لوحظ أن الخلافَ القائِمَ بين السعوديين ودولة العجم استغَلَّه حُكَّام مسقط وغيرهم في مناطق الخليج العربي، في إقامة نوعٍ مِن الوفاق بينهم وبين دولة الفرس، وقد عبَّرَت البعثة الدبلوماسية التي أرسلها سعيد بن سلطان برئاسة سالم إلى بلاط الشاه في هذه السنة عن هذا الوِفاق؛ إذ كان هدفُها إقامةَ معاهدة تحالف بين مسقط وبين فارس, وقد نجحت هذه البَعثةُ في تحقيق هدفِها, وكان من ثمارِ ذلك أن ساعَدَت فارسُ حكومةَ مسقط بقوات عسكرية بقيادة صادي خان، فحاربت إلى جانب قواتها ضد السعوديين في عمان، واستردَّت حصون سمايل ونخل.
جمع صاحبُ مسقط سعيد بن سلطان جموعًا وعسكرh كثيرا, واستنصر بالعجم فأتاه منهم نحو 3000 مقاتل، وساروا إلى عمان, وعاثوا فيما يليهم من رعايا وأتباع الدرعية، واستولوا على بلاد الجبري سمايل، وهرب الجبري منها, فسار مطلق المطيري بشوكةِ المجاهدين الذين معه في عمان من أهل عمان ونجد وغيرهم، فجمع اللهُ بينهم وبين عساكر صاحب مسقط وتنازلوا واقتتلوا قتالًا شديدًا، فانهزمت جنود صاحب مسقط, وركب المجاهدون أكتافَهم وقَتَلوا منهم مقتلةً عظيمة، وأخذوا خيامَهم ومحطَّتَهم وغالب متاعهم ومدافعهم، وهى أكثر من عشرة مدافع, ورجع بقيَّتُهم إلى مسقط وسمايل، وأخذ المجاهدون منهم غنائم عظيمة.
خاضت الكويت معركةَ خكيكرة مع البحرين بقيادة عبد الله بن أحمد آل خليفة وجابر بن عبد الله الصباح ضِدَّ حاكم ساحل الدمام رحمة بن جابر الجلهمي، الذي دعمه الإمامُ سعود بن عبد العزيز بن محمد حاكمُ نجد، وانتهت المعركة بانتصار البحرين والكويت, وكان من أسباب المعركة أنَّ الإمامَ سعودًا كتب إلى رحمة بن جابر الجلهمي في قطر يأمرُه فيها بالاستعداد لغزو البحرين، وكان محاربًا لآل خليفة حكام البحرين، فأرسل إليه الإمام سعود جيشًا من أهل نجد والأحساء، فاجتمعت عنده 60 سفينة ما بين كبيرة وصغيرة، فلما علم بذلك عبد الله بن أحمد آل خليفة حاكم البحرين أرسل إلى حاكم الكويت الشيخ جابر بن عبد الله الصباح يستنصره، فأتاه بحرًا بالسفن فبلغت سفنهم جميعًا 200 سفينة، والتقوا عند خوير حسان بالقرب من القطيفِ، وربطوا السفن واقتتلوا فقُتِل من أهل البحرين والكويت 1000 رجل، منهم دعيج بن صباح الصباح، وراشد بن عبد الله بن أحمد آل خليفة، وقُتِل من أتباع رحمة بن جابر الجلهمي 300 رجل، وانهزم رحمة بن جابر الجلهمي.
