موسوعة الآداب الشرعية

تاسعًا: إعارةُ الجارِ ما يحتاجُه ومعاونتُه بالمالِ أو المنفعةِ


مِنَ الأدَبِ مَعَ الجارِ: أن يُعاوِنَه بما يحتاجُ إليه مِن مالٍ أو منفعةٍ، وألَّا يبخلَ عليه بمنعِه ما لا يُمنعُ عادةً مِمَّا لا يَتَضَرَّرُ ببَذلِه.
الدَّليلُ على ذلك مِنَ الكِتابِ:
قال تعالى في ذَمِّ أقوامٍ يَمنَعونَ النَّاسَ مِنَ الانتِفاعِ بما لديهم مِمَّا لا يَتَضَرَّرونَ ببَذلِه، فلا يُعينونَهم بإعارَتِه: ويَمنَعونَ الْمَاعُونَ [الماعون: 7] .
قال عَبدُ اللَّهِ بنُ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه: ((كُنَّا نَعُدُّ الماعونَ على عَهدِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عاريَّةَ الدَّلوِ والقِدْرِ)) [2060] أخرجه أبو داود (1657)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (11701)، والطبراني (9/235) (9013). حَسَّنه الألبانيُّ في ((صحيح سنن أبي داود)) (1657)، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (851)، وصَحَّح إسنادَه ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (2/66)، وابن حجر في ((فتح الباري)) (8/602). .
وقال عِكرِمةُ: رَأسُ الماعونِ زَكاةُ المالِ، وأدناه المُنخُلُ والدَّلوُ، والإبرةُ.
قال ابنُ كثيرٍ: (وهذا الذي قاله عِكرِمةُ حَسَنٌ؛ فإنَّه يَشمَلُ الأقوالَ كُلَّها، وتَرجِعُ كُلُّها إلى شيءٍ واحِدٍ، وهو تَركُ المُعاونةِ بمالٍ أو مَنفعةٍ؛ ولهذا قال مُحَمَّدُ بنُ كَعبٍ: وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ قال: المَعروفَ؛ ولهذا جاءَ في الحَديثِ: ((كُلُّ مَعروفٍ صَدَقةٌ)) [2061] أخرجه البخاري (6021) مِن حَديثِ جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما. وأخرجه مسلم (1005) مِن حَديثِ حُذيفةَ بنِ اليَمانِ رَضِيَ اللهُ عنه. [2062] ((تفسير القرآن العظيم)) (8/ 497). قال السَّعديُّ: (وَيَمنَعُونَ الْمَاعُونَ أي: يَمنَعونَ إعطاءَ الشَّيءِ الذي لا يَضُرُّ إعطاؤُه على وَجهِ العاريَّةِ، أوِ الهِبةِ، كالإناءِ، والدَّلوِ، والفأسِ، ونَحوِ ذلك مِمَّا جَرَتِ العادةُ ببَذلِها والسَّماحةِ به. فهؤلاء -لشِدَّةِ حِرصِهم- يَمنَعونَ الماعونَ، فكيف بما هو أكثَرُ مِنه؟!). ((تيسير الكريم الرحمن)) (ص: 935). وقال ابنُ عُثَيمين: (مَنعُ الماعونِ يَنقَسِمُ إلى قِسمَينِ؛ القِسمُ الأوَّلُ: قِسمٌ يَأثَمُ به الإنسانُ. القِسمُ الثَّاني: قِسمٌ لا يَأثَمُ به، لكِنْ يَفوتُه الخيرُ. فما وجَبَ بَذلُه فإنَّ الإنسانَ يَأثَمُ بمَنعِه، وما لم يَجِبْ بَذلُه فإنَّ الإنسانَ لا يَأثَمُ بمَنعِه، لكِن يَفوتُه الخيرُ. مِثالُ ذلك: إنسانٌ جاءَه رَجُلٌ مُضطَرٌّ يَقولُ: أعطِني ماءً أشرَبُه، فإن لم أشرَبْ مُتُّ، فبَذلُ الإناءِ له واجِبٌ، يَأثَمُ بتَركِه الإنسانُ). ((تفسير ابن عثيمين- جزء عم)) (ص: 329). .
وقال الرَّازيُّ: (قَولُ أكثَرِ المُفسِّرينَ أنَّ الماعونَ اسمٌ لِما لا يُمنَعُ في العادةِ، ويَسألُه الفقيرُ والغَنيُّ، يُنسَبُ مانِعُه إلى سوءِ الخُلُقِ ولُؤمِ الطَّبيعةِ؛ كالفأسِ والقِدرِ والدَّلوِ، والمِقدَحةِ والغُربالِ والقَدُومِ، ويَدخُلُ فيه المِلحُ والماءُ والنَّارُ. ومِن ذلك أن يَلتَمِسَ جارُك أن يَخبِزَ في تنُّورِك، أو يَضَعَ مَتاعَه عِندَك يَومًا أو نِصفَ يَومٍ.
وأصحابُ هذا القَولِ قالوا: الماعونُ فاعولٌ مِنَ المَعْنِ، وهو الشُّيءُ القَليلُ، وسُمِّيَتِ الزَّكاةُ ماعونًا؛ لأنَّه يُؤخَذُ مِنَ المالِ رُبعُ العُشرِ، فهو قَليلٌ مِن كثيرٍ، ويُسَمَّى ما يُستَعارُ في العُرفِ -كالفأسِ والشَّفرةِ- ماعونًا.
وعلى هذا التَّقديرِ يَكونُ مَعنى الآيةِ الزَّجرَ عَنِ البُخلِ بهذه الأشياءِ القَليلةِ؛ فإنَّ البُخلَ بها يَكونُ في نِهايةِ الدَّناءةِ والرَّكاكةِ، والمُنافِقونَ كانوا كذلك؛ لقَولِه تعالى: الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بالْبُخْلِ [النساء: 37] ، وقال: مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ [القَلم: 12] .
قال العُلَماءُ: ومِنَ الفضائِلِ أن يَستَكثِرَ الرَّجُلُ في مَنزِلِه مِمَّا يَحتاجُ إليه الجيرانُ، فيُعيرَهم ذلك، ولا يَقتَصِرَ على الواجِبِ) [2063] ((مَفاتيح الغيب)) (32/ 305). .

انظر أيضا: