هو السلطانُ العثماني سليم الثالث بن مصطفى الثالث بن أحمد الثالث بن محمد الرابع بن إبراهيم الأول بن أحمد الأول بن محمد الثالث بن مراد الثالث بن سليم الثاني بن سليمان القانوني بن سليم الأول بن بايزيد الثاني بن محمد الفاتح بن مراد الثاني بن محمد الأول بن بايزيد الأول بن مراد الأول بن أورخان بن عثمان بن أرطغرل، أحدُ خلفاء الدولة العثمانية. تولى السلطةَ بعد وفاة عمه عبد الحميد الأول سنة 1203هـ وكانت المعارك الحربية مستمرةً، فأعطى وقتَه وجهده للقتال، وكان من أصحابِ الهمة العالية والمصلحين في عصرِه, وكانت البلادُ بحاجة لإصلاحات في كافة المجالات، فعيَّن أحد الشبان هو كوشك حسين باشا قبودانا عاما، الذي استفاد من خبرته واطلاعه على التحديثات الأوربية في عددٍ من المجالات والتنظيمات خاصةً في المجال العسكري، فقام بعدد من الإصلاحات، إلَّا أن هذه التحديثات كان لها ردودُ فِعلٍ سلبية جدًّا من الانكشارية الذين ثاروا على السلطان وطالبوا بإلغاء جميعِ التحديثات خاصَّةً النظام العسكري الجديد، وقد حصل الانكشارية على تأييدِ بَعضِ العلماء الذين شاركوهم في الاعتراض على هذه التحديث؛ بحُجَّة أنها تقليد للغرب الكافر, فثار الجنودُ غيرُ النظاميين وأيدَتْهم الانكشارية، فقتلوا المؤيِّدين للنظامِ العسكري الجديد، واضطر السلطانُ أن يصدِرَ أمرًا بإلغاء النظام العسكري الجديد، ولكن لم يقبل الثائرون بهذا، بل قرَّروا عَزلَ السلطان، فنودي بعزله في 21 من ربيع الثاني، وولَّوا بعده ابن عمه مصطفى الرابع بن عبد الحميد الأول, وبَقِيَ سليم معزولًا مدة عام وشهر، ثم حدثت محاولة لاستعادة السلطان سليم لحكم البلاد، ولكِنَّ رجال مصطفى الرابع قتلوا السلطانَ سليم الثالث ظنًّا منهم أن ذلك قد يخمِدُ الثورة، إلا أنَّ الثائرين اشتعلوا غضبًا، وانتهى الأمر بقتل مصطفى الرابع وتولية محمود الثاني. أمضى سليم الثالث في الحكم تسعة عشر عامًا.
شَهِدت سواحِلُ الخليج العربي عملياتِ مسحٍ بريطانيةً لِموانئ اللؤلؤ في جزر البحرين والتعرف على المنطقة، وازداد في الوقت نفسِه نشاطُ القواسم البحري- أتباع دعوة الشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب- في تتَبُّع السفن البريطانية في المحيط الهندي، حتى وصلوا لمسافة لا تبعُدُ عن بومباي نفسها سوى ستين ميلًا، وكان من جراء ذلك المخطط إرسالُ الحملة البريطانية التي أبحَرت من بومباي بقيادة الجنرال كير نحو رأس الخيمة، وهناك أبدى القواسم فرسانُ البحر الشجعانُ أروعَ صور البسالة والبطولة في الدفاع عن المنطقة، ولكِنَّ البريطانيين الذين استمَرُّوا في ضرب معاقل القواسم بالمدافع لمدى ستة أيام من سفنِهم، أدى إلى تدمير القواسم وحرق سفنِهم بالكامل، فكان هذا من تمام السيطرة البريطانية على الخليجِ العربي.
هو علي كيخيا باشا بغداد كان وزيرًا لسليمان باشا الكبير والي بغداد سيره سنة 1213 على رأس حملة لغزو الأحساء والقطيف، لكِنَّ حملته على الرغم من قوته الهائلة إلَّا أنها باءت بالفشلِ، ولَمَّا قُتل سليمان باشا الكبير تولى بعده علي كيخيا ولاية بغداد، ولَمَّا استقر في الملك ودان له غالبُ رعايا العراق من الحضر والبادي، وثب عليه خمسة من غلمانِه وهو في الصلاة فقتلوه, فقام كيخيا سليمان فقتَلَهم, ولم يتِمَّ لهم أمر واستقَرَّ كيخيا سليمان في ولاية بغداد حتى أتاه التقريرُ من استانبول.
تمَّ تكليف محمد علي باشا من قِبَل السلطان العثماني مصطفى الرابع بمهمة القضاء على الدولة السعودية، وأرسل محمد علي باشا إلى السلطان يعتذِرُ عن هذه المهمة الصَّعبةِ بسَبَبِ الظروف الاقتصادية السيئة في مصر والناتجة عن انخفاض فيضان النيل واستيلاء المماليك على صعيدِ مِصرَ، والخشيةِ مِن أطماع الدول الأوروبية في مصرَ.
اشتَدَّ الغلاء والقحط في نجد وبلغ البُرُّ أربعةُ أصوع بريال والتمرُ إحدى عشرة وزنة بريال، وأمحلت الأرض وهلكت غالبُ مواشي الحضر، فلمَّا كان وقتُ انسلاخ رمضان في وسط الشتاء أنزل الله علي نجدٍ الغيث وأحيا البلادَ وكَثُرَ العشب وعَمَّ في الحضر والبادي إلَّا أن الغلاء على حاله واشتدادِه حتى حُصِد الزرعُ.
كان لفشل الإنجليز في السيطرة على مضيق الدردنيل سنة 1220 أثرُه في جعل القائد الإنجليزي يعمل لمحوِ ما فشِلَ فيه، فأرسل حملةً بقيادة فريزر إلى الإسكندرية واحتلَّها في مطلع هذا العام، وأرسل فرقة إلى ثغر رشيد لكنها هُزِمَت وأعاد الكَرَّة بعد أشهر فكان مصيرُه كالمرة السابقة، وجاء محمد علي للدفاع عنها واضطرَّ الإنجليز للرحيل عن مصرَ بعد دخولهم بستة أشهر.
أقدم السلطان سليم الثالث على عَمَلِ إصلاحات داخلية من عام 1206, وأنشأ فرقةَ النظام الجديد الذي يُلغي دور الانكشارية الذين زاد شرُّهم في الفترة الأخيرة وتدَخُّلهم في كل شيء؛ مِمَّا أثار الجنود الانكشارية فقاموا بثورةٍ عُرِفت بثورة قباقجي وساندهم بعض الأعيان ضِدَّ النظام الجديد، وادَّعَوا أن الجيش الجديد كافرٌ؛ لأنه يرتدي البنطلون لبس الأوربيين بدلًا من الشالوار اللباس التقليدي؛ مما اضطر السلطان إلى أن يلغي النظام العسكري الجديد، ولكن ذلك لم ينفع؛ فإن الثورة الانكشارية بَقِيت على حالها ولم يرضَوا إلا بخلع السلطان، وقامت نكاية بالسلطان بقتل بعض أنصار هذه القرارات الإصلاحية في ميدان آت، ومنهم الدفتردار وكتخدا الدولة، ثم عزلوا السلطانَ سليم الثالث ونصبوا مكانه ابن عمه مصطفى الرابع الذي بات ألعوبةً في يدهم، ومع أنه ألغى كلَّ الإصلاحات التي أمر بها السلطانُ سليم الثالث وألغى كل المؤسَّسات التابعة له، لكنه لم يلبث كثيرًا حتى خلع هو أيضًا.
حجَّ الإمام سعود الحجَّةَ الرابعة بجميعِ نواحي رعاياه، حَجَّ معه أكثر من 100 ألف, ودخل مكَّةَ بجميع تلك الجموع واعتَمَروا وحَجُّوا بأحسن حال, وزار الشريفُ غالب الإمامَ سعودًا مرارا وصار معه كالشقيقِ فيزورُه أحيانًا وحده ومعه رجل أو رجلين، وأحيانًا بخيله ورجالِه, وكثيرًا ما يدخل سعود الحرم ويطوف بالبيتِ ويجلس فوقَ زمزم ومعه خواصُّه، وبَثَّ في مكة الصدقات والعطاء لأهلها وضعفائها شيئًا كثيرًا، وكسا الكعبةَ كسوةً فاخرةً، وجعل إزارَها وكسوة بابها حريرًا مطرَّزًا بالذهب والفضة، وأقام فيها نحوًا من ثمانية عشر يومًا, ثم رحل منها وقصد المدينة وأقام فيها عدة أيام ورتب مرابِطةً في ثغورِها، وأخرج مَن في القلعة من أهلِها، وجعل فيها مرابِطةً مِن أهل نجدٍ.
اختلف زعماء الحركة التي أطاحت بالخليفة سليم الثالث وطُولِبَ بإعادته إلَّا أنه كان قد قُتِل، ثم نودِيَ بعزل الخليفة مصطفى الرابع بن عبد الحميد فتمَّ ذلك وحُجز في المكان الذي كان قد حُجز فيه سليم الثالث، بعد أن أمضى أربعة عشر شهرًا في الحكم، ثم أُعدِم في هذا العامِ وأقيم بعده أخوه محمود الثاني.
في هذه السَّنةِ كان الغلاءُ والقحطُ في نجدٍ على حالِه في الشدَّةِ، وانتهى سعرُ البُرِّ أربعة أصوع بريال، والتمر عشر وزنات بريال، وعَمَّ الغلاء جميعَ نواحي نجد واليمن والتهايم والحجاز والأحساء, ووقع مع ذلك مرضٌ ووباءٌ مات فيه خلقٌ كثير من نواحي نجد، ودخلت السنةُ التالية والأمرُ على حالِه من الغلاءِ والمرضِ، ومات فيها والسَّنةِ التي قبلها مئاتٌ من سوادِ النَّاسِ.
بعث الإمامُ سعود سَريَّةً قليلة إلى عمان لتعَلِّمَ أهلها فرائض الدين والاطلاع على أحوالهم, فلما وصلوا هناك فغذا قيسُ بن أحمد المسمى ابن الإمام رئيس سحار وجميع باطنة عمان وابن أخيه سعيد بن سلطان رئيس مسقط ومعهم من الجنود نحو عشرة آلاف رجل سائرين على النواحي التي تليهم من رعية الإمام سعود، الذين كان يرأسُهم من جهة سعود سلطانُ بن صقر بن راشد صاحِبُ رأس الخيمة، فأرسل إلى من يليه من أهل عُمان، فاجتمع عنده نحو ثلاثة آلاف رجل, فالتقى الجمعان: جمعُ قيس وجمع سلطان عند خوير بين الباطنة ورأس الخيمة، واقتتلوا قتالًا شديدًا، فانهزم جمعُ قيس هزيمةً شنيعةً وقُتِلَ قيس وهلك من قومِه خَلقٌ كثير بين القتل والغرق في البحر, ثمَّ بعد هذه الوقعة أرسل ابن قيس إلى الإمام سعود وسلطان بن صقر، وطلبَ المبايعةَ على دين الله ورسوله والسمع والطاعة، وبايع على ذلك وبذل مالًا كثيرًا وشوكةً من الحرب, وصار جميعُ عمان تحت ولاية الإمام سعود
عندما وصل سعودٌ بجيوشِه إلى مشارف الشام وقراها واكتسح ما أمامه من القرى والعربان، وقبل ذلك غزا كربلاء وهدد العراق وهزم جميعَ الجيوش التي أرسلها ولاةُ الشام والعراق لمحاربته، حتى اضطرت الدولةُ العثمانية أن تطلُبَ من سعود المهادنةَ والمسابلة وتَبذُل له مقابِلَ ذلك كلَّ سنة ثلاثين ألف مثقال ذهبي، وأوفدت الدولة لهذ الغرض رجلًا يسمَّى عبد العزيز القديمي وأوفدت بعده رجلًا آخر يسمى عبد العزيز بيك، فرجع كما رجع الأول بعدم القبول وبرسالة طويلة من سعود، ومما ورد فيها: "وأما المهادنة والمسابلة على غير الإسلامِ، فهذا أمر محال بحولِ الله وقوَّتِه، وأنت تفهم أن هذا أمرٌ طلبتموه منا مرَّةً بعد مرة، أرسلتم لنا عبد العزيز القديمي ثم أرسلتم لنا عبد العزيز بيك، وطلبتم منا المهادنة والمسابلة، وبذلتم الجزيةَ على أنفُسِكم كلَّ سنة ثلاثين ألف مثقالٍ ذهبًا، فلم نقبل ذلك منكم ولم نُجِبْكم بالمهادنة، فإن قبلتم الإسلامَ فخيرتها لكم وهو مطلبنا، وإن توليتم فنقول كما قال الله تعالى: {وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: 137] فلما أصبحت الدولةُ العثمانيةُ عاجزةً عن مهادنة الإمام سعود بن عبد العزيز بن سعود فضلًا عن محاربته، طلب عندئذ السلطان العثماني من والي مصر محمد علي باشا القيامَ بمحاربة الإمام سعود وإخراجِه من الحجاز، فتردَّد محمد علي أولًا ثم أخيرًا لبَّى طلب السلطان وسيَّرَ ابنَه طوسون سنة 1226هـ ثم خرج هو بنفسِه إلى أن سقطت الدولة السعودية سنة 1233هـ على يد إبراهيم باشا، فإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون.
سار الإمام سعود بجيوشه من جميع نواحي نجد والأحساء والجنوب وأهل وادي الدواسر وأهل بيشة ورنية والطائف والحجاز والتهايم. خرج من الدرعية وتوجَّه ناحية العراق ونازل أهلَ كربلاء فوجدهم محصِّنين بلدَهم بسور عظيم وجنودٍ جمعوها بعد غزوتِه السابقة لهم سنة 1216، فأمر سعود بوضع السلالمِ على السور ووقع رميٌ وقتال شديدٌ، فلما علم سعود بحصانة البلد وعِظَمِ سورِها رحل عنهم.
بعد تولِّي السلطان محمود الثاني مقاليدَ الحكم في البلاد رأى أن يبدأ بالإصلاحِ الحربي، فكلَّف الصدر الأعظم مصطفى البيرقدار بتنظيم الإنكشارية وإصلاحِ أحوالهم، وإجبارِهم على اتِّباع التنظيمات القديمة الموضوعة منذ عَهدِ السلطان سليمان القانوني، والتي كانت قد أُهمِلَت شيئًا فشيئًا، فقامت فِرَق الإنكشارية العثمانية بثورةٍ عنيفة ضدَّ السلطان.
حج الإمامُ سعود بن عبد العزيز الحَجَّة الخامِسةَ برعاياه من جميعِ النواحي ودخل مكَّةَ واعتمر وحَجَّ ونصل قصر الشمالي المعروف في البياضة وأقام فيه, والشريف غالب يزورُه كُلَّ وقتٍ وهو لسعود بمنزلةِ أحدِ نوَّابه وأمرائه الذين في نجدٍ بالسَّمعِ والطاعة, وفشا الأمرُ بالمعروف والنهيُ عن المنكر في مكةَ، فلا يُشرَبُ التنباك في الأسواق، وأمر سعود أن يُجعَلَ في أسواقها مَن يأمرُ بالصلاةِ إذا دخل وقتُها, وبذل سعود لغالبٍ هدايا وتحفًا جزيلةً وأعطاه غالِبٌ مِثلَ ذلك, ثم ارتحل الإمامُ منها إلى وطنِه، وبعث إلى المدينة مرابِطةً مِن جميع نواحي نجدٍ بدَلَ المرابِطة الذين فيها في القلعة، وهذه عادته في الثغور يجعلُهم فيها سَنةً ثمَّ يستبدل بهم غيرَهم؛ ليرجعوا إلى أهاليهم. ولم يحُجَّ في هذه السنة أحدٌ من أهل الشام ومصر والعراق والمغرب وغيرهم إلَّا شِرذمةٌ من أهل المغرب حجُّوا بأمانٍ وسلامٍ.
اشتدَّ الوباءُ والمرض خصوصًا في الدرعية، فمكث ذلك إلى شهر جمادى ومات في الدرعية خلقٌ كثير من الغرباء والسكَّان حتى أتي عليهم أيامٌ يموت في اليوم الواحد ثلاثون وأربعون نفسًا، وكتب سعود نصيحةً بليغة لأهلِ الدرعية وأرسَلَها إلى جميع النواحي حَذَّرهم فيها من المحظورات وحثَّهم على التوبة، ودعا الله في آخِرِها دعاءً عظيمًا أن يرفَعَ الضرَّ والوباءَ عن الناسِ، وقرئ على الناسِ في مساجِدِ الدرعيةِ.
عندما منع الإمام سعود حاجَّ الشام من دخول مكَّةَ لأداء الحجِّ، أرسل والي الشام إلى الإمام سعود يستنكِرُ منع حجاج الشام من دخول مكة، فأرسل له الإمام سعود رسالةً مطولة بيَّن فيها سبَبَ مَنعِهم من دخول مكةَ، وممَّا ورد في هذه الرسالة: "السلام التام والتحية والإكرام يُهدى إلى سيِّد الأنام محمد عليه أفضل الصلاة والسلام, ثم ينتهي إلى جناب الأحشم المكرَّم سلمه الله من الآفات واستعمله بالباقيات الصالحات، وبعد.. ما ذكرتَ من طرف الحاجِّ فأنت تفهَمُ أنَّ البيت بيتُ الله، والوفدَ وفدُه، ولا نمنَعُ عن بيته إلَّا من أمرنا بمَنعِه والله سبحانه وتعالى، قال: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا} [البقرة: 125]، وقال تعالى: {سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج: 25]، وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: 28] ولا يخفاكم ما يجري مع الحاجِّ من الأمورِ العظائِمِ الشِّركية مِن دعوة غير الله، وتعظيمِ الشِّرك بالله، وتعظيمِ المشاهد، وتَركِ الفرائض, وأعظَمُ الفرائض بعد التوحيد الصلواتُ الخمس، لا يؤذَّنُ لها ولا يصلِّي مع أحد جماعة، والأمور العظائم القبائح التي تُنقَلُ مع الحاج من أنواع المنكرات والفواحش من اللُّواطِ والقِحاب وشُربِ المسكر والزَّمر والطَّبل وما يُشابه ذلك من أنواع الملاهي التي يُعرف قبحُها, والله قال جل جلاله: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197] فإذا كان الرَّفَثُ والجدال مِن مبطلاتِ الحَجِّ، فكيف بهذه القبائِحِ والمنكراتِ؟! فإن قال قائل: إنه لا يفعَلُ ذلك فنحن نقول: ما نعمُّ النَّاسَ بذلك, ولكِنَّ الحُكمَ على الظاهر, والظاهِرُ مع الحاجِّ وفي أوطانِكم فِعلُ ما ذكرناه، ومن رعاياكم من يقول: هذا ما فعَلَه إلا طوارِفُ [أي حاشية] السلطان, وإنَّ السلطان هو الذي يأمُرُ به, ونقول: هذا لا يفعَلُه ولا يأمر به مَن له أدنى عَقلٍ وبصيرةٍ في الدين فضلًا عن أنَّ السلطان يأمرُ به أو يرضاه, وهذا من الافتراءِ عليه والكذب, ولَمَّا أراد الله أن أهل الحرمين يدخلون في الإسلام, ويشهدون أنَّ الذي هم عليه قبل ذلك أنَّه الباطل، والشاهد بذلك الشَّريفُ والعلماء والعامة, وأراد الله أن يجعَلَ لنا في الحرمين حُكمًا نافذًا وأمرًا مطاعًا، فلم يكن لنا عذر من الله مِن مَنعِ [ما] أمَرَنا الله بمَنعِه، ونمنع مَن منَعَه القرآن، ونأذن [لِمن] أذِنَ له القرآن, فغايةُ المطلوب ومنتهى المراد عبادةُ الله وحده، ولا يُشرَكُ له، وتَرْك عبادة ما سواه، وألَّا يُصرَفَ شيء من أنواع العبادة لغير الله، وإقام الصلوات الخمس التي فرض الله في كتابه بعد الشهادتين، وأداء الزكاة والصوم والحج، ومتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم، ونفي البِدَع وإزالة المنكرات، وإقامة الحدود على من أصاب منها شيئًا، وإعطاء كل ذي حَقٍّ حَقَّه، وإنصاف الضعيف من القويِّ بالعدل, فهذا جملة ما نحن عليه، وتفصيلُه يطول ذِكرُه, فمَن عَمِل ذلك ودان به فهو المسلمُ له ما لنا، وعليه ما علينا برًّا وبحرًا، ونحن وهو في بلد الله الحرام سواءٌ, ومن أبى عن ذلك منعناه من بلد الله الحرام، وقاتلناه حتى يكون الدينُ كُلُّه لله، كائنًا من كان، ولَمَّا ورد إلينا كتابُك وآدميك [ومندوبك] أركبنا أوادِمَ من أوادِمنا يمشون بالحاجِّ على هالشروط المذكورة، بأن يظهروا الإسلام، وإقام الصلوات الخمس جماعة بأذان وإقامة، وجميع المنكرات تُزال، وأنَّ الحاجَّ يبايعون على العمل بالإسلام، ولا يحجُّ عسكر قليل ولا كثير، ولا أزغة حرب، ولا يحجُّ المحمل لأنَّ المَحمَل فيه اعتقادات وتآليه به من دونِ الله, وظهرت للمسلمين ورأوها في مخالطتِنا لكم في الحج الماضي، ولا نشتهي أن المحمَلَ يجيء بأمامنا ويرجع ما وصل مكة، ولا يجوز لنا [أن] نقِرَّ سياق الشرك، ولا نرضى به، وعلى أنَّ جميع قوانين الحرمين المعروفة التي للبيت وخُدَّام البيت والشريف وعامة أهل مكة، وكذلك ما كان لمسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وخُدَّامه، وما كان لأهل المدينة من جميع القوانين علمائهم وعامتهم وأهل القلعة، وكذلك قانون ابن مضيان وحرب أن الجميع ما يختلف منه [في] شيء, وأنه يسلم بأيدي رجاجيلنا وعلى أن ما يبقى في الحرمين ممَّن قَدِم معكم أحد، فإن أحدثتم بعد ما يمشي الحاج حدثًا على الإسلام وأهله، فلا بوجهي من الحاج شيء, فإن صبرتم بما ذكرنا فالحاج يمشي بوجهي عن جميع المسلمين ذهابًا وإيابًا, وذكرنا لملا حسن ورجب مثل ما ذكرنا في هذه الصحيفة, وذكرنا إلى أوادمك أنك معاهدنا على الإسلام، وأنك أمرتَ بالصلوات تقام، وأمرت على معازِفِ الخمر تُرفَع، وهذا إذا وفقك الله للعمل به، وعملت بالتوحيد، وأزلت الشرك، وأقمت الفرائض..."
أرسل الإمامُ سعود بن عبد العزيز إلى عمان عبدَ الله بن مزروع صاحِبَ
منفوحة وعِدَّةَ رجال من أهل نجد، وأمرهم بنزولِ قصر البريمي المعروف في عمان وإحصانه، ثمَّ إن سعودًا بعث بعده إلى عُمان مطلق المطيري بجيش من أهل نجد، وأمرَ أهل عمان بالاجتماع عليه والقتال معه، فاجتمع عليه مقاتِلةُ أهل عمان مع ما معه من أهل نجد، فقاتل أهل الباطنة سحار ونواحيها ومن تبعهم، ورئيسُهم يومئذ عزان بن قيس، وقاتلوا سعيدَ بن سلطان صاحِبَ مسقط، ودام القتالُ بينهم، وقُتِل من عسكر عزان مقتلة عظيمة، قيل بلغ عدد القتلى خمسمائة رجل، ثم اجتمع مع مطلق المطيري جميعُ من هو في رعية الإمام سعود من أهل عُمان، فنازل أهل سحار بألوف من المقاتِلة، ودخلت سنة 1225 هـ وهم على ذلك يقاتلون ويغنمون، وأخذ مطلق ومن معه قرًى كثيرة من نواحي سحار من أهل الباطنة، وبايع غالبُهم على دين الله ورسوله والسمع والطاعة، ولم يبقَ محارب إلا مسقط ونواحيها، مملكة سعيد بن سلطان وما تحت ولاية عزان من سحار، وغنموا منها غنائم كثيرة وبعثوا بالأخماس إلى سعود في الدرعية.