عندما وصل محمد علي باشا لسُدَّة الحكم في مصر، أخذ في التخلُّص من كل القوى المنافِسة له، حتى تلك التي وقَفَت بجانبه وساعدته في الحصول على هذا المنصِبِ الخطير، مثل العلماء ومشايخ الأزهر، والحامية الألبانية الذي هو واحِدٌ من أفرادها، ولكِنْ كان أقوى خصومِ محمد علي وأشدهم تهديدًا له هم المماليك، ولقد حاول محمد علي التخلصَ منهم عدة مرات، ولكنه فَشِل لكثرتِهم وتخوُّفِهم منه واتِّباعهم لأسلوب الكرِّ والفر، وكان محمد علي داهيةً شديد الذكاء، لا يُبالي بأيِّ وسيلة تحقِّق هدفه؛ لذلك لجأ إلى المكيدة حيث استغَلَّ مناسبة خروج طوسون باشا ولده على رأس حملة كبيرة للقضاءِ على دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب بنجدٍ والحجاز، وأعدَّ وليمةً كبيرة دعا لها قادةَ المماليك وكبراءَهم وفرسانَهم وأبطالهم، وذلك بالقلعة الشهيرة بالقاهرة، وذلك يوم الجمعة الموافق 5 صفر 1226هـ 1 مارس 1811م. ولَمَّا اكتمل دخولهم للقلعة انهال عليهم الرَّصاصُ من كل مكان، فقُتِلوا جميعًا ما عدا أمين بك الذي قفز بفَرَسِه من على سور القلعة فنجا وهرب، ثم انطلق الجنودُ بعد ذلك إلى بيوت المماليك وأحيائِهم يَقتُلون من يجدونَه، وهكذا استطاع محمد علي أن يتخَلَّصَ من المماليك.
لما رجع سعود من الحج أطلق آلَ خليفة أهل البحرين والزبارة، وأذِنَ لهم بالرجوع إلى بلدهم، ووعدوه بالسمع والطاعة وعدم المخالفة، ووافق وقتُ وصولهم البحرين وقوعَ مقاتلة عظيمة في البحر بين عشايرهم وأبنائهم وبين أتباع الدولة السعوديةِ الذين في ناحيتِهم، وهم رحمة بن جابر بن عذبي أمير خوير حسان المعروف، وأبا حسين أمير الحويلة البلد المعروفة في قطر، وإبراهيم بن عفيصان أمير شوكة المرابِطة من أهل نجد وغيرهم، وذلك أنَّ هؤلاء سار بعضُهم على بعض في السفُنِ، فوقعت الملاقاة في البحر قربَ البحرين، فوقع قتالٌ شديد وكثُر القتلى بين الفريقين، ثم اشتعلت النار في السفُنِ، ومات بينهم خلق كثيرٌ قتلًا وحرقًا وغَرَقًا، فاحترقت السفن بمن فيها، واحترق لابن جابر وأبا حسين ومن معهم من المسلمين سبعةُ مراكب، واحترق لآل خليفة نحو ذلك, وقُتِل من أهل البحرين وأتباعهم ومن أتباع آل سعود نحو 1600 قتيل.
لَمَّا خرج أبناء سعود ومُطلق المطيري ومعه رؤساء المسلمين وأتباعهم من عمان وقع بعضُ الخلل, ونقَضَ العهد أكثر بنو إياس، فكتب سعود لعبد العزيز بن غردقة صاحب الأحساء أن يسيرَ بجيشٍ يكون هو أميرَه، فلما وصل ابن غردقة عمان وقع بينه وبين بني إياس وغيرهم من عمان وقعة هُزم فيها الغردقة و200 من أهل الأحساء وعمان وغيرهم.
انطلقت حملةُ أحمد طوسون بن محمد علي من مصرَ، ونزل طوسون على الساحِلِ الغربيِّ بجيشٍ قِوامه عشرة آلاف جندي, حرص طوسون أن يُغدِقَ الأموال والهدايا والخِلَع على شيوخ القبائل ورؤساء الجماعات التي تقطُن الموانئ الحجازية ولها نفوذ فيها؛ لتكون سندًا لقواتِه، ولتقبَلَ تأجير إبلها إلى قواته من أجل حَمل المُؤَن والعتاد من المناطق الساحلية إلى داخل البلاد، واستولى على ينبُع بدون مقاومة تذكر, ثم استدرج عبد الله بن سعود قوات طوسون إلى الأراضي النجدية من أجل إضعافِها وتشتيت قواتِها, حتى تمكنت القواتُ السعودية من إنزال هزيمةٍ كبيرة بقوات طوسون في وقعة وادي الصفراء بين المدينة والقصيم سنة1227، وقُتِل من جيش طوسون 1200 مقاتل، وبعد هذه الهزيمة اضطر طوسون إلى أن يطلُبَ العون والمساعدة من والده محمد علي باشا، ثمَّ عاد إلى ينبع وبقِيَ فيها مدَّةً ثم تقدَّم نحو المدينة، ونجح في الاستيلاءِ عليها بعد حصار دام شهرين، ثم توجَّه طوسون إلى جدة ودخلها, فاضطر عبد الله بن سعود أن يخرُجَ من مكة, فتمكن طوسون من دخول مكةَ بدون معارضة, ثمَّ استولى على الطائِفِ، لكن السعوديين عادوا وانتصروا في تَرَبة والحناكية وقطعوا طرقَ المواصلات بين مكة والمدينة، وانتشرت الأمراضُ في صفوف جيش طوسون، وأصاب الجنودَ الإعياءُ نتيجة شدة القيظ وقِلَّة المؤونة والماء، ما زاد موقف طوسون حرجًا، فرأى بعد تلك الخسائر أن يلزم خطةَ الدفاع، وأرسل إلى والده يطلُبُ المساعدة.
بدايةُ دخول الإسلام في أستراليا تعود إلى بدايات القرن الماضي عندما قام الإنجليز أثناءَ احتلالهم لأفغانستان بجلب الذَّهَبِ إلى أستراليا؛ نظرًا للارتباط الإنجليزي بهذه القارة الحديثة. ولكِنَّهم فكَّروا في أن أستراليا نفسها يمكن أن تكونَ موطنًا للذهب، فاستقدموا عمالًا مسلمين من أفغانستان للعمل في المناجم الأسترالية، وأخذ هؤلاء الأفغان ينشرون الدين الإسلامي، وقاموا ببناء أول مسجد في غرب بيرث، وكان ذلك في عام 1904م. وأعقب ذلك الهجرات الداخلية للمسلمين إلى أستراليا، إلى أن انتشر الإسلامُ هناك، وتتابعت الهجراتُ حتى تمَّ نَشرُ الدعوة الإسلامية، وفي بدايةِ الستينيات من القرن العشرين فَتَحت أستراليا باب الهجرة أمام العرب والمسلمين، فهاجر إليها أعدادٌ كبيرة من لبنان وفلسطين ومصر وتركيا وإيران ويوغوسلافيا بَحثًا عن الرزق، وقد تمكَّن هؤلاء في ظلِّ الحريّة المكفولة لهم من نشر الإسلام وتثبيت أركانِه، حتى وصل عددُ الجالية المسلمة هناك اليوم إلى 650 ألفَ مسلم، مكونة من سبع عشرة جنسيَّة، أكبَرُها تَعدادًا الجالية اللبنانيَّة ثم التركيَّة ثم الباكستانيَّة والإندونيسيَّة والمصريَّة والماليزيَّة وغيرها من الجنسيَّات الإسلاميَّة، ويتركز قرابة 80% من المسلمين في مدينتي سيدني ومالبورن.
حاول العثمانيون عقدَ اتفاقٍ مع روسيا مماثلٍ لِما جرى بين إنكلترا وروسيا، ولكنَّه فَشِل واشتعلت نارُ الحرب بينهما، وهُزم العثمانيون واستولى الروسُ على بعض المواقع، وعُزِل الصدر الأعظم ضياء يوسف باشا وتولى مكانه أحمد باشا الذي انتصر على الروس، وأجلاهم عن المواقِعِ التي دخلوها، وساءت العلاقة بين فرنسا وروسيا، وكادت تقعُ الحرب بينهما، فطلبت روسيا الصلحَ مع الدولة العثمانية، وعقدت بين الطرفين مُعاهدة بوخارست التي نصَّت على بقاء الأفلاق والبغدان وبلاد الصرب تابعة للدولة العثمانية. وقد مكَّنَ الصُّلحُ السلطانَ محمود الثاني من القيام ببعض الإصلاحاتِ والقضاءِ على الثورات والتمَرُّد في الدولة، ولَمَّا عَلِم الصربيون بمعاهدة بوخارست، وإعادة خضوعهم للدولة العثمانية، قاموا بالثورة غيرَ أنَّ القوات العثمانية أخضعَتْهم بالقوة، وفَرَّ زعماء الثورة إلى النمسا، ولكِنَّ أحدهم وهو ثيودور فِتش أظهر الولاء للعثمانيين وخضع للسلطةِ العثمانية، وحصل على امتيازات خاصةٍ مِن الدولة.
