المَبحَثُ الثَّاني: تَفسيرُ القُمِّيِّ
تَفسيرُ القُمِّيِّ لأبي الحَسَنِ عَليِّ بنِ إبراهيمَ بنِ هاشِمٍ القُمِّيِّ (توُفِّي بَعدَ سَنةِ 307ه)، وقيل سَنةَ 329ه، والقُمِّيُّ ثِقةٌ عِندَ الشِّيعةِ، ويُعتَبَرُ مِن أجَلِّ الرُّواةِ عِندَهم، وقد أكثَرَ مِنَ النَّقلِ عنه تِلميذُه مُحَمَّدُ بنُ يعقوبَ الكُلينيُّ في كِتابه (الكافي)، إلَّا أنَّه لم ينقُلْ شَيئًا مِنَ التَّفسيرِ المَنسوبِ إليه كما قال مُحَمَّد هادي معرفة
[2179] ((التفسير والمفسرون)) (1/423). .
وتَفسيرُه مِن أشهَرِ مَصادِرِ التَّفسيرِ عِندَ الإماميَّةِ المُنتَهِجِ نَهجَ المَأثورِ
[2180] يُنظر: ((المفسرون حياتهم ومنهجهم)) لإيازي (2/571). ، وإن كان بَعضُ الباحِثينَ الشِّيعةِ قد اختَلفوا في نِسبةِ الكِتابِ إلى القُمِّيِّ؛ فذَهَبَ بَعضُهم إلى ثُبوتِه وأثنى عليه، وبَعضُهم شَكَّك في ذلك.
قال طَيِّب الموسَويُّ الجَزائِريُّ -كما في مُقدِّمةِ تَفسيرِ القُمِّيِّ- مُثنيًا عليه بأنَّه: (تُحفةٌ عَصريَّةٌ، ونُخبةٌ أثَريَّةٌ؛ لأنَّها مُشتَمِلةٌ على خَصائِصَ شَتَّى قَلَّما تَجِدُها في غَيرِها؛ فمِنها:
1- أنَّ هذا التَّفسيرَ أصلُ أُصولٍ للتَّفاسيرِ الكثيرةِ كما تَقدَّم.
2- أنَّ رِواياتِه مَرويَّةٌ عنِ الصَّادِقينِ عليهما السَّلامُ مَعَ قِلَّةِ الوسائِطِ والإسنادِ؛ ولهذا قال في الذَّريعةِ: إنَّه في الحَقيقةِ تَفسيرُ الصَّادِقينِ عليهما السَّلامُ.
3- مُؤَلِّفه كان في زَمَنِ الإمامِ العَسكريِّ عليه السَّلامُ.
4- أبوه الذي رَوى هذه الأخبارَ لابنِه كان صَحابيًّا للإمامِ الرِّضا عليه السَّلامُ.
5- أنَّ فيه عِلمًا جَمًّا مِن فضائِلِ أهلِ البَيتِ عليهمُ السَّلامُ التي سَعى أعداؤُهم لإخراجِها مِنَ القُرآنِ الكريمِ.
6- أنَّه مُتَكفِّلٌ لبَيانِ كثيرٍ مِنَ الآياتِ القُرآنيَّةِ التي لم يُفهَمْ مُرادُها تمامًا إلَّا بمَعونةِ وإرشادِ أهلِ البَيتِ عليهمُ السَّلامُ التَّالِينَ للقُرآنِ.
