الموسوعة التاريخية


العام الهجري : 624 الشهر القمري : شعبان العام الميلادي : 1227
تفاصيل الحدث:

بعد أنْ تولَّى أمرَ دولة الموحدينَ أبو محمد العادل بن أبي يوسف يعقوب المنصور سنة 621هـ (1224م) عهد بولاية إفريقيَّةَ إلى أبي محمَّد عبد الله بن عبد الواحد بن أبي حفص، وكان في صحبته أخوه أبو زكريا يحيى، وقام الوالي الجديدُ بإعادة الهدوء والاستقرارِ بعد أن عكَّرت صفوَها الفتنُ والثَّورات، وقام بحَمَلات على الخارجينَ على سلطان الدولة، وما كادت الأمورُ تستقرُّ حتى قفز على منصبِ حُكم الموحِّدين أبو العلاء إدريس المأمون سنة 624 هـ (1227م) بعد ثورة قادها ضدَّ أخيه أبي محمد العادل، فرفض أبو محمد عبد الله الحفصي بيعتَه والدُّخولَ في طاعته، فما كان من حاكِمِ الموحِّدين الجديدِ إلَّا أن كتب بولاية إفريقية إلى أبي زكريا يحيى، فقَبِلَها على الفور وسار من تونس إلى القيروان، وتغلَّب على أخيه أبي محمد عبد الله، وتولى أمر البلاد سنة 625 هـ (1228م) وكانت سن أبي زكريا يوم بدأ حكمه سبعًا وعشرين سنة، لكن ما أظهَرَه من أول وهلة من براعة ومقدرة كان يدلُّ على ما يتمتَّعُ به من نضجٍ سياسيٍّ، ومهارة إداريَّة، وسبق له أن حكمَ في منطقة إشبيليَّة بالأندلس؛ حيث كان واليًا على بعضِ المقاطعاتِ هناك. وبعد قليلٍ مِن ولايته خلع أبو زكريا طاعةَ أبي العلاء إدريس حاكِمِ الموحدين، ولكنَّه لم يدعُ لنفسه بالأمر؛ تحسبًا للموحِّدينَ الذين كانوا في ولايته، واتخذَ تونس عاصمة له، وبدأ في اكتساب محبَّة أهل إفريقيَّة باتباعِ سياسة معينة، فأحسن معاملتَهم، وخفَّف عنهم أعباءَ الضرائب، ونظر في أمورِهم، وراقبَ عُمَّاله وولاتَه، واستعان بأهل الخبرة والكفاءة، وقرَّب الفقهاءَ إليه، فأسلَمَت له البلاد قيادَها ودانت له بالطاعة والولاء. ثم نهض أبو زكريا لإقرار سُلطانِه وبَسطِ نفوذه في المناطق المجاورة، فزحف بجيشِه إلى قسنطينة بالجزائر، فدخلها دون صعوبةٍ، وخرج أهلُها لمبايعته في شعبان 626 هـ (1229م)، ثم اتجه إلى بجاية ففتحها ودخلت في سلطانه، وبذلك خرجت الولايتان من سلطان دولة الموحدين، وأصبحتا تابعتين لأبي زكريا، ثم طاف بالنواحي الشَّرقية من ولايته، واستوثق من طاعة أهلِها. وكان ردُّ الموحدينَ على توسعات أبي زكريا على حساب دولتِهم ضعيفًا للغاية، بل يكاد يكونُ معدومًا، ولم يستطع حكَّام الموحدين أن يمنعوا تفكُّكَ دولتهم، أو يقضوا على الحركاتِ الانفصاليَّة، فكانت الدولةُ مشغولةً بالفِتَن والثورات التي تهب في الأندلُسِ، بل في مراكشَ عاصمةِ دولتِهم.

العام الهجري : 624 الشهر القمري : شعبان العام الميلادي : 1227
تفاصيل الحدث:

سار الحاجب علي حسام الدين، وهو النائب عن الملك الأشرف بخلاط، والمقدَّم على عساكرِها، إلى بلاد أذربيجان فيمن عندَه من العساكر، وسببُ ذلك أنَّ سيرة جلال الدين كانت جائرةً، وعساكرُه طامعةً في الرعايا، وكانت زوجتُه ابنةَ السلطان طغرل السلجوقي، وهي التي كانت زوجةَ أوزبك بن البهلوان، صاحب أذربيجان، فتزوجَّها جلال الدين، وكانت مع أوزبك تحكُم في البلاد جميعها، ليس له ولا لغيره معها حكمٌ، فلما تزوجها جلال الدين أهملها ولم يلتَفِتْ إليها، فخافته مع ما حُرِمَته من الحكم والأمر والنهي، فأرسلَت هي وأهل خُوَيٍّ إلى حسام الدين الحاجب يستدعونَه ليسَلِّموا البلاد، فسار ودخل البلاد، بلاد أذربيجان، فمَلَك مدينة خوي وما يجاورها من الحصون التي بيد امرأة جلال الدين، وملك مَرَنْدَ، وكاتبه أهلُ مدينة نقجوان، فمضى إليهم، فسَلَّموها إليه، وقَوِيَت شوكتُهم بتلك البلاد.

العام الهجري : 624 الشهر القمري : شوال العام الميلادي : 1227
تفاصيل الحدث:

قُتل العادِلُ الموحدي عبد الله بن يعقوب المنصور بن يوسف بن عبدالمؤمن بن علي, فقد كان أميرًا على شرقيِّ الأندلس وجاءته بيعةُ أهل مراكش بعد خلع عمه عبد الواحد، ففوض الأمرَ إلى أخيه أبي العلاء وقصد مراكش ثمَّ اضطربت عليه الأمورُ وقامت فِتَنٌ، فدعا أخوه أبو العلاء لنفسه في إشبيلية وأخذ البيعةَ وتلقب بالمأمون، وأرسل إلى مراكش يدعوهم إلى بيعته، وأعلمهم أن أهلَ الأندلسِ معه، فخلع أهلُ مراكش العادل بعد أن طلبوا منه أن يخلعَ نفسَه، فلم يفعل فقتلوه وبايعوا يحيى المعتصم بالله بن محمد الناصر بن أبي يوسف يعقوب المنصور، فأصبح لدولة الموحدين دولتان وملكان.

العام الهجري : 624 الشهر القمري : ذي القعدة العام الميلادي : 1227
تفاصيل الحدث:

هو المَلِكُ المعَظَّم شرفُ الدين عيسى بن الملك العادل كان عاليَ الهمة حازمًا شجاعًا مهيبًا فاضلًا جامعًا شَملَ أرباب الفضائل محبًّا لهم، كانت مملكتُه متسعة من حدود بلد حمص إلى العريش يدخل في ذلك بلاد الساحل الإسلامية منها، وبلاد الغور وفلسطين والقدس والكرك والشوبك وصرخد وغير ذلك. توفي يوم الجمعة آخر ذي القعدة، وكان مرضُه دوسنطاريا، وكان ملكُه لمدينة دمشق، من حين وفاة والده الملك العادل، عشر سنين وخمسة أشهر وثلاثة وعشرين يومًا، وكان في الفقه على مذهب أبي حنيفة متعصبًا لمذهبه، فإنه كان قد اشتغل به كثيرًا، وصار من المتميزين فيه، ولم يكن في بني أيوب حنفيٌّ سواه، وتبعه أولاده، وكان يحب الأدبَ كثيرًا واشتغل بعلم النحو اشتغالًا زائدًا، وصار فيه فاضلًا، وكذلك اللغة وغيرها، وقيل إنه كان قد شرط لكلِّ من يحفظ "المفصَّل" للزمخشري مائة دينار وخلعة، فحفظه لهذا السبب جماعة، ورأيت بعضَهم بدمشق، والناس يقولون: إن سبب حفظهم له كان هذا، وقيل إنَّه لما توفي كان قد انتهى بعضُهم إلى أواخره وبعضُهم في أثنائه، وهم على قدر أوقاتِ شروعهم فيه، ولم يُسمَعْ بمثل هذه المنقبة لغيره. وكان يقولُ كثيرًا: إن اعتقادي في الأصول ما سطره أبو جعفر الطحاوي، ووصى عند موته بأن يكَفَّن في البياض، ولا يجعل في أكفانه ثوبٌ فيه ذهب، وأن يُدفَن في لحد، ولا يبنى عليه بناءٌ، بل يكون قبره في الصحراء تحت السماء، ولما توفي ولي بعده ابنُه داود وتلقب بالملك الناصر، وكان عمرُه قد قارب عشرين سنة.

العام الهجري : 625 العام الميلادي : 1227
تفاصيل الحدث:

استقَلَّ بنو حفص عن دولة الموحِّدين بعد أن انقسمت دولتُهم: قِسمٌ في الأندلس، وقِسمٌ في مراكش، فأطمعهم ذلك بالافتراق عنهم فأقاموا دولةً لهم بزعامةِ أبي زكريا يحيى الأوَّل بن أبي حفص الهتاني، واستمرَّت دولتُهم هذه إلى عام 981.

العام الهجري : 625 العام الميلادي : 1227
تفاصيل الحدث:

هو جنكيزخان السلطان الأعظم عند التتار والدُ ملوكهم، واسمه تموجين وقيل (تمرجين أو تمرجي) ولد في غرة محرم سنة 550 في منغوليا على الضفة اليمنى لنهر الأونون في مقاطعة دولون بولداق وهذه المقاطعة توجد اليوم في الأراضي الروسية. وكان أبوه بسوكاي رئيسًا لقبيلة قيات المغولية فسمَّاه باسم قائد صرعه؛ لأنَّه كان معجبًا به لفرط شجاعته, وقيل: "إنَّ أمَّه كانت تزعمُ أنها حملته من شعاع الشمس؛ فلهذا لا يُعرَفُ له أب، ولهذا قد يكون مجهولَ النسب". لما مات بسوكاي سنة 563 حل محلَّه تمرجين وكان عمره ثلاثة عشر عامًا إلَّا أن رجال قبيلته استصغروا سنَّه ورفضوا طاعته, حينما بلغ السابعةَ عشرة من عمره استطاع بقوَّة شخصيته وحِدَّة ذكائه أن يعيدَ رجال قبيلته إلى طاعته وأن يُخضِعَ المناوئين له حتى تمَّت له السيطرة, وأصبح تمرجين بعد انتصاره أقوى شخصية مغولية، فنودي به خاقانًا، وعُرف باسم "جنكيز خان" أي: إمبراطور العالم. وهو صاحب "التورا" و"اليسق أو الياسق"، وضعه ليتحاكم إليه التتار ومن معهم من أمراء الترك, والتورا باللغة التركية هو المذهب، واليسق هو الترتيب، وأصل كلمة اليسق: سي يسا، وهو لفظ مركب من أعجمي وتركي، ومعناه: التراتيب الثلاث؛ لأن " سي " بالعجمي في العدد ثلاثة، و" يسا " بالتركي: الترتيب؛ وعلى هذا مشت التتار منذ أن وضعه لهم جنكيز خان، وانتشر الياسق في سائر الممالك حتى ممالك مصر والشام، وصاروا يقولون: " سي يسا " فثقلت عليهم فقالوا: " سياسة " على تحاريف العرب في اللغات الأعجمية لهم السياسا التي يتحاكمون إليها، ويحكمون بها، وأكثرها مخالف لشرائع الله تعالى وكتبه، وهو شيء اقترحه من عند نفسه، وتَبِعوه في ذلك, وقد عظُمَ أمر جنكيزخان وبعُدَ صِيتُه وخضعت له قبائلُ الترك ببلاد طمغاج كلها، حتى صار يركَبُ في نحو ثمانمائة ألف مقاتل، وأكثَرُ القبائل قبيلته التي هو منها يقال لهم قيان، ثم أقرب القبائلِ إليه بعدهم قبيلتان كبيرتا العدد، وهما أزان وقنقوران، وكان يصطاد من السنة ثلاثة أشهر، والباقي للحرب والحكم، فلما هلك جعلوه في تابوت من حديد وربطوه بسلاسل وعلقوه بين جبلين, وأما كتابُه الياسا فإنه يكتب في مجلدين بخط غليظ، ويُحمَل على بعير عندهم، وقد ذكَرَ بعضُهم أنه كان يصعد جبلًا ثم ينزل. ثم يصعدُ ثم ينزل مرارًا حتى يعيى ويقع مغشيًّا عليه، ويأمر من عنده أن يكتبَ ما يلقى على لسانه حينئذٍ، فإن كان هذا هكذا فالظاهر أن الشيطانَ كان ينطق على لسانِه بما فيها، واستمر أولاد جنكيزخان في ممالكه التي قسمها عليهم في حياته، ولم يختلف منهم واحد على واحد، ومشوا على ما أوصاهم به، وعلى طريقته " التورا " و" اليسق " ولما احتُضر أوصى أولاده بالاتفاق وعدم الافتراق، وضرب لهم في ذلك الأمثال، وأحضر بين يديه نشابًا وأخذ سهمًا أعطاه لواحد منهم فكسره، ثم أحضر حزمة ودفعها إليهم مجموعة فلم يطيقوا كسرَها، فقال: هذا مثَلُكم إذا اجتمعتم واتَّفقتم، وذلك مثلُكم إذا انفردتُم واختلفتُم، قال: وكان له عِدَّةُ أولاد ذكور وإناث، منهم أربعة هم عظماء أولاده، أكبرهم يوسي وهريول وباتو وبركة وتركجار، وكان كل منهم له وظيفة عنده. قال ابن كثير: " وقد رأيت مجلدًا ببغداد جمعه الوزير علاء الدين الجويني في ترجمة جنكيز خان، ذكر فيه سيرته، وما كان يشتَمِلُ عليه من العقل السياسي والكرم والشجاعة والتدبير الجيد للملك والرعايا، والحروب, وذكر فيه نتفًا من الياسا من ذلك: أنه من زنا قتل، محصنًا كان أو غير محصن، وكذلك من لاط قُتل، ومن تعمد الكذب قُتل، ومَن سحر قُتل، ومن تجسَّس قُتل، ومن دخل بين اثنين يختصمان فأعان أحدَهما قُتل، ومن بال في الماء الواقف قُتل، ومن انغمس فيه قُتل، ومن أطعم أسيرًا أو سقاه أو كساه بغير إذن أهلِه قُتل.... "

العام الهجري : 625 العام الميلادي : 1227
تفاصيل الحدث:

توفي ملك قبرص هوك دولوزنيان وقد خلف ولدًا قاصرًا هو هنري الأول، فتولى الوصاية عليه فيليب إيبلان برضا أمه الملكة، فلما توفي فيليب انتقلت الوصاية إلى أخيه جان، لكن بغير رضا الملكة، وكان الملك فردريك الثاني قد مر على قبرص في طريقه إلى بلاد الشام، فاستعانت به الملكة ضد الوصي جان فاستولى فردريك على قبرص وضمها إلى مملكته الألمانية.

العام الهجري : 625 العام الميلادي : 1227
تفاصيل الحدث:

استولى محمد بن يوسف بن هود من سلالة بني هود على مرسية، وطرد منها الموحدين، وأعلن طاعته للخليفة العباسي المستنصر بالله، وتلقب بالمتوكل على الله، ودخل في طاعته جيان وقرطبة وماردة وبطليوس وغيرها من المدن الإسبانية.

العام الهجري : 625 العام الميلادي : 1227
تفاصيل الحدث:

بدأ في هذا العام إنشاء محاكم التفتيش الصليبية على يد رجال الكنيسة الكاثوليكية لمحارة الخارجين على سيادة الكنيسة وسلطة البابا؛ حيث وصمت الكنيسة هؤلاء الخارجين على سيادتها من اليهود والنصارى بالكفر والانحراف والبدعة والهرطقة، وأصدرت قوانين التعذيب والقتل بأبشع صورة, وفي القرن الخامس عشر والسادس عشر سلطت هذه المحاكم زبانيتها على المسلمين الذين بقوا في الأندلس بعد سقوط حكم المسلمين فيها لردهم عن دينهم.

العام الهجري : 625 العام الميلادي : 1227
تفاصيل الحدث:

عاود التتر الخروج إلى الري، وجرى بينهم وبين جلال الدين حروب كثيرة، كان أكثرها عليه، وفي الأخير كان الظفر له وكانت أول حرب بينهم فيها عجائب غريبة، وكان هؤلاء التتر قد سخط ملكُهم جنكيزخان على مُقدَّمهم، وأبعده عنه، وأخرجه من بلاده، فقصد خراسان، فرآها خرابًا، فقصد الريَّ ليتغلب على تلك النواحي والبلاد، فلقيه بها جلال الدين، فاقتتلوا أشدَّ قتال، ثم انهزم جلال الدين وعاد ثم انهزم، وقصد أصفهان، وأقام بينها وبين الري، وجمع عساكره ومَن في طاعته، فكان فيمن أتاه صاحب بلاد فارس، وهو ابن أتابك سعد ملك بعد وفاة أبيه، وعاد جلال الدين إلى التتر فلَقِيَهم، فبينما هم مصطفون كلُّ طائفة مقابل الأخرى انعزل غياث الدين أخو جلال الدين فيمن وافقه من الأمراء على مفارقةِ جلال الدين، واعتزلوا، وقصدوا جهةً ساروا إليها، فلما رآهم التتر قد فارقوا العسكر ظنُّوهم يريدون أن يأتوهم من وراء ظهورهم ويقاتلوهم من جهتين، فانهزم التتر لهذا الظنِّ وتَبِعَهم صاحب بلاد فارس، وأمَّا جلال الدين فإنه لما رأى مفارقة أخيه إياه ومن معه من الأمراء ظنَّ أن التتر قد رجعوا خديعة ليستدرجوه، فعاد منهزمًا، ولم يجسر أن يدخل أصفهان؛ لئلا يحصره التتر، فمضى إلى سميرم، وأما صاحب فارس فلما أبعد في أثر التتر، ولم ير جلال الدين ولا عسكره معه، خاف التتر فعاد عنهم، وأما التترُ فلما لم يروا في آثارهم أحدًا يطلبُهم وقفوا، ثم عادوا إلى أصفهان، فلم يجدوا في طريقهم من يمنَعُهم، فوصلوا إلى أصفهان فحصروها، وأهلها يظنون أنَّ جلال الدين قد عدم، فبينما هم كذلك والتتر يحصرونَهم إذ وصل قاصد من جلال الدين إليهم يعرفُهم سلامته، ويقول: إني أدور حتى يجتَمِعَ إليَّ من سلم من العسكر وأقصدُكم ونتفق أنا وأنتم على إزعاج التتر وترحيلهم عنكم، فأرسلوا إليه يستدعونه إليهم، ويعدونه النصرةَ والخروج معه إلى عدوه، وفيهم شجاعة عظيمة، فسار إليهم واجتمع بها، وخرج أهل أصفهان معه، فقاتلوا التتر، فانهزم التترُ أقبَحَ هزيمة، وتبعهم جلال الدين إلى الريِّ يقتُلُ ويأسر، فلما أبعدوا عن الري أقام بها، وأرسل إليه ابن جنكيزخان يقول: إن هؤلاء ليسوا من أصحابنا، إنما نحن أبعدناهم عنا، فلمَّا أمن جانب ابن جنكيزخان أمن وعاد إلى أذربيجان.

العام الهجري : 625 العام الميلادي : 1227
تفاصيل الحدث:

خرج كثيرٌ من الفرنج من بلادهم، التي هي في الغرب من صقلية وما وراءها من البلاد، إلى بلادهم التي بالشام: عكا وصور وغيرهما من ساحل الشام، فكثُرَ جمعهم، وكان قد خرج قبل هؤلاء جمع آخر أيضًا إلا أنهم لم تمكِنْهم الحركة والشروع في أمر الحرب؛ لأجل أنَّ مَلِكَهم الذي هو المقدَّم عليهم هو ملك الألمان، ولأنَّ الملك المعظم عيسى بن العادل صاحب دمشق كان حيًّا، وكان شهمًا شجاعًا مقدامًا، فلما توفي المعظم، وولي بعده ابنُه وملك دمشق، طمع الفرنج، وظهروا من عكا وصور وبيروت إلى مدينة صيدا، وكانت مناصفة بينهم وبين المسلمين، وسورها خراب، فعمروها، واستولوا عليها، وإنما تمَّ لهم ذلك بسبب تخريب الحصون القريبة منها؛ تبنين وهونين وغيرهما، فعظمت شوكة الفرنج، وقوي طمعُهم.

العام الهجري : 625 العام الميلادي : 1227
تفاصيل الحدث:

ملك علاء الدين كيقباذ بن كيخسرو بن قلج أرسلان- وهو صاحب قونية وما حولها من بلاد الروم- أرزنكان، وسبب ملكه إياها أن صاحبها بهرام شاه كان قد طال مُلكُه لها، وجاوز ستين سنة، توفي ولم يزل في طاعة قلج أرسلان وأولاده بعده، فلما توفي ملك بعده ولده علاء الدين داود شاه، فأرسل إليه كيقباذ يطلب منه عسكرًا ليسير معه إلى مدينة أرزن الروم- وهي قريبة من مدينة أرزنكان- ليحصرها، ويكون هو مع العسكر، ففعل ذلك، وسار في عسكره إليه، فلما وصل قبض عليه، وأخذ مدينة أرزنكان منه، وله حصنٌ من أمنع الحصون اسمه كماخ، وفيه مستحفظ لداود شاه، فأرسل إليه ملك الروم يحصُره، فلم يقدر العسكرُ على القرب منه؛ لعُلُوِّه وارتفاعه وامتناعه، فتهدَّد داود شاه إن لم يسلم كماخ، فأرسل إلى نائبه في التسليم، فسلم القلعةَ إلى كيقباذ، وأراد كيقباذ المسير إلى أرزن الروم ليأخُذَها وبها صاحبها ابن عمه طغرل شاه بن قلج أرسلان، فلما سمع صاحبها بذلك أرسل إلى الأمير حسام الدين علي، النائب عن الملك الأشرف بخلاط، يستنجِدُه، وأظهر طاعة الأشرف، فسار حسام الدين فيمن عنده من العساكر، وكان قد جمعها من الشام، وديار الجزيرة، خوفًا من ملك الروم، خافوا أنه إذا ملك أرزن الروم يتعدى ويقصد خلاط، فسار الحاجب حسام الدين إلى الروم ومنع عنها، ولما سمع كيقباذ بوصول العساكر إليها لم يُقدِم على قصدها، فسار من أرزنكان إلى بلاده، وكان قد أتاه الخبر أن الروم الكفار المجاورين لبلاده قد ملكوا منه حصنًا يسمى صنوب، وهو من أحصن القلاع، مطِلٌّ على البحر السياه بحر الخزر، فلما وصل إلى بلاده سيَّرَ العسكر إليه وحصره برًّا وبحرًا، فاستعاده من الروم، وسار إلى أنطاكية ليشتي بها على عادته.

العام الهجري : 625 العام الميلادي : 1227
تفاصيل الحدث:

وصل جلال الدين خوارزم شاه إلى بلاد خلاط، وتعدى خلاط إلى صحراء موش، وجبل جور، ونهب الجميع، وسبى الحريم، واسترقَّ الأولاد، وقتل الرجال، وخرب القرى، وعاد إلى بلاده، ولما وصل الخبرُ إلى البلاد الجزرية: حران وسروج وغيرهما، أنَّه قد جاز خلاط إلى جور، وأنه قد قرب منهم، خاف أهل البلاد أن يجيء إليهم، لأنَّ الزمان كان شتاء، وظنُّوا أنه يقصد الجزيرة ليشتي بها، لأنَّ البرد بها ليس بالشديد، وعزموا على الانتقال من بلادهم إلى الشام، ووصل بعض أهل سروج إلى منبج من أرض الشام، فأتاهم الخبر أنه قد نهب البلاد وعاد، فأقاموا، وكان سبب عوده أن الثلج سقط ببلاد خلاط كثيرًا، لم يعهد مثله، فأسرع العودَ.

العام الهجري : 625 الشهر القمري : شوال العام الميلادي : 1228
تفاصيل الحدث:

سار الملك الكامل محمد بن الملك العادل، صاحب مصر, فوصل إلى بيت المقدس, ثم سار عنه، وتولى بمدينة نابلس، وشحن على تلك البلاد جميعها، وكانت من أعمال دمشق، فلما سمع صاحبها، وهو ابن الملك المعظم، خاف أن يقصده ويأخذ دمشق منه، فأرسل إلى عمه الملك الأشرف يطلبه ليحضر عنده بدمشق، فسار إليه جريدة، فدخل دمشق، فلما سمع الكامل بذلك لم يتقدم لعِلمِه أن البلد منيع، وقد صار به من يمنعه ويحميه، وأرسل إليه الملك الأشرف يستعطفه، ويعرفه أنه ما جاء إلى دمشق إلا طاعة له، وموافقة لأغراضه، والاتفاق معه على منع الفرنج عن البلاد، فأعاد الكامل الجواب يقول: إنني ما جئت إلى هذه البلاد إلا بسبب الفرنج، وحيث قد حضرتَ أنت فأنا أعود إلى مصر، واحفظ أنت البلاد، ولستُ بالذي يقال عني إني قاتلت أخي، وحصرته، حاشا لله تعالى، وتأخر عن نابلس نحو الديار المصرية، ونزل تل العجول، فخاف الأشرف والناس قاطبة بالشام، وعلموا أنه إن عاد استولى الفرنجُ على بيت المقدس وغيره مما يجاوره، لا مانع دونه، فترددت الرسل وسار الأشرف بنفسه إلى الكامل أخيه، فحضر عنده، وكان وصوله ليلة عيد الأضحى، ومنعه من العود إلى مصر، فأقام بمكانِه.

العام الهجري : 626 العام الميلادي : 1228
تفاصيل الحدث:

بعد أن ترددت الرسل بين الملك الكامل صاحب مصر وفردريك الثاني ملك ألمانيا انتهوا على صلح عشر سنوات يسلم الكامل بيت المقدس للصليبيين نكاية بإخوانه في الشام بسبب خلاف بينه وبينهم, وجاء في بنود الاتفاق الذي عرف باتفاق يافا: 1/ أن ملك الفرنج يأخذ القدس من المسلمين، ويبقيها على ما هي من الخراب، ولا يجدد سورها. 2/ أن يكون سائر قرى القدس للمسلمين، لا حكم فيها للفرنج. 3/ أن الحرم بما حواه من الصخرة والمسجد الأقصى يكون بأيدي المسلمين، لا يدخله الفرنج إلا للزيارة فقط، ويتولاه والٍ من المسلمين، ويقيمون فيه شعار الإسلام من الأذان والصلاة. 4/ أن تكون القرى التي فيها بين عكا وبين يافا، وبين القدس، بأيدي الفرنج، دون ما عداها من قرى القدس. ثم في 22 ربيع الأول من هذه السنة، ( 18فبراير 1229 م) تسلم الفرنج بيت المقدس صلحًا، ولما تسلم الفرنج البيت المقدس، استعظم المسلمون ذلك وأكبروه واستقبحوا ما فعله الكامل، ووجدوا له من الوهن والتألم ما لا يمكن وصفه. وقد ذكر سبط ابن الجوزي ردة الفعل على تسليم الكامل بيت المقدس للصليبيين بقوله: "قامت القيامة في جميع بلاد الإسلام، واشتدت العظائم، بحيث أقيمت المآتم، وأشار علي الملك الناصر داود بن الملك المعظم أن أجلس بجامع دمشق، وأذكر ما جرى على البيت المقدس، فما أمكنني مخالفته، ورأيت من جملة الديانة الحمية للإسلام موافقته، فجلست بجامع دمشق، وحضر الناصر داود، على باب مشهد علي، وكان يومًا مشهورًا، لم يتخلف من أهل دمشق أحد, وقد انقطعت عن البيت المقدس وفود الزائرين، فيا وحشة المجاورين، كم كان لهم في تلك الأماكن من ركعة، وكم خرت لهم على تلك المساكن من دمعة، والله لو صارت عيونهم عيونًا لما وفت، ولو تقطعت قلوبهم أسفًا لما شفت، أحسن الله عزاء المؤمنين، يا خجلة ملوك المسلمين لمثل هذه الحادثة تسكب العبرات، لمثلها تنقطع القلوب من الزفرات، لمثلها تعظم الحسرات"

العام الهجري : 626 العام الميلادي : 1228
تفاصيل الحدث:

بعد أن تسلم فردريك الثاني ملك ألمانيا القدس على الاتفاق توج نفسه ملكًا على القدس بوصفه زوجًا للملكة إيزابيلا الثانية ملكة القدس ثم غادر فلسطين.

العام الهجري : 626 العام الميلادي : 1228
تفاصيل الحدث:

انتهى حكم أيبك على هندستان في سنة 608 (1210م) وذلك على أثر سقوطه من على فرسه. أثناء لعبة الكرة أو البولو- جوكان- فتوفي على الأثر, وخلفه أحدُ مماليكه البارزين وزوج ابنته شمس الدين التتمش الذي سار سيرة حسنة في رعيته، واشتدَّ في رد المظالم وإنصاف المظلومين. فيؤثر عنه أنه أمر أن يلبس كلُّ مظلوم ثوبًا مصبوغًا. وأهل الهند جميعًا يلبسون البياض، فكان إذا قعد للنَّاسِ أو ركب، فرأى أحدًا عليه ثوب مصبوغ نظر في قضيته وأنصفه ممَّن ظلمه. وبلغ فوز السلطان التتمش أقصى مداه حينما اعترف به خليفة بغداد المستنصر بالله العباسي، سلطانًا على الهند، وبعث له بالتقليد والخِلَع والألوية في سنة 626 (1229 م)، فأصبح التتمش بذلك أول ملك في الهند تسلم مثل هذا التقليد. ومنذ ذلك التاريخ ضرب التتمش نقودًا فضية نقش عليها اسم الخليفة العباسي بجوار اسمه. ويعتبر هذا العمل شيئا جديدًا على نظام العملة الهندية؛ إذ كان الحكام المسلمون قبل ذلك يضربون نقودًا معدنية صغيرة على غرار النقود الوطنية، تنقش عليها أشكال مألوفة لدى الهنود، كثور سيفا مثلًا، كما كانت أسماء الفاتحين تكتب بحروف هندية في غالب الأحيان. فالتتمش يعتبر أول من ضرب نقودًا فضية خالصة في الهند.

العام الهجري : 626 الشهر القمري : ربيع الأول العام الميلادي : 1229
تفاصيل الحدث:

كان البابا غريغوريوس التاسع قد أصدر سابقًا سنة 623 صكًّا فيه حرمان الملك فردريك ملك ألمانيا من الكنيسة؛ وذلك بسبب تأخره عن تجهيز الحملة الصليبية السادسة، واعتذر بسبب مرضه وهذا لم يشفع له، ثم في هذا العام أصدر البابا صكًّا آخر فيه حرمان ثان؛ وذلك ليمنعه من تسلم بيت المقدس كما وعده الكامل صاحب مصر، وقام البابا أيضًا بمراسلة الكامل، وبيَّنَ له أن فردريك قد طرد من الكنيسة ولا يستحق أن يتسلم بيت المقدس.

العام الهجري : 626 الشهر القمري : ربيع الآخر العام الميلادي : 1229
تفاصيل الحدث:

بدأت الحملة الصليبية السادسة سنة 625 (1227م)كمحاولة لإعادة السيطرة على بيت المقدس. بدأت بعد سبع سنوات فقط من فشل الحملة الصليبية الخامسة التي ترأسها الإمبراطور فريدريك الثاني هوهنشتاوفن الألماني الذي نذر النذر الصليبي للحملة السابقة ولم يف به حينها، وأراد الإمبراطور أن يحقق مقاصده دون أن يسحب سيفه من غمده، فتزوج في صيف سنة 622 (1224م) من ابنة ملك بيت المقدس يوحنا دي بريان (يولاندي والمعروفة أيضًا باسم إيزابيلا) وتزوج كذلك من ماريا من مونتفيرات، وأخذ يطالب بعرش مملكة زالت من الوجود من زمان في فلسطين، واستغل الحرب بين الأيوبيين الملك الكامل صاحب مصر مع أخيه الملك المعظم صاحب دمشق ودخل في مفاوضات مع السلطان الكامل، الأمر الذي أثار غضب روما، وقيَّم البابا أونوريوس الثالث مسلك فريدريك الثاني بكل قساوة واتهمه بإهمال قضية الرب؛ بل إنه هدده بالحرمان من الكنيسة وفرض غرامة مقدارها 100 ألف أوقية من الذهب إذا لم تقم الحملة الصليبية في آخر المطاف، وقد أرجئ البدء بها إلى 624 (1226م) وبدأ فريدريك الثاني ببناء السفن واستأنفت روما في الدعوة إلى الحرب المقدسة، ولكن الدعوات قوبلت باللامبالاة، وفي هذه الأثناء، وقبل خمسة أشهر من الموعد المعين، توفي البابا أونوريوس الثالث. وفي صيف 624 (1226م) تجمع بضع عشرات من الآلاف من المجندين، معظمهم من ألمانيا والبقية من فرنسا وإنجلترا وإيطاليا في معسكر قرب برنديزي والبعض الآخر في أبحر صقلية، ولكن الأمراض وقلة المؤن ومرض فريدريك الثاني أدى إلى إرجاء الحملة، ولكن البابا الجديد غريغوريوس التاسع أصدر صك حرمان من الكنيسة بحق فريدريك الثاني، وتشفيًا بالبابا أبحر الإمبراطور فريدريك إلى سوريا 626 (1228م)، فكان من البابا أن منع الحملة الصليبية، ووصف فريدريك بأنه قرصان، وبأنه يريد سرقة مملكة القدس، فكانت أول حملة صليبية لا يباركها البابا، ولكن فريدريك الثاني لم يأبه فاستولى على قبرص ووصل إلى عكا، حيث بدأ المفاوضات مع السلطان الكامل أسفرت سنة 627 (1229م) عن صلح لمدة 10 سنوات تنازل بمقابله الملك الكامل عن بيت المقدس باستثناء منطقة الحرم، وبيت لحم والناصرة وجميع القرى المؤدية إلى القدس، وقسم من دائرة صيدا وطورون (تبنين حاليًّا)، وعزز الإمبراطور الألماني بعض الحصون والقلاع وأعاد تنظيمها، ووقع مع مصر عدّة اتفاقيات تجارية، وتعهد فريدريك الثاني بمساعدة الملك الكامل ضد أعدائه أيًّا كانوا، مسلمين أم نصارى، وضمن عدم تلقي القلاع الباقية خارج سيطرته أية مساعدة من أي مكان. ووقع الاتفاق الذي عرف باتفاق يافا.

العام الهجري : 626 الشهر القمري : شعبان العام الميلادي : 1229
تفاصيل الحدث:

في يوم الاثنين ثاني شعبان مَلَك المَلِك الأشرف بن الملك العادل مدينة دمشق من ابن أخيه الملك الناصر صلاح الدين داود بن المعظم، وسبب ذلك أن صاحب دمشق لما خاف من عمِّه الملك الكامل أرسل إلى عمه الأشرف يستنجده، ويستعين به على دفع الكاملِ عنه، وسار صاحب دمشق إلى بيسان وأقام بها، وعاد الملك الأشرف من عند أخيه، واجتمع هو وصاحب دمشق، ولم يكن الأشرف في كثرة من العسكر، ووصلت العساكر من الكامل إلى الأشرف، وسار فنازل دمشق وحصرها، وأقام محاصرًا لها إلى أن وصل إليه الملك الكامل، فحينئذ اشتدَّ الحصار، وكان من أشد الأمور على صاحبها أن المال عنده قليل؛ لأنَّ أمواله بالكرك، ولوثوقه بعمه الأشرف لم يحضر منها شيئًا فاحتاج إلى أن باع حلي نسائِه وملبوسَهنَّ، وضاقت الأمور عليه، فخرج إلى عمِّه الكامل وبذل له تسليم دمشق وقلعة الشوبك على أن يكون له الكرك والغور وبيسان ونابلس، وأن يبقي على أيبك قلعة صرخد وأعمالها، وتسلم الكاملُ دمشق، وجعل نائبَه بالقلعة إلى أن سلم إليه أخوه الأشرف حران والرها والرقة وسروج ورأس عين من الجزيرة، فلما تسلَّم ذلك سلم قلعة دمشق إلى أخيه الأشرف، فدخلها وأقام بها، وسار الكامل إلى الديار الجزرية، فأقام بها إلى أن استدعى أخاه الأشرف بسبب حصر جلال الدين بن خوارزم شاه مدينة خلاط، فلما حضر عنده بالرقة عاد الكامل إلى ديار مصر.