المَطْلَبُ الثَّاني: الشِّركُ في الأُلوهيَّةِ
اللهُ تعالى وَحْدَه هو المعبودُ بحَقٍّ، وما سِواه من المعبوداتِ كُلِّها باطِلٌ لا يستحِقُّ أيَّ شَيءٍ مِن العبادةِ.
فمن اعتقد غيرَ هذا، أو قال قولًا، أو فعل فِعلًا، ينافي هذا المعنى، أو أنكر حَقَّ اللهِ تعالى في أُلوهِيَّتِه، أو انتَقَص شيئًا منه، أو صَرَف شيئًا منه لغيرِه؛ فقد كفر وارتدَّ عن الإسلامِ.
فأكثَرُ الأُمَمِ السَّابقةِ، وأكثَرُ النَّاسِ في الإسلامِ وَقَعوا في الشِّركِ أو الكُفرِ في توحيدِ الأُلوهيَّةِ؛ لأنَّهم لم يكونوا يُنكِرون رُبوبيَّةَ اللهِ تعالى، بل أقرُّوا بأنَّ اللهَ تعالى هو الرَّبُّ والخالِقُ والرَّازِقُ والمحْيي والمُميتُ، ولكِنَّهم صَرَفوا شيئًا من العبادةِ لغيرِ اللهِ تعالى؛ فجَعَلهم اللهُ في عِدادِ الكافِرين بإشراكِهم غَيْرَه في العبادةِ.
قال اللهُ تعالى:
وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ [يوسف: 106] .
عن مجاهِدٍ في قَولِه تعالى:
وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ [يوسف: 106] قال: (إيمانُهم قَولُهم: اللهُ خالِقُنا ويَرزُقُنا ويُميتُنا)
[1706] أخرجه الطبري في ((التفسير)) (19962). .
وعن عطاءٍ في قَولِه:
وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ [يوسف: 106] قال: (كانوا يَعلَمون أنَّ اللهَ رَبُّهم، وهو خالِقُهم، وهو رازِقُهم، وكانوا مع ذلك مُشرِكين)
[1707] أخرجه سعيد بن منصور في ((السنن)) (1146). .
وعن قتادةَ في قَولِه:
فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ [العنكبوت: 65] قال: (الخَلقُ كُلُّهم يُقِرُّون لله أنَّه رَبُّهم، ثمَّ يُشرِكون بعد ذلك)
[1708] أخرجه الطبري في ((التفسير)) (27860). .
قال
الشِّنقيطيُّ: (قال
ابنُ عَبَّاسٍ، والحَسَنُ، ومجاهِدٌ، وعامِرٌ الشَّعبيُّ، وأكثرُ المفَسِّرين: إنَّ معنى هذه الآيةِ أنَّ أكثَرَ النَّاسِ، وهم الكُفَّارُ، ما كانوا يؤمنون بالله بتوحيدِهم له في رُبوبيَّتِه إلَّا وهم مُشرِكون به غيرَه في عبادتِه. فالمرادُ بإيمانِهم اعترافُهم بأنَّه رَبُّهم الذي هو خالقُهم، ومُدَبِّرُ شُؤونِهم، والمرادُ بشِرْكِهم عبادتُهم غيرَه معه)
[1709] يُنظر: ((أضواء البيان)) (2/218). .
وعبادةُ اللهِ تعالى وَحْدَه لا شريكَ له هي غايةُ الخالِقِ جَلَّ جَلالُه من خَلْقِ عِبادِه.
قال اللهُ تعالى:
وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: 56].
عن
ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله عنهما قال: (إلَّا ليُقرُّوا بالعبوديَّة طوعًا وكَرهًا)
[1710] أخرجه الطبري في ((التفسير)) (22/ 444). .
وعن أبي العاليةِ قال: (أُسِّسَ الدِّينُ على الإخلاصِ للهِ وَحْدَه لا شَريكَ له)
[1711] أخرجه ابن أبي حاتم في ((التفسير)) (12439). .
وقال ابنُ عَطِيَّةَ: (معنى قَولِه:
وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: 56] أي: لآمُرَهم بالعبادةِ، وأوجِبَها عليهم، فعَبَّرَ عن ذلك بثمَرةِ الأمرِ ومُقتَضاه)
[1712] يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (3/ 216). .
وقال
ابنُ تَيميَّةَ: (التَّوحيدُ الذي هو أصلُ الإسلامِ، وهو دينُ اللهِ الذي بَعَث به جميعَ رُسُلِه، وله خَلَقَ الخَلْقَ، وهو حَقُّه على عبادِه: أن يَعبُدوه، ولا يُشرِكوا به شيئًا)
[1713] يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (4/ 133). .
وقال
محمَّدُ بنُ عبدِ الوَهَّابِ: (اعلَمْ -أرشدك اللهُ لطاعتِه- أنَّ الحَنيفيَّةَ مِلَّةَ إبراهيمَ: أن تَعبُدَ اللهَ وَحْدَه مخلِصًا له الدِّينَ، وبذلك أمَرَ اللهُ جميعَ النَّاسِ، وخلَقَهم لها، كما قال تعالى:
وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: 56] ومعنى يعبُدونِ: يوحِّدونِ. وأعظَمُ ما أمر اللهُ به التَّوحيدُ، وهو إفرادُ اللهِ بالعبادةِ، وأعظَمُ ما نهى عنه الشِّركُ، وهو دعوةُ غيرِه معه، والدَّليلُ قَولُه تعالى:
وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا [النساء: 36] )
[1714] يُنظر: ((ثلاثة الأصول وأدلتها)) (ص: 8). .
وقال
الشَّوكانيُّ: (لم يَبعَثِ اللهُ سُبحانَه رُسُلَه، ولا أنزل عليهم كُتُبَه إلا لإخلاصِ توحيدِه، وإفرادِه بالعبادةِ)
[1715] يُنظر: ((الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني)) (1/ 173). .
وقال
ابنُ باز: (إنَّ اللهَ جَلَّ وعلا خَلَق الخَلْقَ ليَعبُدوه، وأرسل الرُّسُلَ وأنزل الكُتُبَ لهذه الحِكمةِ العَظيمةِ، لدعوةِ النَّاسِ إلى عبادةِ اللهِ، وبيانِها لهم، وإيضاحِها لهم؛ قال تعالى:
وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ [الذاريات: 56-58]، وقال سُبحانَه:
يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة: 21] ، وقال تعالى:
وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل: 36] )
[1716] يُنظر: ((مجموع فتاوى ابن باز)) (23/ 246). .
وقال أيضًا: (أساسُ المِلَّةِ وأساسُ الدِّينِ في شريعةِ كُلِّ رَسولٍ: توحيدُ اللهِ والإخلاصُ له؛ فتوحيدُ اللهِ والإخلاصُ هو دينُ جميعِ المُرسَلين، وهو محَلُّ دَعوتِهم جميعًا، وزُبدةُ رسالتِهم عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ)
[1717] يُنظر: ((مجموع فتاوى ابن باز)) (2/ 62). .
وقال
ابنُ عثيمين: (اللهُ سُبحانَه وتعالى خَلَق
الجِنَّ والإنسَ لحِكمةٍ عَظيمةٍ وغايةٍ حميدةٍ، وهي عبادتُه تبارك وتعالى، كما قال سُبحانَه وتعالى:
وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ، وقال تعالى:
أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ، وقال تعالى:
أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى إلى غير ذلك من الآياتِ الدَّالَّةِ على أنَّ لله تعالى حِكمةً بالغةً مِن خَلْقِ
الجِنِّ والإنسِ، وهي عبادتُه، والعبادةُ هي: التذَلُّلُ لله عزَّ وجَلَّ محبَّةً وتعظيمًا بفِعلِ أوامِرِه واجتنابِ نواهيه على الوَجهِ الذي جاءت به شرائِعُه. قال اللهُ تعالى:
وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ)
[1718] يُنظر: ((مجموع فتاوى ابن عثيمين)) (1/ 87). .
وقال اللهُ سُبحانَه:
وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ [البقرة: 165] .
قال
ابنُ القيِّم: (أخبَرَ أنَّ مَن أحَبَّ مِن دونِ اللهِ شَيئًا كما يحِبُّ اللهُ تعالى، فهو ممَّن اتَّخذ من دونِ اللهِ أندادًا، فهذا نِدٌّ في المحبَّةِ لا في الخَلْقِ والرُّبوبيَّةِ؛ فإنَّ أحدًا من أهلِ الأرضِ لم يُثبِتْ هذا النِّدَّ في الرُّبوبيَّةِ، بخلافِ نِدِّ المحبَّةِ؛ فإنَّ أكثَرَ أهلِ الأرضِ قد اتَّخَذوا من دونِ اللهِ أندادًا في الحُبِّ والتعظيمِ)
[1719] يُنظر: ((مدارج السالكين)) (3/21). .
وقال
ابنُ كثير: (لحُبِّهم لله وتمامِ مَعرِفَتِهم به، وتوقيرِهم وتوحيدِهم له، لا يُشرِكون به شيئًا، بل يَعبُدونَه وَحْدَه ويتوكَّلون عليه، ويَلجَؤون في جميعِ أمورِهم إليه)
[1720] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (1/ 476). .
وقال اللهُ عَزَّ وجَلَّ:
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ * فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة: 21-22] .
قال
ابنُ جريرٍ في تفسيرِ قَولِه تعالى:
فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أندادًا [البقرة: 22] (الأندادُ: جمعُ نِدٍّ، والنِّدُّ: العِدْلُ والمِثْلُ... وكُلُّ شَيءٍ كان نظيرَ الشَّيءِ وشَبيهًا، فهو له نِدٌّ)
[1721] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (1/ 390). .
وقال اللهُ تعالى:
مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ [يوسف: 40] .
قال
ابنُ جريرٍ: (يقولُ: وهو الذي أمَرَ ألَّا تَعبُدوا أنتم وجميعُ خَلْقِه إلَّا اللهَ الذي له الألوهةُ والعِبادةُ خالِصةً دونَ كُلِّ ما سِواه من الأشياءِ)
[1722] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/165). .
وقال
ابنُ كثيرٍ: (أخبَرَهم أنَّ الحُكمَ والتصَرُّفَ والمشيئةَ والمُلكَ كُلَّه للهِ، وقد أمَرَ عبادهَ قاطِبةً ألَّا يَعبُدوا إلَّا إيَّاه، ثمَّ قال:
ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ أي: هذا الذي أدعوكم إليه من توحيدِ اللهِ، وإخلاصِ العَمَلِ له، هو الدِّينُ المستقيمُ، الذي أمَرَ اللهُ به وأنزل به الحُجَّةَ والبُرهانَ الذي يحبُّه ويَرْضاه،
وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ أي: فلهذا كان أكثَرُهم مُشرِكين)
[1723] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (4/390). .
ومن الأمثلةِ على نواقِضِ الإيمانِ في توحيدِ الأُلوهيَّةِ والعِبادةِ:- عبادةُ أحَدٍ مع اللهِ، أو دونَ اللهِ، أو يُدعَى مع اللهِ تعالى، وأن يُستغاثَ بغَيرِه سُبحانَه؛ في جَلْبِ خَيرٍ، أو دَفعِ ضُرٍّ، أو أن يُتوكَّلَ عليه، أو يُستعاذَ به، أو يُخافَ منه، أو يُرجى، أو يُخضَعَ له، أو يُتقَرَّبَ إليه بأيِّ نوعٍ مِن أنواعِ العبادةِ، أو يُطاعَ الطَّاعةَ المُطْلَقةَ، أو يُحَبَّ كحُبِّ اللهِ تبارك وتعالى، أو يُعَظَّمَ كتعظيمِ اللهِ تعالى؛ سواءٌ كان هذا المعظَّمُ أو المدعوُّ مَلِكًا، أو نبيًّا، أو وَلِيًّا، أو قبرًا، أو حَجَرًا، أو شَجَرًا.
- الركوعُ، والسُّجودُ، والصَّومُ، والطَّوافُ، والذَّبحُ، والنَّذرُ، والخشوعُ لغيرِ اللهِ تعالى.
- الطَّاعةُ والانقيادُ لغيرِ الله تعالى، وامتثالُ أوامِرِه واجتنابُ نواهيه.
- الاعتقادُ بأنَّ لشَخصٍ حَقَّ تشريعِ ما لم يأذَنْ به اللهُ تعالى؛ من التحليلِ والتحريمِ وسَنِّ القوانينِ.
- الاعتقادُ بأنَّ شَرْعَ الله تعالى لا يَصلُحُ في هذا الزَّمانِ.
فيَكفُرُ من أتى شيئًا من هذه النَّواقضِ، أو رَضِيَ بها، إلى غيرِ ذلك من النَّواقِضِ التي تخصُّ توحيدَ العبادةِ
[1724] يُنظر: ((الإيمان حقيقته خوارمه نواقضه عند أهل السنة)) لعبد الله الأثري (ص: 170). .
قال
الرَّازي في تفسيرِ قَولِ اللهِ تعالى:
وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ [يونس: 18] : (إنَّهم وَضَعوا هذه الأصنامَ والأوثانَ على صُوَرِ أنبيائِهم وأكابِرِهم، وزَعَموا أنَّهم متى اشتَغَلوا بعبادةِ هذه التماثيلِ فإنَّ أولئك الأكابِرَ تكونُ شُفَعاءَ لهم عند الله تعالى، ونظيرُه في هذا الزَّمانِ اشتِغالُ كثيرٍ مِن الخَلقِ بتعظيمِ قُبورِ الأكابِرِ، على اعتقادِ أنَّهم إذا عَظَّموا قبورَهم فإنَّهم يكونون شُفَعاءَ لهم عند اللهِ!)
[1725] يُنظر: ((مفاتح الغيب)) (17/ 227). .
وقال
ابنُ عبد الهادي في رَدِّه على
السُّبكي: (قَولُه: إنَّ المبالغةَ في تعظيمِه أي: النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم واجِبةٌ.
أيريدُ بها المبالغةَ بحَسَبِ ما يراه كُلُّ أحدٍ تعظيمًا، حتى الحَجُّ إلى قَبْرِه، والسُّجودُ له، والطَّوافُ به، واعتقادُ أنَّه يَعلَمُ الغَيبَ، وأنَّه يعطي ويمنعُ، ويملِكُ لمن استغاث به من دونِ اللهِ الضَّرَّ والنَّفعَ، وأنَّه يقضي حوائِجَ السَّائلين، ويفَرِّجُ كُرُباتِ المكروبين، وأنَّه يشفَعُ فيمن يشاء، ويُدخِلُ الجنَّةَ من يشاءُ؟! فدعوى وجوبِ المبالغةِ في هذا التعظيمِ مُبالغةٌ في الشِّركِ، وانسِلاخٌ من جملةِ الدِّينِ)
[1726] يُنظر: ((الصارم المنكي في الرد على السبكي)) (ص: 346). .
وقال صنع الله الحلبي الحنفي عن القُبوريِّين: (وأمَّا قَولُهم: ويستغاثُ بالأولياءِ في الشَّدائِدِ والبَلِيَّاتِ، وبهِمَمِهم تنكَشِفُ المُهِمَّاتُ، فهذا أقبَحُ مما قَبْلَه وأبدَعُ، وأفظَعُ في الأسماعِ وأشنَعُ؛ لمصادرتِه قَولَه جَلَّ ذِكْرُه:
أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ [النمل: 62] ،
قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ [الزمر: 38] ،
وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الأنعام: 17] ، وما هو نحوُ ذلك من الآياتِ؛ فإنَّه جَلَّ ذِكْرُه قَرَّر أنَّه الكاشِفُ للضُّرِّ لا غَيرُه، وأنَّه المتعَيِّنُ لكشَفِ الشَّدائدِ والكُرَبِ، وأنَّه المنفَرِدُ لإجابةِ دُعاءِ المُضطرِّين لا غيرُه، وأنَّه المستغاثُ لذلك كُلِّه، وأنَّه القادِرُ على إيصالِ الخيرِ، فهو المنفَرِدُ بذلك، فإذا تعَيَّن هو جَلَّ ذِكْرُه خرج غيرُه مِن مَلَكٍ ونبيٍّ ووَلِيٍّ وغَيرِه... فمن اعتقد أنَّ لغيرِ اللهِ مِن نبيٍّ أو وليٍّ أو روحٍ أو غيرِ ذلك، في كَشفِ كُربةٍ أو قضاءِ حاجة- تأثيرًا، فقد وقع في وادي جَهلٍ خطيرٍ، فهو على شَفا حُفرةٍ مِنَ السَّعيرِ... فإنَّ ذِكرَ ما ليس من شأنِه النَّفعُ ولا دَفْعُ الضُّرِّ من نبيٍّ وملَكٍ ووليٍّ وغيرِهم على وَجهِ الإمدادِ منه: إشراكٌ مع اللهِ؛ إذ لا قادِرَ على الدَّفعِ غَيرُه، لا خيرَ إلَّا خَيْرُه)
[1727] يُنظر: ((سيف الله على من كذب على أولياء الله)) (ص: 46-59). .
وقال المعصومي الخجندي عن القُبورِ التي جُعِلَت أوثانًا تُعبَدُ مِن دونِ اللهِ: (لا يكونُ إيمانُ العَبدِ صَحيحًا حتى يَكفُرَ بهذه كُلِّها، ويؤمِنَ باللهِ وَحْدَه، وهذا معنى قَولِه تعالى:
فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا [البقرة: 256] ، وهذا معنى «لا إلهَ إلَّا اللهُ»، فتنفي الآلهةَ كُلَّها من كُلِّ الوُجوهِ، وتُثبِتُ الإلهَ الحَقَّ الواحِدَ الأحَدَ الصَّمَدَ الذي لم يلِدْ ولم يولَدْ ولم يكُنْ له كُفُوًا أحَدٌ، فهذا التوحيدُ الخالِصُ إنما هو مِفتاحُ الجنَّةِ بلا رَيبٍ ولا شُبهةٍ... فقائِلُ: لا إلهَ إلَّا اللهُ، يجِبُ عليه أن يستَمِرَّ عليه وعلى مُوجِبِه، وألَّا يُبطِلَه بما ينافيه من الشِّركِ واتخاذِ الأندادِ واعتِقادِ التصَرُّفِ الغَيبيٍّ لغَيرِ اللهِ، وإلَّا بَطَل، ولا تبقى له منفعةٌ... فلا بدَّ من الاستمرارِ على التوحيدِ، وعلى كُلِّ ما يقتضيه التوحيدُ، ولا بُدَّ من الكُفرِ بالطَّاغوتِ، وكُلِّ آلهةٍ دونَ اللهِ)
[1728] يُنظر: ((مفتاح الجنة لا إله إلا الله)) (ص: 34-36). .