هو الشيخُ عبد الله بن حجازي بن إبراهيم الشرقاوي أحدُ مشائخ الأزهر. ولِدَ بقرية الطويلة من قرى الشرقية بمصر سنة 1150هـ, وتعلَّم في الأزهر وتولى مشيختَه سنة 1208هـ, وفي عهده قام الأزهرُ بقيادة الحركة الوطنية ضِدَّ الحملة الفرنسية، وكانت له مواقِفُ شجاعة أثناء المعارك مع الفرنسيين، وتزَعَّم الشرقاويُّ قيادة ثورة القاهرة الأولى, ومن مؤلَّفاتِه التحفة البهية في طبقات الشافعية, وتحفة الناظرين في من ولِيَ مصر من السلاطين, وحاشية على شرح التحرير في فقه الشافعية, فتح المبدي شرح مختصر الزبيدي. توفي الشرقاوي بالقاهرة.
بعد أن هُزم طوسون في وقعة وادي الصفراء بين المدينة والقصيم سنة1227 طلب المساعدةَ من والده، فجهَّز جيشَه وأخذ معه الأموال للمساعدة. قرر محمد علي باشا أن يسير بنفسِه إلى الحجاز لمتابعة القتال وبسْطِ نفوذه في شبه الجزيرة العربية، فغادر مصر على رأس جيش آخَرَ، ونزل في جدة، ثم غادرها إلى مكة وهاجم معاقِلَ السعوديين إلَّا أنه فَشِلَ في توسيع رقعة انتشاره، فأخلى القنفذةَ بعد أن كان قد دخَلَها، وانهزم ابنه طوسون في تَرَبة مرة أخرى. إلا أنَّ وفاة الإمام سعود في هذه الفترة وتولِّي إمارة الدرعية عبد الله بن سعود الذي لم يكُنْ في كفاءة والده في القيادة العسكرية؛ أدى إلى ضعف القوات السعودية، فتمكَّن محمد علي باشا من التغلُّبِ على الجيش السعودي في معركة بسل، وسيطر على تَرَبة، ودخل ميناء القنفذة، في حين سيطر طوسون على القِسمِ الشمالي من نجدٍ. عند هذه المرحلة من تطوُّر الأحداث اضطر محمد علي باشا أن يغادِرَ شبه الجزيرة العربية ويعود إلى مصر للقضاءِ على حركة تمرُّدِ استهدفت حُكمه، وبعد القضاء على هذه الحركة استأنف حربه ضدَّ الدولة السعودية، فأرسل حملةً عسكرية أخرى إلى شبه الجزيرة بقيادةِ ابنه إبراهيم باشا في 5 سبتمبر سنة 1816م
هو الأمير عثمان بن عبد الرحمن العدواني من قبيلة عدوان، كان من أمراء الشريف غالب أمير مكة ووزيره في الشؤون الخاصة، وكان على درجة عالية من الكفاءة أقنعت الشريفَ غالبًا أن يتَّخِذَه وزيرًا له وأن يكونَ صفيَّه وحميمَه، وقد تزوج المضايفي بأختِ الشريف غالب بن مساعد ثم تحوَّل إلى تأييد دعوة التوحيد بعد أن رأس وفدًا من قبل الشَّريفِ غالب للتفاوضِ مع حكَّام الدرعية، فلما عاد من الدرعية أخذ يدعو بالإمارة لنفسِه، وانضم إليه بعضُ قبائل الحجاز، وأعلن ولاءه للدولة السعودية التي عينته أميرًا على الطائف، وأصبح من أشد خصوم الشريف غالب وشارك في القوات السعودية التي واجهت حملةَ طوسون في الحجاز, وتشجَّع المضايفي بعد وقعة تربة التي هزم فيها طوسون، فتقدَّم نحو الطائف، ولكِنَّه هُزم وقد قُتِل كثيرٌ من رجاله، ووقع هو نفسه في الأسرِ، فأرسله الشريف غالب إلى محمد علي في مصر، لكِنَّ محمد علي كان قد خرج عامدًا إلى الحجاز قبل وصول عثمان إلى مصر, فطِيفَ بعثمان المضايفي على بغلة في جميع أنحاء القاهرة، ثم أُرسِلَ إلى الأستانة حيث أُعدِم هناك!
وجد أحمد طوسون باشا الطريقَ مفتوحًا أمامه للتوغُّلِ في الحجاز، وظهرت حاجةُ قواته إلى مرفأ جدة؛ ليكون مركزا لتموين الجيشِ في زحفِه نحو مكة، فأرسل طوسون باشا إلى شَريفِ مكَّةَ الشَّريفِ غالب؛ ليسمح له بالدخولِ إلى مرفأ جدة، فسَمَح له وأَخَذت قوات طوسون طريقَها في الزَّحفِ نحو مكة.
هو الأميرُ إبراهيم بن سليمان بن عفيصان أميرُ الأحساء، ومِن أبرزِ قادةِ وأمراء الدولة السعودية الأولى حقَّق عددًا من الانتصاراتِ في معاركَ مع خصومِ الدَّولةِ خاصَّةً في مناطِقِ شرقيَّ الجزيرة العربية, وقد تولَّى ابن عفيصان إمرةَ عددٍ مِن البلدان التي خضعت لحُكمِ الدولة السعودية؛ فقد تولى إمارةَ الأحساء في عهد الإمامِ عبد العزيز بن محمد بعد أن تمكَّن من فتحِها سنة 1210هـ/ 1795م، ثم أصبح إبراهيم أميرَ البحرين بعد أن أرسلَه الإمامُ عبد العزيز لمساعدة آلِ خليفة في التخلُّصِ من حُكمِ سلطان بن سعيد حاكمِ عمان، ثمَّ أميرَ قطر، ثم أمير عمان، ثمَّ أمير المدينة المنورة، ثم أخيرًا أميرًا لعنيزة إلى أن توفِّي فيها هذا العامَ
هو الشيخُ عبد الله الأول بن صباح بن جابر بن سليمان بن أحمد تولى حكم الكويت بعد أن توفِّي والده سنة 1190هـ وقد بقي في حكم الكويت 39 سنة, وبعد وفاته تولى حكمَ الكويت ابنُه جابر الأول، الذي كان في البحرين وقتَ وفاة والده، فتسلم الحكم في الكويت الشيخُ محمد السلمان جد المالك الصباح بعد مبايعةِ الكويتيين له إلى حينِ عَودةِ الشيخِ جابرٍ مِن البحرين.
بعث محمد على صاحب مصر عسكرًا كثيفًا ووجَّهه إلى ناحية اليمن، لَمَّا استقر بمكة وجدة، فأرسل تلك العساكر برًّا وبحرًا، فسَيَّرَ في البحر أكثَرَ من أربعين سفينة وبندروا عند القنفذة, وكان في القنفذة عسكر من عسير نحو 500 مقاتل، فحصرهم الروم (جيش محمد علي) ورموهم بالمدافِعِ والقنابر، فلم يزالوا محاصرين لهم حتى أخرجوهم بالأمان واستولوا على القنفذة، وكان أميرُ عسير وتهامة طامي بن شعيب قد سار بجميع الشوكة من رعيته وتوجه إلى الحجاز، فلما بلغه استيلاءُ قوات محمد علي على القنفذة حَرَف جيوشه إليهم وقصدهم فيها، ومعه أكثَرُ من ثمانية آلاف مقاتل، فنازلهم فيها ووقع قتال شديدٌ، فنصر الله طامي ومن معه وقتلوا منهم رجالًا كثيرة وأخذوا المحطةَ وما فيها، ومِن خَيلِهم نحو 500، وغنموا من الركابِ ما لا يبلغه العدُّ، والمتاع والسلاح والأزواد ما لا يبلغه العدُّ، حتى قيل إنَّ الخيام التي أخذوا تزيد على 1000 خيمة، وانهزم شريدُهم في السفن؛ وذلك أنهم لما انهزموا تركوا المحطةَ وجنبوها وتوجهوا إلى السفن وركبوها، ونزلوا عن الخيلِ وتركوها فغَنِمَها أهل عسير مع رحايلهم وخيامهم ووجدوا باشتهم في الخيام فقتلوه.
