ثامنًا: الوسائِلُ المُعينةُ على تقويةِ العَزمِ والعَزيمةِ وعُلُوِّ الهِمَّةِ
1- التَّوكُّلُ على اللهِ وحُسنُ الظَّنِّ به سُبحانَه في الوُصولِ إلى الهَدَفِ:
أرشَدَنا اللهُ سُبحانَه لهذا بقَولِه:
فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ [آل عمران: 159] ، وإنَّ من آثارِ عقيدةِ التَّوحيدِ في نفسِ المُؤمِنِ قُوَّةَ العَزمِ، والصَّبرَ والثَّباتَ؛ لعِلمِه أنَّ اللهَ معه، وأنَّه مؤيِّدُه وناصِرُه، فهو يُرَدِّدُ قَولَ اللهِ تعالى:
حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [آل عمران: 173] التي قالها إبراهيمُ عندما أُريدَ إلقاؤه في النَّارِ، ومحمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عندما خُوِّف بصناديدِ المُشرِكين، وقولَ هُودٍ عليه السَّلامُ لِقَومِه:
فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ [هود: 55-56] [6634] انظر: ((مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة))، العدد 32توحيد الله (12/36). .
2- كَثرةُ الدُّعاءِ:فالدُّعاءُ سِلاحُ المُؤمِنِ الذي يلجَأُ إليه في كُلِّ أحوالِه، خاصَّةً إذا فتَرَتِ الهمَّةُ وضَعُفتِ العَزيمةُ.
3- العِلمُ النَّافِعُ:فالعِلمُ يُرشِدُ المَرءَ إلى مَصالحِه وما فيه الخَيرُ له، ويدفعُه إلى العَمَلِ، ويُعَرِّفُه بآفاتِ الطَّريقِ ومَخاطِرِه، ويورِثُ صاحِبَه فِقهًا بالأولَويَّاتِ ومَعرِفةً بمَراتِبِ الأعمالِ، وكُلَّما ازدادَ الإنسانُ مِنَ العِلمِ النَّافِعِ عَلَت همَّتُه، وازدادَ عَمَلُه.
4- الاقتداءُ بأصحابِ العزائِمِ من أهلِ الصَّلاحِ والدِّينِ:قال تعالى:
فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ [الأحقاف: 35] .
وقال تعالى في الاقتداءِ بالصَّالحينَ:
قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ [الممتحنة: 4] .
ومَن يُطالِعُ سِيَرَ الصَّالحينَ مِن أصحابِ العَزائِمِ والهمَمِ العاليةِ وينظُرُ في كُتُبِهم (يرى مِن عُلومِ القَومِ، وعُلوِّ همَمِهم ما يشحَذُ خاطِرَه، ويُحَرِّكُ عَزيمَتَه للجِدِّ).
5- مصاحبةُ أهلِ العزائِمِ القويَّةِ، والهِمَمِ العاليةِ:فالمرءُ على دينِ خَليلِه، قال ابنُ تَيميَّةَ: (النَّاسُ كأسرابِ القَطَا
[6635] نوعٌ من اليَمامِ يُؤثِرُ الحياةَ في الصَّحراءِ. يُنظَر: ((المعجم الوسيط)) (2/ 748). مجبولون على تشبُّهِ بَعضِهم ببعضٍ)
[6636] ((مجموع الفتاوى)) (28/150). .
6- المسارعةُ في التَّنفيذِ، وعَدَمُ التَّردُّدِ بعدَ عَقدِ العَزمِ على العَمَلِ:قال تعالى:
فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ [محمد: 21] .
7- الجِدِّيَّةُ:إنَّ الجِدِّيَّةَ في الحياةِ كُلِّها، وإلزامَ النَّفسِ بما يُرادُ تحقيقُه طريقُ النَّاجِحين في حياتِهم، ومَن جَدَّ وَجَد، ومن زَرَع حصَدَ؛ قال تعالى:
يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا [مريم: 12] ، وقال تعالى:
خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة: 63] .
8- عَدَمُ الاتِّكالِ على الحَسَبِ والنَّسَبِ:والقاعِدةُ الإسلاميَّةُ: لا فَضْلَ لعَرَبيٍّ على أعجَميٍّ إلَّا بالتَّقوى، ولا يستوي العالِمُ والجاهِلُ، ولا المُؤمِنُ والكافِرُ، ولا المجتَهِدُ والكَسولُ، ولا القَويُّ والضَّعيفُ.
9- الرَّغبةُ الصَّادقةُ في تقويةِ العَزمِ والعَزيمةِ وعُلُوِّ الهِمَّةِ:وهذا يَشمَلُ خُطواتٍ:
- تغييرُ العاداتِ السَّلبيَّةِ إلى أُخرى إيجابيَّةٍ:
السَّعيُ الحثيثُ لرَفعِ العَزيمةِ وتقويتِها يبدَأُ بالرَّغبةِ في إصلاحِ مَواطِنِ الضَّعفِ في النَّفسِ، والصِّدقِ في تحويلِها لمواطِنِ قُوَّةٍ؛ ولهذا فلم تمنَعْ قاتِلَ التِّسعةِ والتِّسعين نفسًا آثامُه من السَّعيِ للتَّغييرِ، بل ولَمَّا أكمَل المائةَ ما زال عازِمًا على التَّوبةِ، فبحَث وسأل، بل وتَرَك ما يحِبُّ من أهلٍ ووطنٍ في سبيلِ ما يرجو، حتَّى كانت العاقبةُ مَغفرةَ اللهِ ورِضوانَه
[6637] عن أبى سعيدٍ رَضِيَ اللهُ عنه، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((كان في بني إسرائيلَ رجلٌ قَتَل تِسعةً وتسعين إنسانًا، ثمَّ خرج يسألُ، فأتى راهبًا فسأله، فقال له: هل من توبةٍ؟ قال لا. فقتَلَه، فجعل يسألُ، فقال له رجُلٌ: ائْتِ قريةَ كذا وكذا. فأدركَه الموتُ، فَنَاءَ بصَدْرِه نحوَها، فاختَصَمَتْ فيه ملائكةُ الرَّحمةِ وملائكةُ العذابِ، فأوحى اللهُ إلى هذه أن تَقَرَّبي، وأوحى اللهُ إلى هذه أن تباعَدي، وقال: قيسُوا ما بَيْنَهما، فوُجِد إلى هذه أقرَبَ بشِبرٍ، فغُفِرَ له)). أخرجه البخاري (3470) واللفظ له، ومسلم (2466). .
- تحديدُ الهدَفِ المرادِ تحقيقُه، ووضوحُه.
- معرفةُ فائدةِ العَمَلِ في حياتِك الدِّينيَّةِ والدُّنيويَّةِ.
فمعرفةُ فائدةِ العَمَلِ تُعينُ على تحمُّلِ مشاقِّ العَمَلِ؛ ولهذا جاءت الشَّريعةُ بالتَّرغيبِ في العَمَلِ الصَّالحِ، والتَّرهيبِ من المعاصي، وذَمِّ البَطالةِ والكَسَلِ.
- وضعُ أهدافٍ قَصيرةِ المدى.
- مُكافأةُ النَّفسِ بَعدَ كُلِّ عَمَلٍ تنجِزُه، والمكافأةُ بقَدرِ العَمَلِ.
- محاسَبةُ النَّفسِ على التَّقصيرِ، ومعاقبتُها بتركِ بعضِ ما تحِبُّ.
10- الاهتِمامُ بالتَّربيةِ الصَّحيحةِ للنَّشءِ مُنذُ الصِّغَرِ.