ثامنَ عشرَ: السُّجودُ في مواضِعِ سُجودِ التِّلاوةِ
مِن أدَبِ تِلاوةِ القُرآنِ الكَريمِ: أنَّه إذا مَرَّ بمَوضِعِ سَجدةٍ
[1770] ليسَ في القُرآنِ أكثرُ مِن خَمسَ عَشرةَ سَجدةً بالإجماعِ، اتَّفَق العلماءُ على سُجودِ عَشْرِ سجَدَاتٍ، وهي كالآتي: 1- سورةُ الأعرافِ: في قَولِه تعالى: إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ [الأعراف: 206] . 2- سورةُ الرَّعدِ: في قَولِه: وَلِلهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ [الرعد: 15] . 3- سورةُ النَّحلِ: في قَولِه: وَلِلهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [النحل: 49، 50]. 4- سورةُ الإسراءِ: في قَولِه: قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا [الإسراء: 107 – 109]. 5- سورةُ مَريمَ: في قَولِه: أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا [مريم: 58]. 6- والأُولى من سورةِ (الحَجِّ): في قوله: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ [الحج: 18] . 7- سورةُ الفُرقانِ: في قَولِه تعالى: وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا [الفرقان: 60] . 8- سورةُ النَّملِ: في قَولِه تعالى: أَلَّا يَسْجُدُوا لِلهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ [النمل: 25، 26]. 9- سورةُ (الم السجدة): في قَولِه: إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ [السجدة: 15]. 10- سورةُ فُصِّلَت: في قَولِه تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ الليْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ [فصلت: 37، 38]. وقد نقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ حزمٍ، وابنُ قُدامةَ، وابنُ حَجَرٍ. يُنظر: ((مراتب الإجماع)) لابن حزم (ص: 31)، ((المحلى)) لابن حزم (3/322)، ((الكافي)) لابن قدامة (1/272)، ((فتح الباري)) لابن حجر (2/551). ونقَل ابنُ كثيرٍ الإجماعَ على سَجْدةِ سورةِ الأعرافِ، وسَجْدةِ سورةِ مريمَ. يُنظر: ((تفسير القرآن العظيم)) (3/539) و(5/242). ونقَل الإجماعَ في السَّجْدةِ الأولى من سورة الحجِّ: النَّوَويُّ. يُنظر: ((المجموع)) (4/62). كما نقَل الإجماعَ في سجدةِ سورةِ السَّجدةِ: ابنُ بطَّالٍ. يُنظر: ((شرح صحيح البخاري)) (3/54). وأما الخَمسُ الباقياتُ فهي: 11-السَّجدةُ الثَّانيةُ من سُورة الحَجِّ عندَ قَولِه تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الحج: 77]. وهذا مذهبُ الشَّافعيَّةِ، والحنابلةِ، وهو قولُ ابنِ حَبيبٍ، وابنِ وَهْبٍ مِن المالكيَّةِ، واختارَه ابنُ المنذرِ، وابنُ تَيميَّةَ. يُنظر: ((المجموع)) للنووي (4/62)، ((الإقناع)) للحجاوي (1/155)، ((المنتقى)) لأبي الوليد الباجي (1/351)، ((الأوسط)) لابن المنذر (5/272)، ((جامع المسائل)) لابن تيمية (3/355). 12-سَجدةُ سورةِ (ص). عندَ قَولِه تعالى: وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ [ص: 24] . وهذا مذهبُ الحنفيَّةِ، والمالكيَّةِ، وقولُ بعضِ الشَّافعيَّةِ، ورِوايةٌ عن أحمدَ، واختاره ابنُ المنذرِ، وابنُ حزمٍ. يُنظر: ((حاشية ابن عابدين)) (2/103)، ((المجموع)) للنووي (4/61)، ((المغني)) لابن قدامة (1/441)، ((الأوسط)) لابن المنذر (5/261)، ((المحلى)) لابن حزم (3/322). 13، 14، 15- السُّجودُ في المُفصَّلِ (النَّجم، والانشِقاق، والعَلَق). عندَ قَولِه تعالى: فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا [النجم: 62] ، وقَولِه تعالى: فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ [الانشقاق: 20، 21]، وقَولِه تعالى: كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ [العلق: 19]. وهذا مذهبُ الجمهورِ: الحنفيَّةِ، والشَّافعيَّةِ، والحنابلةِ، ورِوايةٌ عن مالكٍ، واختاره ابنُ حزمٍ. يُنظر: ((حاشية ابن عابدين)) (2/104)، ((المجموع)) للنووي (4/59)، ((الإقناع)) للحجاوي (1/155)، ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (1/350)، ((المحلى)) لابن حزم (3/322). ، فيُشرَعُ له أن يَسجُدَ.
الدَّليلُ على ذلك مِنَ الكِتابِ والسُّنَّةِ والإجماعِ: أ- مِنَ الكِتابِ قال تعالى:
وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا * قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا * وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا [الإسراء: 106 - 109] .
ب- مِنَ السُّنَّةِ عن عبدِ اللهِ بنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهما، قال:
((ربَّما قرأ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم القرآنَ، فيمرُّ بالسَّجدةِ فيَسجُدُ بنا، حتى ازدحَمْنا عنده، حتَّى ما يجِدُ أحدُنا مكانًا ليسجُدَ فيه، في غيرِ صلاةٍ)) [1771] أخرجه البخاري (1075) بنحوه، ومسلم (575) واللفظ له. .
ج- من الإجماعِ نَقَل الإجماعَ على ذلك غَيرُ واحِدٍ
[1772] قال القُرطُبيُّ: (وعَوَّل عُلماؤُنا على حَديثِ عُمَرَ الثَّابتِ -خَرَّجَه البخاريُّ- أنَّه قَرَأ آيةَ سَجدةٍ على المِنبَرِ (فنَزَل) فسَجَدَ، وسَجَدَ النَّاسُ مَعَه، ثُمَّ قَرَأها في الجُمُعةِ الأُخرى فتَهَيَّأ النَّاسُ للسُّجودِ، فقال: ((أيُّها النَّاسُ، على رِسلِكُم، إنَّ اللَّهَ لم يَكتُبْها علينا إلَّا أن نَشاءَ))، وذلك بمَحضَرِ الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم أجمَعينَ، مِنَ الأنصارِ والمُهاجِرينَ، فلم يُنكِرْ عليه أحَدٌ؛ فثَبَتَ الإجماعُ به في ذلك). ((الجامع لأحكام القرآن)) (7/358). وقال النَّوويُّ: (فيه إثباتُ سُجودِ التِّلاوةِ، وقد أجمَعَ العُلماءُ عليه). ((شرح مسلم)) (5/74). وقال ابنُ تَيميَّةَ: (وسُجودُ التِّلاوةِ في وُجوبِه نِزاعٌ، وإن كان مَشروعًا بالإجماعِ). ((مجموع الفتاوى)) (21/293). وقال ابنُ حَجَرٍ: (وقد أجمَعَ العُلماءُ على أنَّه يَسجُدُ). ((فتح الباري)) (2/551). وقال الهيتميُّ: ("بابٌ في سُجودِ التِّلاوةِ والشُّكرِ" (تُسَنُّ سَجَداتُ) -بفتحِ الجيمِ- (التِّلاوةِ)؛ للإجماعِ على طَلَبِها). ((تحفة المحتاج)) (2/204). وقال الصَّنعانيُّ: (والحَديثُ دَليلٌ على مَشروعيَّةِ سُجودِ التِّلاوةِ، وقد أجمَعَ على ذلك العُلماءُ). ((سبل السلام)) (1/208). وقال النَّفراويُّ: (وأجمَعوا على مَشروعيَّتِه «سُجود التِّلاوةِ» عِندَ قِراءةِ القُرآنِ، ولو في حالةِ الصَّلاةِ). ((الفواكه الدواني)) (2/607). .
فوائدُ ومسائلُ: مسألةٌ: حُكمُ سَجدةِ التِّلاوةِ سُجودُ التِّلاوةِ سُنَّةٌ
[1773] وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: الشَّافِعيَّةِ، والحَنابِلةِ، والمالكيَّةِ -على خِلافٍ بَينَهم بَينَ السُّنِّيَّةِ والاستِحبابِ-، وداودَ، وهو قَولُ طائِفةٍ مِنَ السَّلفِ. يُنظر: ((المجموع)) للنووي (4/58، 61)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/251)، يُنظر: ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/361)، ((المغني)) لابن قدامة (1/446). وحُكيَ إجماعُ الصَّحابةِ على ذلك: قال ابنُ قُدامةَ: (سُجودُ التِّلاوةِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدةٌ ... لأنَّه إجماعُ الصَّحابةِ. ورَوى البخاريُّ... عن عُمَرَ أنَّه قَرَأ يَومَ الجُمعةِ على المِنبَرِ بسورِة النَّحلِ، حتَّى إذا جاءَ السَّجدةَ نَزَل، فسَجَدَ وسَجَدَ النَّاسُ، حتَّى إذا كانتِ الجُمُعةُ القابلةُ قَرَأ بها، حتَّى إذا جاءَتِ السَّجدةُ قال: يا أيُّها النَّاسُ، إنَّما نَمُرُّ بالسُّجودِ، فمَن سَجَدَ فقد أصابَ، ومَن لم يَسجُدْ فلا إثمَ عليه. ولم يَسجُدْ عُمَرُ. وفي لفظٍ: إنَّ اللَّهَ لم يَفرِضْ علينا السُّجودَ إلَّا أن نَشاءَ. ... وهذا بحَضرةِ الجَمعِ الكَثيرِ، فلم يُنكِرْه أحَدٌ، ولا نُقِلَ خِلافُه). ((المغني)) (1/446). وقال شَمسُ الدِّينِ ابنُ قُدامةَ: (رُوِيَ عن عُثمانَ أنَّه مَرَّ بقاصٍّ، فقَرَأ القاصُّ سَجدةً ليَسجُدَ عُثمانُ مَعَه، فلم يَسجُدْ. وقال: إنَّما السَّجدةُ على مَنِ استَمَعَ. وقال ابنُ مَسعودٍ وعِمرانُ: ما جَلسنا لها. ولم يُعلَمْ لهم مُخالفٌ في عَصرِهم). ((الشرح الكبير)) (4/213). للتَّالي والمُستَمِعِ
[1774] أمَّا السَّامِعُ فاختَلف فيه أهلُ العِلمِ: فقال المالكيَّةُ والحَنابلةُ، وفي وجهٍ للشَّافِعيَّةِ: إنَّه لا يُسَنُّ في حَقِّه السُّجودُ. يُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (1/349)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/446)، ((المجموع)) للنووي (4/58). وذَهَبَ الشَّافِعيَّةُ: إلى أنَّه يُستَحَبُّ ولا يَتَأكَّدُ في حَقِّه. يُنظر: ((المجموع)) للنووي (4/58). وقال الحَنَفيَّةُ: يَجِبُ على السَّامِعِ السُّجودُ، سَواءٌ قَصَد سَماعَ القُرآنِ أو لم يَقصِدْ. يُنظر: ((مختصر القدوري)) (ص: 37). .
الدَّليلُ على ذلك من السُّنَّةِ وإجماعِ الصَّحابةِ والآثارِ: أ- من السُّنَّةِ 1- عن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((إذا قَرَأ ابنُ آدَمَ السَّجدةَ فسَجَدَ، اعتَزَل الشَّيطانُ يَبكي، يَقولُ: يا وَيْلَه! أُمِرَ ابنُ آدَمَ بالسُّجودِ فسَجَدَ؛ فله الجَنَّةُ، وأُمِرتُ بالسُّجودِ فعَصَيتُ؛ فلي النَّارُ)) [1775] أخرجه مسلم (88). .
2- عن عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال:
((قَرَأ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم (النَّجمَ) بمكَّةَ، فسَجَدَ فيها، وسَجَدَ مَن مَعَه غَيرَ شَيخٍ...)) [1776] أخرجه البخاري (1067) واللفظ له، ومسلم (576). .
3- عن زَيدِ بن ثابتٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال:
((قَرَأتُ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: والنَّجمِ، فلم يَسجُدْ فيها)) [1777] أخرجه البخاري (1073). .
وَجْهُ الدَّلالَةِ: أنَّه لو كان واجِبًا لم يَترُكْ زَيدٌ السُّجودَ فيها، ولا تَرَكَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فدَلَّ هذا -مَعَ الأحاديثِ الأُخرى التي تَدُلُّ على فِعلِه- على أنَّه سُنَّةٌ
[1778] ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (3/58). .
د- إجماعُ الصَّحابةِ نَقَل إجماعَ الصَّحابةِ على ذلك غَيرُ واحِدٍ
[1779] قال ابنُ رُشدٍ: (ثَبَتَ أنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ قَرَأ السَّجدةَ يَومَ الجُمُعةِ، فنَزَل وسَجَدَ وسَجَدَ النَّاسُ مَعَه، فلمَّا كان في الجُمُعةِ الثَّانيةِ وقَرَأها تَهَيَّأ النَّاسُ للسُّجودِ، فقال: على رِسلِكُم، إنَّ اللَّهَ لم يَكتُبْها علينا إلَّا أن نَشاءَ، قالوا: وهذا بمَحضَرِ الصَّحابةِ، فلم يُنقَلْ عن أحَدٍ مِنهم خِلافٌ، وهم أفهَمُ بمَغزى الشَّرعِ، وهذا إنَّما يَحتَجُّ به مَن يَرى قَولَ الصَّحابيِّ -إذا لم يَكُنْ له مُخالِفٌ- حُجَّةً). ((بداية المجتهد)) (1/222). وقال العُمرانيُّ: (ورُوِيَ: أنَّ عُمَرَ رضِيَ اللهُ عنه قَرَأ على المِنبَرِ سورةً فيها سَجدةٌ، فنَزَل وسَجَدَ وسَجَدَ النَّاسُ مَعَه، فلمَّا كان في الجُمُعةِ الثَّانيةِ قَرَأها، فتَهَيَّأ النَّاسُ للسُّجودِ، فقال: (أيُّها النَّاسُ، على رِسلِكُم، إنَّ اللَّهَ لم يَكتُبْها علينا إلَّا أن نَشاءَ)، وهذا بمَجمَعٍ مِنَ الصَّحابةِ، ولم يُنكِر ذلك عليه أحَدٌ؛ فدَلَّ على أنَّه إجماعٌ). ((البيان)) (2/289). وقال ابنُ قُدامةَ: (رَوى زَيدُ بنُ ثابتٍ، قال: ((قَرَأتُ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم النَّجمَ، فلم يَسجُدْ مِنَّا أحَدٌ)) مُتَّفَقٌ عليه، ولأنَّه إجماعُ الصَّحابةِ). ((المغني)) (1/446). .
ج- من الآثارِ أنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه قَرَأ يَومَ الجُمُعةِ على المِنبَرِ بسورةِ النَّحلِ، حتَّى إذا جاءَ السَّجدةَ نَزَل فسَجَدَ وسَجَدَ النَّاسُ، حتَّى إذا كانتِ الجُمُعةُ القابلةُ قَرَأ بها، حتَّى إذا جاءَ السَّجدةَ، قال: (يا أيُّها النَّاسُ، إنَّا نَمُرُّ بالسُّجودِ، فمَن سَجَدَ فقد أصابَ، ومَن لم يَسجُدْ فلا إثمَ عليه). ولم يَسجُدْ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عنه
[1780] أخرجه البخاري (1077). .
التَّكبيرُ لسُجودِ التِّلاوةِ في الصَّلاةِ يُكَبَّرُ لسُجودِ التِّلاوةِ في الصَّلاةِ في الخَفضِ والرَّفعِ
[1781] وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحنفيَّةِ، والمالكيَّةِ، والشَّافعيَّةِ، والحنابلةِ. ينظر: ((حاشية ابن عابدين)) (2/106)، ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/306)، ((المجموع)) للنووي (4/63)، ((كشاف القناع)) للبُهوتي (1/448). ولا يُشرَعُ رَفعُ اليَدَينِ عِندَ التَّكبيرِ لسُجودِ التِّلاوةِ، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: الحَنَفيَّةِ، والمالكيَّةِ، والشَّافِعيَّةِ، ورِوايةٌ عِندَ الحَنابلةِ هيَ قياسُ المَذهَبِ. يُنظر: ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/208)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/360)، ((المجموع)) للنووي (4/63)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (2/101)، ((الإنصاف)) للمرداوي (2/141). .
التَّكبيرُ لسُجودِ التِّلاوةِ خارجَ الصَّلاةِ اختُلِفَ في التَّكبيرِ لسُجودِ التِّلاوةِ في الخَفضِ والرَّفعِ خارِجَ الصَّلاةِ على أقوالٍ، أقواها قَولانِ:
القَولُ الأوَّلُ: يُسَنُّ التَّكبيرُ لسُجودِ التِّلاوةِ في الخَفضِ والرَّفعِ خارِجَ الصَّلاةِ
[1782] وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ. يُنظر: ((حاشية ابن عابدين)) (2/106)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/361)، ((المجموع)) للنووي (4/64)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (2/100)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/448). .
القَولُ الثَّاني: يُكَبَّرُ للخَفضِ فقَط، ولا يُكَبَّرُ للرَّفعِ
[1783] وهذا القَولُ رِوايةٌ عن أبي حَنيفةَ، واختارَه بَعضُ الحَنابلةِ، وابنُ بازٍ، وابنُ عُثيمين. يُنظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/26)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/106)، ((الإنصاف)) للمرداوي (2/140)، ((مجموع فتاوى ابن باز)) (11/410)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (4/100). .
ما يُقالُ في سُجودِ التِّلاوةِ يُقالُ في سُجودِ التِّلاوةِ ما يُشرَعُ قَولُه في سُجودِ الصَّلاةِ مِنَ التَّسبيحِ والدُّعاءِ؛ وذلك لأنَّ الحُكمَ واحِدٌ.
التَّسليمُ في سُجودِ التِّلاوةِ لا يُشرَعُ التَّسليمُ في سُجودِ التِّلاوةِ؛ وذلك لأنَّه لم يُنقَلْ، ولا دَليلَ عليه.
انظر أيضا:
عرض الهوامش