بَقي شَيءٌ:
وهو أنَّ الرَّاويَ الأوَّلَ الذي أمَلَّ عليه عَليُّ بنُ إبراهيمَ القُمِّيُّ هذا التَّفسيرَ على ما يتَضَمَّنُه بَعضُ نُسَخِ هذا التَّفسيرِ (كما في نُسخَتي) هو أبو الفَضلِ العَبَّاسُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ قاسِمِ بنِ حَمزةَ بنِ موسى بنِ جَعفرٍ عليه السَّلامُ، تِلميذُ عَليِّ بنِ إبراهيمَ، وهذا الشَّخصُ وإن لم يوجَدْ له ذِكرٌ في الأُصولِ الرِّجاليَّةِ كما ذَكرَه صاحِبُ الذَّريعةِ إلَّا أنَّ ما يدُلُّ على عُلوِّ شَأنِه وسُموِّ مَكانِه كونُه مِن أولادِ الإمامِ موسى بنِ جَعفرٍ عليه السَّلامُ، ومُنتَهيًا إليه بثَلاثِ وسائِطَ فقَط، وقد ذَكرَه غَيرُ واحِدٍ مِن كُتُبِ الأنسابِ، كبَحرِ الأنسابِ، والمجدي، وعُمدةِ الطَّالبِ، ومِمَّا يرفعُ غُبارَ الرَّيبِ عنِ اعتِبارِ الرَّاوي رُكونُ الأصحابِ إلى هذا الكِتابِ وعَمَلُهم به بلا ارتيابٍ، فلو كان فيه ضَعفٌ لَما رَكنوا إليه... وبالجُملةِ إنَّه تَفسيرٌ رَبَّانيٌّ، وتَنويرٌ شَعشَعانيٌّ، عَميقُ المَعاني، قَويُّ المَباني، عَجيبٌ في طَورِه، بَعيدٌ في غَورِه، لا يخرُجُ مِثلُه إلَّا مِنَ العالمِ عليه السَّلامُ، ولا يعقِلُه إلَّا العالِمونَ، ولم آلُ جُهدًا في تَصحيحِه وتَنظيفِه مِنَ الأغلاطِ المَشحونةِ فيه)
[2181] مقدمة ((تفسير القمي)) (1/ 15). .
وقال مُحَمَّد هادي معرفة: (وأمَّا التَّفسيرُ المَنسوبُ إلى عَليِّ بنِ إبراهيمَ القُمِّيِّ (توُفِّي سَنةَ 329ه) فهو مِن صُنعِ أحَدِ تَلاميذِه المَجهولينَ، هو: أبو الفَضلِ العَبَّاسُ بنُ مُحَمَّدٍ العَلويُّ، أخَذَ شيئًا مِنَ التَّفسيرِ بإملاءِ شَيخِه عَليِّ بنِ إبراهيمَ، ومَزجَه بتَفسيرِ أبي الجارودِ، الآنِفِ، وأضاف إليه شيئًا مِمَّا رَواه هو عن غَيرِ طَريقِ شَيخِه بسائِرِ الطُّرُقِ، فهو تَفسيرٌ مَزيجٌ ثُلاثيُّ الأسانيدِ. ولم يُعرَفْ لحَدِّ الآنَ مَن هذا العَبَّاسُ العَلَويُّ، واضِعُ هذا التَّفسيرِ.
كما أنَّ الرَّاويَ عن أبي الفَضلِ هذا أيضًا مَجهولٌ، فلم يصِحَّ الطَّريقُ إلى هذا التَّفسيرِ. كما لم يعتَمِدْه أربابُ الجَوامِعِ الحديثيَّةِ، فلم يَرووا عنِ الكِتابِ، وإنَّما كانت رِواياتُهم عن عليِّ بنِ إبراهيمَ بإسنادِهم إليه لا إلى كِتابِه، فهو تَفسيرٌ مَجهولُ الانتِسابِ)
[2182] ((التفسير والمفسرون)) (1/446). ويُنظر فيه أيضًا: (2/756). ويُنظر: ((الذريعة إلى تصانيف الشيعة)) للطهراني (4/302) وما بعدها. .
وقال مُحَمَّد عَلي إيازي: (يرِدُ سُؤالٌ هنا: هَل هذا الكِتابُ المَوجودُ بأيدينا هو ذلك الكِتابُ المَعروفُ المَوصوفُ أو غَيرُه؟ المَشهورُ بَينَ الأعلامِ والكُتَّابِ أنَّ هذا الكِتابَ لعَليِّ بنِ إبراهيمَ. ولكِن ذَهَبَ جَماعةٌ مِنَ المُحَقِّقينَ المُعاصِرينَ إلى أنَّ هذا الكِتابَ غَيرُ ما ألَّفه عَليُّ بنُ إبراهيمَ في تَفسيرِ القُرآنِ، وهذا التَّفسيرُ مَنسوبٌ ومَنحولٌ إليه، وليس مِن عَليِّ بنِ إبراهيمَ بقَرائِنَ وشَواهدَ جَليَّةٍ، كما كان كذلك في التَّفسيرِ المَنسوبِ إلى الإمامِ الحَسَنِ العَسكريِّ، ثُمَّ نَقَل إيازي كلامًا حَولَ الكِتابِ عن آقا بُزُرْك الطِّهرانيِّ، ثُمَّ لمُحَمَّد هادي معرفة، ثُمَّ قال: (فعلى هذا، يُستَفادُ مِن هذه العِبارةِ أنَّ الكِتابَ مِن مُؤَلِّفٍ آخَرَ غَيرِ مَعلومٍ عِندَنا اسمُه، مَعَ الاعتِرافِ بأنَّ قِسمًا كثيرًا مِن مَرويَّاتِه عن طَريقِ عَليِّ بنِ إبراهيمَ -كما أشارَ إليه صاحِبُ الفضيلةِ والتَّحقيقِ آقا بُزُرْك الطِّهرانيُّ، وأشارَ إليه إجمالًا في تَقديمِه إيَّاه للكِتابِ- وقسمًا آخَر متَّخَذًا عن تَفسيرِ أبي الجارودِ، ورواياتٍ أُخَرَ أُخِذَت من مَشايِخه. والشَّاهدُ على ذلك كيفيَّةُ شُروعِ الكِتابِ باسِمِ أبي الفضلِ العَبَّاسِ، قال: حَدَّثَنا أبو الحَسَنِ عَليُّ بنُ إبراهيمَ مِن دونِ تَوجُّهٍ إلى المُؤَلِّفِ، فإذا كان المُؤَلِّف قُمِّيًّا لا مَعنى لأن يَذكُرَ تِلميذُه رِواياتِ أُستاذِه: وقال حَدَّثَني.
مضيفًا إلى ذلك أنَّ مُقدِّمةَ الكِتابِ تَشتَمِلُ على اعوجاجاتٍ واختِلاقاتٍ كثيرةٍ، ومِنها القَولُ بتَحريفِ القُرآنِ، وعَدَمُ إسنادِ الرِّواياتِ إلى عَليِّ بنِ إبراهيمَ إلَّا بواسِطةٍ يخفى حالُ راويه.
ويَظهَرُ أنَّ مُؤَلِّفَ الكِتابِ مِمَّن عاصَرَ الكُلينيَّ ولم يُدرِكْ عَليَّ بنَ إبراهيمَ؛ ولهذا نَقَل عن عَليِّ بنِ إبراهيمَ مَعَ الواسِطةِ، ويُمكِنُ أن يكونَ المُؤَلِّفُ أبو الفضلِ العَبَّاسُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ قاسِمِ بنِ حَمزةَ بنِ موسى بنِ جَعفَرٍ، كما أشارَ إليه في ابتِداءِ التَّفسيرِ، وأكَّدَ الأُستاذُ الشَّيخُ هادي معرفة، وهذا الشَّخصُ مَجهولٌ، ولم يوجَدْ له ذِكرٌ في الأُصولِ الرِّجاليَّةِ، كما مَرَّ آنِفًا، نَقلًا عن كلامِ صاحِبِ الذَّريعةِ.
واعتِمادُ الإماميَّةِ على تَفسيرِ عَليِّ بنِ إبراهيمَ لا يدُلُّ على اعتِمادِهم على هذا الكِتابِ ومُؤَلِّفِه. والشَّاهدُ على ذلك أنَّ الرِّواياتِ المَنقولةَ عن عَليِّ بنِ إبراهيمَ في التَّفسيرِ لم تَكُنْ مَوجودةً في هذا الكِتابِ، واعتِمادُ المُتَأخِّرينَ لا يدُلُّ على شَيءٍ)
[2183] ((المفسرون حياتهم ومنهجهم)) (2/572-574). .
أمثلةٌ مِن تَفسيرِ القُمِّيِّ:1- ورد في تفسيرِ القُمِّيِّ في قولِ اللهِ عزَّ وجَلَّ:
إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ [الأعراف: 40] عن أبي جَعفَرٍ أنَّه قال: (نَزَلت هذه الآيةُ في
طَلحةَ و
الزُّبَيرِ، والجَمَلُ جَمَلُهم)
[2184] ((تفسير القمي)) (1/ 230). .
