أ- من القُرآنِ الكريمِ
1- قال تعالى:
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى [النحل: 90] .
بِالْعَدْلِ (أي: بمُراعاةِ التَّوسُّطِ بَينَ طرَفَيِ الإفراطِ والتَّفريطِ، وهو رأسُ الفَضائلِ)
[1855] ((تفسير الألوسي)) (7/ 454). .
2- قال تعالى:
وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا [البقرة: 143] .
(
أُمَّةً وَسَطًا أي: خِيارًا عُدولًا؛ قال تعالى:
قَالَ أَوْسَطُهُمْ [القلم: 28] أي: خَيرُهم وأعدَلُهم. وخيرُ الأشياءِ أوسَطُها لا إفراطُها ولا تفريطُها؛ لأنَّ الإفراطَ: المجاوزةُ لِما لا ينبغي، والتَّفريطَ: التَّقصيرُ عمَّا ينبغي، كالجُودِ بَينَ الإسرافِ والبُخلِ، والشَّجاعةِ بَينَ التَّهوُّرِ -وهو الوقوعُ في الشَّيءِ بقِلَّةِ مُبالاةٍ- وبَينَ الجُبنِ)
[1856] ((السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير)) للشربيني (1/ 99). .
3- قال تعالى:
وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الأعراف: 31] .
قال
ابنُ كثيرٍ: (فشَرْعُ اللهِ عَدلٌ بَينَ الغالي فيه والجافي عنه، لا إفراطَ ولا تفريطَ)
[1857] ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (3/172). .
4- وقال تعالى:
قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَاحَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا [الأنعام: 31] .
قال الواحِديُّ: (التَّفريطُ: التَّضييعُ والتَّركُ، أي: على ما تَرَكْنا وضَيَّعْنا مِن عَمَلِ الآخرةِ في الدُّنيا)
[1858] ((التفسير الوسيط)) للواحدي (2/264). .
5- وقال تعالى في وَصفِ عبادِ الرَّحمنِ، منبِّهًا على أهميَّةِ التَّوسُّطِ وعدَمِ الإفراطِ والتَّفريطِ:
وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا [الفرقان: 67] .
قال
ابنُ كثيرٍ: (أي: ليسوا بمُبَذِّرين في إنفاقِهم فيَصرِفون فوقَ الحاجةِ، ولا بُخلاءَ على أهلِيهم فيُقَصِّرون في حَقِّهم فلا يَكْفونهم، بل عَدلًا خيارًا، وخيرُ الأمورِ أوسَطُها، لا هذا ولا هذا)
[1859] ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (6/123-124). .
6- وقال تعالى مبَيِّنًا نَدَمَ المُفَرِّطِ على تفريطِه في حَقِّه سُبحانَه يومَ القيامةِ:
أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ [الزمر: 56] .
قال
الطَّبَريُّ: (على ما ضَيَّعتُ من العَمَلِ بما أمرني اللهُ به، وقصَّرْتُ في الدُّنيا في طاعةِ اللهِ)
[1860] ((جامع البيان)) للطبري (20/234). ؛ ففيه أنَّ المُفَرِّطَ سيتحَسَّرُ على تفريطِه؛ فينبغي أن يكونَ الإنسانُ حازِمًا ذا نشاطٍ وقُوَّةٍ حتى لا تفوتَه الأمورُ، ثمَّ بعدَ ذلك يندَمُ
[1861] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين - سورة الزمر)) (ص: 402). .
7- وقال تعالى مخاطِبًا نبيَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا [الكهف: 28] .
قال
ابنُ كثيرٍ: (وكان أمرُه فُرُطًا: أي: أعمالُه وأفعالُه سَفَهٌ وتفريطٌ وضَياعٌ، ولا تكُنْ مُطيعًا له ولا محِبًّا لطريقتِه، ولا تَغبِطْه بما هو فيه)
[1862] ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (5/154). .
8- وقال جَلَّ ثناؤُه:
إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ [فصلت: 30] ، وقال سُبحانَه:
إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [الأحقاف: 13] ؛ ففي قولِه:
ثُمَّ اسْتَقَامُوا إشارةٌ إلى أساسِ الأعمالِ الصَّالحةِ، وهو الاستقامةُ على الحَقِّ، أي: أن يكونَ وَسَطًا غيرَ مائِلٍ إلى طَرَفَيِ الإفراطِ والتَّفريطِ؛ قال تعالى:
اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة: 6] ، وقال:
وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا [البقرة: 143] ، وقال:
وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ [الشورى: 15] أي: استقامةً مُوافِقةً لأمرِ اللهِ، لا تفريطَ ولا إفراطَ، بل امتِثالًا لأوامِرِ اللهِ واجتِنابًا لنواهيه، على وَجهِ الاستمرارِ على ذلك
[1863] يُنظر: ((التحرير والتنوير)) لابن عاشور (24/ 283)، ((تيسير الكريم الرحمن)) للسعدي (ص: 755). .
9- وقال عزَّ وجَلَّ حكايةً عن لُقمانَ رَضِيَ اللهُ عنه:
يَابُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ * يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ * وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ [لقمان: 16-19] . دَعَت هذه الآياتُ إلى معالي الأخلاقِ، وهي أمَّهاتُ الفضائِلِ الثَّلاثُ: الحِكمةُ، والعِفَّةُ، والشَّجاعةُ، وأمرَتْ بالعَدلِ فيها، وهي وظيفةُ التَّقسيطِ الذي هو الوَسَطُ الذي هو مَجمَعُ الفضائِلِ، ونهَت عن مساوِئِ الأخلاقِ، وهي الأطرافُ التي هي مبدَأُ الرَّذائِلِ، الحاصِلُ بالإفراطِ والتَّفريطِ؛ فإقامةُ الصَّلاةِ التي هي رُوحُ العبادةِ المَبنيَّةِ على العِلمِ هي سِرُّ الحِكمةِ، والأمرُ والنَّهيُ أمرٌ بالشَّجاعةِ ونهيٌ عن الجُبنِ، وفي النَّهيِ عن التَّصعيرِ وما معه نهيٌ عن التَّهَوُّرِ، والقَصدُ في المشيِ والغَضُّ في الصَّوتِ أمرٌ بالعِفَّةِ، ونهيٌ عن الاستِماتةِ والجُمودِ، والخَلاعةِ والفُجورِ
[1864] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (15/ 180). .