هو الإمامُ قائِدُ الجنودِ سعود الكبير بن عبد العزيز بن محمد بن سعود ثالثُ حُكَّام الدولة السعودية الأولى، ولد بالدرعية سنة 1165هـ وتولى الحكمَ بعد وفاة والده سنة 1218هـ يعتبر عصر سعودٍ قِمَّةَ ازدهار الحكم السعودي في الدولة السعودية الأولى؛ فقد استطاع إخضاعَ الحجاز وعمان، وبلغ حوران من الشام. يصِفُ ابن بشر الإمامَ سعودًا وعهده بقوله: "أَمِنَت البلاد وطابت قلوب العباد, وانتظمت مصالحُ المسلمين بحُسن مساعيه وانضبطت الحوادث بيُمْنِ مراعيه.., وكان متيقظًا بعيد الهمة، يسَّر الله له الهيبةَ عند الأعداء والحِشمةَ في قلوب الرعايا ما لم يره أحد في وقته, وكانت له المعرفةُ التامة في تفسير القرآن، أخذ العلم عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب.. وله معرفةٌ بالحديث والفقه وغير ذلك، بحيث إنه إذا كتب نصيحةً لبعض رعاياه من المسلمين ظهر عليه في حُسنِ نَظمِه ومضمونِ كلامِه عدمُ قصورٍ في الاطلاع على العلوم, وقد رأيتُ العجب في المنطوق والمفهوم.. فمن وقف على مراسلاتِه ونصائحه عرفَ بلاغتَه ووفورَ عِلمِه، وإذا تكلَّم في المحافل أو مجالِسِ التذكير بهر العقولَ مِمَّن لم يكن قد سَمِعه, وخال في نفسِه أنَّه لم يسمع مثله, وعليه الهيبةُ العظيمة التي ما سَمِعْنا بمثلها في الملوك السالفة. بحيث إنَّ ملوك الأقطار لا تتجاسَرُ مراجعة كلامه ولا ترمقُه ببصَرِها إجلالًا له وإعظامًا، وهو مع ذلك في الغاية من التواضع للمساكين وذوي الحاجة، وكثيرُ المداعبة والانبساط لخواصِّه وأصحابه, وكان ذا رأيٍ باهر وعقل وافر.. وكان ثبتًا شجاعًا في الحروب محبَّبًا إليه الجهاد في صِغَرِه وكبره، بحيث إنه لم يتخلَّفْ في جميع المغازي والحِجَج، ويغزو معه العلماء من أهل الدرعية.. وإخوانه وبنو عمه كلُّ واحد من هؤلاء بدولة عظيمة من الخيل والركاب والخيام والرجال وما يتبع ذلك من رحائِلِ الأمتاع والأزواد للضيفِ وغيره, وقام في الجهاد وبذَلَ الاجتهاد، وفتحَ أكثر البلدان في أيامِ أبيه وبعد موتِه، وأُعطي السعادةَ في مغازيه, ولا أعلَمُ أنه هُزِمَت له راية، بل نُصِر بالرعب في قلوب أعدائه، فإذا سمعوا بمغزاه ومعداه هرب كلٌّ منهم وترك أباه وأخاه وماله وما حواه" وكان له مجلس علم في الدرعية بعد طلوع الشمسِ يَحضُرُه جمعٌ عظيم، بحيث لا يتخَلَّفُ إلا النادر من أهل الأعمال يجلسون حِلَقًا كُلُّ حلقة خلفها حلقةٌ، لا يحصيهم العَدُّ، فإذا اجتمع الناسُ خرج سعود من قَصرِه ويجلس بجانِبِه الشيخ عبد الله ابن الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وهو الذي يقرأ عليه، ومن الكتب التي تُقرأ عليه في هذا المجلس تفسيرُ ابن جرير الطبري، وابن كثير, وله مجالِسُ أخرى يُقرأ فيها عليه رياضُ الصالحين، وصحيح البخاري. توفي الإمام سعود ليلة الاثنين 11 جمادى الأولى من هذه السنة, عن عمر 74 سنة، وكانت ولايته عشر سنين وتسعة أشهر وأيامًا، وكان موته بعِلَّةٍ وقعت أسفل بطنه أصابه منها حَصَر بول, وكان قد أنجب 12 ولدًا وانقرضت ذريَّتُه سنة 1265هـ, وتولَّى بعده ابنه عبد الله خلفًا له.