الفَرعُ الأوَّلُ: تعريفُ النِّفاقِ لُغةً واصطِلاحًا
المسألةُ الأولى: تعريفُ النِّفاقِ لُغةًالنِّفاقُ لُغةً: مُخالفةُ الباطِنِ للظَّاهِرِ، مأخوذٌ مِن نافقاءِ اليربوعِ؛ لأنَّه يدخُلُ من بابٍ ويخرُجُ من بابٍ، فقيل للمنافِقِ: (مُنافِقٌ)؛ لأنَّه يخرُجُ مِنَ الإسلامِ مِنْ غير الوَجهِ الذي دَخَلَ فيه؛ وذلك أنَّه دخَلَ عَلانِيةً وخرج سِرًّا، وأصلُ (نفق): يدُلُّ على إخفاءِ شَيءٍ وإغماضِه
[2577] يُنظَر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/ 454)، ((التفسير البسيط)) للواحدي (6/ 158)، ((المفردات)) للراغب (ص: 819)، ((فتح الباري)) لابن حجر (1/ 89). .
المسألةُ الثَّانيةُ: تعريفُ النِّفاقِ اصطِلاحًاالنِّفاقُ في الاصطلاحِ هو: القَولُ أو الفِعلُ بخِلافِ ما في القَلبِ مِن الاعتقادِ، والمُنافِقُ هو الذي يَستُرُ كُفرَه ويُظهِرُ إيمانَه، وهو اسمٌ إسلاميٌّ لم تعرِفْه العَرَبُ بالمعنى المخصوصِ به، وإن كان أصلُه في اللُّغةِ معروفًا
[2578] يُنظر: ((سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد)) للصالحي (3/416)، ((عارضة الأحوذي)) (10/71)، ((نواقض الإيمان الاعتقادية)) للوهيبي (ص:308). .
والمُنافِق لا بُدَّ أن تختَلِفَ سَريرتُه وعلانِيَتُه، وظاهِرُه وباطِنُه.
وقد وصَفَهم اللهُ بالكَذِبِ كما وصف المؤمنين بالصِّدقِ
[2579] يُنظر: ((الإيمان الأوسط)) (ص: 292). ، فقال:
وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ [البقرة:10] .
قال
البغوي: (
وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: مؤلمٌ يخلُصُ وجَعُه إلى قلوبِه،
بِمَا كَانُوا يُكَذِّبُونَ ما للمصدر، أي: بتكذيبِهم اللهَ ورسولَه في السِّرِّ، وقرأ الكوفيون:
يَكْذِبونَ بالتخفيفِ، أي: بكَذِبِهم؛ إذ قالوا: آمَنَّا، وهم غيرُ مؤمنين)
[2580] يُنظر: ((تفسير البغوي)) (1/ 88). .
وقال سُبحانَه:
وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ [المُنافِقون: 1] .
قال
ابنُ جريرٍ: (يقولُ: واللهُ يشهَدُ إنَّ المُنافِقين لكاذبون في إخبارِهم عن أنفُسِهم أنَّها تشهَدُ إنَّك لرَسولُ اللهِ، وذلك أنَّها لا تعتَقِدُ ذلك ولا تؤمِنُ به، فهم كاذبون في خَبَرِهم عنها بذلك)
[2581] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/ 650). .
فأخَصُّ وأهَمُّ ما يميِّزُ المُنافِقين الاختلافُ بين الظَّاهِرِ والباطِنِ، وبين الدَّعوى والحقيقةِ، كما قال اللهُ تعالى:
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ [البقرة: 8] .
قال
ابنُ جريرٍ: (أجمع جميعُ أهلِ التأويلِ على أنَّ هذه الآيةَ نزلت في قومٍ من أهلِ النِّفاقِ، وأنَّ هذه الصِّفةَ صِفَتُهم)
[2582] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (1/275). .
وقد يُطلِقُ بعضُ الفُقَهاءِ لَفظَ الزِّنديقِ على المُنافِق؛ قال
ابنُ تيميَّةَ: (ولَمَّا كَثُرت الأعاجِمُ في المُسلِمين تكَلَّموا بلفظِ الزِّنديقِ، وشاعت في لسانِ الفُقَهاء، وتكلَّم النَّاس في الزِّنديقِ: هل تُقبَلُ توبتُه؟... والمقصودُ هنا: أنَّ الزِّنديقَ في عُرفِ هؤلاء الفُقهاءِ هو المُنافِقُ الذي كان على عَهدِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وهو أن يُظهِرَ الإسلامَ ويُبطِنَ غَيرَه، سواءٌ أبطن دينًا من الأديانِ كدينِ اليَهودِ والنَّصارى أو غيرِهم، أو كان مُعَطِّلًا جاحدًا للصَّانعِ، والمعادِ، والأعمالِ الصَّالحةِ)
[2583] يُنظر: ((الإيمان الأوسط)) (ص: 302). .
وقال
ابنُ القَيِّم في بيانِ مراتِبِ المكَلَّفين في الدَّارِ الآخرةِ وطَبَقاتهِم: (الطَّبَقةُ الخامِسةَ عَشرةَ: طبقةُ الزَّنادقةِ، وهم قومٌ أظهَروا الإسلامَ ومُتابعةَ الرُّسُلِ، وأبطنوا الكُفرَ ومُعاداةَ اللهِ ورَسولِه، وهؤلاء المُنافِقون، وهم في الدَّركِ الأسفَلِ مِنَ النَّارِ)
[2584] يُنظر: ((طريق الهجرتين)) (ص: 402). .
وقال اللهُ سُبحانَه:
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ [المُنافِقون: 3] .
قال
البغوي: (
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا أقَرُّوا باللِّسانِ إذا رأوا المؤمنين، ثم كَفَروا إذا خَلَوا إلى المشرِكين؛
فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ بالكُفرِ،
فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ الإيمانَ)
[2585] يُنظر: ((تفسير البغوي)) (5/ 98). .
وقال اللهُ عزَّ وجَلَّ:
يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ [التوبة: 64-66] .
قال
السَّعديُّ: (كانت هذه السُّورةُ الكريمةُ تُسَمَّى «الفاضحةَ»؛ لأنَّها بيَّنت أسرارَ المُنافِقين، وهتكت أستارهم، فما زال اللهُ يقولُ: ومنهم ومنهم، ويذكُرُ أوصافَهم، إلَّا أنَّه لم يُعَيِّنْ أشخاصَهم؛ لفائدتين: إحداهما: أنَّ اللهَ سِتِّيرٌ يحِبُّ السَّترَ على عبادِه. والثَّانيةُ: أنَّ الذَّمَّ على من اتَّصَف بذلك الوَصفِ من المُنافِقين الذين توجَّه إليهم الخطابُ وغَيرِهم إلى يومِ القيامةِ؛ فكان ذِكرُ الوَصفِ أعَمَّ وأنسبَ، حتى خافوا غايةَ الخَوفِ؛ قال اللهُ تعالى:
لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا * مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا [الأحزاب: 60، 61]، وقال هنا:
يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم أي: تخبِرُهم وتفضَحُهم وتُبَيِّنُ أسرارَهم؛ حتى تكونَ علانيةً لعبادِه ويكونوا عِبرةً للمُعتَبِرين.
قُلِ اسْتَهْزِئُوا أي: استَمِرُّوا على ما أنتم عليه من الاستهزاءِ والسُّخريةِ
إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ، وقد وفَى تعالى بوَعدِه، فأنزل هذه السُّورةَ التي بيَّنَتْهم وفضحَتْهم وهتَكَت أستارَهم
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ عمَّا قالوه من الطَّعنِ في المُسلِمين وفي دينِهم، يقولُ طائفةٌ منهم في غزوةِ تَبُوك: «ما رأينا مِثلَ قُرَّائِنا هؤلاء -يعنون النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأصحابَه- أرغَبَ بُطونًا، وأكذَبَ ألسُنًا، وأجبَنَ عند اللِّقاءِ» ونحو ذلك. ولَمَّا بلغَهم أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قد عَلِمَ بكلامِهم جاؤوا يَعتَذِرون إليه ويقولون:
إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ أي: نتكَلَّم بكلامٍ لا قَصْدَ لنا به، ولا قصَدْنا الطَّعنَ والعَيبَ؛ قال اللهُ تعالى مُبَيِّنًا عَدَمَ عُذرِهم وكَذِبَهم في ذلك:
قُلْ لهم:
أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة: 65، 66]؛ فإنَّ الاستهزاءَ باللهِ وآياتِه ورسولِه كُفرٌ مُخرِجٌ عن الدِّينِ؛ لأنَّ أصلَ الدِّينِ مبنيٌّ على تعظيمِ اللهِ وتعظيمِ دينِه ورُسُلِه، والاستهزاءُ بشيءٍ من ذلك منافٍ لهذا الأصلِ ومناقِضٌ له أشَدَّ المناقَضةِ؛ ولهذا لَمَّا جاؤوا إلى الرَّسولِ يَعتَذِرون بهذه المقالةِ، والرَّسولُ لا يزيدُهم على قَولِه:
أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [2586] أخرجه الطبري في ((التفسير)) (16912)، وابن أبي حاتم في ((التفسير)) (10515) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. قال العقيلي في ((الضعفاء الكبير)) (1/94): إسناده فيه مقال. [2587] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 342). .
وقال اللهُ تعالى:
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ فَإِن يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَّهُمْ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الأَرْضِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ [التوبة: 73-74].
قال
ابنُ كثيرٍ: (أمَرَ تعالى رسولَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بجهادِ الكُفَّارِ والمُنافِقين والغِلظةِ عليهم، كما أمَرَه بأن يخفِضَ جَناحَه لِمن اتَّبَعه من المؤمنين، وأخبره أنَّ مصيرَ الكُفَّارِ والمُنافِقين إلى النَّارِ في الدَّارِ الآخِرةِ، وقد تقدَّم عن أميرِ المؤمنين عليِّ بن أبي طالبٍ أنَّه قال: بُعِثَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بأربعةِ أسيافٍ؛ سيفٌ للمُشرِكين:
فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ [التوبة: 5] ، وسيفٌ للكُفَّارِ أهلِ الكِتابِ:
قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ [التوبة: 29] ، وسيفٌ للمُنافِقين:
جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ [التوبة: 73] ، التحريم: 9
[، وسيفٌ للبُغاةِ: فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ ]الحجرات: 9
[، وهذا يقتضي أنَّهم يجاهِدون بالسُّيوفِ إذا أظهروا النِّفاقَ، وهو اختيارُ ابنِ جريرٍ. وقال ابنُ مسعودٍ في قَولِه تعالى: جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ قال: بيَدِه، فإن لم يستَطِعْ فبلِسانِه، فإن لم يستَطِعْ فبقَلْبِه، فإنْ لم يستَطِعْ فلْيكفَهِرَّ في وَجْهِه. وقال ابنُ عبَّاسٍ: أمره اللهُ تعالى بجهادِ الكُفَّارِ بالسَّيفِ، والمُنافِقين باللِّسانِ، وأذهَبَ الرِّفقَ عنهم. وقال الضَّحَّاكُ: جاهِدِ الكُفَّارَ بالسَّيفِ، واغلُظْ على المُنافِقين بالكلامِ، وهو مجاهدتُهم. وعن مقاتلٍ والرَّبيعِ مِثْلُه. وقال الحَسَنُ وقتادةُ: مجاهَدتُهم: إقامةُ الحُدودِ عليهم.]وقد يُقالُ: إنَّه لا مُنافاةَ بين هذه الأقوالِ؛ لأنَّه تارةً يؤاخِذُهم بهذا، وتارةً بهذا، بحسَبِ الأحوالِ. واللهُ أعلَمُ.
وقَولُه:
يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ [التوبة: 74] ، قال قتادةُ: نزلت في عبدِ اللهِ بنِ أُبَيٍّ، وذلك أنَّه اقتتل رجلانِ: جُهَنيٌّ وأنصاريٌّ، فَعَلا الجُهَنيُّ على الأنصاريِّ، فقال عبدُ اللهِ للأنصارِ: ألا تنصُروا أخاكم؟ واللهِ ما مَثَلُنا ومَثَلُ مُحمَّدٍ إلَّا كما قال القائِلُ: «سَمِّن كَلْبَك يأكُلْك»، وقال:
لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ [المنافقون: 8] ، فسعى بها رجلٌ من المُسلِمين إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فأرسل إليه فسأله، فجعل يحلِفُ باللهِ ما قاله؛ فأنزل اللهُ فيه هذه الآيةَ
[2588] الحديث أخرجه عبد الرزاق في ((التفسير)) (3225)، وابن جرير في ((التفسير)) (16974)، وابن أبي حاتم في ((التفسير)) (10590) باختِلافٍ يسيرٍ عن قتادة. ذكر ابن حجر في ((فتح الباري)) (8/518) أنَّه من مُرسَل قتادة. ... وقَولُه:
وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ [التوبة: 74] ، أي: وما للرَّسولِ عندهم ذنبٌ إلَّا أنَّ اللهَ أغناهم ببركتِه ويُمنِ سِفارتِه، ولو تمَّت عليهم السَّعادةُ لهداهم اللهُ لِما جاء به، كما قال عليه السَّلامُ للأنصارِ: "ألم أجِدْكم ضُلَّالًا فهداكم اللهُ بي؟ وكنتُم متفَرِّقين فألَّفَكم اللهُ بي؟ وعالةً فأغناكم اللهُ بي؟" كُلَّما قال شيئًا قالوا: اللهُ ورسولُه أمَنُّ
[2589] أخرجه البخاري (4330) واللَّفظُ له، ومسلم (1061) من حَديثِ عبد الله بن زيد بن عاصم رضي الله عنه. ... ثمَّ دعاهم اللهُ تبارك وتعالى إلى التوبةِ، فقال:
فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ [التوبة: 74] ، أي: وإن يستَمِرُّوا على طريقِهم
يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا أي: بالقَتلِ والهَمِّ والغَمِّ
وَالْآخِرَةِ أي: بالعذابِ والنَّكالِ والهوانِ والصَّغارِ،
وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ أي: وليس لهم أحدٌ يُسعِدُهم ولا يُنجِدُهم، ولا يحصِّلُ لهم خيرًا، ولا يدفَعُ عنهم شَرًّا)
[2590] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (4/ 178، 179، 183). .
وقال اللهُ سُبحانَه:
إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا [النساء: 140] .
قال
ابنُ جريرٍ: (قَولُه:
إِنَّ اللهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ يقول: إنَّ اللهَ جامِعُ الفريقينِ مِن أهلِ الكُفرِ والنِّفاقِ في القيامةِ في النَّارِ، فمُوَفِّقٌ بينهم في عقابِه في جهنَّمَ وأليمِ عذابِه، كما اتَّفَقوا في الدُّنيا فاجتَمَعوا على عداوةِ المؤمنين وتوازَروا على التخذيلِ عن دينِ اللهِ، وعن الذي ارتضاه وأمَرَ به أهْلَه)
[2591] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/ 604). .