logo
logo
En

موسوعة التفسير

المراجع المعتمدة منهج العمل في الموسوعة اعتماد منهجية الموسوعة
المراجع المعتمدة منهج العمل في الموسوعة اعتماد منهجية الموسوعة
سورةُ إبراهيمَ
الآيات (42-46)
ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ
غريب الكلمات:

تَشْخَصُ: أي: تُرفَعُ وتُفتَحُ فلا تَطرِفُ، وأصلُ (شخص): يدُلُّ على ارتفاعٍ في شَيءٍ [548] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/254)، ((المفردات)) للراغب (ص: 447)، ((لسان العرب)) لابن منظور (7/46)، ((تفسير القرطبي)) (9/376)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 319). .
مُهْطِعِينَ: أي: مُسرِعينَ، مُديمِي النَّظَرِ، وأصلُ (هطع): يدُلُّ على إقبالٍ على الشَّيءِ، وانقيادٍ [549] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 233)، ((البسيط)) للواحدي (12/498)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 442)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (6/56)، ((المفردات)) للراغب (ص: 843)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 186). .
مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ: أي: رافِعِيها مع الإقبالِ بأبصارِهم إلى ما بينَ أيديهم، مِن غيرِ التفاتٍ إلى شَيءٍ، وأصلُ (قنع): ارتفاعُ الشَّيءِ ليس فيه تَصَوُّبٌ، وأيضًا يدُلُّ على الإقبالِ على الشَّيءِ [550] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/707)، ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 233)، ((مقاييس اللغة)) (5/32)، ((الكليات)) للكفوي(ص: 878)، ((تفسير الألوسي)) (7/231). .
طَرْفُهُمْ: أي: نَظَرُهم وأبصارُهم، ولا يُثنَّى (الطَّرْفُ) ولا يُجمَعُ؛ لأنَّه في الأصلِ مَصدرٌ، وأصلُ الطَّرفِ: تحريكُ الجَفنِ، وعُبِّرَ به عن النَّظرِ؛ إذ كان تحريكُ الجَفنِ لازِمُه النَّظرُ [551] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 233)، ((تفسير ابن جرير)) (13/710)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/449)، ((المفردات)) للراغب (ص: 517)، ((لسان العرب)) لابن منظور (9/213). .
هَوَاءٌ: أي: خالِيةٌ خاوِيةٌ فارِغةٌ، وأصلُ (هوي): يدلُّ على خُلُوٍّ وسُقوطٍ [552] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/710)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (6/15)، ((المفردات)) للراغب (ص: 849)، ((تفسير البغوي)) (4/359)، ((غريب القرآن)) لقاسم الحنفي (ص: 103). .

مشكل الإعراب:

1- قولُه تعالى: وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ
وتَبَيَّنَ فاعلُه مُضمَرٌ؛ لدَلالةِ الكلامِ عليه، أي: تَبَيَّنَ لكم حالُهم، وخبَرُهم، وهلاكُهم.
وكَيْفَ اسمُ استفهامٍ في محَلِّ نَصبٍ مَفعولٌ مُطلَقٌ، وجملةُ كَيْفَ فَعَلْنَا مُفسِّرةٌ للفاعِلِ المقدَّرِ، فلا محلَّ لها من الإعرابِ [553] يُنظر: ((مشكل إعراب القرآن لمكي)) (1/405-406)، ((التبيان في إعراب القرآن)) للعكبري (2/773)، ((الدر المصون)) للسمين الحلبي (7/124-125)، ((إعراب القرآن)) للدعاس (2/136)، ((المجتبى من مشكل إعراب القرآن)) للخراط (2/550). .
2- قولُه تعالى: وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ
لِتَزُولَ اللامُ في لِتَزُولَ للجُحودِ، وإِنْ نافيةٌ، و(تَزولَ) مُضارعٌ منصوبٌ بأنْ مُضمَرة بعدَ اللَّامِ، والمصدرُ المؤَوَّلُ (أَنْ تَزُولَ) مجرورٌ باللَّامِ متعَلِّقٌ بخَبَرِ كان المحذوف، أي: ما كان مكرُهم أهلًا أو مُعَدًّا لإزالةِ الجبالِ، وهو استخفافٌ بهم، أي: ليس مكرُهم بمتجاوزٍ مكْرَ أمثالِهم، وما هو بالذي تزولُ منه الجبالُ. ويجوز أن تكونَ اللامُ في لِتَزُولَلامَ التَّعليلِ، وإِنْ شرطيَّةٌ، وجوابُها محذوفٌ، والتَّقديرُ: وإنْ كان مكرُهم لشِدَّتِه مُعَدًّا لإزالةِ أشباهِ الجبالِ الرَّواسي- وهي المُعجِزاتُ والآيات- فاللهُ مُجازيهم بمكرٍ هو أعظمُ منه.
وقُرِئَ لَتَزُولُ بفَتحِ اللام الأولى، ورفعِ اللامِ الثانيةِ، فـ إِنْ مُخفَّفةٌ مِن الثَّقيلة، واللامُ فارِقةٌ بينها وبين النَّافيةِ، فيكونُ الكلامُ إثباتًا لزوالِ الجبالِ مِن مَكرِهم، أي: هو مكرٌ عظيمٌ لَتَزولُ منه الجِبالُ لو كان لها أن تزولَ؛ فهو مستعمَلٌ في معنى الجدارةِ والتأهُّلِ للزَّوالِ، لو كانت الجِبالُ زائلةً [554] يُنظر: ((مشكل إعراب القرآن لمكي)) (1/407-408)، ((التبيان في إعراب القرآن)) للعكبري (2/773-774)، ((الدر المصون)) للسمين الحلبي (7/126-127)، ((الجنى الداني في حروف المعاني)) للمرادي (ص: 18)، ((مغني اللبيب)) لابن هشام (ص: 279)، ((تفسير ابن عاشور)) (12/270-271). .

المعنى الإجمالي:

يقول الله تعالى: ولا تظُنَّ- يا مُحمَّدُ- أنَّ اللهَ ساهٍ عن أعمالِ هَؤلاءِ الظَّالِمينَ، كالمشركينَ مِن قومِك، بل هو عالِمٌ بأعمالِهم، وسيُعاقِبُهم على ظُلمِهم، إنَّما يمهلُهم ويؤخِّرُ عِقابَهم إلى يومٍ شَديدٍ ترتفِعُ فيه أبصارُ الخلقِ دونَ أن تطرِفَ جفونُهم؛ مِن هولِ ما تراه، وشدةِ ما يصيبُهم مِن الفزعِ. يمشُونَ مُسرِعينَ عندَ الخُروجِ مِن قُبورِهم، والمَجيءِ لمحشَرِهم، رافعي رُؤوسِهم: لا تعودُ إليهم أبصارُهم، فلا يتمكَّنونَ من توجيهِ أنظارِهم حيث شاؤوا، أو الطَّرْفِ بأعيُنِهم كما أرادوا، وقلوبُهم خاليةٌ ليس فيها شَيءٌ؛ ولا تعقِلُ شيئًا من شدَّةِ الخَوفِ.
وخَوِّفِ النَّاسَ- يا محمدُ- ما ينزلُ بهم مِن عذابِ اللهِ يومَ القيامةِ، فيقولُ الذين ظَلَموا أنفُسَهم بالكُفرِ والتكذيبِ والمعاصي: ربَّنا أَمْهِلْنا وأرجِعْنا إلى الدُّنيا زمنًا قليلًا نُؤمِنْ بك ونُصَدِّقْ رُسُلَك. فيقولُ الله لهم: ألم تَحْلِفوا في حياتِكم أنَّه لا انتقالَ لكم مِن الحياةِ الدُّنيا إلى الآخرةِ، ولا بعثَ بعدَ الموتِ؟ وحلَلْتُم في مساكِنِ الذين ظَلَموا أنفُسَهم بكُفرِهم باللهِ، وعَلِمتُم- بما رأيتُم مِن آثارِهم، وسمعتُم مِن أخبارِهم- ما أنزَلْناه بهم من الهلاكِ، ومثَّلْنا لكم الأمثالَ في القُرآنِ؛ لتعتَبِروا بها، فلم تعتَبِروا؟ وقد مكروا مَكرَهم العظيمَ، وعندَ اللهِ جزاءُ مَكرِهم، وما كان مَكرُ الكُفَّارِ بالذي تزولُ منه الجبالُ لضعفِه ووهنِه، ولو كان مكرُهم تزولُ منه الجبالُ فلن يستطيعوا أيضًا إبطالَ دينِ الإسلامِ.

تفسير الآيات:

وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
لَمَّا بيَّنَ الله تعالى دلائِلَ التَّوحيدِ، ثمَّ حكى عن إبراهيمَ عليه السَّلامُ أنَّه طلَبَ مِن اللهِ أن يَصونَه عن الشِّركِ، وطلَبَ منه أن يوفِّقَه للأعمالِ الصَّالحةِ، وأن يخُصَّه بالرَّحمةِ والمغفرةِ في يومِ القيامةِ- ذكرَ بعد ذلك ما يدُلُّ على وجودِ يومِ القيامةِ، وما يدُلُّ على صفةِ يومِ القيامةِ [555] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (19/107). .
وأيضًا لَمَّا ختَمَ إبراهيمُ عليه السَّلامُ دُعاءَه بيومِ الحِسابِ، المُوجِبِ ذِكرُه لكلِّ سَعادةٍ، ونِسيانُه لكُلِّ شَقاوةٍ- ذكرَ بعضَ ما يتَّفِقُ فيه؛ رجوعًا إلى ما مضى من أحوالِ يومِ القيامةِ [556] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (10/432). .
وأيضًا فإنَّها عَطفٌ على الجُمَلِ السَّابقةِ، ولها اتِّصالٌ بجُملةِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ [إبراهيم: 30] الذي هو وعيدٌ للمُشرِكينَ، وإنذارٌ لهم بألَّا يغتَرُّوا بسلامتِهم وأمْنِهم؛ تنبيهًا لهم على أنَّ ذلك متاعٌ قليلٌ زائِلٌ، فأكَّدَ ذلك الوعيدَ بهذه الآيةِ [557] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (13/245). ، فقال:
وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ.
أي: ولا تظُنَّ- يا محمدُ- اللهَ الذي مِن سُنَّتِه إمهالُ الظَّالِمينَ، وإنظارُهم مُدَّةً قبل أن يُحِلَّ بهم عِقابَه؛ ساهيًا عن أعمالِ هَؤلاءِ الظَّالِمينَ لأنفُسِهم، كمُشرِكي قَومِك وغَيرِهم، بل هو عالِمٌ بأعمالِهم، وسيُعاقِبُهم على ظُلمِهم؛ فإنَّه سُبحانه يُمهِلُ ولا يُهمِلُ [558] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/703)، ((تفسير القرطبي)) (9/376)، ((تفسير ابن كثير)) (4/515)، ((تفسير السعدي)) (ص: 427)، ((تفسير ابن عاشور)) (13/246). .
عن أبي موسى الأشعريِّ رَضِيَ الله عنه، قال: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ اللهَ لَيُملي [559] لَيُملي للظَّالمِ: أي: يُمهِلُه. يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (8/355). للظَّالمِ، حتى إذا أخَذَه لم يُفلِتْه، ثم قرأ: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود: 102] )) [560] رواه البخاري (4686) واللفظ له، ومسلم (2583). .
إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ .
أي: إنَّما يُمهِلُ اللهُ الظَّالِمينَ ويُؤخِّرُ عِقابَهم إلى يومِ القيامةِ الذي ترتفِعُ فيه أبصارُ الخَلقِ، وهم يُحَدِّقونَ بها مَبهُوتينَ خائفينَ، دون أن تَطرِفَ أجفانُهم، أو تَغتَمِضَ أعيُنُهم؛ لشدَّةِ ما أصابَهم من الفزَعِ، وما يَرَونه من عظيمِ الأهوالِ [561] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/704)، ((المفردات في غريب القرآن)) للأصفهاني (ص: 447)، ((تفسير القرطبي)) (9/376)، ((تفسير ابن كثير)) (4/515)، ((تفسير السعدي)) (ص: 427)، ((تفسير ابن عاشور)) (13/246). .
كما قال تعالى: وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ [الأنبياء: 97] .
مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ (43).
مُهْطِعِينَ.
أي: يمشُونَ مُسرِعينَ عند خُروجِهم مِن قُبورِهم، ومَجيئِهم لمحشَرِهم، وحضورِ حِسابِهم [562] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/707)، ((تفسير القرطبي)) (9/376)، ((تفسير ابن كثير)) (4/515)، ((تفسير السعدي)) (ص: 427)، ((تفسير ابن عاشور)) (13/246). .
كما قال تعالى: مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ [القمر: 8].
وقال عزَّ وجلَّ: يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ [المعارج: 43] .
مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ .
أي: رافِعي رُؤوسِهم ينظُرونَ إلى ما بينَ أيديهم، دونَ أن يلتَفِتوا يمينًا أو شِمالًا [563] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 233)، ((تفسير ابن جرير)) (13/707)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 442)، ((تفسير ابن كثير)) (4/515)، ((تفسير السعدي)) (ص: 427). قال القرطبي: (إقناعُ الرأسِ: رفْعُه. قاله ابنُ عباسٍ ومجاهدٌ... وقيل: ناكسي رؤوسِهم، والآيةُ محتملةٌ الوجهينِ، وقاله المُبَرِّدُ. والقولُ الأولُ أعرفُ في اللغةِ). ((تفسير القرطبي)) (9/376، 377). ويُنظر: ((الكامل)) للمبرد (3/91)، ((معاني القرآن)) للنحاس (3/538، 539)، ((تفسير الماوردي)) (3/140)، ((التبيان في تفسير غريب القرآن)) لابن الهائم (ص: 204)، ((تفسير ابن عاشور)) (13/246). وممَّن ذهب من المفسِّرين إلى أنَّ المرادَ بـ مُقْنِعِي: رافعو رؤوسِهم: ابنُ قتيبةَ، وابنُ جريرٍ، والقرطبي، والسعدي. يُنظر: ((غريب القرآن)) (ص: 233)، ((تفسير ابن جرير)) (13/707)، ((تفسير القرطبي)) (9/376)، ((تفسير السعدي)) (ص: 427). وممن قال بهذا القولِ مِن السلفِ: ابنُ عباسٍ، ومجاهدٌ، والضحاكُ، والحسنُ، وابنُ زيدٍ، وسعيدُ بنُ جبيرٍ، وقتادةُ، وأبو عبيدةَ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/708)، ((تفسير ابن الجوزي)) (2/517). وقيل: المرادُ بإقناعِ الرأس: طأطأَتُه مِن الذلِّ. وممَّن قال بذلك: ابنُ عاشورٍ. يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (13/246). قال أبو العباس المُبَرِّد: (المُقْنِع: الرافِعُ رأسَه، في هذا الموضع، ويقال في غيره: الذي يحُطُّ رأسَه استخذاءً وندمًا؛ قال الله جل وعزَّ: مُقْنِعِي رُؤُوسِهِمْ. ومن قال هو الرافِعُ رأسَه: فتأويلُه عندنا أن يتطاولَ فينظُرَ ثم يطأطئَ رأسَه، فهو بعدُ يرجِعُ إلى الإغضاءِ والانكسارِ). ((الكامل في اللغة والأدب)) (3/91). .
لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ.
أي: لا تعودُ إليهم أبصارُهم على ما اعتادُوه، بحيثُ يتمكَّنونَ من توجيهِ أنظارِهم حيث شاؤوا، أو الطَّرْفِ بأعيُنِهم كما أرادوا؛ وذلك لإدامةِ نَظَرِهم إلى ما يُشاهِدونَه مِن أهوالٍ، فأجفانُهم إليها شاخِصةٌ، وأعيُنُهم نحوَها مُصَوَّبةٌ لا تَطرِفُ لَحظةً [564] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/710)، ((تفسير الزمخشري)) (2/563)، ((تفسير القرطبي)) (9/377)، ((تفسير ابن كثير)) (4/515)، ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (9/297)، ((تفسير ابن عاشور)) (13/247). .
وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ.
أي: وقلوبُهم خاليةٌ، ليس فيها شيءٌ، ولا تعقِلُ شيئًا من شدَّةِ الخَوفِ [565] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/713)، ((تفسير القرطبي)) (9/377)، ((تفسير ابن كثير)) (4/515). قال ابنُ كثير: (ولهذا قال: وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ أي: وقلوبُهم خاويةٌ خاليةٌ، ليس فيها شيءٌ؛ لكثرة الفزَعِ والوجَل والخوفِ؛ ولهذا قال قتادةُ وجماعةٌ: إنَّ أمكِنةَ أفئدتِهم خاليةٌ؛ لأنَّ القلوبَ لدى الحناجرِ، قد خرَجتْ مِن أماكِنِها مِن شِدَّةِ الخوفِ). ((تفسير ابن كثير)) (4/515). .
وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ (44) .
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
أنَّها عَطفٌ على جُملةِ: وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ، أي: تسَلَّ عنهم، ولا تملَلْ مِن دَعوتِهم، وأنذِرْهم [566] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (13/247). .
وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ.
أي: وخَوِّفِ النَّاسَ- يا محمَّدُ- ما هو نازِلٌ بهم يومَ يأتيهم العذابُ يومَ القيامةِ، فيَحذَروا مِن الأعمالِ المُوجِبةِ لذلك العذابِ [567] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/714)، ((تفسير القرطبي)) (9/378)، ((تفسير السعدي)) (ص: 427). .
فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ.
أي: فيقولُ الذين ظَلَموا أنفُسَهم بالكُفرِ والتَّكذيبِ، وأنواعِ المعاصي، في ذلك اليَومِ: ربَّنا أمهِلْنا، وأرجِعْنا إلى الدُّنيا زمنًا قليلًا، نُؤمِنْ بك ونوَحِّدْك، ونتَّبِعْ رُسُلَك [568] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/714)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 585)، ((تفسير القرطبي)) (9/378)، ((تفسير السعدي)) (ص: 427)، ((تفسير ابن عاشور)) (13/248). .
كما قال تعالى: وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الأنعام: 27] .
وقال سُبحانَه: وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ [السجدة: 12] .
وقال عزَّ وجلَّ: وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ [فاطر: 37] .
أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ.
أي: فيقولُ الله للظَّالِمينَ الذين سألوه الرَّجعةَ إلى الدُّنيا، مُوبِّخًا لهم: أولمْ تكونوا تحلِفونَ في الدُّنيا أنَّه لا انتقالَ لكم مِن الدُّنيا إلى الآخرةِ، ولا بعْثَ بعدَ الموتِ [569] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/715)، ((تفسير القرطبي)) (9/378)، ((تفسير السعدي)) (ص: 427). ؟ 
كما قال تعالى: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ [النحل: 38] .
وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ (45).
وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ.
أي: وحلَلْتُم في الدُّنيا في مساكنِ الأُمَمِ السَّابقةِ، الذين ظَلَموا أنفُسَهم بكُفرِهم باللهِ تعالى [570] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/716)، ((تفسير القرطبي)) (9/379)، ((تفسير ابن عاشور)) (13/249). قال ابن عاشور: (كان العربُ يَمُرُّونَ على ديارِ ثمودَ في رحلتِهم إلى الشامِ، ويحطُّون الرِّحالَ هنالك، ويمرُّونَ على ديارِ عادٍ في رحلتِهم إلى اليمنِ). ((تفسير ابن عاشور)) (13/249). .
وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ.
أي: وعَلِمتُم بالنَّظَرِ في آثارِهم، والسَّماعِ لأخبارِهم كيف أهلَكْناهم، حينَ أصَرُّوا على كُفرِهم وطُغيانِهم [571] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/716)، ((تفسير ابن كثير)) (4/516)، ((تفسير السعدي)) (ص: 427)، ((تفسير ابن عاشور)) (13/249). .
وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ.
أي: ومَثَّلْنا لكم في القُرآنِ الأمثالَ الواضِحةَ، وبيَّنَّا الأشباهَ؛ لتعتَبِروا بها، لكِنَّكم لم تفعَلوا، فالآن تَسألونَ التَّأخيرَ للتَّوبةِ يومَ أتاكم العذابُ؟! إنَّ هذا غيرُ كائنٍ أبدًا [572] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/716)، ((تفسير السمعاني)) (3/124)، ((تفسير الرازي)) (19/110)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 586)، ((بصائر ذوي التمييز)) للفيروزابادي (3/466)، ((تفسير السعدي)) (ص: 427). قال الرازي: (المرادُ ما أورده الله في القرآنِ مما يُعلَمُ به أنَّه قادرٌ على الإعادةِ، كما قدَر على الابتداءِ، وقادرٌ على التعذيبِ المؤجَّلِ، كما يفعلُ الهلاكَ المعجَّلَ، وذلك في كتابِ الله كثيرٌ، والله أعلم). ((تفسير الرازي)) (19/110). وقال الشوكاني: وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ فِي كُتُبِ اللَّهِ وعلى أَلْسُنِ رسلِه إيضاحًا لَكم وتقريرًا وتكميلًا للحجَّةِ عليكم). ((تفسير الشوكاني)) (3/140). وقال الزمخشري: (وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ أي: صفاتِ ما فعلوا وما فُعِلَ بهم، وهي في الغرابةِ كالأمثال المضروبة لكُلِّ ظالم). ((تفسير الزمخشري)) (2/565). .
كما قال تعالى: وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا [الإسراء: 89] .
وقال سُبحانَه: وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ [الزمر: 27] .
وقال عزَّ وجلَّ: وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [الحشر: 21] .
وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
أنَّ اللهَ تعالى لَمَّا ذكَرَ صِفةَ عِقابِ الكافرينَ؛ أتبَعَها بذِكرِ كيفيَّةِ مَكرِهم [573] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (19/110). .
وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ.
أي: وقد مَكَروا [574] اختلف المفسِّرون في المرادِ بالذين مكَروا على أقوالٍ؛ منها: أنَّهم الذين ظلموا أنفُسَهم، فيكون المعنى: فعَلْنا بهم ما فعَلْنا، والحالُ أنهم قد مكروا مكرَهم. وهذا في الجملةِ: ظاهرُ اختيارِ ابنِ جريرٍ، والشوكاني. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/718)، ((تفسير الشوكاني)) (3/140). وقيل: الضميرُ في مَكَرُوا عائدٌ على المُخاطَبينَ في قوله: أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ أي: الذين سكنوا في مساكنِ الذين ظلموا أنفسَهم. وممن اختار هذا المعنى: الرازي، وأبو حيان. يُنظر: ((تفسير الرازي)) (19/110)، ((تفسير أبي حيان)) (6/453- 454). وفي الآية أقوالٌ أخرى. يُنظر: ((تفسير ابن الجوزي)) (2/519)، ((تفسير الشربيني)) (2/189). مَكرَهم [575] قيل:كان مكرُهم شركَهم باللهِ وافتراءَهم عليه. وممن اختار هذا المعني: ابنُ جرير، والقرطبي. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/721)، ((تفسير القرطبي)) (9/380). وقال السمعاني: (قولُه تعالَى: (وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهمْ أَي: كادُوا كيدَهم). ((تفسير السمعاني)) (3/124). وقال ابنُ عاشور: (والمكرُ: تَبْييتُ فعلِ السُّوءِ بالغيرِ وإضمارُه). ((تفسير ابن عاشور)) (13/250). وهذا القول أيضًا هو ظاهرُ اختيارِ البيضاوي، والشوكاني، والسعدي. يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (3/203)، ((تفسير الشوكاني)) (3/140)، ((تفسير السعدي)) (ص: 427). قال الواحدي: (وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ يعني: مكرَهم بالنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وما همُّوا به مِن قتلِه أو نفيِه). ((الوجيز)) (ص: 586). وقال الرازي: (وذلك المكرُ هو الذي ذكَره الله تعالى في قولِه: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ [الأنفال: 30] ). ((تفسير الرازي)) (19/110). وهذا على اعتبارِ أنَّ الضميرَ في مَكَرُوا عائدٌ على قومِ الرسولِ صلَّى الله عليه وسلَّم. يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (6/454). العظيمَ [576] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/718، 726)، ((تفسير القرطبي)) (9/380)، ((تفسير أبي حيان)) (6/453- 454)، ((تفسير السعدي)) (ص: 427). قال ابنُ عاشورٍ: (وانتَصبَ مكرُهم الأولُ على أنَّه مفعولٌ مطلقٌ لفعلِ «مكروا» لبيانِ النوعِ، أي: المكر الذي اشتهروا به، فإضافةُ مكرٍ إلى ضميرِ «هم» مِن إضافةِ المصدرِ إلى فاعلِه). ((تفسير ابن عاشور)) (13/250). .
وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ.
أي: وعندَ اللهِ عِلمُ مَكرِهم، وجَزاءُ مَكرِهم، فسيُعاقِبُهم بما يستَحِقُّونَ [577] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/726)، ((الحجة للقراء السبعة)) لأبي علي الفارسي (5/31)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 586)، ((تفسير الشوكاني)) (3/140)، ((تفسير السعدي)) (ص: 427). .
وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ.
القراءاتُ ذاتُ الأثَرِ في التَّفسيرِ:
1- قراءةُ لَتَزُولُ بفتحِ اللامِ الأولى ورفعِ الثَّانية؛ فاللامُ الأولى لامُ التَّوكيدِ، والمعنى: قد كاد مَكرُهم العظيمُ يَبلُغُ مِن شِدَّتِه إلى إزالةِ الجِبالِ. وقيل: المعنى: ولو كان مَكرُهم يبلُغُ في الكيدِ إلى إزالةِ الجِبالِ، فلن يُزيلُوا دينَ اللهِ؛ فإنَّ اللهَ ناصِرٌ دِينَه [578] قرأ بها الكسائي. يُنظر: ((النشر)) لابن الجزري (2/300). ويُنظر لمعنى هذه القراءة: ((معاني القرآن)) للزجاج (3/167)، ((معاني القرآن)) للنحاس (3/542)، ((معاني القراءات)) للأزهري (2/64، 65)، ((الحجة للقراء السبعة)) لأبي علي الفارسي (5/31، 32). .
2- قراءةُ لِتَزُولَ بكَسرِ اللام الأولى، ونصبِ الثانية، فاللامُ الأولى لامُ الجحود، أي: ما كان مكرُهم لتزولَ منه الجبالُ، والمعنى: ما كان مَكرُهم لِيَزولَ به أمرُ النبيِّ وأمرُ دينِ الإسلامِ؛ لأنَّ ثُبوتَه كثبوتِ الجِبالِ الرَّاسياتِ [579] قرأ بها الباقون. يُنظر: ((النشر)) لابن الجزري (2/300). ويُنظر لمعنى هذه القراءة: ((الحجة في القراءات السبع)) لابن خالويه (ص: 203، 204)، ((معاني القراءات)) للأزهري (2/64، 65)، ((الحجة للقراء السبعة)) لأبي علي الفارسي (5/31، 32). . 
وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ.
أي: وما كان مَكرُ الكُفَّارِ بالذي تزولُ منه الجبالُ لضعفِه ووهنِه [580] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/723، 724، 726)، ((تفسير القرطبي)) (9/380)، ((الوسيط)) للواحدي (3/36)، ((تفسير ابن عطية)) (3/346)، ((تفسير ابن عاشور)) (13/250). ، ولو كان مكرُهم تزولُ منه الجبالُ فلن يستطيعوا أيضًا إبطالَ دينِ الإسلامِ؛ فإنَّ الله ينصُرُ دينَه [581]  يُنظر: ((معاني القرآن)) للزجاج (3/167)، ((معاني القرآن)) للنحاس (3/542)، ((تفسير السمعاني)) (3/124)، ((تفسير البغوي)) (3/46)، ((جامع المسائل)) لابن تيمية (1/41). قال ابنُ كثيرٍ: (والقولُ الثَّاني في تفسيرِها [أي: على قراءةِ فتحِ اللامِ الأُولَى وضمِّ اللامِ الثانيةِ]: ما رواه عليُّ بنُ أبي طلحةَ، عن ابنِ عبَّاسٍ: وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الْجِبَالُ يقولُ: شِرْكُهم، كقولِه: تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا [مريم: 90 -91]، وهكذا قال الضحَّاكُ وقتادةُ). ((تفسير ابن كثير)) (4/517). ويُنظر: ((تفسير السمعاني)) (3/125)، ((عدة الصابرين)) لابن القيم (1/277). .
كما قال تعالى: إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا [النساء: 76] .
وقال سُبحانه: يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [التوبة: 32، 33].
وقال عزَّ وجلَّ: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ [الأنفال: 36].

الفوائد التربوية:

1- قَولُ الله تعالى: وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ هذه الآيةُ بجُملتِها فيها وعيدٌ للظَّالِمينَ، وتسليةٌ للمَظلومينَ [582] يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (3/343). .
2- يجِبُ على كلِّ مَن شاهدَ أحوالَ الماضِينَ مِن الأُمَمِ الخاليةِ، والقُرونِ الماضيةِ، وعَلِمَ ما جرى لهم، وكيف أُهلِكوا- أن يعتَبِرَ بهم، ويعمَلَ في خَلاصِ نَفسِه من العقابِ والهَلاكِ؛ قال الله تعالى: وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ [583] يُنظر: ((تفسير الخازن)) (3/44). .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- قولُ الله تعالى: وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ فيه سؤالٌ: كيف يليقُ بالرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يحسَبَ اللهَ مَوصوفًا بالغَفلةِ؟
والجوابُ مِن وجوهٍ:
الوجه الأوَّلُ: أنَّ المُرادَ به التَّثبيتُ على ما كان عليه مِن أنَّه لا يحسَبُ اللهَ غافِلًا، كقوله: وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [الأنعام: 14] ، ووَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ [القصص: 88] .
الوجه الثاني: أنَّ المقصودَ منه بيانُ أنَّه لو لم ينتقِمْ لكان عدمُ الانتقامِ لأجلِ غَفلتِه عن ذلك الظُّلمِ، ولَمَّا كان امتناعُ هذه الغَفلةِ معلومًا لكُلِّ أحدٍ، لا جرَمَ كان عدَمُ الانتقامِ مُحالًا.
الوجه الثالثُ: أنَّ المُرادَ: ولا تحسَبَنَّه يُعامِلُهم مُعاملةَ الغافِلِ عمَّا يعملونَ، ولكِنْ مُعاملةَ الرَّقيبِ عليهم، المُحاسِبِ على النَّقيرِ والقِطميرِ.
الوجه الرابعُ: أن يكونَ هذا الكلامُ وإن كان خطابًا مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في الظَّاهِرِ، إلَّا أنَّه يكونُ في الحقيقةِ خِطابًا مع الأمَّةِ [584] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (19/107-108). .
الوجه الخامسُ: أنَّ نهيَه عنه تحذيرٌ مِن التلبسِ به، بقطعِ النظرِ عن تقديرِ تلبُّسِ المخاطَبِ بذلك الحسبانِ [585]  يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (13/245). .  
2- في قَولِه تعالى: وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ سُمِّيَ جزاءُ المَكرِ مَكرًا؛ تنبيهًا على أنَّ الجزاءَ مِن جِنسِ العمَلِ [586] يُنظر: ((مفتاح دار السعادة)) لابن القيم (2/233). .

بلاغة الآيات:

1- قولُه تعالى: وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ
- قولُه: وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ المُرادُ بالنَّهيِ عن حُسبانِه غافلًا: الإيذانُ بأنَّه عالِمٌ بما يفعَلُ الظَّالمونَ، لا يخْفى عليه مِنْهُ شيءٌ، وأنَّه مُعاقِبُهم على قليلِه وكثيرِه، على سبيلِ الوعيدِ والتَّهديدِ [587] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (2/562)، ((فتح الرحمن)) للأنصاري (ص: 295). ، وصِيغَةُ لَا تَحْسَبَنَّ ظاهِرُها نهْيٌ عن حُسبانِ ذلك، وهذا النَّهيُ كِنايةٌ عن إثباتِ وتَحقيقِ ضدِّ المَنْهيِّ عنه في المقامِ الَّذي مِن شأنِه أنْ يُثيرَ للنَّاسِ ظنَّ وُقوعِ المَنْهيِّ عنه؛ لِقوَّةِ الأسبابِ المثيرةِ لذلك؛ وذلك أنَّ إمهالَهم، وتأْخيرَ عُقوبتِهم يُشبِهُ حالةَ الغافلِ عن أعمالِهم، أي: تحقَّقْ أنَّ اللهَ ليس بغافلٍ، وهو كِنايةٌ ثانيةٌ عن لازِمِ عدَمِ الغفلةِ، وهو المُؤاخذةُ، فهو كِنايةٌ بمرتبتَينِ؛ ذلك لأنَّ النَّهيَ عن الشَّيءِ يُؤذِنُ بأنَّ المَنْهيَّ عنه بحيثُ يَتلبَّسُ به المُخاطَبُ، فنهْيُه عنه تحذيرٌ مِن التَّلبُّسِ به بقطْعِ النَّظرِ عن تقديرِ تلبُّسِ المُخاطَبِ بذلك الحُسبانِ. وعلى هذا الاستِعمالِ جاءتِ الآيةُ، سواءٌ جعَلْنا الخِطابَ لكلِّ مَن يصِحُّ أنْ يُخاطَبَ؛ فيدخُلُ فيه النَّبيُّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، أمْ جعَلْناه للنَّبيِّ ابتداءً، ويدخُلُ فيه أُمَّتُه. ونفْيُ الغفلةِ عنِ اللهِ ليس جاريًا على صَريحِ معناه؛ لأنَّ ذلك لا يظُنُّه مُؤمنٌ، بل هو كِنايةٌ عنِ النَّهيِ عنِ استعجالِ العَذابِ للظَّالمينَ، ومنه جاء معنى التَّسليةِ للرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ ففي قولِه: وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ تسليةٌ لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ووعْدٌ له أكيدٌ، ووعيدٌ شَديدٌ للكَفَرةِ وسائرِ الظَّالمينَ، أو لكلِّ أحدٍ ممَّن يَستعجِلُ عذابَهم أو يتوهَّمُ إهمالَهم؛ للجهْلِ بصِفاتِه تعالى والاغترارِ بإمهالِه [588] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (6/446)، ((تفسير أبي السعود)) (5/55)، ((تفسير ابن عاشور)) (13/245). .
- قولُه: إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ استِئنافٌ وقَعَ تعليلًا للنَّهيِ السَّابقِ [589] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/55). ، وإيقاعُ التَّأخيرِ عليهم مع أنَّ المؤخَّرَ إنَّما هو عذابُهم؛ لِتهويلِ الخطْبِ، وتفظيعِ الحالِ، ببيانِ أنَّهم مُتوجِّهونَ إلى العذابِ، مُرْصَدونَ لأمْرٍ ما، لا أنَّهم باقونَ باختِيارِهم، وللدَّلالةِ على أنَّ حقَّهم مِن العذابِ هو الاستئصالُ بالمرَّةِ، وألَّا يَبْقَى منهم في الوُجودِ عَينٌ ولا أثَرٌ، ولو قيل: (إنَّما يُؤَخِّرُ عذابَهم...) لَمَا فُهِمَ ذلك [590] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/55). .
2- قوله تعالى: مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ
- قولُه: لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ كِنايةٌ عن هوْلِ ما شاهَدُوه، بحيثُ يَبقُونَ ناظرينَ إليه، لا تطْرِفُ أعينُهم، والمعنى: لا يَرجِعُ إليهم، أي: لا يعودُ إلى مُعتادِه، أي: لا يستطيعونَ تحويلَه [591] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (13/246). .
- وقولُه: وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ تَشبيهٌ محْضٌ؛ لأنَّ أفئدتَهم ليستْ بهواءٍ حقيقةً، ويَحتمِلُ أنْ يكونَ التَّشبيهُ في فراغِها مِن الرَّجاءِ والطَّمَعِ في الرَّحمةِ؛ فهي مُنخَرِقةٌ مُشْبِهةٌ الهواءَ في تفرُّغِه مِن الأشياءِ وانخراقِه، وأنْ يكونَ في اضْطرابِ أفئدتِهم، وجَيَشانِها في الصُّدورِ، وأنَّها تَجِيءُ وتذهَبُ وتبلُغُ- على ما رُوِيَ- حناجِرَهم، فهي في ذلك كالهواءِ الَّذي هو أبدًا في اضْطرابٍ [592] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (3/202)، ((تفسير أبي حيان)) (6/452)، ((تفسير أبي السعود)) (5/55). .
3- قوله تعالى: وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ
- قولُه: وَأَنْذِرِ النَّاسَ على القولِ بأنَّ المرادَ بالناسِ: الكفارُ المعبَّرُ عنهم بالظالمينَ ففيه العُدولُ مِن الإضمارِ- حيثُ لم يقُلْ: (وأنذِرْهم)- إلى ذكْرِ النَّاسِ بقولِه: وَأَنْذِرِ النَّاسَ؛ للإشعارِ بأنَّ المُرادَ بالإنذارِ هو الزَّجرُ عمَّا هم عليه مِن الظُّلمِ؛ شفقةً عليهم، لا التَّخويفُ للإزعاجِ والإيذاءِ؛ فالمُناسِبُ عدَمُ ذكْرِهم بعنوانِ الظُّلمِ. وعلى القول بأنَّ المرادَ: النَّاسُ جميعًا: فإنَّ الإنذارَ عامٌّ للفريقَينِ، كقولِه تعالى: إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ [يس: 11] ، والإتيانُ يعُمُّهما مِن حيثُ كونُهما في الموقِفِ، وإنْ كان لُحوقُه بالكُفَّارِ خاصَّةً، أي: أنذِرْهم وخوِّفْهم [593] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/56). .
- وإنَّما خَصَّهم بيومِ العذابِ فقال: يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ - وإن كان يومَ الثَّوابِ- لأنَّ الكلامَ خرجَ مَخرجَ التَّهديدِ للعاصي [594] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (9/378). .
- قولُه: فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا، أي: فيقولونَ؛ ففيه إظهارٌ في مقامِ الإضمارِ، والعُدولُ عن المُضمَرِ إلى ما عليه النَّظمُ الكريمُ؛ للتَّسجيلِ عليهم بالظُّلمِ، وللإشعارِ بأنَّ ما لَقُوه مِن الشِّدَّةِ إنَّما هو لِظُلمِهم، وإيثارُه على صِيغَةِ الفاعِلِ (الظَّالِمونَ) حسْبَما ذُكِرَ أوَّلًا؛ للإيذانِ بأنَّ الظُّلمَ في الجُملةِ كافٍ في الإفضاءِ إلى ما ذُكِرَ مِن الأهوالِ مِن غيرِ حاجةٍ إلى الاستمرارِ عليه، كما يُنْبِئُ عنه صِيغَةُ الفاعِلِ. وعلى تقديرِ كونِ المُرادِ بالنَّاسِ مَن يعُمُّ المُسلمينَ أيضًا؛ فالمعنى: الَّذين ظلَموا منهم، وهم الكُفَّارُ، أو يقولُ كلُّ مَن ظلَمَ بالشِّركِ والتَّكذيبِ مِن المُنذَرينَ وغيرِهم مِن الأُمَمِ الخاليةِ؛ فإنَّ إتيانَ العذابِ يعُمُّهم، كما يُشْعِرُ بذلك وعْدُهم باتِّباعِ الرُّسلِ [595] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/56). .
- قولُه: أَوَلَمْ تَكُونُوا استِفهامٌ معناه التَّوبيخُ والتَّقريعُ [596] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (6/452). .
- وصِيغَةُ الخِطابِ في جوابِ القسَمِ مَا لَكُمْ؛ لِمُراعاةِ حالِ الخطابِ في أَقْسَمْتُمْ، كما يُقال: حلَفَ باللهِ لَيَخْرُجَنَّ، وهو أَدْخَلُ في التَّوبيخِ مِن أنْ يُقالَ: ما لنا؛ مُراعاةً لِحالِ المُقسِمِ؛ فجاء على إرادةِ القولِ، ومَا لَكُمْ جوابُ القسَمِ، جاءَ بلفْظِ الخِطابِ على المُطابَقةِ دونَ الحكايةِ، والمعنى: أقسَمْتُم أنَّـكم باقونَ في الدُّنيا لا تُزَالُونَ بالموتِ، ولعلَّهم أقْسَموا بطَرًا وغُرورًا، أو دلَّ عليه حالُهم، حيث بَنَوْا شديدًا، وأمَّلوا بعيدًا [597] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (2/565)، ((تفسير البيضاوي)) (3/202)، ((تفسير أبي السعود)) (5/57). .
- وافْتُتِحَت جُملةُ الجوابِ أَوَلَمْ بواوِ العَطفِ؛ تَنبيهًا على مَعطوفٍ عليه مُقدَّرٍ هو رفْضُ ما سأَلوه؛ حُذِفَ إيجازًا؛ لأنَّ شأْنَ مُستحِقِّ التَّوبيخِ ألَّا يُعْطَى سُؤْلَه، والتَّقديرُ: كلَّا وأَلَمْ تكونوا أقسَمْتُم... إلخ [598] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (13/248). .
4- قولُه تعالى: وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ هذا مِن الاستِطرادِ، وهو التَّعريضُ بِعَيبِ إنسانٍ بذِكْرِ عَيبِ غيرِه [599] يُنظر: ((البرهان)) للزركشي (3/300). .
- قولُه: كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ فيه مِن المُبالَغةِ ما ليس في أنْ يُقالَ: (ما فعَلْنا بهم) [600] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/57). ، والتَّعبيرُ بـ فَعَلْنَا مَحمولٌ على الوَعيدِ الشَّديدِ [601] يُنظر: ((البرهان)) (4/121). .
5- قوله تعالى: وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ
- قولُه: وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ فيه تَعريضٌ بالوعيدِ والتَّهديدِ بالمُؤاخذةِ بِسُوءِ فعْلِهم، أو هو وَعيدٌ بالجزاءِ على مكْرِهم [602] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (13/250). .
- قولُه: وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ هذا مِن بابِ الغُلُوِّ والإيغالِ والمُبالَغةِ في ذمِّ مكْرِهم [603] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (6/455). .
- قولُه: وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ على قِراءةِ الجمهورِ لِتَزُولَ- بكسرِ اللامِ وبنَصبِ الفِعلِ المضارِع بعدَها- فتكونُ (إنْ) نافيةً، ولامُ لِتَزُولَ لامَ الجُحودِ، أي: وما كان مكْرُهم زائلةً منه الجبالُ، وهو استخفافٌ بهم، أي: ليس مكْرُهم بمُتجاوِزٍ مكْرَ أمثالِهم، وما هو بالَّذي تزولُ منه الجبالُ. وفي هذا تعريضٌ بأنَّ الرَّسولَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ والمُسلمينَ الَّذين يريدُ المُشركونَ المكْرَ بهم لا يُزَعْزِعُهم مكْرُهم؛ لأنَّهم كالجبالِ الرَّواسي [604] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (13/251). ، وجُعِلَتْ (إنْ) نافيةً، واللَّامُ مُؤكِّدةً لها، والمعنى: ومُحالٌ أنْ تزولَ الجبالُ بمكْرِهم [605] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (2/565، ويُنظر أيضًا: ((تفسير البيضاوي)) (3/203). .

السابق
التالي