2- ورد في تفسيرِ القُمِّيِّ في قولِ اللهِ تعالى:
الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ [الرعد: 28] عن أبي عَبدِ اللهِ قَولُه: (الذينَ آمَنوا: الشِّيعةُ، وذِكرُ اللهِ: أميرُ المُؤمِنينَ والأئِمَّةُ عليهمُ السَّلامُ)
[2185] ((تفسير القمي)) (1/ 365). .
3- ورد في تفسيرِ القُمِّيِّ في قولِ اللهِ سُبحانَه:
أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ [الحج: 39] عن أبي عَبدِ اللهِ أنَّه قال: (إنَّ العامَّةَ أي أهلَ السُّنَّةِ وهم جُمهورُ المُسلمينَ يقولونَ: نَزَلت في رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وآلِه لَمَّا أخرَجَتْه قُرَيشٌ مِن مَكَّةَ، وإنَّما هي للقائِمِ عليه السَّلامُ يعني المَهديَّ، إذا خَرَجَ يطلُبُ بدَمِ الحُسَينِ عليه السَّلامُ)
[2186] ((تفسير القمي)) (2/ 84). .
4- في قَولِ اللهِ عزَّ وجَلَّ:
طسم * تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ * نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ [القصص: 1-6] ، جاءَ في تَفسيرِ القُمِّيِّ في مَعنى الآيةِ الأخيرةِ التي تَتَكلَّمُ عن فِرعَونَ وهامانَ وجُنودِهما: (همُ الذينَ غَصَبوا آلَ مُحَمَّدٍ حَقَّهم! وقَولُه:
مِنْهُمْ أي: مِن آلِ مُحَمَّدٍ
مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ أي: مِنَ القَتلِ والعَذابِ، ولو كانت هذه الآيةُ نَزَلت في موسى وفِرعَونَ لقال: ونُرِيَ فِرعَونَ وهامانَ وجُنودَهما مِنه ما كانوا يَحذَرونَ، أي: مِن موسى، ولم يقُلْ: منهم!)
[2187] ((تفسير القمي)) (2/ 133)، ومعلومٌ أنَّ ضميرَ الجمعِ كضمائرِ الجمعِ السَّابقةِ تعودُ على قومِ موسى لا عليه هو. . مَعَ أنَّ سياقَ الآياتِ ليس فيه أيُّ تَعَلُّقٍ بآلِ البَيتِ.
5- ورَدَ في تَفسيرِ القُمِّيِّ في تَفسيرِ قَولِ اللهِ تعالى:
إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ [القصص: 85] ، عن أبي جَعفرٍ عليه السَّلامُ سُئِلَ عن جابرٍ فقال: رَحِمَ اللهُ جابرًا بَلغَ مِن فِقهِه أنَّه كان يَعرِفُ تَأويلَ هذه الآيةِ: إنَّ الذي فرَضَ عليك القُرآنَ لرادُّك إلى مَعادٍ، يعني الرَّجعةَ.
... وعن عَليِّ بنِ الحُسَينِ عليه السَّلامُ في قَولِه:
إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قال: يرجِعُ إليكم نَبيُّكم صلَّى اللهُ عليه وآلِه وأميرُ المُؤمِنينَ عليه السَّلامُ والأئِمَّةُ عليهمُ السَّلامُ)
[2188] ((تفسير القمي)) (2/ 147). .
6- ورَدَ في تَفسيرِ القُمِّيِّ عنِ المُفضَّلِ بنِ عُمَرَ أنَّه سَمِعَ أبا عَبدِ اللهِ يقولُ في قَولِ اللهِ تعالى:
وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا [الزمر: 69] قال: (رَبُّ الأرضِ يعني إمامَ الأرضِ، فقُلتُ: فإذا خَرَجَ يكونُ ماذا؟ قال: إذًا يستَغني النَّاسُ عن ضَوءِ الشَّمسِ ونورِ القَمَرِ ويجتَزُونَ بنورِ الإمامِ)
[2189] ((تفسير القمي)) (2/ 253). .
7- ورد في تفسيرِ القُمِّيِّ في قَولِ اللهِ سُبحانَه:
وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ [الزمر: 60] عن أبي عَبدِ اللهِ، قَولُه: (مَن ادَّعى أنَّه إمامٌ وليس بإمامٍ يومَ القيامةِ، تَرى الذينَ كذَبوا على اللهِ وُجوهُهم مُسوَدَّةٌ، وإن كان علَويًّا فاطميًّا)
[2190] ((تفسير القمي)) (2/ 251). . وفي هذا تَعريضٌ بأئِمَّةِ الزَّيديَّةِ؛ فالزَّيديَّةُ يدَّعونَ أنَّهم أئِمَّةٌ تَجِبُ طاعَتُهم، كزَيدِ بنِ عَليٍّ، والهادي يحيى بنِ الحُسَينِ الرَّسيِّ، وليسوا مِنَ الأئِمَّةِ الاثنَي عَشَرَ الذينَ يعتَقِدُ الشِّيعةُ الإماميَّةُ فيهمُ العِصمةَ.
8- في قَولِ اللهِ سُبحانَه:
حم * تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ [غافر: 1 - 3] ، ورَدَ في تَفسيرِ القُمِّيِّ: (ذلك خاصَّةٌ لشيعةِ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السَّلامُ... قَولُه: ما يُجادِلُ في آياتِ اللهِ، همُ الأئِمَّةُ عليهمُ السَّلامُ)
[2191] ((تفسير القمي)) (2/254). .
9- ورَدَ في تَفسيرِ القُمِّيِّ عن أبي جَعفرٍ مُحَمَّدِ بنِ عَليِّ بنِ الحُسَينِ أنَّه قال: نَزَلت هاتانِ الآيتانِ هَكذا، قَولُ اللهِ (حتَّى إذا جاءَنا -يعني فلانًا وفُلانًا- يقولُ أحَدُهما لصاحِبِه حينَ يراه: يا ليتَ بَيني وبَينَك بُعدَ المَشرِقَينِ فبئسَ القَرينُ، فقال اللهُ لنَبيِّه: قُل لفُلانٍ وفُلانٍ وأتباعِهما: (لن ينفعَكم اليومَ إذ ظَلمتُم -آل مُحَمَّدٍ حَقَّهم- أنَّكم في العَذابِ مُشتَرِكونَ، ثُمَّ قال اللهُ لنَبيِّه: (أفأنتَ تُسمِعُ الصُّمَّ أو تَهدي العُمْيَ ومَن كان في ضَلالٍ مُبينٍ فإمَّا نَذهَبَنَّ بِكَ فإنَّا مِنهم مُنتَقِمونَ -يعني مِن فُلانٍ وفُلانٍ، ثُمَّ أوحى اللهُ إلى نَبيِّه صلَّى اللهُ عليه وآلِه: (فاستَمسِك بالذي
أوحِيَ إليك في عَليٍّ إنَّك على صِراطٍ مُستَقيمٍ، يعني: إنَّك على وِلايةِ عليٍّ. وعليٌّ هو الصِّراطُ المُستَقيمُ)
[2192] ((تفسير القمي)) (2/286). 10- سورةُ مُحَمَّدٍ التي أوَّلُها قَولُ اللهِ عزَّ وجَلَّ:
الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ [محمد: 1] ، ورَدَ في تَفسيرِ القُمِّيِّ أنَّها: (نَزَلت في الذينَ ارتَدُّوا بَعدَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وغَصَبوا أهلَ بَيتِه حَقَّهم، وصَدُّوا عن أميرِ المُؤمِنينَ وعن وِلايةِ الأئِمَّةِ، أضَلَّ أعمالَهم: أي: أبطَل ما كان تَقدَّم مِنهم مَعَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِنَ الجِهادِ والنُّصرةِ)
[2193] ((تفسير القمي)) (2/ 300). .
11- جاءَ في تَفسيرِ القُمِّيِّ في قَولِ اللهِ تعالى:
ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا [التحريم: 10] : واللهِ ما عنى بقَولِه: فخانَتاهما إلَّا الفاحِشةَ، وليُقيمنَّ الحَدَّ على فُلانةَ يعني
عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها... وكان فُلانٌ يُحِبُّها يعني
طَلحةَ رَضِيَ اللهُ عنه، فلمَّا أرادَت أن تَخرُجَ إلى البَصرةِ قال لها: لا يحلُّ لك أن تَخرُجي مِن غَيرِ محرَمٍ، فزَوَّجَت نَفسَها مِن فُلانٍ)
[2194] ((تفسير القمي)) (2/377). .
