المَبحَثُ الثَّاني: حَشرُ الكُفَّارِ إلى النَّارِ
جاءَت نُصوصٌ كثيرةٌ تُصَوِّرُ لَنا كيفَ يَكونُ حَشرُ الكُفَّارِ إلى النَّارِ هم وآلِهَتِهمُ التي كانوا يَعبُدونَها.
1- يُحشَرونَ كقطعانِ الماشيةِ جَماعاتٍ جَماعاتٍ، ويُنهَرونَ نَهرًا غَليظًا، ويُصاحُ بهم من هنا وهناك، كما يَفعَلُ الرَّاعي ببَقرِه أو غَنَمِه.
قال اللهُ تعالى:
وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا [الزمر: 71] .
قال
ابنُ جَريرٍ: (يَقولُ: وحُشِرَ الذينَ كَفَروا باللهِ إلى نارِه التي أعَدَّها لهم يَومَ القيامةِ جَماعاتٍ، جَماعةً جَماعةً، وحِزبًا حِزبًا)
[3949] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/ 264). .
وقال
ابنُ كثيرٍ: (يُخبِرُ تعالى عن حالِ الأشقياءِ الكُفَّارِ كيفَ يُساقونَ إلى النَّارِ؟ وإنَّما يُساقونَ سَوقًا عنيفًا بزَجْرٍ وتَهديدٍ ووَعيدٍ، كما قال تعالى:
يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا [الطور:13] أي: يُدفَعونَ إليها دَفعًا. هذا وهُم عِطاشٌ ظِمَاءٌ، كما قال في الآيةِ الأُخرى:
يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا * وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا [مريم: 85، 86]. وهم في تلك الحالِ صُمٌّ وبُكْمٌ وعُمْيٌ، منهم مَن يَمشي على وَجْهِه،
وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا [الإسراء:97])
[3950] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (7/ 118). .
وقال
السَّعديُّ: (
وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ أي: سَوقًا عنيفًا، يُضرَبونَ بالسِّياطِ الموجِعةِ من الزَّبانيةِ الغِلاظِ الشِّدَادِ، إلى شَرِّ مَحبِسٍ وأفظَعِ مَوضِعٍ، وهيَ جَهنَّمُ التي قد جَمَعتْ كُلَّ عَذَابٍ، وحَضَرَها كُلُّ شَقَاءٍ، وزالَ عنها كُلُّ سُرورٍ، كما قال تعالى:
يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا أي: يُدفَعونَ إليها دَفعًا، وذلك لامتِناعِهم من دُخولِها.
ويُساقونَ إليها
زُمَرًا أي: فِرَقًا مُتَفَرِّقةً، كُلُّ زُمرةٍ مَعَ الزُّمرةِ التي تُناسِبُ عَمَلَها، وتُشاكِلُ سَعْيَها، يَلعَنُ بَعضُهم بَعضًا، ويَبرَأُ بَعضُهم من بَعضٍ)
[3951] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 730). .
وقال اللهُ سُبحانَه:
يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا [الطور: 13]،
قال
السَّمعانيُّ: (أي: يُدفَعونَ في نارِ جَهَنَّمَ. وقَولُه:
دَعًّا أي: دَفعًا. والدَّعُّ في اللُّغةِ: هو الدَّفعُ بشِدَّةٍ وعُنفٍ)
[3952] يُنظر: ((تفسير السمعاني)) (5/ 269). .
وقال
البَغَويُّ: (
يَوْمَ يُدَعُّونَ يُدفَعونَ،
إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا دَفعًا بعُنفٍ وجَفوةٍ، وذلك أنَّ خَزَنةَ جَهَنَّمَ يَغُلُّونَ أيديَهم إلى أعناقِهم، ويَجمَعونَ نَواصيَهم إلى أقدامِهم، ثُمَّ يَدفَعونَهم إلى النَّارِ دَفعًا على وُجوهِهم، وزَجًّا في أقفيَتِهم حَتَّى يَرِدوا النَّارَ)
[3953] يُنظر: ((تفسير البغوي)) (4/ 291). .
وقال اللهُ عَزَّ وجلَّ:
وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ [فصلت: 19] .
قال
ابنُ كثيرٍ: (يَقولُ تعالى:
وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ أي: اذكُرْ لهؤلاء المُشرِكينَ يَومَ يُحشَرونَ إلى النَّارِ
يُوزَعُونَ أي: تَجمَعُ الزَّبانيَةُ أوَّلَهم على آخِرِهم، كما قال تعالى:
وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا [مَريم: 86] أي: عِطاشًا)
[3954] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (7/ 170). .
وقال
السَّعديُّ: (أي: يَرِدُ أوَّلُهم على آخِرِهم، ويَتْبَعُ آخِرُهم أوَّلَهم، ويُساقونَ إليها سَوقًا عنيفًا، لا يَستَطيعونَ امتِناعًا، ولا يَنصُرونَ أنفُسَهم، ولا هم يُنصَرونَ)
[3955] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 747). .
2- يُحشَرونَ إلى النَّارِ على وُجوهِهم، لا كما كانوا يَمشونَ في الدُّنيا على أرجُلِهم.
قال اللهُ تعالى:
الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا [الفرقان: 34] .
وعن
أنسِ بنِ مالِكٍ رَضِيَ الله عنه: أنَّ رَجُلًا قال: يا رَسولَ اللهِ، كيفَ يُحشَرُ الكافِرُ على وَجْهِه يَومَ القيامةِ؟ قال:
((أليسَ الذي أمشاه على رِجْلَيه في الدُّنيا قادِرًا على أن يُمشِيَه على وَجْهِه يَومَ القيامةِ؟ قال قتادةُ: بلى وعِزَّةِ رَبِّنا )) [3956] أخرجه البخاري (4760)، ومسلم (2806) واللَّفظُ له. .
قال
القُرطُبيُّ: (
((وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ)) فيه وجهانِ: أحَدُهما: أنَّ ذلك عِبارةٌ عن الإسراعِ بهم إلى جَهَنَّمَ، من قَولِ العَربِ: قَدِمَ القَومُ على وُجوههم: إذا أسرَعوا. الثَّاني: أنَّهم يُسحَبونَ يَومَ القيامةِ على وُجوهِهم إلى جَهَنَّمَ كما يُفعَلُ في الدُّنيا بمَن يُبالَغَ في هَوانِه وتَعذيبِه. وهذا هو الصَّحيحُ؛ لحَديثِ
أنسٍ أنَّ رَجُلًا قال: يا رَسولَ اللهِ، الذينَ يُحشَرونَ على وُجوههم، أيُحشَرُ الكافِرُ على وَجْهِه؟ قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((أليسَ الذي أمشاه على الرِّجْلينِ قادِرًا على أن يُمشِيَه على وَجْهِه يَومَ القيامةِ؟)) قال قتادةُ حينَ بَلَغَه: بلى وعِزَّةِ رَبِّنا. أخرَجَه
البُخاريُّ و
مُسلِمٌ، وحَسْبُك)
[3957] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (10/ 333). .
3- يُحشَرونَ عُمْيًا لا يَرَونَ، وبُكْمًا لا يَتَكَلَّمونَ، وصُمًّا لا يَسمَعونَ.
قال اللهُ سُبحانَه:
وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا [الإسراء: 97] .
قال
القُرطُبيُّ: (
عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا قال
ابنُ عَبَّاسٍ والحَسَنُ: أيْ: عُمْيٌ عَمَّا يُسِرُّهم، بُكمٌ عن التَّكَلُّمِ بحُجَّةٍ، صُمٌّ عَمَّا يَنفَعُهم، وعلى هذا القَولِ حَواسُّهم باقيةٌ على ما كانت عليه. وقيلَ: إنَّهم يُحشَرونَ على الصِّفةِ التي وصَفَهمُ اللهُ بها؛ ليَكونَ ذلك زيادةً في عَذابِهم، ثُمَّ يُخلَقُ ذلك لهم في النَّارِ، فأبصَروا؛ لقَولِه تعالى:
وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا، وتَكَلَّموا؛ لِقَولِه تعالى:
دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا، وسَمِعوا؛ لقَولِه تعالى:
سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا. وقال مُقاتِلُ بن سُلَيمان: إذا قيلَ لهم:
اخْسَؤُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ صاروا عُمْيًا لا يُبصِرونَ، صُمًّا لا يَسمَعونَ، بُكْمًا لا يَفقَهونَ. وقيلَ: عَمُوا حينَ دَخَلوا النَّارَ لشِدَّةِ سَوادِها، وانقَطَعَ كلامُهم حينَ قيلَ لهم:
اخْسَئُوا فِيَها وَلَا تُكَلِّمُونِ. وذَهَبَ الزَّفيرُ والشَّهيقُ بسَمعِهم فلَم يَسمَعوا شَيئًا)
[3958] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (10/ 333). .
4- يُحشَرونَ مَعَ آلِهَتِهمُ الباطِلةِ وأعوانِهم وأتباعِهم.
قال اللهُ عَزَّ وجلَّ:
احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ [الصافات: 22-23] .
قال
ابنُ جَريرٍ: (مَعنى ذلك: اجمَعوا الذينَ كَفَروا باللهِ في الدُّنيا وعَصَوه وأزواجَهم وأشياعَهم على ما كانوا عليه من الكُفرِ بالله وما كانوا يَعبُدونَ من دونِ الله من الآلِهةِ)
[3959] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/ 519). .
وقال
السَّمعانيُّ: (قَولُه:
وَأَزْوَاجَهُمْ أي: وأشباهَهم، وقيلَ: وقُرَناءَهم، ويُقالُ: وأتباعَهم. وقَولُه:
وَمَا كَانُوا يَعبِدونَ من دونِ الله من الأصنامِ، وقَولُه تعالى:
فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِراطِ الْجَحِيمِ أي: أرشِدوهم إلى طَريقِ النَّارِ)
[3960] يُنظر: ((تفسير السمعاني)) (4/ 396). .
وقال اللهُ تعالى:
فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا وَإِنْ مِنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا [مريم: 68-72 ].
قال
ابنُ كثيرٍ: (قَولُه:
فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ أقسمَ الرَّبُّ، تَبارَك وتعالى، بنَفسِه الكَريمةِ، أنَّه لا بُدَّ أن يَحشُرَهم جَميعًا وشياطينَهم الذينَ كانوا يَعبُدونَ من دونِ الله،
ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا. قال العَوفيُّ عن
ابنِ عَباسٍ: يَعني: قُعودًا، كقَولِه:
وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً [الجاثية: 28]... وقَولُه:
ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ يَعني: من كُلِّ أمَّةٍ، قاله مُجاهِدٌ،
أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا. قال
الثَّوريُّ: عن عليِّ بنِ الأقمَرِ، عن أبي الأحوَصِ، عن
ابنِ مَسعودٍ قال: يُحبَسُ الأوَّلُ على الآخِرِ، حَتَّى إذا تَكامَلَتِ العِدَّةُ، أتاهَمُ جَميعًا، ثُمَّ بَدَأ بالأكابِرِ، فالأكابِرِ جُرمًا، وهو قَولُه:
ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا. وقال قتادةُ:
ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا قال: ثُمَّ لنَنزِعَنَّ من أهلِ كُلِّ دِينٍ قادَتَهم ورُؤساءَهم في الشَّرِّ. وكَذا قال ابنُ جُرَيجٍ، وغَيرُ واحِدٍ من السَّلَفِ. وهذا كقَولِه تعالى:
حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ * وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ [الأعراف: 38، 39]. وقَولُه:
ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا "ثُمَّ" هاهنا لعَطفِ الخَبَرِ على الخَبَرِ، والمُرادُ أنَّه تعالى أعلَمُ بمَن يَستَحِقُّ من العِبادِ أن يَصلى بنارِ جَهَنَّمَ ويُخلَّدُ فيها، وبِمَن يَستَحِقُّ تَضعيفَ العَذابِ، كما قال في الآيةِ المُتَقَدِّمةِ:
قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ)
[3961]يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (5/ 251-257). .
5- قَبلَ أن يَصِلوا إلى النَّارِ تَصِلُ إلى مَسامِعِهم أصَواتُها التي تَملَأ قُلوبَهم رُعبًا وهَلَعًا.
قال اللهُ سُبحانَه:
إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا [الفرقان: 12].
قال
ابنُ جَريرٍ: (
إذا رَأتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعيدٍ يَقولُ: إذا رَأتْ هذه النَّارُ التي أعتَدْناها لهؤلاء المُكَذِّبينَ أشخاصَهم من مَكانٍ بَعيدٍ، تَغَيَّظتْ عليهم؛ وذلك أن تَغلِيَ وتَفورَ. يُقالُ: فلانٌ تَغَيَّظَ على فُلانٍ: وذلك إذا غَضِبَ عليه فغَلى صَدرُه من الغَضَبِ عليه، وتَبَينَ في كلامِه. وزَفيرًا، وهو صَوتُها. فإنْ قال قائِلٌ: وكَيفَ قيلَ:
سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا والتَّغَيُّظُ: لا يُسمَعُ؟ قيلَ: مَعنى ذلك: سَمِعوا لها صَوتَ التَّغَيُّظِ، من التَّلَهُّبِ والتَّوَقُّدِ)
[3962] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/ 408). .
6- عِندَما يَبلُغونَ النَّارَ ويُعاينونَ أهوالَها يَندَمونَ ويَتَمَنَّونَ العَودةَ إلى الدُّنيا كي يُؤمِنوا.
قال اللهُ عَزَّ وجلَّ:
وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الأنعام: 27] .
قال
ابنُ القَيِّمِ: (مَعنى الآيةِ -والله أعلَمُ بما أرادَ من كلامِه-: أنَّ هؤلاء المُشرِكينَ لَمَّا وُقِفوا على النَّارِ، وعاينوها وعَلِموا أنَّهم داخِلوها، تَمَنَّوا أنَّهم يُرَدُّونَ إلى الدُّنيا فيُؤمِنونَ بالله وآياتِه، ولا يَعودونَ إلى تَكذيبِ رُسُلِه)
[3963] يُنظر: ((التفسير القيم)) (ص: 241). .
وقال
ابنُ كثيرٍ: (يَذكُرُ تعالى حالَ الكُفَّارِ إذا وُقِفوا يَومَ القيامةِ على النَّارِ، وشاهدوا ما فيها من السَّلاسِلِ والأغلالِ، ورَأوا بأعيُنِهم تلك الأمورَ العِظامَ والأهوالَ، فعِندَ ذلك قالوا
يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يَتَمَنَّونَ أن يُرَدُّوا إلى الدَّارِ الدُّنيا، ليَعمَلوا عَمَلًا صالِحًا، ولا يُكذِّبوا بآياتِ رَبِّهم ويَكُونوا من المُؤمِنينَ)
[3964] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (3/ 248). .
ولَكِنَّهم لا يَجِدونَ من النَّارِ مَفَرًّا، كما قال اللهُ سُبحانَه:
وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُم مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا [الكهف: 53] .
قال
ابنُ جَريرٍ: (قَولُه:
ورَأى المُجرِمونَ النَّارَ يَقولُ: وعاينَ المُشْرِكونَ النَّارَ يومَئِذٍ
فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوهَا يَقولُ: فعَلِموا أنَّهم داخِلوها... وقَولُه:
وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا يَقولُ: ولَم يَجِدوا عن النَّارِ التي رَأوا مَعْدِلًا يَعدِلونَ عنها إليه. يَقولُ: لَم يَجِدوا من مُواقَعَتِها بُدًّا؛ لأنَّ الله قد حَتَمَ عليهم ذلك)
[3965] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/ 299). .
وقال
السَّعديُّ: (أي: لَمَّا كان يَومُ القيامةِ وحَصَلَ من الحِسابِ ما حَصَلَ، وتَمَيَّز كُلُّ فريقٍ من الخَلقِ بأعمالِهم، وحَقَّتْ كلِمةُ العَذابِ على المُجرِمينَ، فرَأوا جَهَنَّمَ قَبلَ دُخولِها، فانزَعَجوا واشتَدَّ قَلقُهم لظَنِّهم أنَّهم مُواقِعوها، وهذا الظَّنُّ قال المُفَسِّرونَ: إنَّه بمَعنى اليَقينِ، فأيقَنوا أنَّهم داخِلوها
وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا أي: مَعْدِلًا يَعدِلونَ إليه، ولا شافِعَ لهم من دونِ إذْنِه، وفي هذا من التَّخويفِ والتَّرهيبِ ما تَرعَدُ له الأفئِدةُ والقُلوبُ)
[3966] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 480). .
7- يُؤمَرونَ بالدُّخولِ في النَّارِ وغَضبِ الجَبَّارِ أذلَّاءَ خاسِرينَ.
قال اللهُ تعالى:
فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ [النحل: 29] .
قال
ابنُ جَريرٍ: (يَقولُ تعالى ذِكرُه، يَقولُ لهؤلاء الظَّلَمةِ أنفُسَهم حينَ يَقولونَ لرَبهم: ما كُنَّا نَعمَلُ من سوءٍ: ادخُلوا أبوابَ جَهنَّمَ، يَعني: طَبَقاتِ جَهَنَّمَ
خَالِدينَ فيها يَعني: ماكثينَ فيها،
فلَبِئْسَ مَثوى المُتَكَبِّرينَ يَقولُ: فلَبِئْسَ مَنزِلُ من تَكبَّرَ على الله، ولَم يُقِرَّ برَبوبيَّتِه، ويُصَدِّقْ بوَحدانيَّتِه «جَهَنَّمُ»!)
[3967] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (14/ 209). .
وقال
السَّعديُّ: (
فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ كُلُّ أهلِ عَمَلٍ يَدخُلونَ من البابِ اللائِقِ بحالِهم،
فلَبِئْسَ مَثوى المُتَكَبِّرينَ نارُ جَهَنَّمَ؛ فإنَّها مَثوى الحَسرةِ والنَّدَمِ، ومَنزِلُ الشَّقاءِ والألمِ، ومَحَلُّ الهمومِ والغُمومِ، ومَوضِعُ السَّخطِ من الحَيِّ القَيُّومِ، لا يُفتَّرُ عنهم من عَذابِها، ولا يُرفَعُ عنهم يَومًا من أليمِ عِقابِها، قد أعرَضَ عنهمُ الرَّبُّ الرَّحيمُ، وأذاقَهمُ العَذابَ العَظيمَ)
[3968] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 439). .