان)) للحليمي (2/ 25). .
وقال العِزُّ بنُ عبدِ السَّلامِ: (كان عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ يُحِبُّ الفألَ ويَكرَهُ التَّطَيُّرَ؛ لأنَّ التَّفاؤُلَ حُسنُ ظَنٍّ باللهِ، والطِّيَرةَ سوءُ ظَنٍّ باللهِ. وإحسانُ الظَّنِّ باللهِ مِن ثَمَرةِ إعظامِ سَعةِ رَحمةِ اللهِ وعُمومِ مَغفِرَتِه) [96] ((شجرة المعارف)) (ص: 71). .
فوائِدُ:
1- قال عَبدُ اللهِ بنُ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه: (والذي لا إلهَ غَيرُه ما أُعطيَ عَبدٌ مُؤمِنٌ شَيئًا خَيرًا مِن حُسنِ الظَّنِّ باللهِ عَزَّ وجَلَّ، والذي لا إلهَ غَيرُه لا يُحسِنُ عَبدٌ باللهِ عَزَّ وجَلَّ الظَّنَّ إلَّا أعطاه اللهُ عَزَّ وجَلَّ ظَنَّه؛ ذلك بأنَّ الخَيرَ في يَدِه) [97] ((حسن الظن بالله)) لابن أبي الدنيا (83). .
2- قال ابنُ القَيِّمِ: (كلَّما كان العبدُ حَسَنَ الظَّنِّ باللهِ، حَسَنَ الرَّجاءِ له، صادِقَ التَّوكُّلِ عليه؛ فإنَّ اللهَ لا يُخَيِّبُ أملَه فيه البتَّةَ؛ فإنَّه سُبحانَه لا يخيِّبُ أملَ آمِلٍ، ولا يُضيعُ عَمَلَ عامِلٍ) [98] ((مدارج السالكين)) لابن القيم (1/ 469). .
3- قال ابنُ القَيِّمِ في قَولِه تعالى: ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ [آل عمران: 154] : (فُسِّرَ هذا الظَّنُّ الذي لا يَليقُ باللهِ بأنَّه سُبحانَه لا يَنصُرُ رَسولَه، وأنَّ أمرَه سَيَضمَحِلُّ، وأنَّه يُسلِمُه للقَتلِ، وقد فُسِّرَ بظَنِّهم أنَّ ما أصابَهم لم يَكُنْ بقَضائِه وقدَرِه، ولا حِكمةَ له فيه، ففُسِّرَ بإنكارِ الحِكمةِ، وإنكارِ القَدَرِ، وإنكارِ أن يُتِمَّ أمرَ رَسولِه، ويُظهِرَه على الدِّينِ كُلِّه، وهذا هو ظَنُّ السَّوءِ الذي ظَنَّه المُنافِقونَ والمُشرِكونَ به سُبحانَه وتعالى في (سورةِ الفتحِ)؛ حَيثُ يَقولُ: وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا [الفتح: 6] ، وإنَّما كان هذا ظَنَّ السَّوءِ، وظَنَّ الجاهليَّةِ المَنسوبَ إلى أهلِ الجَهلِ، وظَنَّ غَيرِ الحَقِّ؛ لأنَّه ظَنُّ غَيرِ ما يَليقُ بأسمائِه الحُسنى وصِفاتِه العُليا وذاتِه المُبَرَّأةِ مِن كُلِّ عَيبٍ وسوءٍ، بخِلافِ ما يَليقُ بحِكمَتِه وحَمدِه وتَفرُّدِه بالرُّبوبيَّةِ والإلهيَّةِ، وما يَليقُ بوعدِه الصَّادِقِ الذي لا يُخلِفُه، وبكَلمَتِه التي سَبَقَت لرُسُلِه أنَّه يَنصُرُهم ولا يَخذُلُهم، ولجُندِه بأنَّهم همُ الغالبونَ، فمَن ظَنَّ بأنَّه لا يَنصُرُ رَسولَه، ولا يُتِمُّ أمرَه، ولا يُؤَيِّدُه ويُؤَيِّدُ حِزبَه، ويُعليهم ويُظفِرُهم بأعدائِه، ويُظهِرُهم عليهم، وأنَّه لا يَنصُرُ دينَه وكِتابَه، وأنَّه يُديلُ الشِّركَ على التَّوحيدِ، والباطِلَ على الحَقِّ إدالةً مُستَقِرَّةً يَضمَحِلُّ مَعَها التَّوحيدُ والحَقُّ اضمِحلالًا لا يَقومُ بَعدَه أبَدًا- فقد ظَنَّ باللهِ ظَنَّ السَّوءِ، ونَسَبَه إلى خِلافِ ما يَليقُ بكَمالِه وجَلالِه، وصِفاتِه ونُعوتِه؛ فإنَّ حَمدَه وعِزَّتَه وحِكمَتَه وإلهيَّتَه تَأبى ذلك، وتَأبى أن يُذِلَّ حِزبَه وجُندَه، وأن تَكونَ النُّصرةُ المُستَقِرَّةُ والظَّفَرُ الدَّائِمُ لأعدائِه المُشرِكينَ به العادِلينَ به، فمَن ظَنَّ به ذلك فما عَرَفه ولا عَرَف أسماءَه ولا عَرَف صِفاتِه وكَمالَه، وكذلك مَن أنكَرَ أن يَكونَ ذلك بقَضائِه وقدَرِه فما عَرَفه ولا عَرَف رُبوبيَّتَه ومُلكَه وعَظمَتَه...
وبالجُملةِ، فمَن ظَنَّ به خِلافَ ما وصَف به نَفسَه ووصَفَه به رُسُلُه، أو عَطَّل حَقائِقَ ما وصَف به نَفسَه، ووصَفَته به رُسُلُه، فقد ظَنَّ به ظَنَّ السَّوءِ.
ومَن ظَنَّ أنَّ له ولَدًا أو شَريكًا، أو أنَّ أحَدًا يَشفَعُ عِندَه بدونِ إذنِه، أو أنَّ بَينَه وبَينَ خَلقِه وسائِطَ يَرفعونَ حَوائِجَهم إليه، أو أنَّه نَصَبَ لعِبادِه أولياءَ مِن دونِه يَتَقَرَّبونَ بهم إليه، ويَتَوسَّلونَ بهم إليه، ويَجعَلونَهم وسائِطَ بَينَهم وبَينَه، فيَدعونَهم ويُحِبُّونَهم كحُبِّه، ويَخافونَهم ويَرجونَهم- فقد ظَنَّ به أقبَحَ الظَّنِّ وأسوَأَه.
ومَن ظَنَّ به أنَّه يَنالُ ما عِندَه بمَعصيَتِه ومُخالفتِه كَما يَنالُه بطاعَتِه والتَّقَرُّبِ إليه، فقد ظَنَّ به خِلافَ حِكمَتِه، وخِلافَ مُوجِبِ أسمائِه وصِفاتِه، وهو مِن ظَنِّ السَّوءِ.
ومَن ظَنَّ به أنَّه إذا تَرَكَ لأجلِه شَيئًا لم يُعَوِّضْه خَيرًا مِنه، أو مَن فَعَل لأجلِه شَيئًا لم يُعطِه أفضَلَ مِنه؛ فقد ظَنَّ به ظَنَّ السَّوءِ.
ومَن ظَنَّ به أنَّه يَغضَبُ على عَبدِه ويُعاقِبُه ويَحرِمُه بغَيرِ جُرمٍ ولا سَبَبٍ مِنَ العَبدِ إلَّا بمُجَرَّدِ المَشيئةِ ومَحضِ الإرادةِ، فقد ظَنَّ به ظَنَّ السَّوءِ.
ومَن ظَنَّ به أنَّه إذا صَدَقَه في الرَّغبةِ والرَّهبةِ، وتَضَرَّعَ إليه وسَأله، واستَعانَ به وتَوكَّل عليه، أنَّه يُخَيِّبُه ولا يُعطيه ما سَأله؛ فقد ظَنَّ به ظَنَّ السَّوءِ، وظَنَّ به خِلافَ ما هو أهلُه.
