موسوعة الآداب الشرعية

عاشرًا: عَدَمُ مَنعِ الجارِ من عَمَلِ ما فيه مَنفعةٌ له


مِن الأدبِ معَ الجارِ: عَدَمُ مَنعِه مِن عَمَلِ ما فيه مَنفَعةٌ له مِمَّا لا يَضُرُّه [2064] يُنظر: ((تهذيب الآثار- مسند ابن عباس)) لابن جرير الطبري (2/ 790). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:
عَن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((لا يَمنَعْ جارٌ جارَه أن يَغرِزَ خَشَبَه في جِدارِه))، ثُمَّ يَقولُ أبو هُرَيرةَ: ما لي أراكُم عَنها مَعرَضينِ؟! واللهُ لأرميَنَّ بها بينَ أكتافِكُم [2065] أخرجه البخاري (2463) واللَّفظ له، ومسلم (1609). .
قَولُه: (ما لي أراكُم عنها مُعرِضينَ) أي: عن هذه السُّنَّةِ والخَصلةِ والمَوعِظةِ أوِ الكَلماتِ.
وقَولُه: (بَينَ أكتافِكُم) أي: بَينَكُم، والمَعنى أنَّى أُصَرِّحُ بها بَينَكُم وأوجِعُكُم بالتَّقريعِ بها كَما يَضرِبُ الإنسانُ بالشَّيءِ بَينَ كَتِفَيه [2066] يُنظر: ((شرح النووي على مسلم)) (11/ 47). قال النَّوويُّ: (واختَلف العُلماءُ في مَعنى هذا الحَديثِ: هَل هو على النَّدبِ إلى تَمكينِ الجارِ مِن وَضعِ الخَشَبِ على جِدارِ جارِه أم على الإيجابِ؟ وفيه قَولانِ للشَّافِعيِّ وأصحابِ مالكٍ أصَحُّهما في المَذهَبَينِ النَّدبُ، وبه قال أبو حَنيفةَ والكوفيُّونَ، والثَّاني: الإيجابُ، وبه قال أحمَدُ، وأبو ثَورٍ، وأصحابُ الحَديثِ، وهو ظاهرُ الحَديثِ، ومَن قال بالنَّدبِ قال: ظاهرُ الحَديثِ أنَّهم تَوقَّفوا عنِ العَمَلِ؛ فلهذا قال: ما لي أراكُم عنها مُعرِضينَ؟ وهذا يَدُلُّ على أنَّهم فَهِموا مِنه النَّدبَ لا الإيجابَ، ولو كان واجِبًا لما أطبَقوا على الإعراضِ عنه. واللَّهُ أعلمُ). ((شرح النووي على مسلم)) (11/ 47). وقال الخَطَّابيُّ: (عامَّةُ العُلماءِ يَذهَبونَ في تَأويلِه إلى أنَّه ليسَ بإيجابٍ يُحمَلُ عليه النَّاسُ مِن جِهةِ الحُكمِ، وإنَّما هو مِن بابِ المَعروفِ وحُسنِ الجِوارِ، إلَّا أحمَدَ بنَ حَنبَلٍ فإنَّه رَآه على الوُجوبِ، وقال: على الحُكَّامِ أن يَقضوا به على الجارِ ويُمضُوه عليه إنِ امتَنَعَ مِنه). ((معالم السنن)) (4/ 180). وقال ابنُ رَجَبٍ: (ومَذهَبُ الإمامِ أحمَدَ أنَّ الجارَ يَلزَمُه أن يُمَكِّنَ جارَه مِن وَضعِ خَشَبِه على جِدارِه إذا احتاجَ الجارُ إلى ذلك ولم يَضُرَّ بجِدارِه؛ لهذا الحَديثِ الصَّحيحِ). ((جامع العلوم والحكم)) (1/ 352). وقال ابنُ عُثَيمين: (إذا كان جارُك يُريدُ أن يَسقُفَ بَيتَه ووضَعَ الخَشَبَ على الجِدارِ، فإنَّه لا يَحِلُّ مَنعُه؛ لأنَّ وَضعَ الخَشَبِ على الجِدارِ لا يَضُرُّ، بَل يَزيدُه قوَّةً، ويَمنَعُ السَّيلَ مِنه، ولا سيَّما فيما سَبَقَ؛ حَيثُ كان البناءُ مِنَ اللَّبِنِ، فإنَّ الخَشَبَ يَمنَعُ هطولَ المَطَرِ على الجِدارِ فيَحميه، وهو أيضًا يَشُدُّه ويُقَوِّيه، ففيه مَصلَحةٌ للجارِ، وفيه مَصلَحةٌ للجِدارِ، فلا يَحِلُّ للجارِ أن يَمنَعَ جارَه مِن وضعِ الخَشَبِ على جِدارِه، وإن فَعَل ومَنَع فإنَّه يُجبَرُ على أن يوضَعَ الخَشَبُ رَغمًا عن أنفِه. ولهذا قال أبو هرَيرةَ: "ما لي أراكُم عنها مُعرِضينَ؟! واللَّهِ لأرميَنَّ بها بَينَ أكتافِكُم"، يَعني: مَن لم يُمَكِّنْ مِن وَضعِ الخَشَبِ على جِدارِه وضَعناه على مَتنِ جَسَدِه بَينَ أكتافِه، وقال -هذا رَضِيَ اللهُ عنه- حينَما كان أميرًا على المُؤمِنينَ على المَدينةِ في زَمَنِ مَروانَ بنِ الحَكَمِ). ((شَرح رياض الصالحين)) (3/ 179). .

انظر أيضا: