فَوائِدُ ومَسائِلُ مُتَفَرِّقةٌ
1-الهِبةُ للذِّمِّيِّتجوزُ الهِبةُ للذِّمِّيِّ
[2540] وكذلك تجوزُ للكافرُ المعاهَدِ والمتسأمَنِ. يُنظر: ((الإشراف على نكت مسائل الخلاف)) للقاضي عبد الوهاب (2/1015)، ((حاشية ابن عابدين)) (6/655). وأمَّا الحربيُّ فوقَعَ فيه خلافٌ بيْن الفقهاءِ؛ بين مُجيزٍ له، وغيرِ مُجيزٍ. يُنظر: ((حاشية ابن عابدين)) (6/655)، ((حاشية الصاوي على الشرح الصغير)) (4/140)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (3/43)، ((كشَّاف القِناع)) للبُهُوتي (4/353). .
الدَّليلُ على ذلك من الكِتابِ والإجماعِ:أ- مِنَ الكتابِقال تَعالى:
لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ [الممتحنة: 8] .
ب- مِنَ الإجماعِنُقِل الإجماعُ على ذلك
[2541] قال ابنُ المُنذرِ: (أجْمَعوا على أنَّه إذا وهَبَ المُسلمُ للذِّمِّيِّ، أو وهَبَ الذِّمِّيُّ للمُسلمِ، وقُبِضَ ذلك الموهوبُ، وكان الشَّيءُ مِقدارًا معلومًا؛ أنَّ ذلك جائزٌ). ((الإجماع)) (ص: 155). .
وأمَّا التَّعليلُ: فلأنَّهم بعقْدِ الذِّمَّةِ ساوَوُا المُسلِمين في المُعامَلاتِ، فجازَ التَّبرُّعُ مِنَ الجانِبَينِ
[2542] ((الهداية)) للمَرْغِيناني (4/233). .
2-الهِبةُ لمُشركٍ في عِيدِهلا تَجوزُ الهِبةُ لمُشركٍ في عِيدِه
[2543] نصَّ عليه الحَنفيَّةُ، والحَنابِلةُ، وهو اختِيارُ ابنِ تَيميَّةَ. يُنظر: ((البحر الرائق)) لابن نُجَيْم (8/555)، ((كشَّاف القِناع)) للبُهُوتي (3/131)، ((المستدرك على مجموع الفتاوى لابن تيمية)) (4/208). ؛ وذلك قياسًا على مَنعِ بَدْئهِم بالسَّلامِ؛ لِمَا في ذلك مِن إكرامٍ لهم
[2544] ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (8/73). ويُنظر: ((كشَّاف القِناع)) للبُهُوتي (3/131). .
3- عيادَةُ غيرِ المسلمِ إذا مَرِضتَجوزُ عيادةُ غَيرِ المُسلمِ في الجُملةِ
[2545] والقُربةُ فيها مَوقوفةٌ على نَوعِ حُرمةٍ تَقتَرِنُ بها مِن جِوارٍ أو قَرابةٍ. يُنظر: ((حلية العلماء)) للشاشي (2/ 279)، ((المجموع)) للنووي (5/ 112)، ((الأذكار)) للنووي (ص: 254، 255)، ((شرح سنن أبي داود)) لابن رسلان (13/ 283). هذا، وقد قال البخاري في كتاب المرضى من ((صحيحه)): (باب عيادة المشرك). ((صحيح البخاري)) (7/ 117). قال ابنُ حَجَر: (قال ابنُ بطَّالٍ: إنَّما تُشرَعُ عيادتُه إذا رُجِيَ أن يجيبَ إلى الدُّخولِ في الإسلامِ، فأمَّا إذا لم يطمَعْ في ذلك فلا. انتهى. والذي يَظهَرُ أنَّ ذلك يختَلِفُ باختلافِ المقاصِدِ؛ فقد يَقَعُ بعيادتِه مَصلَحةٌ أُخرى، قال الماوَرديُّ: عيادةُ الذِّمِّيِّ جائزةٌ، والقُربةُ موقوفةٌ على نوعِ حُرمةٍ تقتَرِنُ بها من جِوارٍ أو قَرابةٍ). ((فتح الباري)) (10/ 119). ويُنظر: ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (9/ 380)، ((شرح الإلمام)) لابن دقيق العيد (2/ 65)، ((أحكام أهل الذمة)) لابن القيم (1/ 427). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ:1- عن أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال:
((كان غُلامٌ يَهوديٌّ يَخدُمُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فمَرِضَ، فأتاه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَعودُه، فقَعَدَ عِندَ رَأسِه، فقال له: أسلِمْ، فنَظَر إلى أبيه وهو عِندَه، فقال له: أطِعْ أبا القاسِمِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فأسلَمَ، فخَرَجَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو يَقولُ: الحَمدُ للهِ الذي أنقَذَه مِنَ النَّارِ)) [2546] أخرجه البخاري (1356). .
2- عن سَعيدِ بنِ المُسَيِّبِ، عن أبيه رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّه أخبَرَه:
((أنَّه لمَّا حَضَرَت أبا طالِبٍ الوفاةُ جاءَه رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فوَجَدَ عِندَه أبا جَهلِ بنَ هشامٍ، وعَبدَ اللَّهِ بنَ أبي أُميَّةَ بنِ المُغيرةِ، قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لأبي طالبٍ: يا عَمِّ، قُلْ: لا إلهَ إلَّا اللَّهُ، كَلِمةً أشهَدُ لك بها عِندَ اللهِ، فقال أبو جَهلٍ، وعَبدُ اللَّهِ بنُ أبي أُميَّةَ: يا أبا طالبٍ، أترغَبُ عن مِلَّةِ عَبدِ المُطَّلِبِ؟ فلم يَزَلْ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَعرِضُها عليه، ويَعودانِ بتلك المَقالةِ، حتَّى قال أبو طالبٍ آخِرَ ما كَلَّمَهم: هو على مِلَّةِ عَبدِ المُطَّلِبِ، وأبى أن يَقولَ: لا إلهَ إلَّا اللَّهُ...)) الحَديث.
[2547] أخرجه البخاري (1360) واللَّفظُ له، ومسلم (24). 4- ذبائِحُ أهلِ الكتابِيَحِلُّ أكلُ ذَبيحةِ أهلِ الكِتابِ إذا كانت مِمَّا يَحِلُّ في شَرْعِنا
[2548] وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةِ، والمالِكيَّةِ، والشَّافِعيَّةِ، والحَنابِلةِ، وهو مَذهَبُ الظَّاهِريَّةِ، وقَولُ طائفةٍ مِنَ السَّلَفِ. يُنظر: ((الفتاوى الهندية)) (5/285)، ((شرح الزرقاني على مختصر خليل)) (3/7)، ((المجموع)) للنووي (9/75)، ((الإنصاف)) للمرداوي (10/306)، ((المحلى)) لابن حزم (6/143، 146). وذهب مالِكٌ وبعضُ الحنابلةِ إلى تحريمِ ما حُرِّمَ عليهم منها، كالشَّحمِ. يُنظر: ((التاج والإكليل)) للمواق (3/212)، ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (3/5)، ((الإنصاف)) للمرداوي (10/306)، ((المغني)) لابن قدامة (9/403). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ الكِتابِ والسُّنَّةِ:أ- مِنَ الكتابِقَولُه تعالى:
وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ [المائدة: 5] .
وَجهُ الدَّلالةِ:أنَّ المرادَ بذلك ما ذَكَّوه لا ما أكَلُوه؛ لأنَّهم يأكُلونَ الخِنزيرَ والمَيتةَ والدَّمَ، ولا يحِلُّ لنا شَيءٌ مِن ذلك بإجماعٍ منهم ومنَّا؛ فإذ ذلك كذلك فلم يشتَرِطِ اللهُ تعالى ما أكَلوه مِمَّا لم يأكُلوه
[2549] ((المحلى)) لابن حزم (6/144). ونقل ابنُ كثيرٍ في تفسيرِه عن ابنِ عَبَّاسٍ، وأبي أُمامةَ، ومُجاهِدٍ، وسعيدِ بنِ جُبَيرٍ، وعِكْرِمةَ، وعطاءٍ، والحسَنِ، ومَكحولٍ، وإبراهِيمَ النَّخَعيِّ، والسُّدِّيِّ، ومُقاتِلِ بنِ حيَّانَ: وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ: يعني: ذَبائِحَهم. يُنظر: ((تفسير القرآن العظيم)) (3/4). .
ب- مِنَ السُّنَّةِعن عبدِ اللهِ بنِ مُغَفَّلٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال:
((أصَبتُ جِرابًا مِن شَحمٍ يَومَ خَيبَرَ. قال: فالتَزَمْتُه: فقُلتُ: لا أعطي اليومَ أحَدًا من هذا شيئًا. قال: فالتفَتُّ فإذا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مُتَبَسِّمًا)) [2550] أخرجه البخاري (3153) بنحوه، ومسلم (1772) واللفظ له .
وَجهُ الدَّلالةِ:أنَّ هذا تقريرٌ منه صَلَّى الله تعالى عليه وسَلَّم على تناوُلِه
[2551] ((حاشية السندي على سنن النسائي)) (7/237). .
5- ذَبيحةُ المَجوسيِّ والوَثَنيِّ والزِّنديقِ والمُرتَدِّ:يَحرُمُ أكلُ ذبيحةِ المَجوسيِّ، والوَثَنيِّ، والزِّنديقِ، والمُرتَدِّ
[2552] وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةِ، والمالِكيَّةِ، والشَّافِعيَّةِ، والحَنابِلةِ. يُنظر: ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (5/287)، ((شرح الزرقاني على مختصر خليل وحاشية البناني)) (3/13)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (4/266)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (3/418). وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك: قال ابنُ عبدِ البَرِّ: (وأجمَعوا أنَّ المجوسيَّ والوَثَنيَّ لو سمَّى اللهَ لم تؤكَلْ ذَبيحتُه). ((الاستذكار)) (5/250). وقال ابنُ قُدامةَ: (أجمَع أهلُ العِلمِ على تحريمِ صَيدِ المجوسيِّ وذَبيحتِه، إلَّا ما لا ذكاةَ له). ((المغني)) (9/392). وقال ابنُ القَطَّانِ: (وأجمَعوا أنَّ المجوسيَّ والوَثَنيَّ لو سَمَّى اللهَ لم تؤكَلْ ذبيحتُه... وأجمعوا أنَّ ذبائحَ المرتَدِّين حرامٌ على المسلِمينَ، إلَّا الأوزاعيَّ؛ فإنَّه أحَلَّها). ((الإقناع في مسائل الإجماع)) (1/321). وقال ابنُ تيميَّةَ: (فإنَّ ذبائِحَ المجوسِ حَرامٌ عندَ جمهورِ السَّلَفِ والخَلَفِ، وقد قيل: إنَّ ذلك مُجمَعٌ عليه بين الصَّحابةِ). ((الفتاوى الكبرى)) (1/271). قال ابنُ حَجَرٍ بعد أن حكى كلامَ ابنِ قُدامةَ: (قلتُ: وفيه نظَرٌ؛ فقد حكى ابنُ عبدِ البَرِّ عن سعيدِ بنِ المُسَيِّبِ أنَّه لم يكنْ يرى بذبيحةِ المجوسيِّ بأسًا إذا أمَرَه المُسلِمُ بذَبحِها). ((فتح الباري)) (6/259)، وكذلك خالف فيه ابنُ حزمٍ، فقال: (وكُلُّ ما ذبَحَه أو نَحَره يهوديٌّ، أو نصرانيٌّ، أو مجوسيٌّ -نساؤُهم، أو رجالُهم-: فهو حلالٌ لنا، وشحومُها حلالٌ لنا إذا ذكَروا اسمَ اللهِ تعالى عليه). ((المحلى)) (6/143). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ الكِتابِ:قال تعالى:
وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ [المائدة: 5] .
وَجهُ الدَّلالةِ:نصَّت الآيةُ على حِلِّ ذبائِحِ أهلِ الكِتابِ، والمجوسيُّ والوَثَنيُّ والزِّنديقُ والمُرتَدُّ: ليسوا أهلَ كِتابٍ
[2553] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (9/393)، ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (1/553). .
وأمَّا التَّعليلُ فللآتي:1- أنَّه لا تَحِلُّ مُناكَحتُهم، فلا تَحِلُّ ذَبيحتُهم
[2554] يُنظر: ((المجموع)) للنووي (9/75)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (4/266). .
2-أنَّ المُرتَدَّ لا يُقَرُّ على الدِّينِ الَّذي انتَقَل إليه، فكان كالوَثَنيِّ الذي لا يُقَرُّ على دينِه
[2555] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/45). .
3- أنَّ الوَثَنيَّ كالمجوسيِّ؛ لأنَّه مُشرِكٌ مِثلُه، فتَحرُمُ ذَبيحتُه أيضًا
[2556] يُنظر: ((تبيين الحقائق)) للكاساني (5/287). .
6- الفَرقُ بَينَ بِرِّ أهلِ الذِّمَّةِ والإحسانِ إليهم، وبَينَ مَودَّتِهم ووَلايَتِهمقال القَرافيُّ: (اعلَمْ أنَّ اللَّهَ تعالى مَنَع مِنَ التَّودُّدِ لأهلِ الذِّمَّةِ بقَولِه تعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ [الممتحنة: 1] الآية، فمَنَعَ المُوالاةَ والتَّودُّدَ، وقال في الآيةِ الأُخرى:
لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ [الممتحنة: 8] الآية، وقال في حَقِّ الفريقِ الآخَرِ:
إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ [الممتحنة: 9] الآية.
وقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «استَوصوا بأهلِ الذِّمَّةِ خَيرًا»
[2557] لم نَقِفْ عليه فيما لدَينا مِن كُتُبٍ مُسنَدةٍ. ورُوِي بلفظٍ مُقارِبٍ: عن أبي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّكُم سَتَفتَحونَ أرضًا يُذكَرُ فيها القيراطُ، فاستَوصوا بأهلِها خَيرًا؛ فإنَّ لهم ذِمَّةً ورَحِمًا)). أخرجه مسلم (2543). ، وقال في حَديثٍ آخَرَ: «استَوصوا بالقِبطِ خَيرًا»
[2558] لفظُه: عن كَعبِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ، عنه قال: سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: ((إذا فُتِحَت مِصرُ فاستَوصوا بالقِبطِ خَيرًا؛ فإنَّ لهم ذِمَّةً ورَحِمًا)). أخرجه الطحاوي في ((شرح مشكل الآثار)) (2364)، والطبراني (19/61) (111) واللفظ له، والحاكم (4080). صَحَّحه الحاكِمُ، والألبانيُّ في ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (1374) وقالا: على شرط الشيخين، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((شرح مشكل الآثار)) (2364). .
فلا بُدَّ مِنَ الجَمعِ بَينَ هذه النُّصوصِ، وإنَّ الإحسانَ لأهلِ الذِّمَّةِ مَطلوبٌ، وإنَّ التَّودُّدَ والموالاةَ مَنهيٌّ عنهما، والبابانِ مُلتَبِسانِ، فيَحتاجانِ إلى الفَرقِ، وسِرُّ الفَرقِ أنَّ عَقدَ الذِّمَّةِ يوجِبُ حُقوقًا علينا لهم؛ لأنَّهم في جِوارِنا وفي خِفارتِنا وذِمَّةِ اللهِ تعالى وذِمَّةِ رَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ودينِ الإسلامِ، فمَنِ اعتَدى عليهم ولو بكَلِمةِ سوءٍ أو غِيبةٍ في عِرضِ أحَدِهم، أو نَوعٍ مِن أنواعِ الأذيَّةِ، أو أعانَ على ذلك، فقد ضَيَّعَ ذِمَّةَ اللهِ تعالى وذِمَّةَ رَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وذِمَّةَ دينِ الإسلامِ.
وكذلك حَكى ابنُ حَزمٍ في "مَراتِب الإجماعِ" له أنَّ مَن كان في الذِّمَّةِ، وجاءَ أهلُ الحَربِ إلى بلادِنا يَقصِدونَه، وجَبَ علينا أن نَخرُجَ لقِتالِهم بالكُراعِ والسِّلاحِ، ونَموتَ دونَ ذلك؛ صَونًا لمَن هو في ذِمَّةِ اللهِ تعالى وذِمَّةِ رَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فإنَّ تَسليمَه دونَ ذلك إهمالٌ لعَقدِ الذِّمَّةِ، وحَكى في ذلك إجماعَ الأُمَّةِ.
فعَقدٌ يُؤَدِّي إلى إتلافِ النُّفوسِ والأموالِ صَونًا لمُقتَضاه عنِ الضَّياعِ، إنَّه لعَظيمٌ!
وإذا كان عَقدُ الذِّمَّةِ بهذه المَثابةِ، وتَعَيَّنَ علينا أن نَبَرَّهم بكُلِّ أمرٍ لا يَكونُ ظاهرُه يَدُلُّ على مَوَدَّاتِ القُلوبِ ولا تَعظيمِ شَعائِرِ الكُفرِ، فمَتى أدَّى إلى أحَدِ هَذَينِ امتَنَعَ وصارَ مِن قِبَلِ ما نُهيَ عنه في الآيةِ وغَيرِها، ويَتَّضِحُ ذلك بالمثلِ؛ فإخلاءُ المجالِسِ لهم عِندَ قُدومِهم علينا، والقيامُ لهم حينَئِذٍ ونِداؤُهم بالأسماءِ العَظيمةِ الموجِبةِ لرَفعِ شَأنِ المُنادى بها، هذا كُلُّه حَرامٌ، وكذلك إذا تَلاقَينا مَعَهم في الطَّريقِ وأخلَينا لهم واسِعَها ورَحْبَها والسَّهلَ مِنها، وتَرَكنا أنفُسَنا في خَسيسِها وحَزْنِها وضَيِّقِها، كما جَرَتِ العادةُ أن يَفعَلَ ذلك المَرءُ مَعَ الرَّئيسِ، والوَلَدُ مَعَ الوالِدِ، والحَقيرُ مَعَ الشَّريفِ، فإنَّ هذا مَمنوعٌ؛ لِما فيه مِن تَعظيمِ شَعائِرِ الكُفرِ وتَحقيرِ شَعائِرِ اللهِ تعالى وشَعائِرِ دينِه، واحتِقارِ أهلِه.
ومِن ذلك تَمكينُهم مِنَ الوِلاياتِ والتَّصَرُّفِ في الأُمورِ الموجِبةِ لقَهرِ مَن هيَ عليه، أو ظُهورِ العُلوِّ وسُلطانِ المُطالَبةِ، فذلك كُلُّه مَمنوعٌ وإن كان في غايةِ الرِّفقِ والأناةِ أيضًا؛ لأنَّ الرِّفقَ والأناةَ في هذا البابِ نَوعٌ مِنَ الرِّئاسةِ والسِّيادةِ وعُلوِّ المَنزِلةِ في المَكارِمِ، فهيَ دَرَجةٌ رَفيعةٌ أوصَلناهم إليها وعَظَّمناهم بسَبَبِها، ورَفَعنا قَدرَهم بإيثارِها، وذلك كُلُّه مَنهيٌّ عنه.
وكذلك لا يَكونُ المُسلِمُ عِندَهم خادِمًا ولا أجيرًا يُؤمَرُ عليه ويُنهى، ولا يَكونُ أحَدٌ مِنهم وكيلًا في المُحاكَماتِ على المُسلمينَ عِندَ وُلاةِ الأُمورِ؛ فإنَّ ذلك أيضًا إثباتٌ لسُلطانِهم على ذلك المُسلمِ.
وأمَّا ما أمرَ به مِن بِرِّهم ومِن غَيرِ مَودَّةٍ باطِنيَّةٍ فالرِّفقُ بضَعيفِهم، وسَدُّ خَلَّةِ فقيرِهم، وإطعامُ جائِعِهم، وإكساءُ عاريهم، ولِينُ القَولِ لهم على سَبيلِ اللُّطفِ لهم والرَّحمةِ لا على سَبيلِ الخَوفِ والذِّلَّةِ، واحتِمالُ إذايتِهم في الجِوارِ مَعَ القُدرةِ على إزالتِه لُطفًا مِنَّا بهم لا خَوفًا وتَعظيمًا، والدُّعاءُ لهم بالهدايةِ وأن يُجعَلوا مِن أهلِ السَّعادةِ، ونَصيحَتُهم في جَميعِ أُمورِهم في دينِهم ودُنياهم، وحِفظُ غَيبَتِهم إذا تَعَرَّضَ أحَدٌ لأذيَّتِهم، وصَونُ أموالِهم وعِيالِهم وأعراضِهم وجَميعِ حُقوقِهم ومَصالحِهم، وأن يُعانوا على دَفعِ الظُّلمِ عنهم، وإيصالُهم لجَميعِ حُقوقِهم وكُلِّ خَيرٍ يَحسُنُ مِنَ الأعلى مَعَ الأسفَلِ أن يَفعَلَه، ومِنَ العَدوِّ أن يَفعَلَه مَعَ عَدوِّه، فإنَّ ذلك مِن مَكارِمِ الأخلاقِ، فجَميعُ ما نَفعَلُه مَعَهم مِن ذلك يَنبَغي أن يَكونَ مِن هذا القَبيلِ لا على وَجهِ العِزَّةِ والجَلالةِ مِنَّا، ولا على وَجهِ التَّعظيمِ لهم وتَحقيرِ أنفُسِنا بذلك الصَّنيعِ لهم، ويَنبَغي لنا أن نَستَحضِرَ في قُلوبِنا ما جُبِلوا عليه مِن بُغضِنا وتَكذيبِ نَبيِّنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأنَّهم لو قَدَروا علينا لاستَأصَلوا شَأفَتَنا واستَولَوا على دِمائِنا وأموالِنا، وأنَّهم مِن أشَدِّ العُصاةِ لرَبِّنا ومالِكِنا عَزَّ وجَلَّ، ثُمَّ نُعامِلَهم بَعدَ ذلك بما تقدَّم ذِكرُه امتِثالًا لأمرِ رَبِّنا عَزَّ وجَلَّ، وأمرِ نَبيِّنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لا مَحَبَّةً فيهم ولا تَعظيمًا لهم، ولا نُظهِرَ آثارَ تلك الأُمورِ التي نَستَحضِرُها في قُلوبِنا مِن صِفاتِهمُ الذَّميمةِ؛ لأنَّ عَقدَ العَهدِ يَمنَعُنا مِن ذلك، فنَستَحضِرُها حتَّى يَمنَعَنا مِنَ الوُدِّ الباطِنِ لهم والمُحَرَّمِ علينا خاصَّةً)
[2559] ((أنوار البروق في أنواء الفروق)) (3/ 14-16). .
7-جملةٌ مِن آدابِ التَّعامُلِ معَ الكافرِ:(يَعتَقِدُ المُسلمُ أنَّ سائِرَ المِلَلِ والأديانِ باطِلةٌ، وأنَّ أصحابَها كُفَّارٌ، إلَّا الدِّينَ الإسلاميَّ؛ فإنَّه الدِّينُ الحَقُّ، وإلَّا أصحابَه؛ فإنَّهمُ المُؤمِنونَ المُسلمونَ؛ وذلك لقَولِه تعالى:
إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ [آل عمران: 19] ، وقَولِه سُبحانَه:
وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران: 85] ، وقَولِه:
الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا [المائدة: 3] .
فبهذه الأخبارِ الإلهيَّةِ الصَّادِقةِ عَلِم المُسلِمُ أنَّ سائِرَ الأديانِ التي قَبلَ الإسلامِ قد نُسِخَت بالإسلامِ، وأنَّ الإسلامَ هو دينُ البَشَريَّةِ العامُّ، فلم يَقبَلِ اللهُ مِن أحَدٍ دينًا غَيرَه، ولا يَرضى بشَرعٍ سِواه، ومِن هنا كان المُسلِمُ يَرى أنَّ كُلَّ مَن لم يَدِنْ للهِ تعالى بالإسلامِ فهو كافِرٌ، ويَلتَزِمُ حيالَه بالآدابِ التَّاليةِ:
1- عَدَمُ إقرارِه على الكُفرِ، وعَدَمُ الرِّضاءِ به؛ إذِ الرِّضا بالكُفرِ كُفرٌ.
2- بُغضُه ببُغضِ اللَّهِ تعالى له؛ إذِ الحُبُّ في اللهِ والبُغضُ في اللهِ، وما دامَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ قد أبغَضَه لكُفرِه به فالمُسلِمُ يُبغِضُ الكافِرَ ببُغضِ اللَّهِ تعالى له.
3- عَدَمُ مُوالاتِه ومَودَّتِه؛ لقَولِه تعالى:
لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ [آل عمران: 28] ، وقَولِه تعالى:
لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ [المجادلة: 22] .
4- إنصافُه والعَدلُ مَعَه وإسداءُ الخَيرِ له إن لم يَكُنْ مُحارِبًا؛ لقَولِه تعالى:
لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الممتحنة: 8] ، فقد أباحَت هذه الآيةُ الكَريمةُ المُحكَمةُ الإقساطَ إلى الكُفَّارِ وهو العَدلُ، وإنصافَهم وإسداءَ المَعروفِ إليهم، ولم تَستَثنِ مِنَ الكُفَّارِ إلَّا المُحارِبينَ فقَط، فإنَّ لهم سياسةً خاصَّةً تُعرَفُ بأحكامِ المُحارِبينَ.
5- يرحَمُه بالرَّحمةِ العامَّةِ، كَإطعامِه إن جاعَ، وسَقيِه إن عَطِشَ، ومُداواتِه إن مَرِضَ، وكَإنقاذِه مِن تَهلُكةٍ، وتَجنيبِه الأذى؛ لقَولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «ارحَمْ مَن في الأرضِ يَرحَمْك مَن في السَّماءِ»
[2560] أخرجه الطيالسي (333)، والطبراني (10/183) (10277)، والحاكِم (7840) من حديثِ عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه. صَحَّحه الألبانيُّ في ((صحيح الجامع)) (896)، وصَحَّحه لغيره شعيب الأرناؤوط في تخريج ((شرح السنة)) (3451)، وصَحَّحَ إسنادَه الحاكِم، والبوصيري في ((إتحاف الخيرة المهرة)) (5/514). وأخرجه الطبراني (2/356) (2502)، وأبو نعيم في ((معرفة الصحابة)) (1631) من حديثِ جَريرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنه. صَحَّحه السُّيوطيُّ في ((الجامع الصغير)) (935)، والألباني في ((صحيح الجامع)) (896)، وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (8/190): رِجالُه رِجالُ الصَّحيحِ. ، وقَولِه: «في كُلِّ ذي كَبِدٍ رَطبةٍ أجرٌ»
[2561] أخرجه البخاري (2466)، ومسلم (2244) باختلافٍ يسيرٍ من حديثِ أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، ولفظُ البخاريِّ: عن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((بينا رَجُلٌ بطَريقٍ اشتَدَّ عليه العَطَشُ، فوجَدَ بئرًا، فنَزَل فيها، فشَرِبَ ثُمَّ خَرَجَ، فإذا كَلبٌ يَلهَثُ، يَأكُلُ الثَّرى مِنَ العَطَشِ، فقال الرَّجُلُ: لقد بَلغَ هذا الكَلبَ مِنَ العَطَشِ مِثلُ الذي كان بَلغَ مِنِّي، فنَزَل البئرَ فمَلأَ خُفَّه ماءً، فسَقى الكَلبَ، فشَكَرَ اللهُ له فغَفرَ له، قالوا: يا رَسولَ اللهِ، وإنَّ لنا في البَهائِمِ لأجرًا؟ فقال: في كُلِّ ذاتِ كَبِدٍ رَطبةٍ أجرٌ)). .
6- عَدَمُ أذيَّتِه في مالِه أو دَمِه أو عِرضِه إن كان غَيرَ مُحارِبٍ؛ لقَولِ الرَّسولِ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: يَقولُ اللهُ تعالى:
((يا عِبادي، إنِّي حَرَّمتُ الظُّلمَ على نَفسي وجَعَلتُه بَينَكُم مُحَرَّمًا، فلا تَظالَموا)) [2562] أخرجه مسلم (2577) من حديثِ أبي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عنه. .
7- جَوازُ الإهداءِ إليه، وقَبولُ هَديَّتِه، وأكلُ طَعامِه إن كان كِتابيًّا: يَهوديًّا أو نَصرانيًّا؛ لقَولِه تعالى:
وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ [المائدة: 5] ، وعن أنَسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه:
((أنَّ يَهُودِيَّةً أتَتِ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بشَاةٍ مَسْمُومَةٍ، فأكَلَ منها، فَجِيءَ بهَا، فقِيلَ: ألَا نَقْتُلُهَا؟ قالَ: لَا. فَما زِلْتُ أعْرِفُهَا في لَهَوَاتِ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ)) [2563] أخرجه البخاري (2617) واللفظ له، ومسلم (2190) .
8- عَدَم إنكاحِه المُؤمِنةَ، وجَوازُ نِكاحِ الكِتابيَّاتِ مِنَ الكُفَّارِ؛ لقَولِه تعالى في مَنعِ المُؤمِنةِ مِنَ الزَّواجِ بالكافِرِ مُطلقًا:
لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ [الممتحنة: 10] ، وقَولِه:
وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا [البقرة: 221] ، وقال تعالى في إباحةِ نِكاحِ المُسلمِ الكِتابيَّةَ:
وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ [المائدة: 5] .
9- تَشميتُه إذا عَطَسَ وحَمِدَ اللَّهَ تعالى بأن يَقولَ له: يَهديكُمُ اللهُ ويُصلِحُ بالَكُم؛ إذ كان الرَّسولُ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ يَتَعاطَسُ عِندَه يَهودٌ رَجاءَ أن يَقولَ لهم: يَرحَمُكُمُ اللهُ، فكان يَقولُ لهم: يَهديكُمُ اللهُ ويُصلحُ بالَكُم
[2564] أخرجه أبو داود (5038)، والترمذي (2739)، وأحمد (19586)، ولفظُ أبي داودَ: عن أبي موسى الأشعَريِّ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((كان اليَهودُ تَعاطَسُ عِندَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رَجاءَ أن يَقولَ لهم: يَرحَمُكُمُ اللهُ، فكان يَقولُ: يَهديكُمُ اللهُ ويُصلِحُ بالَكُم)). صَحَّحه ابنُ العَرَبيِّ في ((عارضة الأحوذي)) (5/377)، وابن القيم في ((زاد المعاد)) (2/404)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (5038)، وقال الترمذيُّ: حَسَنٌ صحيحٌ، وصَحَّحَ إسنادَه النَّوَويُّ في ((الأذكار)) (344). .
