أ- من القُرآنِ الكريمِ
- قال اللهُ تعالى:
فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ [البقرة: 197] .
قال
ابنُ كثيرٍ: (وقَولُه:
وَلَا جِدَالَ في الْحَجِّ فيه قولانِ:
أحَدُهما: ولا مُجادَلةَ في وَقتِ الحَجِّ وفي مَناسِكِه، وقد بيَّنه اللهُ أتمَّ بيانٍ، ووضَّحَه أكمَلَ إيضاحٍ...
والقَولُ الثَّاني: أنَّ المرادَ بالجِدالِ هاهنا: المخاصَمةُ)
[2285] ((تفسير ابن كثير)) (1/ 545). .
وقيل: معنى ذلك: النَّهيُ عن أن يجادِلَ المُحرِمُ أحَدًا. وقال بعضُهم: نهى عن أن يجادِلَ صاحِبَه حتَّى يُغضِبَه
[2286] ((جامع البيان)) (4/141). .
قال
السَّعديُّ: (وقَولُه:
فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ أي: يجبُ أن تعَظِّموا الإحرامَ بالحَجِّ -وخُصوصًا الواقِعَ في أشهُرِه- وتصونوه عن كُلِّ ما يُفسِدُه أو يَنقُصُه؛ من الرَّفَثِ، وهو الجِماعُ ومُقَدِّماتُه الفِعليَّةُ والقَوليَّةُ، خُصوصًا عِندَ النِّساءِ بحَضرتِهنَّ. والفُسوقِ، وهو: جميعُ المعاصي، ومنها محظوراتُ الإحرامِ.
والجِدالِ، وهو: المُماراةُ والمُنازعةُ والمُخاصَمةُ؛ لكَونِها تثيرُ الشَّرَّ، وتوقِعُ العَداوةَ.
والمقصودُ من الحَجِّ: الذُّلُّ والانكِسارُ للهِ، والتَّقرُّبُ إليه بما أمكَن من القُرُباتِ، والتَّنزُّهُ عن مقارَفةِ السَّيِّئاتِ؛ فإنَّه بذلك يكونُ مبرورًا، والمبرورُ ليس له جزاءٌ إلَّا الجنَّةُ، وهذه الأشياءُ وإن كانت ممنوعةً في كُلِّ مكانٍ وزمانٍ، فإنَّها يتغَلَّظُ المنعُ عنها في الحَجِّ)
[2287] ((تيسير الكريم الرحمن)) (ص: 91). .
- وقال جلَّ شأنُه:
وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ [البقرة: 204] .
قال
العَينيُّ: (أي: شديدُ الجِدالِ والخُصومةِ، والعَداوةِ للمُسلِمين)
[2288] ((عمدة القاري)) (18/114). .
قال مقاتِلٌ: (يقولُ جَدَلًا بالباطِلِ)
[2289] ((تفسير مقاتل)) (ص: 178). .
وقال
الطَّبَريُّ: (أي: ذو جِدالٍ إذا كَلَّمك وراجَعَك)
[2290] ((جامع البيان)) (3/573). .
- وقال جَلَّ في عُلاه:
مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا [غافر: 4] .
(قال سَهلٌ: في القُرآنِ آيتانِ ما أشَدَّهما على من يجادِلُ في القرآنِ! وهما قولُه تعالى:
مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا [غافر: 4] ، أي: يماري في آياتِ اللهِ، ويخاصِمُ بهوى نفسِه، وطَبْعِ جِبِلَّةِ عَقلِه، قال تعالى:
وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ [البقرة: 197] ، أي: لا مِراءَ في الحَجِّ. والثَّانيةُ: قَولُه:
وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ [البقرة: 176] )
[2291] ((تفسير التستري)) (1/19). .
- وقال سُبحانَه:
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ [الحج: 8] .
قال الزَّجَّاجُ: (فالمعنى: ومِن النَّاسِ مَن يجادِلُ في اللهِ بغيرِ عِلمٍ مُتكَبِّرًا)
[2292] ((معاني القرآن وإعرابه)) (3/414). .
وقال
البَيضاويُّ: (ومِن النَّاسِ مَن يجادِلُ في اللهِ في توحيدِه وصِفاتِه)
[2293] ((أنوار التنزيل)) (4/215). .
وقال
الشَّوكانيُّ: (ومعنى اللَّفظِ: ومِنَ النَّاسِ فريقٌ يجادِلُ في اللهِ، فيَدخُلُ في ذلك كُلُّ مجادِلٍ في ذاتِ اللهِ، أو صفاتِه، أو شرائِعِه الواضِحةِ)
[2294] ((فتح القدير)) للشوكاني (3/519). .
وقال
السَّعديُّ: (ومِن النَّاسِ طائفةٌ وفِرقةٌ سَلَكوا طريقَ الضَّلالِ، وجَعَلوا يجادِلون بالباطلِ الحَقَّ، يريدون إحقاقَ الباطِلِ وإبطالَ الحَقِّ، والحالُ أنَّهم في غايةِ الجَهلِ، ما عِندَهم من العِلمِ شَيءٌ)
[2295] ((تيسير الكريم الرحمن)) (ص: 533). .
- وقال جَلَّ شأنُه:
وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [العنكبوت: 46] .
قال
السَّعديُّ: (ينهى تعالى عن مُجادَلةِ أهلِ الكتابِ، إذا كانت من غيرِ بصيرةٍ من المجادِلِ، أو بغيرِ قاعدةٍ مَرضيَّةٍ، وألَّا يجادِلوا إلَّا بالتي هي أحسَنُ، بحُسنِ خلُقٍ ولُطفٍ، ولِينِ كلامٍ، ودَعوةٍ إلى الحَقِّ وتحسينِه، ورَدٍّ عن الباطِلِ وتهجينِه، بأقرَبِ طريقٍ موصِلٍ لذلك، وألَّا يكونَ القَصدُ منها مجرَّدَ المُجادَلةِ والمغالَبةِ وحُبِّ العُلُوِّ، بل يكونُ القَصدُ بيانَ الحَقِّ وهدايةَ الخَلقِ، إلَّا مَن ظَلَم من أهلِ الكتابِ، بأن ظَهَر مِن قَصدِه وحالِه أنَّه لا إرادةَ له في الحَقِّ، وإنَّما يجادِلُ على وَجهِ المشاغَبةِ والمُغالبةِ، فهذا لا فائدةَ في جِدالِه؛ لأنَّ المقصودَ منها ضائِعٌ)
[2296] ((تيسير الكريم الرحمن)) (ص: 533). .
- وقال تعالى:
هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [آل عمران: 66] .
قال
الطَّبَريُّ: (يعني بذلك جَلَّ ثناؤه: ها أنتم هؤلاء القومُ الذين خاصَمْتُم وجادَلْتُم فيما لكم به عِلمٌ من أمرِ دينِكم الذي وجَدْتُموه في كُتُبِكم، وأتَتْكم به رُسُلُ اللهِ مِن عندِه، وفي غيرِ ذلك ممَّا أوتيتُموه، وثبَتَت عندَكم صِحَّتُه، فلِمَ تحاجُّون؟ يقولُ: فلِمَ تجادِلون وتخاصِمون فيما ليس لكم به عِلمٌ)
[2297] ((جامع البيان)) (5/483). .
وقال
الشَّوكانيُّ: (وفي الآيةِ دليلٌ على مَنعِ الجِدالِ بالباطِلِ، بل ورَد التَّرغيبُ في تَركِ الجِدالِ من المُحِقِّ)
[2298] ((فتح القدير)) (1/401). .
وقال
السَّعديُّ: (وقد اشتَمَلت هذه الآياتُ على النَّهيِ عن المحاجَّةِ والمُجادَلةِ بغيرِ علمٍ، وأنَّ من تكَلَّم بذلك فهو متكَلِّمٌ في أمرٍ لا يمكنُ منه، ولا يُسمَحُ له فيه)
[2299] ((تيسير الكريم الرحمن)) (ص: 134). .
- قال تعالى:
وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا [الكهف: 54] .
قال
ابنُ كثيرٍ: (يقولُ تعالى: ولقد بَيَّنَّا للنَّاسِ في هذا القرآنِ، ووضَّحْنا لهم الأمورَ وفصَّلْناها؛ كي لا يَضِلُّوا عن الحَقِّ، ويخرُجوا عن طريقِ الهُدى. ومع هذا البيانِ وهذا الفُرْقانِ، الإنسانُ كثيرُ المُجادَلةِ والمخاصَمةِ والمعارَضةِ للحَقِّ بالباطِلِ، إلَّا مَن هدى اللهُ وبَصَّرَه لطَريقِ النَّجاةِ)
[2300] ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (5/ 171). .
و(سياقُ الآيةِ أنَّ الكُفَّارَ أكثَروا الجَدَلَ والخُصومةَ والمِراءَ لإدحاضِ الحَقِّ الذي أوضَحه اللهُ بما ضرَبه في هذا القُرآنِ من كُلِّ مَثَلٍ، ولكِنْ كونُ هذا هو ظاهِرَ القرآنِ وسَبَبَ النُّزولِ لا ينافي تفسيرَ الآيةِ الكريمةِ بظاهِرِ عُمومِها؛ لأنَّ العِبرةَ بعُمومِ اللَّفظِ لا بخُصوصِ السَّبَبِ)
[2301] ((أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن)) للشنقيطي (3/ 302). .
وممَّا يدُلُّ على ذلك ما جاء عن عليِّ بنِ أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عنه
((أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم طَرَقَه [2302] طَرَقَه: أي: أتاه ليلًا، وكُلُّ من أتاك ليلًا فقد طرَقَك. يُنظَر: ((كشف المشكل من حديثِ الصحيحين)) (1/ 176). وفاطِمةَ بنتَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ليلةً، فقال لهم: ألا تُصَلُّون؟! قال عَليٌّ: فقُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، إنَّما أنفُسُنا بيَدِ اللهِ، فإذا شاء أن يبعَثَنا بعَثَنا! فانصرَفَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حينَ قُلتُ ذلك، ولم يرجِعْ إليَّ شَيئًا، ثمَّ سمِعتُه وهو مُدبِرٌ يَضرِبُ فَخِذَه ويقولُ: وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا!)) [2303] رواه البخاري (7465) واللفظ له، ومسلم (775). قال ابنُ تَيميَّةَ: (هذا الحديثُ نصٌّ في ذَمِّ مَن عارض الأمرَ بالقَدَرِ؛ فإنَّ قولَه: "إنَّما أنفُسُنا بيَدِ اللهِ" إلى آخِرِه، استنادٌ إلى القَدَرِ في تركِ امتثالِ الأمرِ، وهي في نفسِها كَلِمةُ حَقٍّ، لكِنْ لا تَصلُحُ لمعارضةِ الأمرِ، بل معارَضةُ الأمرِ بها من بابِ الجَدَلِ المذمومِ الذي قال اللهُ فيه: وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا). ((مجموع الفتاوى)) (15/229). .
قال
الشِّنقيطيُّ: (فإيرادُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الآيةَ على قَولِ عَليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه "إنَّما أنفُسُنا بيَدِ اللهِ، فإذا شاء أن يبعَثَنا بعَثَنا" دليلٌ على عُمومِ الآيةِ الكريمةِ، وشُمولِها لكُلِّ خِصامٍ وجَدَلٍ، لكِنَّه قد دلَّت آياتٌ أُخَرُ على أنَّ من الجَدَلِ ما هو محمودٌ مأمورٌ به لإظهارِ الحَقِّ، كقَولِه تعالى:
وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل: 125] ، وقَولِه تعالى:
وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [العنكبوت: 46] )
[2304] ((أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن)) (3/ 302). .