الحَاكِمُ وَالحَكَمُ
صِفةٌ ثابتةٌ للهِ عزَّ وجَلَّ بالكِتابِ العزيزِ، فيُوصَفُ اللهُ عزَّ وجلَّ بأنَّه الحاكِمُ والحَكَمُ، و(الحَكَمُ): اسمٌ له ثابتٌ بالكِتابِ والسُّنَّةِ.
الدَّليلُ مِن الكِتابِ:1- قولُه تعالى:
أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا [الأنعام: 114] .
قال
ابنُ جَريرٍ: (
أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا [الأنعام: 114] أي: قُلْ: فليس لي أن أتعَدَّى حُكمَه وأتجاوَزَه؛ لأنَّه لا حَكَمَ أعدَلُ منه، ولا قائِلَ أصدَقُ منه)
[1872] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (9/ 506). .
وقال
السَّعْديُّ: (أي: قُلْ يا أيُّها الرَّسولُ
أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا [الأنعام: 114] أُحاكِمُ إليه، وأتقيَّدُ بأوامِرِه ونواهيه؛ فإنَّ غيرَ اللهِ محكومٌ عليه لا حاكِمٌ، وكُلَّ تدبيرٍ وحُكمٍ للمخلوقِ فإنَّه مُشتَمِلٌ على النَّقصِ والعَيبِ والجَورِ، وإنَّما الذي يجِبُ أن يُتَّخَذَ حاكِمًا فهو اللهُ وَحْدَه لا شريكَ له، الذي له الخَلْقُ والأمرُ)
[1873] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 270). .
وقال
الشِّنقيطيُّ: (معنى الآيةِ الكريمةِ: أنَّ اللهَ أمَرَ نبيَّه أن يُنكِرَ غايةَ الإنكارِ ابتغاءَ حَكَمٍ غيرِ اللهِ، فلا يُطلَبُ ولا يُبتغى حَكَمٌ إلَّا خالِقُ السَّمَواتِ والأرضِ. وهذه الآيةُ الكريمةُ تُبَيِّنُ لنا أنَّ الحاكِمَ هو خالِقُ هذا الكَونِ، هو الحَكَمُ وَحْدَه جَلَّ وعلا، لا محاكَمةَ إلَّا إليه، فالحَلالُ هو ما أحَلَّه اللهُ، والحَرامُ هو ما حَرَّمه اللهُ، والدِّينُ هو ما شَرَعه اللهُ، لا حَكَمَ إلَّا اللهُ، ولا حُكْمَ إلَّا للهِ -كما قد بَيَّنَّا ذلك مِرارًا- واللهُ جَلَّ وعلا كما يتنَزَّهُ أن يكونَ له وَلَدٌ، ويتنَزَّهُ عن أن يكونَ له شريكٌ، كذلك يتنَزَّهُ عن أن يكونَ حاكِمٌ معه أو مُشرِّعٌ معه، كما في قَولِه في عبادتِه:
وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [الكهف: 110] ، وكما قال في حُكْمِه:
وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا [الكهف: 26] فحُكمُه كعبادتِه، العبادةُ له وَحْدَه، والحُكمُ له وَحْدَه جَلَّ وعلا؛ لأنَّ اللهَ هو الذي له الحُكمُ)
[1874] يُنظر: ((العذب النمير)) (2/ 160). .
2- قولُه تعالى:
فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ [الأعراف: 87] .
قال
ابنُ جَريرٍ: (
فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا [الأعراف: 87] ، يَقولُ: فاحتَبِسوا على قَضاءِ اللهِ الفاصِلِ بيننا وبيْنكم
وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ، يَقولُ: واللهُ خيرُ مَن يَفصِلُ، وأعدَلُ من يقضي؛ لأنَّه لا يقَعُ في حُكمِه مَيلٌ إلى أحَدٍ، ولا محاباةٌ لأحَدٍ. واللهُ أعلَمُ)
[1875] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (10/ 317). .
وقال
السَّمعانيُّ: (قَولُه:
حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ أي: حتى يقضِيَ اللهُ
وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ أي: خيرُ القاضِينَ)
[1876] يُنظر: ((تفسير السمعاني)) (2/ 410). .
وقال
الشَّوكانيُّ: (قَولُه:
حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ أي: يحكُمَ اللهُ بينه وبينهم في الدُّنيا بالنَّصرِ له عليهم، وفي الآخِرةِ بعَذابِهم بالنَّارِ وهم يُشاهِدونَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم هو وأمَّتَه -المتَّبِعون له، المؤمِنونَ به، والعامِلون بما يأمُرُهم به، المنْتَهون عمَّا ينهاهم عنه- يتقَلَّبون في نعيمِ الجنَّةِ الذي لا يَنفَدُ، ولا يمكِنُ وَصفُه، ولا يُوقَفُ على أدنى مزاياه)
[1877] يُنظر: ((تفسير الشوكاني)) (2/ 543). .
الدَّليلُ من السُّنَّةِ:حديثُ
((... إنَّ اللهَ هو الحَكَمُ، وإليه الحُكْمُ )) [1878] أخرجه أبو داود (4955)، والنسائي (5387) من حديث هانئ بن يزيد رضي الله عنه. صَحَّحه ابن حبان في ((صحيحه)) (504)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4955)، وحسنه الوادعي في ((الصحيح المسند)) (1197)، وجود إسناده شعيب الأرناؤوط في تخريج ((صحيح ابن حبان)) (504). .
والحَكَمُ والحاكمُ بمعنًى واحدٍ، إلَّا أنَّ الحَكَمَ أبلَغُ مِن الحاكِمِ
[1879] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (7/70). ، وهو الَّذي إليه الحُكْمُ، وأصلُ الحُكمِ: مَنْعُ الفَسادِ والظُّلمِ، ونَشْرُ العَدلِ والخيرِ.
قال
الزَّجَّاجُ: (الحَكَم والحاكِمُ بمعنًى واحدٍ، وأصلُ «ح ك م» في الكلامِ المنعُ، وسُمِّيَ الحاكِمُ حاكِمًا؛ لأنَّه يمنَعُ الخَصْمينِ مِن التظالُمِ. وحَكَمةُ الدَّابَّةِ سُمِّيَت حَكَمةً؛ لأنَّها تمنَعُه مِنَ الجِماحِ... اللهُ تعالى هو الحاكِمُ وهو الحَكَمُ بيْن الخَلْقِ؛ لأنَّه الحَكَمُ في الآخِرةِ، ولا حَكَمَ غَيرُه، والحُكَّامُ في الدُّنيا إنَّما يَستفيدونَ الحُكمَ مِن قِبَلِه تعالى عُلُوًّا كبيرًا)
[1880] يُنظر: ((تفسير أسماء الله الحسنى)) (ص: 43). .
وقال
الخَطَّابيُّ: (الحَكَمُ: الحاكِمُ، ومنه المثَلُ: "في بيتِه يُؤتى الحَكَمُ". وحقيقتُه: هو الذي سَلِمَ له الحُكمُ، ورُدَّ إليه فيه الأمرُ. كقَولِه تعالى:
لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [القصص: 88] ، وقَولُه:
أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ [الزمر: 46] . وقيل للحاكِمِ: حاكِمٌ؛ لِمَنْعِه النَّاسَ عن التَّظالُمِ، ورَدْعِه إيَّاهم. يقالُ: حَكَمْتُ الرَّجُلَ عن الفسادِ: إذا منَعْتَه منه. وكذلك: أحكَمْتُه)
[1881] يُنظر: ((شأن الدعاء)) (1/ 61). .
وقال الحليميُّ: (الحَكَمُ: هو الذي إليه الحُكمُ، وأصلُ الحُكمِ مَنعُ الفَسادِ، وشرائِعُ اللهِ تعالى كُلُّها استصلاحُ العِبادِ)
[1882] يُنظر: ((المنهاج في شعب الإيمان)) (1/ 207). .
وممَّن أثبَت اسمَ (الحَكَم) للهِ عزَّ وجلَّ:
الخَطَّابيُّ [1883] يُنظر: ((شأن الدعاء)) (ص: 61). ، و
ابنُ مَنْدَهْ [1884] يُنظر: ((التوحيد)) (2/110). ، و
البيهقيُّ [1885] يُنظر: ((الأسماء والصفات)) (1/ 198). ، و
ابنُ القيِّمِ [1886] يُنظر: ((بدائع الفوائد)) (2/ 782). ، و
ابنُ حَجرٍ [1887] يُنظر: ((فتح الباري)) (11/219). ، و
السَّعْديُّ [1888] يُنظر: ((توضيح الكافية الشافية)) (ص: 198). ، و
ابنُ عُثَيمين [1889] يُنظر: ((القواعد المثلى)) (ص: 16). .