10- لا يَبدَؤُه بالسَّلامِ، وإن سَلَّمَ عليه رَدَّ عليه بقَولِه: "وعلَيكُم"؛ لقَولِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «إذا سَلَّمَ عليكُم أحَدٌ مِن أهلِ الكِتابِ فقولوا: وعلَيكُم»
[2565] أخرجه البخاري (6258)، ومسلم (2163) باختلافٍ يسيرٍ من حديثِ أنَسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه، ولفظُه: ((إذا سَلَّمَ عَليكُم أهلُ الكِتابِ فقولوا: وعَليكُم)). .
11- يَضطَرُّه عِندَ المُرورِ به في الطَّريقِ إلى أضيَقِه
[2566] قال أبو العَبَّاسِ القُرطُبيُّ في حَديثِ: ((لا تَبدَؤوا اليَهودَ ولا النَّصارى بالسَّلامِ، فإذا لقيتُم أحَدَهم في طَريقٍ فاضطَرُّوه إلى أضيَقِه)): (أي: لا تَتَنَحَّوا لهم عنِ الطَّريقِ الضَّيِّقِ إكرامًا لهم واحتِرامًا، وعلى هذا فتَكونُ هذه الجُملةُ مُناسِبةً للجُملةِ الأولى في المَعنى والعَطفِ، وليسَ مَعنى ذلك: أنَّا إذا لَقِيناهم في طَريقٍ واسِعٍ أنَّنا نُلجِئُهم إلى حَرفِه حتَّى نُضَيِّقَ عَليهم؛ لأنَّ ذلك أذًى مِنَّا لهم مِن غَيرِ سَبَبٍ، وقد نُهِينا عن أذاهم). ((المفهم)) (5/ 490). وقال النَّوويُّ: (قال أصحابُنا: لا يُترَكُ للذِّمِّيِّ صَدرُ الطَّريقِ، بَل يُضطَرُّ إلى أضيَقِه إذا كان المُسلِمونَ يَطرُقونَ، فإن خَلتِ الطَّريقُ عنِ الزَّحمةِ فلا حَرَجَ. قالوا: وليَكُنِ التَّضييقُ بحَيثُ لا يَقَعُ في وهدةٍ، ولا يَصدِمُه جِدارٌ ونَحوُه). ((شرح مسلم)) (14/ 147). ؛ لقَولِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «لا تَبدَؤوا اليَهودَ ولا النَّصارى بالسَّلامِ، فإذا لَقِيتُم أحَدَهم في طَريقٍ فاضطَرُّوه إلى أضيَقِه»
[2567] أخرجه مسلم (2167) من حديثِ أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه. .
12- مُخالفتُه وعَدَمُ التَّشَبُّهِ به فيما ليسَ بضَروريٍّ، كَإعفاءِ اللِّحيةِ إذا كان هو يَحلقُها، وصَبغِها إذا كان هو لا يَصبُغُها، وكَذا مُخالفتُه في اللِّباسِ مِن عِمَّةٍ وطربوشٍ ونَحوِه؛ لقَولِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ...: «خالِفوا المُشرِكينَ؛ أعفوا اللِّحى وقُصُّوا الشَّوارِبَ»
[2568] أخرجه البخاري (5892)، ومسلم (259) باختلافٍ يسيرٍ، ولفظُ البخاريِّ: عن عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رضِيَ اللهُ عنهما، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((خالِفوا المُشرِكينَ؛ وفِّروا اللِّحى، وأحْفوا الشَّوارِبَ)). ، وقَولِه: «إنَّ اليَهودَ والنَّصارى لا يَصبُغونَ فخالِفوهم»
[2569] أخرجه البخاري (3462)، ومسلم (2103) من حديثِ أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه. ، يَعني خِضابَ اللِّحيةِ أو شَعرِ الرَّأسِ بصُفرةٍ أو حُمرةٍ؛ لأنَّ الصَّبغَ بالسَّوادِ قد نَهى عنه الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ لِما رَوى مُسلِمٌ أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: «غَيِّروا هذا -الشَّعرَ الأبيَضَ- واجتَنِبوا السَّوادَ»
[2570] لفظُه: عن جابِرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((أُتيَ بأبي قُحافةَ يَومَ فتحِ مَكَّةَ ورَأسُه ولحيَتُه كالثَّغامةِ بَياضًا، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: غَيِّروا هذا بشَيءٍ، واجتَنِبوا السَّوادَ)) أخرجه مسلم (2102). [2571] ((منهاج المسلم)) (ص: 89-91). .