المطلبُ الثامنُ: كثيرٌ من العباداتِ
ومن ذلك: الصَّلاةُ، والزكاةُ، والصِّيامُ، والحَجُّ.
قال اللهُ تعالى:
وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ * وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ * وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ [الأنبياء: 71، 73].
قال
الشِّنقيطيُّ: (الضَّميرُ في قَولِه:
جَعَلْنَاهُمْ يَشمَلُ كُلَّ المذكورينَ؛ إبراهيمَ ولوطًا وإسحاقَ ويَعقوبَ)
[117] يُنظر: ((أضواء البيان)) (4/ 166). .
وقال
السَّعديُّ: (
وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ يفعَلونها ويَدْعونَ النَّاسَ إليها، وهذا شامِلٌ لجميعِ الخيراتِ كُلِّها مِن حُقوقِ اللهِ وحُقوقِ العِبادِ.
وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ هذا من بابِ عَطفِ الخاصِّ على العامِّ؛ لشَرَفِ هاتَينِ العبادَتينِ وفَضْلِهما، ولأنَّ مَن كَمَّلَهما كما أُمِرَ، كان قائِمًا بدينِه، ومن ضَيَّعَهما كان لِما سِواهما أضْيَعَ، ولأنَّ الصَّلاةَ أفضَلُ الأعمالِ التي فيها حَقُّه، والزكاةَ أفضَلُ الأعمالِ التي فيها الإحسانُ لخَلْقِه.
وَكَانُوا لَنَا أي: لا لِغَيرِنا
عَابِدِينَ أي: مُديمينَ على العباداتِ القَلبيَّةِ والقَوليَّةِ والبَدَنيَّةِ في أكثَرِ أوقاتِهم؛ فاستحَقُّوا أن تكونَ العِبادةُ وَصْفَهم، فاتَّصَفوا بما أمَرَ اللهُ به الخَلْقَ، وخَلَقَهم لأجْلِه)
[118] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 527). .
وقال اللهُ تعالى عن إسماعيلَ عليه السَّلامُ:
وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ [مريم: 55].
وقال اللهُ لموسى عليه السَّلامُ:
فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي [طه: 14] .
وقال اللهُ تعالى حكايةً لِقَولِ عيسى عليه السَّلامُ:
وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا [مريم: 31] .
وقال اللهُ سُبحانَه:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة: 183] .
قال
السَّعديُّ: (يخبرُ تعالى بما مَنَّ به على عبادِه، بأنَّه فرَض عليهم الصِّيامَ كما فرضه على الأُمَمِ السَّابقةِ؛ لأنَّه من الشَّرائعِ والأوامِرِ التي هي مُصلِحةٌ للخَلْقِ في كُلِّ زمانٍ.
وفيه تنشيطٌ لهذه الأمَّةِ بأنَّه ينبغي لكم أن تُنافِسوا غيرَكم في تكميلِ الأعمالِ، والمسارعةِ إلى صالحِ الخِصالِ، وأنَّه ليس من الأمورِ الثَّقيلةِ التي اختَصَّيتُم بها)
[119] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 86). .
وقال
ابنُ باز: (دلَّت هذه الآيةُ الكريمةُ على أنَّ الصِّيامَ عِبادةٌ قديمةٌ فُرِضَت على من قَبْلَنا كما فُرِضَت علينا، ولكِنْ هل هم متقَيِّدون بالصِّيامِ في رمضانَ أم في غَيرِه؟ هذا لا أعلَمُ نصًّا عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم)
[120] يُنظر: ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/ 7). .
وقال اللهُ عَزَّ وجَلَّ لإبراهيمَ عليه السَّلامُ:
وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ [الحج: 27] .
قال
ابنُ تيميَّةَ: (إنَّ اللهَ فَرَض الحَجَّ على لسانِ إبراهيمَ عليه السَّلامُ بقَولِه تعالى:
وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ [الحج: 27] ، وشَرْعُ من قَبْلَنا شَرعٌ لنا لا سِيَّما شَرعُ إبراهيمَ.
فإنَّا مأمورون باتِّباعِ مِلَّتِه بقَولِه تعالى:
ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا [النحل: 123] ، وبقَولِه:
وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ [البقرة: 130] إلى قَولِه:
لَمِنَ الصَّالِحِينَ [البقرة: 130] وقَولِه:
وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا [البقرة: 135] ، وقد فَسَّر جماعةٌ من السَّلَفِ الحنيفَ: بالحاجِّ، وقَولِه:
قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا [آل عمران: 95] ، وبقَولِه:
إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا [البقرة: 124] ، وبقَولِه تعالى:
إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا [النحل: 120] ، وبقَولِه تعالى:
هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ [الحج: 78] في آخِرِ سُورةِ الحَجِّ والمناسِكِ، وقَولِه تعالى:
إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ [آل عمران: 68] خُصوصًا حُرمةَ الكَعْبةِ وحَجَّها؛ فإنَّ مُحَمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يُبعَثْ بتغييرِ ذلك، وإنَّما بُعِث بتقريرِه وتثبيتِه وإحياءِ مَشاعِرِ إبراهيمَ عليه السَّلامُ)
[121] يُنظر: ((شرح العمدة - كتاب الحج)) (1/ 200-202). .
قال ابنُ علانَ عن الحَجِّ: (الأصلُ فيه الكِتابُ والسُّنَّةُ والإجماعُ، وهو من الشَّرائعِ القديمةِ... قال
ابنُ إسحاقَ: لم يَبعَثِ اللهُ نبيًّا بعد إبراهيمَ إلَّا حَجَّ، والذي صَرَّح به غيرُه أنَّ ما من نبيٍّ إلَّا حَجَّ)
[122] يُنظر: ((دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين)) (7/ 71). .