قال المَجلسيُّ: (لا يخفى على النَّاقِدِ البَصيرِ والفَطِنِ الخَبيرِ ما في تلك الآياتِ مِنَ التَّعريضِ بَل التَّصريحِ بنِفاقِ
عائِشةَ و
حَفصةَ وكُفرِهما)
[2195] ((بحار الأنوار)) (22 / 33). !
12- في قَولِ اللهِ تعالى:
تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا [القدر: 4] ، ورَدَ في تَفسيرِ القُمِّيِّ: (تَنَزَّلُ المَلائِكةُ وروحُ القُدُسِ على إمامِ الزَّمانِ يعني المَهديَّ، ويدفعونَ إليه ما قد كتَبوه مِن هذه الأُمورِ)
[2196] ((تفسير القمي)) (2/ 431). .
وقد ورَدَ في تَفسيرِ القُمِّيِّ أنَّ بَعضَ الآياتِ مِمَّا لا يُعلمُ تَفسيرُها إلَّا بَعدَ عَصرِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. ومِمَّا جاءَ فيه: (وأمَّا ما تَأويلُه بَعدَ تَنزيلِه فالأُمورُ التي حَدَثَت في عَصرِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وبَعدَه مِن غَصبِ آلِ مُحَمَّدٍ حَقَّهم، وما وعَدَهمُ اللهُ به مِنَ النَّصرِ على أعدائِهم، وما أخبَرَ اللهُ به مِن أخبارِ القائِمِ وخُروجِه، وأخبارِ الرَّجعةِ والسَّاعةِ)
[2197] ((تفسير القمي)) (1/ 14). .
وقد وضَّحَ مُحَقِّقُ تَفسيرِ القُمِّيِّ طَيِّب الموسَويُّ في مُقدِّمَتِه للكِتابِ سِرَّ تلك التَّأويلاتِ، فقال: (اللهُ تعالى كان عالِمًا بأعمالِ أمَّةِ نَبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بَعدَ وفاتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، بأنَّهم يلعَبونَ بالدِّينِ، ويَهتِكونَ بنَواميسِ حُماتِه في كُلٍّ حينٍ، فحينَئِذٍ لم يُؤمَنْ مِنهم أن لا يُبقوا أساميَ الأئِمَّةِ أو فضائِلَهم في القُرآنِ؛ فلذا لم يكُنْ بُدٌّ إلَّا أن يُبَيِّنَها اللهُ تعالى بالكِنايةِ والاستِعارةِ كما هو دَأبُ القُرآنِ وأُسلوبُه في أكثَرِ آياتِه، فإنَّ له ظاهِرًا يتَعَلَّقُ بشَيءٍ، وباطنًا بشَيءٍ آخَرَ)
[2198] مقدمة ((تفسير القمي)) (1/ 34). .
وقال أيضًا: (مِن هنا قال أبو جَعفرٍ: إنَّ القُرآنَ نَزَل أثلاثًا: ثُلثٌ فينا وفي أحِبَّائِنا، وثُلثٌ في أعدائِنا وعَدوِّ مَن كان قَبلَنا، وثُلثٌ سُنَّةٌ ومَثَلٌ)
[2199] مقدمة ((تفسير القمي)) (1/ 21). .
ثُمَّ قال: (فانكشَف مِمَّا ذَكَرْنا أنَّ كُلَّ ما ورَدَ في القُرآنِ مِنَ المَدحِ كِنايةً وصَراحةً فهو راجِعٌ إلى مُحَمَّدٍ وآلِه الطَّاهرينَ، وكُلَّ ما ورَدَ فيه مِنَ القَدحِ كذلك فهو لأعدائِهم أجمَعينَ، السَّابقينَ مِنهم واللَّاحِقينَ، ويُحمَلُ عليه جَميعُ الآياتِ مِن هذا القَبيلِ، وإن كان خِلافًا للظَّاهِرِ)
[2200] مقدمة ((تفسير القمي)) (1/ 24، 25). .