ومَن ظَنَّ به أنَّه يُثيبُه إذا عَصاه بما يُثيبُه به إذا أطاعَه، وسَأله ذلك في دُعائِه، فقد ظَنَّ به خِلافَ ما تَقتَضيه حِكمَتُه وحَمدُه، وخِلافَ ما هو أهلُه وما لا يَفعَلُه.
ومَن ظَنَّ به أنَّه إذا أغضَبَه وأسخَطَه، وأوضَعَ في مَعاصيه، ثُمَّ اتَّخَذَ مِن دونِه وليًّا، ودَعا مِن دونِه مَلَكًا أو بَشَرًا حَيًّا أو مَيِّتًا، يَرجو بذلك أن يَنفعَه عِندَ رَبِّه ويُخَلِّصَه مِن عَذابِه؛ فقد ظَنَّ به ظَنَّ السَّوءِ، وذلك زيادةٌ في بُعدِه مِنَ اللهِ، وفي عَذابِه...
فأكثَرُ الخَلقِ بَل كُلُّهم -إلَّا مَن شاءَ اللهُ- يظنُّون باللهِ غيرَ الحَقِّ ظَنَّ السَّوءِ، فإنَّ غالِبَ بني آدمَ يعتقِدُ أنَّه مبخوسُ الحَقِّ ناقِصُ الحظِّ، وأنَّه يستحِقُّ فوقَ ما أعطاه اللهُ، ولسانُ حالِه يقولُ: ظلَمَني ربِّي، ومنعني ما أستحِقُّه! ونفسُه تشهَدُ عليه بذلك، وهو بلسانِه يُنكِرُه، ولا يتجاسَرُ على التَّصريحِ به، ومن فتَّش نفسَه وتغلغَلَ في معرفةِ دفائنِها وطواياها رأى ذلك فيها كامنًا كُمونَ النَّارِ في الزِّنادِ؛ فاقدَحْ زِنادَ مَن شِئتَ يُنبئْك شَرارُه عَمَّا في زِنادِه، ولو فتَّشتَ مَن فتَّشتَه لرَأيتَ عِندَه تَعتُّبًا على القَدَرِ ومَلامةً له واقتِراحًا عليه خِلافَ ما جَرى به، وأنَّه كان يَنبَغي أن يَكونَ كَذا وكَذا، فمُستَقِلٌّ ومُستَكثِرٌ، وفتِّشْ نَفسَك: هَل أنتَ سالمٌ مِن ذلك؟!
فإن تَنجُ مِنها تَنجُ مِن ذي عَظيمةٍ
وإلَّا فإنِّي لا إخالُك ناجيَا
فلْيَعتَنِ اللَّبيبُ النَّاصحُ لنَفسِه بهذا الموضِعِ، وليتُبْ إلى اللهِ تعالى، وليستغفِرْه كُلَّ وقتٍ من ظنِّه برَبِّه ظَنَّ السَّوءِ، وليَظُنَّ السُّوءَ بنَفسِه التي هيَ مَأوى كُلِّ سوءٍ، ومَنبَعُ كُلِّ شَرٍّ، المُرَكَّبةِ على الجَهلِ والظُّلمِ؛ فهيَ أولى بظَنِّ السَّوءِ مِن أحكَمِ الحاكِمينَ وأعدَلِ العادِلينَ وأرحَمِ الرَّاحِمينَ؛ الغَنيِّ الحَميدِ، الذي له الغِنى التَّامُّ، والحَمدُ التَّامُّ، والحِكمةُ التَّامَّةُ؛ المُنَزَّهِ عن كُلِّ سوءٍ في ذاتِه وصِفاتِه وأفعالِه وأسمائِه، فذاتُه لها الكَمالُ المُطلَقُ مِن كُلِّ وَجهٍ، وصِفاتُه كذلك، وأفعالُه كذلك، كُلُّها حِكمةٌ ومَصلَحةٌ ورَحمةٌ وعَدلٌ، وأسماؤُه كُلُّها حُسنى.
فلا تَظُنَّنْ برَبِّك ظَنَّ سَوءٍ
فإنَّ اللَّهَ أَولى بالجَميلِ) [99] يُنظر: ((زاد المعاد في هدي خير العباد)) (3/ 205-211). .

انظر أيضا: