موسوعة الآداب الشرعية

آدابُ قابِضِ الزَّكاةِ


1- أن يَكونَ آخِذُ الزَّكاةِ مِنَ الأصنافِ الثَّمانيةِ المَذكورةِ في قَولِه تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ التوبة: 60.
2- أن يَفهَمَ أنَّ اللَّهَ تعالى إنَّما أوجَبَ صَرفَ الزَّكاةِ إليه ليَكفيَه ما أهمَّه، ويَجعَلَ همومَه هَمًّا واحِدًا في طَلَبِ رِضا اللهِ عَزَّ وجَلَّ، ويَكونَ عَونًا له على الطَّاعةِ، فإنِ استَعانَ به على المَعصيةِ كان كافِرًا لأنعُمِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ، مُستَحِقًّا للبُعدِ والمَقتِ مِنَ اللهِ سُبحانَه.
3- أن يَشكُرَ المُعطيَ ويَدعوَ له ويُثنيَ عليه، وليَكُنْ ذلك بمِقدارِ شُكرِ السَّبَبِ، فيَكونُ شُكرُه ودُعاؤُه بحَيثُ لا يَخرُجُ عن كَونِه واسِطةً، ولكِنَّه طَريقُ وُصولِ نِعمةِ اللهِ سُبحانَه إليه، وللطَّريقِ حَقٌّ مِن حَيثُ جَعَله اللهُ طَريقًا وواسِطةً، وذلك لا يُنافي رُؤيةَ النِّعمةِ مِنَ اللهِ سُبحانَه؛ فقد قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَن لا يَشكُرِ النَّاسَ لا يَشكُرِ اللَّهَ)) أخرجه أبو داود (4811)، والترمذي (1954) واللَّفظُ له، وأحمد (7939) من حديثِ أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه. صَحَّحه ابنُ حبان في ((صحيحه)) (3407)، وابن دقيق العيد في ((الاقتراح)) (117)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (1954)، وقال الترمذيُّ: حَسَنٌ صحيحٌ. ، وقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَن أُعطيَ عَطاءً فوجَدَ فليَجْزِ به، فإن لم يَجِدْ فليُثنِ به، فمَن أثنى به فقد شَكَرَه، ومَن كَتَمَه فقدَ كَفَرَه فقد كَفَرَه: أي: فقد تَرَكَ أداءَ حَقِّه، وسَتَر نِعمةَ العَطاءِ وغَطَّاها وجَحَدَها، فهو مِن كُفرانِ النِّعمةِ، لا مِنَ الكُفرِ الذي هو نَقيضُ الإيمانِ، والكُفرُ في اللُّغةِ التَّغطيةُ، ومِنه قَولُه تعالى: أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ [الحديد: 20] أي: الزُّرَّاعَ، سُمُّوا بذلك لأنَّهم يُغَطُّونَ الحَبَّ الذي زَرَعوه بالتُّرابِ. يُنظر: ((المفاتيح في شرح المصابيح)) للمظهري (3/ 519)، ((شرح سنن أبي داود)) لابن رسلان (18/ 496). )) أخرجه مِن طُرُقٍ: أبو داود (4813) واللَّفظُ له، والترمذي (2034) من حديثِ جابِرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما. صَحَّحه ابنُ حبان في ((صحيحه)) (3415)، وصَحَّحه بطرقه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((شرح السنة)) (3609)، وحَسَّنه لغيره الألباني في ((صحيح الترغيب)) (968). .
يعني: مَن أحسَنَ إليه أحَدٌ إحسانًا مِن مالٍ أو فِعلٍ أو قَولٍ حَسَنٍ، فليَكُنْ عارِفًا حَقَّه على نَفسِه، فإن وَجَدَ مالًا فليُحسِنْ إليه بالمالِ، أو ليُقابِلْ فِعلَه وقَولَه الحَسَنَ بمِثلِه، فإن عَجَز عن مُقابَلتِه بالمالِ والفِعلِ ((فليُثنِ عليه))، أي: فليَدعُ له بخَيرٍ، وليَشكُرْ له، ولا يَجوزُ له كِتمانُ نِعمَتِه، فإنَّ مَن لم يَشكُرِ النَّاسَ لم يَشكُرِ اللَّهَ ينظر: ((المفاتيح في شرح المصابيح)) للمظهري (3/ 519). . وقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَن أُبليَ بَلاءً مَن أُبلِيَ بَلاءً: أي: أُنعِمَ عليه بنِعمةٍ، والبَلاءُ يُستَعمَلُ في الخَيرِ والشَّرِّ؛ لأنَّ أصلَه الاختِبارُ والمِحنةُ، وأكثَرُ ما يُستَعمَلُ في الخَيرِ، قال اللهُ تعالى: وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا [الأنفال: 17] . يُنظر: ((شرح سنن أبي داود)) لابن رسلان (18/ 495، 496). فذَكَرَه فقد شَكَرَه، وإن كَتمَه فقدَ كَفرَه)) أخرجه أبو داود (4814) واللَّفظُ له، وأبو نعيم في ((تاريخ أصبهان)) (1/310) من حديثِ جابِرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما. جَوَّدَه المُنذِريُّ في ((الترغيب والترهيب)) (2/102)، وحَسَّنه ابنُ مُفلح في ((الآداب الشرعية)) (1/331)، وصَحَّحَ إسنادَه شُعَيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (4814). وذهب إلى تصحيحه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4814). ، وقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَنِ استَعاذَ باللهِ فأعيذوه، ومَن سَأل باللهِ فأعطوه، ومَن دَعاكُم فأجيبوه، ومَن صَنَعَ إليكُم مَعروفًا فكافِئوه، فإن لم تَجِدوا ما تُكافِئونَه فادعوا له حتَّى تَرَوا أنَّكُم قد كافأتُموه)) أخرجه أبو داود (1672) واللَّفظُ له، والنسائي (2567)، وأحمد (5365) من حديثِ عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رضِيَ اللهُ عنهما. صَحَّحه الحاكِمُ في ((المستدرك)) (1522)، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (744) وقالا: على شَرطِ الشَّيخَينِ، والنووي في ((المجموع)) (6/245)، وابن حجر كما في ((الفتوحات الربانية)) لابن علان (5/250)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (1672). .
 وقد أثنى اللهُ عَزَّ وجَلَّ على عِبادِه في مَواضِعَ على أعمالِهم، وهو خالقُها، نَحوُ قَولِه تعالى: نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّه أَوَّابٌ ص: 30.
ومِن تَمامِ الشُّكرِ أن يَستُرَ عُيوبَ العَطاءِ إن كان فيه عَيبٌ، ولا يَحقِرُه وإن قَلَّ، ولا يَذُمُّه ولا يُعَيِّرُه بالمَنعِ إذا مَنَعَ، ويُفخِّمُ عِندَ نَفسِه وعِندَ النَّاسِ صَنيعَه، وكَما أنَّ وظيفةَ المُعطي الاستِصغارُ فوظيفةُ المُعطى والقابضِ تَقَلُّدُ المِنَّةِ والاستِعظامُ، وعلى كُلِّ عَبدٍ القيامُ بحَقِّه، وكُلُّ ذلك لا يُناقِضُ رُؤيةَ النُّعمى مِنَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، فإنَّ مَن لا يَرى الواسِطةَ واسِطةً فقد جَهل، وإنَّما المُنكَرُ أن يَرى الواسِطةَ أصلًا.
4- أن يَنظُرَ فيما يَأخُذُه ويُعطاه، فإن لم يَكُنْ مِن حِلِّه تَورَّع عنه، فلا يَأخُذْ مِمَّن أكثَرُ كَسبِه مِنَ الحَرامِ إلَّا إذا ضاقَ الأمرُ عليه، وكان ما يُسَلَّمُ له لا يَعرِفُ له مالكًا مُعَيَّنًا، فله أن يَأخُذَ بقدَرِ الحاجةِ، فإنَّ فتوى الشَّرعِ في مِثلِ هذا أن يَتَصَدَّقَ به، وذلك إذا عَجَزَ عنِ الحَلالِ.
 5- أن يَتَوقَّى مَواقِعَ الرِّيبةِ والشُّبَهِ في مِقدارِ ما يَأخُذُ، فيَأخُذُ القَدرَ المُباحَ له، ولا يَأخُذُ أكثَرَ مِن حاجَتِه. فإن كان غارِمًا لم يَزِدْ على مِقدارِ الدَّينِ، أو غازيًا لم يَأخُذْ إلَّا مِقدارَ ما يَحتاجُ إليه، وإن أخَذ بالمَسكَنةِ أخَذَ قَدرَ حاجَتِه دونَ ما يُستَغنى عنه، وكُلُّ ذلك مَوكولٌ إلى اجتِهادِه، والورَعُ تَركُ ما يَريبُ يُنظر: ((إحياء علوم الدين)) للغزالي (1/ 222)، ((مختصر منهاج القاصدين)) لأبي العباس ابن قدامة (ص: 40)، ((موعظة المؤمنين)) للقاسمي (ص: 55). .

انظر أيضا: