موسوعة الآداب الشرعية

خامِسًا: تَركُ الحَسَدِ للزُّمَلاءِ واجتِنابُ إيذائِهم وظُلمِهم وتَحقيرِهم


الدَّليلُ على ذلك مِن الكتابِ والسُّنَّةِ:
أ- مِنَ الكِتابِ
1- قال تعالى: وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ [إبراهيم: 42] .
2- قال تعالى: وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [الشورى: 40 - 43] .
3- قال تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا [الأحزاب: 58] .
4- قال تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ * يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [الحجرات: 10 - 13] .
ب- مِنَ السُّنَّةِ
1- عن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا تَحاسَدوا، ولا تَناجَشوا، ولا تَباغَضوا، ولا تَدابَروا، ولا يَبِعْ بَعضُكم على بَيعِ بَعضٍ، وكونوا عبادَ اللهِ إخوانًا، المُسلِمُ أخو المُسلِمِ، لا يَظلِمُه ولا يَخذُلُه، ولا يَحقِرُه، التَّقوى هاهنا -ويُشيرُ إلى صَدْرِه ثلاثَ مرَّاتٍ- بحَسْبِ امرئٍ من الشَّرِّ أن يَحقِرَ أخاه المُسلِمَ، كُلُّ المُسلِمِ على المُسلِمِ حرامٌ: دَمُه، ومالُه، وعِرْضُه)) [2309] أخرجه مسلم (2564). .
2- عن أبي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عنه، عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فيما رَوى عَنِ اللهِ تَبارَك وتعالى أنَّه قال: ((يا عِبادي، إنِّي حَرَّمتُ الظُّلمَ على نَفسي، وجَعَلتُه بينَكُم مُحَرَّمًا، فلا تَظالَموا...)) الحَديثَ [2310] أخرجه مسلم (2577). .
3- عن جابِرِ بنِ عَبدِ اللَّهِ رَضِيَ اللهُ عنهما، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((اتَّقوا الظُّلمَ؛ فإنَّ الظُّلمَ ظُلُماتٌ يَومَ القيامةِ، واتَّقوا الشُّحَّ؛ فإنَّ الشُّحَّ أهلَك مَن كان قَبلَكُم؛ حَمَلَهم على أن سَفَكوا دِماءَهم، واستَحَلُّوا مَحارِمَهم)) [2311] أخرجه مسلم (2578). .
فَوائِدُ:
جُملةٌ مِن آدابِ الطَّبيبِ مَعَ زُمَلائِه
(قال تعالى: إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ مِن هذا المُنطَلقِ القُرآنيِّ وهذه الأُخوَّةِ الإيمانيَّةِ التي تَجمَعُ بَينَ المُؤمِنينَ جَميعًا، فإنَّ الطَّبيبَ أخٌ لكُلِّ طَبيبٍ وزَميلٍ له في رِسالةٍ نَبيلةٍ، وعَمَلٍ مَجيدٍ، ومِن هنا ينبغي أن يَسودَ بَينَهم قَولُ الحَقِّ سُبحانَه: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، فيَجِبُ أن يُعامِلَ الطَّبيبُ زُمَلاءَه كَما يُحِبُّ أن يُعامِلوه.
والأطِبَّاءُ في المُجتَمَعِ الإسلاميِّ مُتَكافِلونَ فيما بَينَهم على رِعايةِ صِحَّةِ الأُمَّةِ، وهم يتكاملون بتَنَوُّعِ اختِصاصاتِهمُ الطِّبِّيَّةِ في شَتَّى فُروعِ الطِّبِّ، فيَعمَلُ فريقٌ في الوِقايةِ وآخَرونَ في العِلاجِ، ويَعمَلُ البَعضُ في مَرافِقِ الدَّولةِ، والبَعضُ الآخَرُ في القِطاعِ الخاصِّ، مُلتَزِمينَ جَميعًا بآدابِ المِهنةِ الطِّبِّيَّةِ وتَكاليفِها.
والأطِبَّاءُ فِرقةٌ مِنَ الأُمَّةِ عليها أن تَتَّخِذَ فيما بَينَها مِنَ النُّظُمِ والوسائِلِ والأساليبِ والأسبابِ والأعرافِ ما يُمكِنُ لأفرادِها جَماعةً وعلى انفِرادٍ
أن يَقوموا برِسالتِهم في الأُمَّةِ على خَيرِ وَجهٍ.
والطَّبيبُ أخو الطَّبيبِ؛ يوقِّرُ حَضرَتَه، ويَحفظُ غَيبتَه، ويَتَجَنَّبُ إساءَتَه، ويُقدِّمُ له العَونَ والنُّصحَ والمَشورةَ كُلَّما دَعَتِ الحاجةُ، ولا يَأكُلُ لحمَه.
والأطِبَّاءُ فيما بَينَهم يَتَكافلونَ كذلك على رِعايةِ بَعضِهمُ البَعض إذا مَرِضَ أحَدُهم أو أيُّ فَردٍ مِن أفرادِ أُسرَتِه إذا اعتَرَته شِدَّةٌ أو مِحنةٌ أو عَجزٌ أو وفاةٌ، وهم في ذلك يَضَعونَ حَديثَ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «مَن فرَّجَ عن مُسلمٍ كُربةً فرَّجَ اللهُ عنه كُربةً مِن كُرُباتِ يَومِ القيامةِ» [2312] أخرجه البخاري (2442) واللَّفظُ له، ومسلم (2580) من حديثِ عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رضِيَ اللهُ عنهما. نُصبَ أعيُنِهم، وحتَّى يَكونوا بحَقٍّ كَما أخبَر الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «مَثَلُ المُؤمِنينَ في تَوادِّهم وتَراحُمِهم وتَعاطُفِهم مَثَلُ الجَسَدِ؛ إذا اشتَكى مِنه عُضوٌ تَداعى له سائِرُ الجَسَدِ بالسَّهَرِ والحُمَّى» [2313] أخرجه البخاري (6011)، ومسلم (2586) واللَّفظُ له من حديثِ النُّعمانِ بنِ بَشيرٍ رَضِيَ اللهُ عنه .
وليسَ الطَّبيبُ في الزَّمَنِ الحاضِرِ عُنصُرًا فردًا في العِلاجِ، ولكِنَّه عُضوٌ في فريقٍ مِنَ المُشتَغِلينَ بالتَّمريضِ أوِ المُختَبَراتِ العِلميَّةِ، أوِ العِلاجِ الطَّبيعيِّ، أوِ الأشِعَّةِ، أوِ البَحثِ الاجتِماعيِّ... إلخ، فعليه أن يُؤَكِّدَ صِلةَ التَّعاوُنِ ورِباطَ الزَّمالةِ بهذه الطَّوائِفِ جَميعًا، وبذلك تُثمِرُ الجُهودُ وتُؤتي أفضَلَ الثَّمَراتِ) [2314] يُنظر: ((نفح الطيب)) (ص: 43-45). .
مِن واجباتِ الطبيبِ نحوَ زملائِه:
جاءَ في لائِحةِ آدابِ المِهنةِ [2315] الصَّادِرةِ بقَرارِ وزيرِ الصِّحَّةِ والسُّكَّانِ، رَقم: (238) لسنة 2003م بتاريخ 5 سِبتَمبر 2003 م، بَعدَ العَرضِ والموافَقةِ مِنَ الجَمعيَّةِ العُموميَّةِ المُنعَقِدةِ في 21/3/2003م، ومُؤتَمَرِ النِّقاباتِ الفرعيَّةِ لأطِبَّاءِ مِصرَ في الفترةِ مِن 4 - 6/7/2003. في ذِكرِ بَعضِ واجِباتِ الطَّبيبِ:
(واجِباتُ الطَّبيبِ نَحوَ الزُّمَلاءِ:
- لا يَجوزُ للطَّبيبِ أن يَسعى لمُزاحَمةِ زَميلٍ له بطَريقةٍ غيرِ كريمةٍ في أيِّ عَمَلٍ مُتَعَلِّقٍ بالمِهنةِ أو عِلاجِ مَريضٍ.
- لا يَجوزُ للطَّبيبِ أن يُقَلِّلَ مِن قُدُراتِ زُمَلائِه، وإذا كان هناك ما يَستَدعي انتِقادَ زَميلٍ له مِهنيًّا، فيَكونُ ذلك أمامَ لجنةٍ عِلميَّةٍ مُحايِدةٍ.
- إذا حَلَّ طَبيبٌ مَحَلَّ زَميلٍ له في عيادَتِه بصِفةٍ مُؤَقَّتةٍ، فعليه ألَّا يُحاوِلَ استِغلالَ هذا الوَضعِ لصالحِه الشَّخصيِّ، كما يَجِبُ عليه إبلاغُ المَريضِ قَبلَ بَدءِ الفَحصِ بصِفتِه، وأنَّه يَحُلُّ مَحَلَّ الطَّبيبِ صاحِبِ العيادةِ بصِفةٍ مُؤَقَّتةٍ).

انظر أيضا: