المَبحَثُ الثَّامِنُ: من أقَرَّ بنُبُوَّةِ بَعْضِ الأنبياءِ دونَ بَعْضٍ
جميعُ الرُّسُلِ مُتَّفِقون في أصلِ الدِّينِ.قال اللهُ تعالى:
شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ [الشورى: 13] .
قال
الشَّوكانيُّ: (الخِطابُ في قَولِه:
شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ لأُمَّة مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أي: بَيَّن وأوضَحَ لكم من الدِّينِ ما وَصَّى به نوحًا من التَّوحيدِ ودينِ الإسلامِ وأُصولِ الشَّرائعِ التي لم يختَلِفْ فيها الرُّسُلُ، وتوافقت عليها الكُتُبُ، والذي أوحينا إليك من القُرآنِ، وشرائِعِ الإسلامِ، والبراءةِ مِن الشِّركِ)
[2264] يُنظر: ((تفسير الشوكاني)) (4/ 607). .
فكُلُّهم قد بُعِثُوا بعبادةِ اللهِ وَحْدَه.قال اللهُ تعالى:
وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ [النحل: 36] .
قال
ابنُ عثيمين: (أعظَمُ ما دعا إليه الرُّسُلُ مِن أوَّلِهم نوحٍ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ إلى آخِرِهم مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: التَّوحيدُ، كما قال اللهُ تعالى:
وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل: 36] ، وقال عَزَّ وجَلَّ:
وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء: 25] )
[2265] يُنظر: ((مجموع فتاوى ابن عثيمين)) (6/ 150). .
فوَجَب الإيمانُ بهم جميعًا دون تفريقٍ.قال اللهُ تعالى:
آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ [البقرة: 285] .
قال
ابنُ جريرٍ: (يُصَدِّقون بجَميعِهم، ويُقِرُّون أنَّ ما جاؤوا به كان من عندِ اللهِ، وأنَّهم دَعَوا إلى اللهِ وإلى طاعتِه، ويخالِفون في فِعْلِهم ذلك اليهودَ الذين أقَرُّوا بموسى وكَذَّبوا عيسى، والنَّصارى الذين أقرُّوا بموسى وعيسى وكَذَّبوا بمُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وجَحَدوا نُبُوَّتَه، ومن أشبَهَهم من الأُمَمِ الذين كَذَّبوا بَعْضَ رُسُلِ اللهِ، وأقَرُّوا ببَعْضِه)
[2266] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (5/ 150). .
فمن كَذَّب وكَفَر بنَبيٍّ واحدٍ فقد كَذَب وكَفَر بسائِرِ الأنبياءِ.قال اللهُ تعالى عن قَومِ نوحٍ:
كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ [الشعراء: 105] .
وقال اللهُ سُبحانَه:
وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ [الفرقان: 37] .
وهم إنَّما كَذَّبوا وكَفَروا بنوحٍ عليه السَّلامُ، لكِنْ لَمَّا كان تكذيبُ نبيٍّ واحدٍ والكُفْرُ به بمثابةِ مَن كَذَّب وكَفَر بسائِرِ الأنبياءِ؛ قال تعالى عنهم:
كَذَّبُوا الرُّسُلَ [الفرقان: 37] ، وقال تعالى أيضًا:
كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ [الشعراء: 123] [2267] يُنظر: ((أضواء البيان)) للشنقيطي (7/ 484). .
وعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((أنا أولى النَّاس بعيسى بنِ مَريمَ في الأُولى والآخِرةِ. قالوا: كيف يا رَسولَ اللهِ؟ قال: الأنبياءُ إخوةٌ مِن عَلَّاتٍ، وأمَّهاتُهم شَتَّى، ودِينُهُم واحِدٌ؛ فليس بيننا نبيٌّ )) [2268] أخرجه البخاري (3443)، ومسلم (2365) واللَّفظُ له. فأخبَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ الأنبياءَ دينُهم واحِدٌ، مُتَّفِقون في أصلِ دينِهم ورسالتِهم، وهو التَّوحيدُ، فمن كفر بواحدٍ منهم فقد كَفَر بالجميعِ
[2269] يُنظر: ((المسائل العقدية التي حكى فيها ابن تيمية الإجماع)) لمجموعة مؤلفين (ص: 783). .
