اثنانِ وعشرونَ: تعظيمُ كتابِه الكريمِ
مِنَ الأدَبِ مَعَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ: تَعظيمُ كِتابِه العَزيزِ، ومِن ذلك: تِلاوتُه حَقَّ تِلاوتِه، والتِزامُ الأدَبِ عِندَ تِلاوتِه
[288] تُنظُر آدابُ تِلاوةِ القُرآنِ الكَريمِ مِن هذه الموسوعةِ. .
الدَّليلُ على ذلك مِن الكتابِ والسُّنَّةِ والإجماعِ: أ- مِنَ الكتابِ 1- قال تعالى:
حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ [الزخرف: 1 - 4] .
قال ابنُ كَثيرٍ: (قَولُه تعالى:
وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ بَيَّنَ شَرَفَه في المَلَأِ الأعلى؛ ليُشَرِّفَه ويُعَظِّمَه ويُطيعَه أهلُ الأرضِ، فقال تعالى:
وَإِنَّهُ أي: القُرآنَ
فِي أُمِّ الْكِتَابِ أي: اللَّوحِ المَحفوظِ،
لَدَيْنَا أي: عِندَنا،
لَعَلِيٌّ أي: ذو مَكانةٍ عَظيمةٍ وشَرَفٍ وفَضلٍ،
حَكِيمٌ أي: مُحكَمٌ بَريءٌ مِنَ اللَّبسِ والزَّيغِ.
وهذا كُلُّه تَنبيهٌ على شَرَفِه وفَضلِه، كما قال:
إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ * تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الواقعة: 77 - 80] ، وقال:
كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ * فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ * فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ * مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ * بِأَيْدِي سَفَرَةٍ * كِرَامٍ بَرَرَةٍ [عبس: 11 - 16] )
[289] ((تفسير القرآن العظيم)) (7/ 218) بتصرف. .
2-
الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ [البقرة: 121] .
3- قال تعالى:
إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ * وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ [فاطر: 29 - 31] .
4- قال تعالى:
وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الأعراف: 204] .
5- قال تعالى:
وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا * قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا * وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا [الإسراء: 105 - 109] .
6- قال تعالى:
وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ * أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ [القصص: 51 - 55] .
7- قال تعالى:
يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ * وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ [التوبة: 64 - 66] .
ب- مِنَ السُّنَّةِ 1- عن تَميمٍ الدَّاريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((الدِّينُ النَّصيحةُ، قُلنا: لمَن؟ قال: للَّهِ ولكِتابِه ولرَسولِه، ولأئِمَّةِ المُسلِمينَ وعامَّتِهم)) [290] أخرجه مسلم (55). .
قال النَّوويُّ: (قال العُلَماءُ رَحِمَهمُ اللهُ: النَّصيحةُ لكِتابِ اللهِ تعالى هيَ الإيمانُ بأنَّه كَلامُ اللَّهِ تعالى وتَنزيلُه، لا يُشبِهُه شَيءٌ مِن كَلامِ الخَلقِ، ولا يَقدِرُ على مِثلِه الخَلقُ بأسْرِهم، ثُمَّ تَعظيمُه وتِلاوتُه حَقَّ تِلاوتِه وتَحسينُها والخُشوعُ عِندَها، وإقامةُ حُروفِه في التِّلاوةِ، والذَّبُّ عنه لتَأويلِ المُحَرِّفينَ وتَعَرُّضِ الطَّاغينَ، والتَّصديقُ بما فيه، والوُقوفُ مَعَ أحكامِه، وتَفهُّمُ عُلومِه وأمثالِه، والِاعتِناءُ بمَواعِظِه، والتَّفكُّرُ في عَجائبِه، والعَمَلُ بمُحكَمِه، والتَّسليمُ بمُتَشابِهِه، والبَحثُ عن عُمومِه وخُصوصِه وناسِخِه ومَنسوخِه، ونَشرُ عُلومِه والدُّعاءُ إليه وإلى ما ذَكَرناه مِن نَصيحَتِه)
[291] ((التبيان في آداب حملة القرآن)) (ص: 163، 164). .
2- عن عَبدِ الرَّحمنِ بنِ شِبلٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ:
((اقرؤوا القُرآنَ، ولا تَغلوا فيه، ولا تَجفوا عنه، ولا تَأكُلوا به، ولا تَستَكثِروا به)) [292] أخرجه أحمد (15529)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (2383) واللفظ لهما، والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (2574) باختلافٍ يسيرٍ. صحَّحه الألباني في ((التعليقات الرضية)) (2/449)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (15529)، وقوَّى سنَدَه ابن حجر في ((فتح الباري)) (8/718). .
3- عن عِمرانَ بنِ حُصَينٍ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّه مَرَّ على قارِئٍ يَقرَأُ ثُمَّ سَألَ، فاستَرجَعَ
[293] استرجَعَ: أي: قال: إنَّا للهِ وإنَّا إليه راجِعون. يُنظر: ((تهذيب اللغة)) للأزهري (1/ 237)، ((المجموع المغيث)) لأبي موسى المديني (1/ 740). ثُمَّ قال: سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ:
((مَن قَرَأ القُرآنَ فليَسألِ اللَّهَ به؛ فإنَّه سَيَجيءُ أقوامٌ يقرؤون القُرآنَ يَسألونَ به النَّاسَ)) [294] أخرجه الترمذي (2917) واللفظ له، وأحمد (19944). حسَّنه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (2917)، وحسَّنه لغيره شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (19944). .
4- عن جُندُبِ بنِ عبدِ اللَّهِ رَضِيَ اللهُ عنه، قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((اقرؤوا القُرآنَ ما ائتَلَفت عليه قُلوبُكُم، فإذا اختَلَفتُم فقوموا عنه)) [295] أخرجه البخاري (5061) واللفظ له، ومسلم (2667). .
5- عن عبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رضِيَ اللهُ عنهما، قال:
((هَجَّرتُ [296] هَجَّرت: أي بَكَّرت وقَصَدت. وقيل: أتَيتُه وقتَ الهاجِرةِ، وهو نِصفُ النَّهارِ عِندَ اشتِدادِ الحَرِّ. يُنظر: ((كشف المشكل)) لابن الجوزي (4/ 127)، ((جامع الأصول)) لابن الأثير (2/ 753) و(6/ 552). إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَومًا، قال: فسَمِعَ أصواتَ رَجُلَينِ اختَلَفا في آيةٍ، فخَرَجَ علينا رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُعرَفُ في وَجهِه الغَضَبُ، فقال: إنَّما هَلَكَ مَن كان قَبلَكُم باختِلافِهم في الكِتابِ)) [297] أخرجه مسلم (2666). .
وفي حَديثِ عَمرِو بنِ شُعَيبٍ، عن أبيه، عن جَدِّه رَضِيَ اللهُ عنهما، قال:
((لَقد جَلَستُ أنا وأخي مَجلِسًا ما أُحِبُّ أنَّ لي به حُمْرَ النَّعَمِ [298] النَّعَمُ: الإبلُ، وبَعيرٌ أحمَرُ: إذا لم يُخالِطْ حُمرَتَه شَيءٌ، والمُرادُ بحُمْرِ النَّعَمِ: الإبلُ خاصَّةً، وإنَّما خَصَّ حُمرَها لأنَّها كِرامُها وخيارُها وأنفَسُها. يُنظر: ((كشف المشكل)) لابن الجوزي (2/ 274)، ((التوضيح)) لابن الملقن (18/ 175). ، أقبَلتُ أنا وأخي، وإذا مَشيَخةٌ مِن صَحابةِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جُلوسٌ عِندَ بابٍ مِن أبوابِه، فكَرِهنا أن نُفرِّقَ بَينَهم، فجَلَسنا حُجرةً، إذ ذَكَروا آيةً مِنَ القُرآنِ، فتَمارَوا فيها، حتَّى ارتَفعَت أصواتُهم، فخَرَجَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مُغضَبًا، قدِ احمَرَّ وَجهُه، يَرميهم بالتُّرابِ، ويَقولُ: مَهلًا يا قَومِ، بهذا أُهلِكَتِ الأُمَمُ مِن قَبلِكُم؛ باختِلافِهم على أنبيائِهم، وضَربِهمُ الكُتُبَ بَعضَها ببَعضٍ، إنَّ القُرآنَ لم يُنزَلْ يُكَذِّبُ بَعضُه بَعضًا، بَل يُصَدِّقُ بَعضُه بَعضًا، فما عَرَفتُم مِنه فاعمَلوا به، وما جَهِلتُم مِنه فرُدُّوه إلى عالِمِه)) [299] أخرجه أحمد (6702). صحَّحه الألباني في ((شرح الطحاوية)) (200)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (6702)، وحسَّن إسناده العراقي في ((تخريج الإحياء)) (2/452)، وصحَّح إسنادَه أحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (10/174). .
6- عن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((نَزَلَ القُرآنُ على سَبعةِ أحرُفٍ [300] اختُلِف في المُرادِ بالأحرُفِ السَّبعةِ على أقوالٍ كَثيرةٍ، مِن أقرَبِها: أنَّ المُرادَ سَبعةُ أوجُهٍ مِنَ الاختِلافِ لا يَخرُجُ عنها، أو: سَبعُ لُغاتٍ مِن لُغاتِ العَرَبِ، أو: سَبعةُ أوجُهٍ مِنَ المَعاني المُتَّفِقةِ بألفاظٍ مُختَلفةٍ. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (1/ 369)، ((النشر في القراءات العشر)) لابن الجزري (1/ 26)، ((الإتقان في علوم القرآن)) للسيوطي (1/ 163)، ((الزيادة والإحسان)) لابن عقيلة المكي (1/ 472)، ((مفاتيح التفسير)) للخطيب (1/ 52). ، المِراءُ في القُرآنِ كُفرٌ -ثَلاثَ مَرَّاتٍ- فما عَرَفتُم مِنه فاعمَلوا، وما جَهِلتُم مِنه فرُدُّوه إلى عالِمِه)) [301] أخرجه أحمد (7989) واللفظ له، وأبو يعلى (6016)، وابن حبان (74). صحَّحه ابن حبان، وصحَّح إسنادَه ابن كثير في ((التفسير)) (2/9)، والشوكاني في ((فتح القدير)) (1/476)، وأحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (15/146)، والألباني على شرط الشيخين في ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (4/27)، وذكر ثبوته الطبري في ((التفسير)) (1/16) ونُزولُ القُرآنِ على سَبعةِ أحرُفٍ أخرجه البخاري (2419)، ومسلم (818) من حديثِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه، ولفظُ مُسلِم: ((إنَّ هذا القُرآنَ أُنزِلَ على سَبعةِ أحرُفٍ)). وقَولُه: "المِراءُ في القُرآنِ كُفرٌ" أخرجه أبو داود (4603). صحَّحه ابن حبان في ((صحيحه)) (1464)، والحاكِمُ في ((المستدرك)) (2922) وقال: على شرط مسلم، وابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (4/352)، والنووي في ((التبيان)) (206)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4603). .
7- عن عَبدِ الرَّحمَنِ بنِ قُرطٍ، قال: دَخَلتُ المَسجِدَ فإذا حَلقةٌ كَأنَّما قُطعَت رؤوسُهم، وإذا فيهم رَجُلٌ يُحَدِّثُ، فإذا حُذَيفةُ رَضِيَ اللهُ عنه، قال:
((كانوا يَسألونَ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عنِ الخَيرِ، وكُنتُ أسألُه عنِ الشَّرِّ كَيما أعرِفَه فأتَّقيَه، وعَلِمتُ أنَّ الخَيرَ لا يَفوتُني، قال: فقُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، هَل بَعدَ هذا الخَيرِ الذي نَحنُ فيه مِن شَرٍّ؟ قال: يا حُذَيفةُ، تَعلَّمْ كِتابَ اللهِ تعالى واعمَلْ بما فيه. فأعَدتُ قَولي عليه، فقال في الثَّالِثةِ: فِتنةٌ واختِلافٌ. قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، هَل بَعدَ ذلك الشَّرِّ مِن خَيرٍ؟ قال: يا حُذَيفةُ، تَعلَّمْ كِتابَ اللهِ تعالى واعمَلْ بما فيه. فقُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، هَل بَعدَ ذلك الشَّرِّ مِن خَيرٍ؟ قال: فِتَنٌ على أبوابِها دُعاةٌ إلى النَّارِ، فلَأن تَموتَ وأنتَ عاضٌّ على جِذْلِ شَجَرةٍ خَيرٌ لَك مِن أن تَتبَعَ أحَدًا مِنهم)) [302] أخرجه ابن ماجه (3981) مختصرًا، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (7979)، والحاكم (8550) واللفظ له. صحَّحه الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (3981)، وصحَّح إسنادَه الحاكم. وأخرجه من طريق آخر أبو داود (4246)، وأحمد (23282). صحَّحه ابنُ حبان في ((صحيحه)) (5963)، وحسَّنه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4246)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (23282). وأصلُ حديثِ حُذَيفةَ في الفِتَنِ في صحيح البخاري (7084)، ومسلم (1847). .
ج- مِنَ الإجماعِ نُقِلَ الإجماعُ على وُجوبِ تَعظيمِ كِتابِ اللهِ وكُفرِ مَنِ استَخَفَّ به
[303] قال النَّوويُّ: (أجمَعَ المُسلِمونَ على وُجوبِ تَعظيمِ القُرآنِ العَزيزِ على الإطلاقِ، وتَنزيهِه وصيانَتِه، وأجمَعوا على أنَّ مَن جَحَدَ مِنه حَرفًا مِمَّا أُجمِعَ عليه، أو زادَ حَرفًا لم يَقرَأْ به أحَدٌ، وهو عالِمٌ بذلك- فهو كافِر). ((التبيان في آداب حملة القرآن)) (ص: 164). وقال عِياضٌ: (اعلَمْ أنَّ من استخفَّ بالقرآنِ أو المصحَفِ، أو بشيءٍ منه، أو سبَّهما أو جحَدَه أو حرفًا منه أو آيةً، أو كذَّب به أو بشيءٍ ممَّا صرَّح به فيه؛ من حُكمٍ، أو خبرٍ، أو أثبَتَ ما نفاه، أو نفى ما أثبتَه على علمٍ منه بذلك، أو شكَّ في شيءٍ من ذلك- فهو كافِرٌ عند أهلِ العِلمِ بإجماعٍ... وقد أجمع المُسلِمون أنَّ القُرآنَ المتلُوَّ في جميعِ أقطارِ الأرضِ، المكتوبَ في المصحَفِ بأيدي المُسلِمينَ ممَّا جمعَه الدَّفَّتانِ مِن أوَّلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ إلى آخرِ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ؛ أنَّه كلامُ اللهِ وَوحْيُه المنزَّلُ على نبيِّه مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأنَّ جميعَ ما فيه حَقٌّ، وأنَّ مَن نقَص منه حرفًا قاصِدًا لذلك، أو بدَّله بحَرفٍ آخَرَ مَكانَه، أو زاد فيه حرفًا ممَّا لم يشتَمِلْ عليه المُصحَفُ الذي وقع الإجماعُ عليه، وأُجمِعَ على أنَّه ليس من القُرْآنِ، عامِدًا لكُلِّ هذا: أنَّه كافِرٌ). ((الشفا بتعريف حقوق المصطفى)) (2/ 304، 305). .
وكذلك نُقِل الإجماعُ على حُرمةِ تَفسيرِه بغَيرِ عِلمِ، والكَلامِ في مَعانيه لمَن لَيسَ مِن أهلِها
[304] قال النَّوويُّ: (يَحرُمُ تَفسيرُه بغَيرِ عِلمٍ، والكَلامُ في مَعانيه لمَن لَيسَ مِن أهلِها، والأحاديثُ في ذلك كَثيرةٌ، والإجماعُ مُنعَقِدٌ عليه، وأمَّا تَفسيرُه للعُلَماءِ فجائِزٌ حَسَنٌ، والإجماعُ مُنعَقِدٌ عليه). ((التبيان في آداب حملة القرآن)) (ص: 165، 166). .
انظر أيضا:
عرض الهوامش