المَبحَثُ الخامِسُ: تَفسيرُ الصَّافي
(الصَّافي في تَفسيرِ كلامِ اللهِ الوافي) لمُحَمَّدِ بنِ مُرتَضى بنِ فيضِ اللهِ الكاشانيِّ، المَعروفِ بمُلَّا مُحسِن، ويُقالُ عنه: الفيضُ الكاشانيُّ والقاشانيُّ، مِن أهلِ كاشانَ في وسَطِ إيرانَ، المُتَوفَّى سَنةَ 1091ه، وقد انتَهى مِن كِتابةِ تَفسيرِه سَنةَ 1075ه، وقد أتى فيه بما جاءَ في تَفاسيرِ الحَسَنِ العَسكريِّ، والعَيَّاشيِّ، والقُمِّيِّ، وزادَ عليها مَرويَّاتٍ مِن كُتُبٍ شيعيَّةٍ أُخرى، كالكافي للكُلينيِّ.
وتَفسيرُ الصَّافي يُمَثِّلُ جانِبَ الغُلوِّ والتَّطَرُّفِ في مَذهَبِ الشِّيعةِ الإماميَّةِ، ويُقَرِّرُ فيه القَولَ بتَحريفِ القُرآنِ الكريمِ
[2244] تفسيرُ الصَّافي مملوءٌ بذِكرِ آياتٍ كثيرةٍ يدَّعي فيها مؤَلِّفُه أنَّها محرَّفةٌ. يُنظر مثَلًا في أوَّلِه: ((تفسير الصافي)) (1/ 18). ، ويغلو في آلِ البَيتِ، ويحمِلُ عليهم كثيرًا مِنَ الآياتِ، ويطعَنُ في الصَّحابةِ الكِرامِ رَضِيَ اللهُ عنهم.
وقَرَّرَ في مُقدِّمةِ تَفسيرِه أنَّ تَفسيرَ القُرآنِ الكريمِ لا يصِحُّ إلَّا عن طَريقِ أئِمَّةِ الشِّيعةِ، قال: (فكُلُّ ما لا يَخرُجُ مِن بَيتِهم فلا تَعويلَ عليه)
[2245] يُنظر: ((تفسير الصافي)) (1/ 2). .
وزَعم أنَّ الرَّسولَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فسَّر القُرآنَ لرَجُلٍ واحِدٍ، هو عَليُّ بنُ أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عنه
[2246] يُنظر: ((تفسير الصافي)) (4/ 11)، وينظر تقريرُه ذلك في المقدِّمةِ: ((تفسير الصافي)) (1/ 6، 7، 8) تحت عنوان: (نُبَذٌ ممَّا جاء في أنَّ عِلمَ القرآنِ كُلَّه إنَّما هو عِندَ أهلِ البيتِ). .
وهاجَمَ مَن يأخُذُ التَّفسيرَ المرويَّ عنِ الصَّحابةِ؛ لأنَّ أكثَرَهم كما زَعَمَ كانوا يُبطِنونَ النِّفاقَ، ويجتَرِئونَ على اللهِ، ويفتَرونَ على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم
[2247] يُنظر: ((تفسير الصافي)) (1/ 2). .
ويرى أنَّ غالبَ القُرآنِ إنَّما نَزَل في أئِمَّةِ أهلِ البَيتِ المَعصومينَ، وفي أوليائِهم وأعدائِهم
[2248] يُنظر: ((تفسير الصافي)) (1/ 8). .
ويزعُمُ أنَّ في القُرآنِ الكريمِ مِنَ التَّنافُرِ والتَّناكُرِ ما يدُلُّ على التَّحريفِ، ومِثالُ ذلك ما قاله الكاشانيُّ: (وأمَّا ظُهورُك على تَناكُرِ قَوِله:
وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ [النساء: 3] ، وليس يُشبِهُ القِسطُ في اليتامى نِكاحَ النِّساءِ، ولا كُلُّ النِّساءِ أيتامًا، فهو مِمَّا قدَّمتُ ذِكرَه مِن إسقاطِ المُنافِقينَ مِنَ القُرآنِ)
[2249] يُنظر: ((تفسير الصافي)) (1/ 17). .
وقال الكاشانيُّ بَعدَ ذِكرِه بَعضَ الرِّواياتِ المَكذوبةِ في إثباتِ تَحريفِ القُرآنِ: (المُستَفادُ مِن مَجموعِ هذه الأخبارِ وغَيرِها مِنَ الرِّواياتِ عن طَريقِ أهلِ البَيتِ أنَّ القُرآنَ الذي بَين أظهُرِنا ليس بتَمامِه كما أُنزِلَ على مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، بَل مِنه ما هو خِلافُ ما أنزَل اللهُ، ومِنه ما هو مُغيَّرٌ مُحَرَّفٌ، وأنَّه قد حُذِف مِنه أشياءُ كثيرةٌ، مِنها اسمُ عَليٍّ في كثيرٍ مِنَ المَواضِعِ، ومِنها لفظةُ آلِ مُحَمَّدٍ غَيرَ مَرَّةٍ، ومِنها أسماءُ المُنافِقينَ في مَواضِعِها، ومِنها غَيرُ ذلك، وأنَّه ليس أيضًا على التَّرتيبِ المَرضيِّ عِندَ اللهِ وعِندَ رَسولِه)
[2250] يُنظر: ((تفسير الصافي)) (1/ 18). .
ورَدَّ الكاشانيُّ على عُلماءِ الشِّيعةِ الإماميَّةِ الذينَ قَرَّروا عَدَمَ وُقوعِ التَّحريفِ في القُرآنِ، كابنِ بابَوَيهِ القُمِّيِّ المُلقَّبِ بالصَّدوقِ و
الطُّوسيِّ والطَّبَرسيِّ
[2251] يُنظر: ((تفسير الصافي)) (1/ 19). .
قال مُحَمَّد هادي معرفة: (له تَفسيرٌ كبيرٌ ومُتَوسِّطٌ وموجَزٌ، وسُمِّيت على التَّرتيبِ بالصَّافي والأصفى والمُصَفَّى... والتَّفاسيرُ الثَّلاثةُ مَحظيَّةٌ بالطَّبعِ والنَّشرِ، وتَداولَتها المُحَقِّقونَ العُلماءُ في حَفاوةٍ وتَبجيلٍ في كُلِّ الأصقاعِ والبُلدانِ)
[2252] ((التفسير والمفسرون)) (2/782، 784). .
وقال أيضًا: (يُعتَبَرُ تَفسيرُه هذا مزجًا مِنَ الرِّوايةِ والدِّرايةِ، تفسيرًا شاملًا لجَميعِ آيِ القُرآنِ، وقد اعتَمَدَ المُؤَلِّفُ في نَقلِ عِباراتِه على تَفسيرِ
البَيضاويِّ، ثُمَّ على نُصوصِ الأحاديثِ المَرويَّةِ عن أئِمَّةِ أهلِ البَيتِ. وقدَّمَ لتَفسيرِه مُقدِّمةً تَشتَمِلُ على اثنَي عَشَرَ فصلًا، بَحث فيها عن مُختَلِفِ شُؤونِ القُرآنِ وفَضلِه وتِلاوتِه وتَفسيرِه وتَأويلِه... وهذا التَّفسيرُ على جُملتِه مِن نَفائِسِ التَّفاسيرِ الجامِعةِ لجُلِّ المَرويَّاتِ عن أئِمَّةِ أهلِ البَيتِ إنْ تفسيرًا أو تأويلًا، وإن كان فيه بَعضُ الخَلطِ بَينَ الغَثِّ والسَّمينِ... يعتَمِدُ اللُّغةَ أوَّلًا، ثُمَّ الأعاريبَ أحيانًا، وبَعدَ ذلك يتَعَرَّضُ للمَأثورِ مِن رِواياتِ أهلِ البَيتِ، معتَمِدًا على تَفسيرِ القُمِّيِّ والعَيَّاشيِّ، وغَيرِها مِن كُتُبِ الحَديثِ المَعروفةِ. لكِنَّه لا يتَحَرَّى الصِّحَّةَ في النَّقلِ، ويتَخَلَّى بنَفسِه لمُجَرَّدِ ذِكرِ مَصدَرِ الحَديثِ، الأمرُ الذي يُؤخَذُ عليه؛ حَيثُ في بَعضِ الأحيانِ نَراه يذكُرُ الحَديثَ، وكان ظاهرُه الاعتِمادَ عليه، مِمَّا يوجِبُ إغراءَ الجاهلِ، فيظُنُّه تَفسيرًا قَطعيًّا للآيةِ الكريمةِ، وفيه مِنَ الإسرائيليَّاتِ والرِّواياتِ الضِّعافِ الشَّيءُ الكثيرُ)
[2253] ((التفسير والمفسرون)) (2/782). .
وقال مُحَمَّد عَلي إيازي: (أوَّلُ ما يرجِعُ في تَفسيرِه إلى مُحكَماتِ القُرآنِ، فإنَّ القُرآنَ يُفسِّرُ بَعضُه بَعضًا، وإلَّا فحَديثٌ مُعتَبَرٌ مِن أهلِ البَيتِ في الكُتُبِ المُعتَبَرةِ عِندَه، وما لم يظفَرْ فيه بحَديثٍ عنهم، فهو يورِدُ ما وصَل إليه مِن غَيرِهم مِن عُلماءِ التَّفسيرِ إذا وافقَ القُرآنَ وفحواه.
يَذكُرُ في نِهايةِ تَفسيرِ كُلِّ سورةٍ الأحاديثَ الوارِدةَ بشَأنِ فضلِ هذه السُّورةِ، وما فيها مِنَ الأجرِ، وما شابَهَ ذلك، وهي مَعَ الأسَفِ في الغالب أحاديثُ ضَعيفةٌ. وقد اعتَمَدَ في تَفسيرِه في بَيانِ اللُّغةِ والإعرابِ والبَيانِ على تَفسيرِ
البَيضاويِّ، وفي المَأثورِ على التَّفسيرِ المَنسوبِ إلى عَليِّ بنِ إبراهيمَ القُمِّيِّ، والتَّفسيرِ المَنسوبِ إلى الإمامِ الحَسَنِ العَسكريِّ، وتَفسيرِ العَيَّاشيِّ؛ ولهذا نَقَل رِواياتٍ ضِعافًا ومُختَلَقةً ومَوضوعةً مِن هذه التَّفاسيرِ.
والعَجَبُ مِنه تَشنيعُه للمُفسِّرينَ المُتَقدِّمينَ لابتِلائِهم بأخبارِ الضِّعافِ المُشتَمِلةِ على ما يوهمُ التَّناقُضَ والتَّضادَّ! فهو أيضًا ابتُليَ بذلك، وقد وجَّهَها بتَوجيهاتٍ وتَأويلاتٍ عَجيبةٍ بَعيدةٍ عنِ الواقِعِ، بحَيثُ تَشمَئِزُّ عنها الطِّباعُ، وتَنفِرُ عنه الأسماعُ، وتَحجُبُ عنِ البَيانِ وتَزيدُ في حَيرةِ الحَيرانِ! فمثلًا عِندَ تَوجيه الرِّواياتِ الدَّالةِ على تَحريفِ القُرآنِ الوارِدةِ في كُتُبِ الحَديثِ، قال: «المُستَفادُ مِن جَميعِ هذه الأخبارِ وغَيرِها مِنَ الرِّواياتِ مِن طَريقِ أهلِ البَيتِ، أنَّ القُرآنَ الذي بَين أظهُرِنا ليس بتَمامِه كما أُنزِل على مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وآلِه...إن صَحَّت هذه الأخبارُ، فلعَلَّ التَّغييرَ إنَّما وقَعَ فيما لا يُخِلُّ بالمَقصودِ كثيرَ إخلالٍ، كحَذفِ اسمِ عَليٍّ، وآلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليهم، وحَذْفِ أسماءِ المُنافِقينَ.... ولا يبعُدُ أيضًا أن يُقالَ: إنَّ بَعضَ المَحذوفاتِ كان مِن قَبيلِ التفسيرِ والبَيانِ، ولم يكُنْ مِن أجزاءِ القُرآنِ، فيكونُ التَّبديلُ مِن حَيثُ المَعنى».
ومَنشَأُ هذه التَّوجيهاتِ البارِدة عَدَمُ جُرأتِه لطَردِ هذه الرِّواياتِ بدَلالةِ المُحكَماتِ)
[2254] ((المفسرون حياتهم ومنهجهم)) (2/768). .
وقال مُحَمَّد حُسَين الذَّهَبيُّ عنه: (هو تَفسيرٌ وسَطٌ يقَعُ في جزأينِ كبيرَينِ، ومُتَناوِلٌ لشَرحِ الآياتِ القُرآنيَّةِ شرحًا مختصَرًا جِدًّا، ولا يُطيلُ إلَّا إذا وجَدَ في الآيةِ ما يُمكِنُ أن يأخُذَ مِنه شاهدًا على مَبدَأٍ مِن مَبادِئِه، أو دليلًا على عَقيدةٍ مِن عَقائِدِه، أو دفعًا يدفعُ به رَأيًا مِن آراءِ مُخالفيه. كذلك يُطيلُ عِندَما يعرِضُ لشَرحِ قِصَّةٍ مِن قِصَصِ القُرآنِ، أو غَزوةٍ مِن غَزَواتِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. والكِتابُ يعتَمِدُ أوَّلًا وقَبلَ كُلِّ شَيءٍ على ما ورَدَ مِنَ التَّفسيرِ عنِ الأئِمَّةِ وعُلماءِ أهلِ البَيتِ، شَأنُه في هذا شَأنُ كُلِّ كُتُبِ التَّفسيرِ عِندَ الإماميَّةِ الاثنَي عَشريَّةِ، الذينَ يعتَقِدونَ أنَّ أهلَ البَيتِ هم أدرى النَّاسِ بأسرارِ القُرآنِ وأعلمُهم بمَعانيه، والكِتابُ في جُملتِه يدُلُّ على مِقدارِ تَعَصُّبِ صاحِبه لمَذهَبِه وغُلوِّه في تَشَيُّعِه، فهو يُجادِلُ ويُدافِعُ عن مَبادِئِ حِزبِه، ويطعَنُ في صَحابةِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ويرميهم بالنِّفاقِ والكُفرِ، إلى غَيرِ ذلك)
[2255] ((التفسير والمفسرون)) (2/110). .
أمثلةٌ من تفسيرِ الصَّافي:1- في قَولِ اللهِ تعالى:
الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ [البقرة: 1-2] نَقَل الكاشانيُّ عنِ العَيَّاشيِّ عن
جَعفرٍ الصَّادِقِ أنَّه قال: (كِتابُ عليٍّ لا رَيبَ فيه، وعَقَّب الكاشانيُّ على هذا بقَولِه: (ذاك تَفسيرُه، وهذا تَأويلُه، وإضافتُه الكِتابَ إلى عليٍّ بَيانيَّةٌ، يعني أنَّ ذلك إشارةٌ إلى عليٍّ. والكِتابُ عِبارةٌ عنه، والمَعنى أنَّ ذاك الكِتابَ الذي هو عليٌّ لا مِريةَ فيه. ثُمَّ فسَّرَ المُتَّقينَ بأنَّهمُ الشِّيعةُ
[2256] يُنظر: ((تفسير الصافي)) (1/30). !
2- في قَولِ اللهِ سُبحانَه:
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآْخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ [البقرة: 8] قال الكاشانيُّ: (كابنِ أُبَيٍّ وأصحابِه، وكالأوَّلِ والثَّاني وأضرابِهما مِنَ المُنافِقينَ، الذينَ زادوا على الكُفرِ الموجِبِ للخَتمِ والغِشاوةِ والنِّفاقِ، ولا سيَّما عِندَ نَصبِ أميرِ المُؤمِنينَ للخِلافةِ والإمامةِ)
[2257] يُنظر: ((تفسير الصافي)) (1/31)، والمرادُ بالأوَّلِ والثَّاني: الخليفتانِ أبو بكرٍ وعُمَرُ رَضِيَ اللهُ تعالى عنهما. ويُنظر: ((تفسير الصافي)) (4/177). .
3- في قِصَّةِ هاروتَ وماروتَ مِن سورةِ البَقَرةِ أوردَ الرِّواياتِ المَعروفةَ في شَأنِ هذه القِصَّةِ ومال إلى أنَّها قِصَّةٌ رَمزيَّةٌ، فقال عنها: (مِنَ المرموزاتِ، وأمَّا حَلُّها فلعَلَّ المُرادَ بالمَلَكينِ الرُّوحُ والقَلبُ؛ فإنَّهما مِنَ العالَمِ الرُّوحانيِّ أُهبِطا إلى العالَمِ الجُسمانيِّ لإقامةِ الحَقِّ فافتَتَنا بزَهرةِ الحَياةِ الدُّنيا، ووقَعا في شَبَكةِ الشَّهوةِ، فشَرِبا خَمرَ الغَفلةِ، وعَبدَا صَنَمَ الهَوى، وقَتلَا عَقلَهما النَّاصِحَ لهما بمَنعِ تَغذيتِه بالعِلمِ والتَّقوى، ومَحوِ أثَرِ نُصحِه عن أنفُسِهما وتَهَيَّآ للزِّنا ببَغي الدُّنيا الدَّنيَّةِ التي تَلي تَربيةَ النَّشاطِ والطَّرَب فيها الكوكبُ المُسَمَّى بزَهرة، فهَرَبَتِ الدُّنيا مِنهما وفاتَتهما لما كان مِن عادَتِها أن تَهرُبَ مِن طالبِيها؛ لأنَّها مَتاعُ الغُرورِ، وبَقي إشراقُ حُسنِها في مَوضِعٍ مُرتَفِعٍ بحَيثُ لا تَنالُها أيدي طُلَّابِها ما دامَتِ الزَّهرةُ باقيةً في السَّماءِ، وحَمَلهما حُبُّها في قَلبِهما إلى أن وضعَا طَرائِقَ مِنَ السِّحرِ، وهو ما لطُف مَأخَذُه ودَقَّ، فخُيِّرا للتَّخَلُّصِ مِنها فاختارا بَعدَ التَّنَبُّهِ وعَودِ العَقلِ إليهما أهونَ العَذابَينِ، ثُمَّ رُفِعا إلى البَرزَخِ مُعَذَّبينَ ورَأسُهما بَعدُ إلى أسفلَ إلى يومِ القيامةِ، هذا ما خَطَرَ بالبالِ في حَلِّ هذا الرَّمزِ، وأمَّا حَلُّ بَقيَّةِ أجزائِه التي في رِوايةِ أبي الطُّفيلِ فمَوكولٌ إلى بَصيرةِ ذَوي البَصائِرِ)
[2258] ((تفسير الصافي)) (1/177). .
وعَلَّقَ مُحَمَّد هادي مَعرفة على ذلك بقَولِه: (له في بَعضِ الأحيانِ بَياناتٌ عِرفانيَّةٌ قد تُشبِهُ تَأويلاتٍ غَيرَ مُتَلائِمةٍ مَعَ ظاهرِ النَّصِّ، بَل ومَعَ دَليلِ العَقلِ والفِطرةِ... لقد كان الأجدَرُ به وهو الفقيهُ النَّابهُ المُحَقِّقُ أن يَنبِذَ تلكم الرِّواياتِ الإسرائيليَّةَ المُشَوَّهةَ، حتَّى ولو كانت بصورةِ الرِّوايةِ عن أهلِ البَيتِ افتِراءً عليهم، كان الأجدَرُ به أن يترُكَها دونَ ارتِكابِ التَّأويلِ)
[2259] ((التفسير والمفسرون)) (2/783، 784). .
4- في تفسيرِ قَولِ اللهِ تعالى:
يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ [المائدة: 67] ، قال الكاشانيُّ: (يا أيُّها الرَّسولُ بَلِّغ ما أنزِلَ إليك مِن رَبِّك، يعني: في عليٍّ صَلواتُ اللهِ عليه، فعنهم عليهمُ السَّلامُ كذا نَزَلت. وإن لم تَفعَلْ فما بَلَّغْتَ رِسالتَه، إن تَرَكتَ تَبليغَ ما أُنزِل إليك في وِلايةِ عليٍّ عليه السَّلامُ وكتَمْتَه، كُنتَ كأنَّك لم تُبَلِّغْ شَيئًا مِن رِسالاتِ رَبِّك في استِحقاقِ العُقوبةِ... واللهُ يعصِمُك مِنَ النَّاسِ: يمنَعُك مِن أن ينالوك بسوءٍ، إنَّ اللهَ لا يَهدي القَومَ الكافِرينَ. في الجَوامِعِ عنِ
ابنِ عَبَّاسٍ و
جابرِ بنِ عَبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنه: إنَّ اللهَ تعالى أمر نَبيَّه صلَّى اللهُ عليه وآلِه أن ينصِبَ عَليًّا عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ للنَّاسِ، ويُخبرَه بوِلايتِه، فتَخَوَّف أن يقولوا: حامى ابنَ عَمِّه، وأن يشُقَّ ذلك على جَماعةٍ مِن أصحابِه، فنَزَلت هذه الآيةُ، فأخَذَ بيدِه يومَ غَديرِ خُمٍّ، وقال صلَّى اللهُ عليه وآلِه: «مَن كُنت مَولاه فعَليٌّ مَولاه»
[2260] ((تفسير الصافي)) (2/51). .
5- وفي قَولِ اللهِ تعالى:
وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى [الروم: 27] ، قال الكاشانيُّ: (وله المَثَلُ الأعلى: الوَصفُ العَجيبُ الشَّأنِ الذي ليس لغَيرِه ما يُساويه أو يُدانيه. في التَّوحيدِ عنِ الصَّادِقِ عليه السَّلامُ: «وللهِ المَثَلُ الأعلى الذي لا يُشبِهُه شيءٌ ولا يوصَفُ ولا يُتَوهَّمُ، فذلك المَثَلُ الأعلى». وفي العُيونِ عنِ الرِّضا عليه السَّلامُ: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وآلِه قال لعَليٍّ عليه السَّلامُ: «وأنتَ المَثَلُ الأعلى». وفي رِوايةٍ أنَّه قال في آخِرِ خُطبَتِه: «نَحنُ كلمةُ التَّقوى وسَبيلُ الهدى والمَثَلُ الأعلى»)
[2261] ((تفسير الصافي)) (4/130). .
6- في تَفسيرِ سورةِ القَدْرِ يتَّفِقُ الكاشانيُّ مَعَ القُمِّيِّ في تَفسيرِها بأنَّ المَعنى تَنزَّلُ المَلائِكةُ وروحُ القُدُسِ على المَهديِّ، وذَكر الكاشانيُّ أنَّ وُجودَ القُرآنِ مُتَعَلِّقٌ بوُجودِ الإمامِ، وذَكرَ رِوايةً عن أبي عَبدِ اللهِ بأنَّه لو رُفِعَت ليلةُ القَدرِ لرُفعَ القُرآنُ، ثُمَّ قال الكاشانيُّ: (وذلك لأنَّ في ليلةِ القدرِ ينزِلُ كُلَّ سَنةٍ مِن تَبيينِ القُرآنِ وتَفسيرِه ما يتَعَلَّقُ بأُمورِ تلك السَّنةِ إلى صاحِبِ الأمرِ، فلو لم يكُنْ ليلةُ القَدْرِ لم يَنزِلْ مِن أحكامِ القُرآنِ ما لا بُدَّ مِنه في القَضايا المُتَجَدِّدةِ، وإنَّما لم ينزِلْ ذلك إذا لم يكُنْ مِن يُنزَلُ عليه، وإذا لم يكُنْ مَن يُنزَلُ عليه لم يكُنْ قرآنًا؛ لأنَّهما مُتَصاحِبانِ لن يفتَرِقا حتَّى يرِدَا على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حَوضَه، كما ورَدَ في الحَديثِ المُتَّفَقِ عليه)
[2262] يُنظر: ((تفسير الصافي)) (1/ 65). .
وما أورَدَه الكاشانيُّ في كِتابِه وأخَذَه مِن تَفسيرِ الحَسَنِ العَسكريِّ والقُمِّيِّ والعَيَّاشيِّ نَقلَه بلفظِه أو بمَعناه باختِصارٍ أو بزيادةِ تَوضيحٍ، فكان تَفسيرُه لا يقِلُّ غلوًّا عنِ التَّفاسيرِ الثَّلاثةِ الشِّيعيَّةِ القديمةِ، بل زادَ عليها غُلوًّا.