وقال اللهُ سُبحانَه:
إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكافِرينَ عَذَابًا مُّهِينًا [النساء: 150-151] .
قال
ابنُ جريرٍ: (يعني بذلك جَلَّ ثناؤه:
إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ من اليهودِ والنَّصارى
وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ بأن يُكَذِّبوا رُسُلَ اللهِ الذين أرسَلهم إلى خَلْقِه بوَحْيِه، ويَزعُمون أنَّهم افتَرَوا على ربِّهم، وذلك هو معنى إرادتِهم التفريقَ بين اللهِ ورُسُلِه، بنِحْلَتِهم إيَّاهم الكَذِبَ والفِريةَ على اللهِ، وادِّعائِهم عليهم الأباطيلَ
وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ يعني أنَّهم يقولون: نُصَدِّقُ بهذا ونُكَذِّبُ بهذا، كما فعلَتِ اليهودُ من تكذيبِهم عيسى ومُحَمَّدًا صلَّى اللهُ عليهما وسلَّم، وتصديقِهم بموسى وسائِرِ الأنبياءِ قَبْلَه بزَعْمِهم، وكما فعَلَت النَّصارى من تكذيبِهم مُحَمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وتصديقِهم بعيسى وسائِرِ الأنبياءِ قَبْلَه بزَعْمِهم
وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا يقولُ: ويريدُ المفَرِّقون بين اللهِ ورُسُلِه، الزَّاعمون أنَّهم يؤمِنونَ ببَعضٍ ويَكفُرونَ ببَعضٍ أن يتَّخِذوا بين أضعافِ قَولِهم: نؤمِنُ ببعضِ الأنبياءِ ونكفُرُ ببعضٍ،
سَبِيلًا: يعني طريقًا إلى الضَّلالةِ التي أحدَثوها والبِدْعةِ التي ابتَدَعوها، يَدْعون أهلَ الجَهْلِ من النَّاسِ إليه، فقال جَلَّ ثناؤه لعبادِه، مُنَبِّهًا لهم على ضلالتِهم وكُفْرِهم:
أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا يقولُ: أيُّها النَّاسُ، هؤلاء الذين وصَفْتُ لكم صِفَتَهم هم أهلُ الكُفْرِ بي المستَحِقُّون عذابي والخُلودَ في ناري حَقًّا؛ فاستَيقِنوا ذلك، ولا يُشَكِّكَنَّكم في أمْرِهم انتحالُهم الكَذِبَ ودَعواهم أنَّهم يُقِرُّون بما زعموا أنَّهم به مُقِرُّون من الكُتُبِ والرُّسُلِ؛ فإنَّهم في دعواهم ما ادَّعوا من ذلك كَذَبةٌ؛ وذلك أنَّ المؤمِنَ بالكُتُبِ والرُّسُلِ هو المصَدِّقُ بجميعِ ما في الكِتابِ، الذي يزعُمُ أنَّه به مُصَدِّقٌ وبما جاء به الرَّسولُ الذي يزعُمُ أنَّه به مؤمِنٌ، فأمَّا من صَدَّق ببَعضِ ذلك وكَذَّب ببعضٍ، فهو لنُبُوَّةِ من كَذَّب ببعضِ ما جاء به جاحِدٌ، ومن جحد نُبُوَّةَ نبيٍّ فهو به مُكَذِّبٌ، وهؤلاء الذين جَحَدوا نُبُوَّةَ بَعْضِ الأنبياءِ وزَعَموا أنَّهم مُصَدِّقون ببعضٍ، مُكَذِّبون من زَعَموا أنَّهم به مُؤمِنون؛ لِتَكذيبِهم ببعضِ ما جاءهم به من عندِ رَبِّهم؛ فهم باللهِ وبرُسُلِه الذين يَزعُمون أنَّهم بهم مُصَدِّقون، والذين يَزعُمون أنَّهم بهم مُكَذِّبون: كافِرُون، فهم الجاحِدونَ وحدانيَّةَ اللهِ ونُبُوَّةَ أنبيائِه حَقَّ الجُحودِ، المكَذِّبون بذلك حَقَّ التكذيبِ)
[2270] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/ 634 - 636). .
وقال
ابنُ بطة: (الإيمانُ والتصديقُ بجميعِ ما جاءت به الرُّسُلُ من عند اللهِ وبجميعِ ما قال اللهُ عَزَّ وجَلَّ: فهو حَقٌّ لازمٌ، فلو أنَّ رَجُلًا آمن بجميعِ ما جاءت به الرُّسُلُ إلَّا شيئًا واحدًا، كان بِرَدِّ ذلك الشَّيءِ كافِرًا عند جميعِ العُلَماءِ)
[2271] يُنظر: ((الشرح والإبانة)) (ص: 232). .
وقال
السَّمعانيُّ: (
أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا إنَّما حَقَّق كُفْرَهم؛ ليُعلَمَ أنَّهم كُفَّارٌ مُطلقًا؛ لئلَّا يَظُنَّ ظانٌّ أنَّهم لَمَّا آمنوا باللهِ وبَعضِ الرُّسُلِ لا يكونُ كُفْرُهم مُطلَقًا)
[2272] يُنظر: ((تفسير السمعاني)) (1/497). .
وقال
ابنُ تَيميَّةَ: (المُسلِمون آمَنوا بهم أي: بالأنبياءِ كُلِّهم، ولم يُفَرِّقوا بين أحدٍ منهم؛ فإنَّ الإيمانَ بجميعِ النَّبيِّيِن فَرضٌ واجِبٌ، ومن كَفَر بواحدٍ منهم فقد كَفَر بهم كُلِّهم)
[2273] يُنظر: ((الصفدية)) (2/311). .
وقال أيضًا: (المُسلِمون متَّفِقون على كُفرِ من أقَرَّ بنُبُوَّةِ بَعْضِهم دونَ بَعضٍ)
[2274] يُنظر: ((منهاج السنة)) (6/433). .
وقال
ابنُ كثير: (من كَفَر بنبيٍّ من الأنبياءِ فقد كفر بسائرِ الأنبياء؛ فإنَّ الإيمانَ واجِبٌ بكُلِّ نبيٍّ بعثه اللهُ إلى أهلِ الأرضِ، فمن ردَّ نُبُوَّتَه للحَسَدِ أو العَصَبيَّةِ أو التشَهِّي، تبَيَّنَ أنَّ إيمانَه بمن آمن به من الأنبياءِ ليس إيمانًا شرعيًّا، إنَّما هو عن غَرَضٍ وهوًى وعَصَبيَّةٍ؛ ولهذا قال تعالى:
إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ فوسَمَهم بأنَّهم كُفَّارٌ باللهِ ورُسُلِه، أي:
وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ في الإيمانِ
وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا أي: طريقًا ومَسلَكًا، ثم أخبَرَ تعالى عنهم فقال:
أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا أي: كُفْرُهم مُحَقَّقٌ لا محالةَ بمن ادَّعَوا الإيمانَ به؛ لأنَّه ليس شرعيًّا؛ إذ لو كانوا مؤمنين به لكونِه رَسولَ اللهِ، لآمنوا بنظيرِه، وبمن هو أوضَحُ دليلًا، وأقوى بُرهانًا منه، أو نَظَروا حَقَّ النَّظَرِ في نُبُوَّتِه)
[2275] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (2/445). .
وقال أيضًا: (من كَذَّب برَسولٍ فقد كَذَّب بجميعِ الرُّسُلِ؛ إذ لا فَرْقَ بين رَسولٍ ورَسولٍ، ولو فُرِضَ أنَّ اللهَ بَعَث إليهم كُلَّ رَسولٍ، فإنَّهم كانوا يُكَذِّبونَه؛ ولهذا قال:
وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ، ولم يُبعَثْ إليهم إلَّا نوحٌ فقط)
[2276] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (6/ 110). .
وقال
مُحَمَّد رشيد رضا: (أي: يؤمِنون باللهِ ولا يُؤمِنون برُسُلِه، وهم فريقان: منهم من لا يؤمِنُ بأحدٍ من الرُّسُلِ؛ لإنكارِهم الوَحْيَ، وزَعْمِهم أنَّ الأنبياءَ عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ قد أتَوا بما أتوا به من الهدى والشَّرائِعِ من عند أنفُسِهم، وأكثَرُ كُفَّارِ هذا العَصرِ مِن هذا الفريقِ، ومنهم من يؤمِنُ ببعضِ الرُّسُلِ دونَ بعضٍ، بل يقولون ذلك بأفواهِهم ويَدَّعونَه بألسِنَتِهم، كقَولِ اليهودِ: نؤمِنُ بموسى ونَكفُرُ بعيسى ومُحَمَّدٍ. وإن لم يُسَمُّوهما رسولَينِ
وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا أي: طريقًا بين الإيمانِ باللهِ ورُسُلِه بفَصْلِ أحَدِهما عن الآخَرِ)
[2277] يُنظر: ((تفسير المنار)) (6/8). .
وقال
الشِّنقيطيُّ: (من كَذَّب رَسولًا واحِدًا فقد كَذَّب جميعَ المرسلين، ومن كذَّب نذيرًا واحدًا فقد كَذَّب جميعَ النُّذُرِ؛ لأنَّ أصلَ دَعوةِ جميعِ الرُّسُلِ واحدةٌ، وهي مَضمونُ لا إلهَ إلَّا اللهَ، كما أوضحه تعالى بقَولِه:
وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل: 36] ، وقَولِه تعالى
وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء: 25] ، وقَولِه تعالى:
وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ [الزخرف: 45] ، وأوضَحَ تعالى أنَّ من كَذَّب بَعْضَهم فقد كَذَّب جميعَهم في قَولِه تعالى:
وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا * أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا [النساء: 150، 151]، وأشار إلى ذلك في قَولِه:
لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ [البقرة: 285] ، وقَولِه:
لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [البقرة: 136] ، وقَولِه تعالى:
وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ [النساء: 152] . وقد أوضح تعالى في سورةِ الشُّعَراءِ أنَّ تكذيبَ رَسولٍ واحدٍ تكذيبٌ لجميعِ الرُّسُلِ، وذلك في قَولِه:
كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ [الشعراء: 105] ، ثمَّ بَيَّن أنَّ تكذيبَهم للمُرسَلين إنَّما وقع بتكذيبِهم نوحًا وَحْدَه؛ حيث أفرد ذلك بقَولِه:
إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ [الشعراء: 106] إلى قوله:
قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ [الشعراء: 117] ، وقَولِه تعالى:
كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ [الشعراء: 123] ، ثمَّ بَيَّن أنَّ ذلك بتكذيبِ هودٍ وَحْدَه؛ حيث أفرَده بقَولِه:
إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ [الشعراء: 124] ، ونحو ذلك)
[2278] يُنظر: ((أضواء البيان)) (7/ 484). .
وقال
ابنُ باز: (وهكذا لو كَذَّب نبيًّا من الأنبياءِ، وقال: إنَّ مُحَمَّدًا رسولُ اللهِ وأنا مؤمِنٌ به وموَحِّدٌ لله، وأقولُ: لا إلهَ إلَّا اللهُ، ولكِنِّي أقولُ: إنَّ عيسى بنَ مريمَ كَذَّابٌ ليس برَسولٍ للهِ، أو موسى أو هارونَ أو داودَ أو سليمانَ أو نوحًا أو هودًا أو صالحًا أو غيرَهم ممن نَصَّ القُرآنُ على نُبُوَّتِه، ليسوا أنبياءَ، أو سَبَّهم- كَفَرَ إجماعًا ولم ينفَعْه قَولُ لا إلهَ إلَّا اللهُ ولا شهادةُ أنَّ مُحَمَّدًا رسولُ اللهِ، ولا صلاتُه ولا صومُه؛ لأنَّه أتى بما يكَذِّبُ به اللهَ ورَسولَه، وطَعَن في رُسُلِ اللهِ)
[2279] يُنظر: ((مجموع فتاوى ابن باز)) (4/22). .
وقال
ابنُ عثيمين: (نرى أنَّ من كَفَر برسالةِ مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى النَّاسِ جميعًا، فقد كَفَر بجَميعِ الرُّسُلِ، حتى برَسولِه الذي يزعُمُ أنَّه مؤمِنٌ به، مُتَّبِعٌ له؛ لقَولِه تعالى:
كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ. فجَعَلهم مُكَذِّبين لجميعِ الرُّسُلِ مع أنَّه لم يَسبِقْ نوحًا رَسولٌ)
[2280] يُنظر: ((مجموع فتاوى ابن عثيمين)) (3/247). .