المَطلَبُ الأوَّلُ: الأدَلَّةُ من القُرآنِ الكَريمِ على إثباتِ النَّفخِ في الصُّورِ
1- قال اللهُ تعالى:
وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ إِلا مَن شَاء اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ [النمل: 87] .
قال
السَّعديُّ: (يُخَوِّفُ تعالى عِبادَه ما أمامَهم من يَومِ القيامةِ وما فيه من المِحَنِ والكُروبِ، ومُزعِجاتِ القُلوبِ، فقال:
وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ بسَبَبِ النَّفخِ فيه
مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ أي: انزَعَجوا وارتاعوا وماج بَعضُهم ببَعضٍ خَوفًا مِمَّا هو مُقَدِّمةٌ له
إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ مِمَّن أكرَمَه الله وثَبَّته وحَفِظَه من الفَزعِ
وَكُلٌّ من الخَلقِ عِندَ النَّفخِ في الصُّورِ
أَتَوْهُ دَاخِرِينَ صاغِرينَ ذَليلينَ)
[3099] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 610). .
2- قال اللهُ سُبحانَه:
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ [الزمر: 68] .
قال
السَّعديُّ: (لَمَّا خَوَّفَهم تعالى من عَظمَتِه، خَوَّفَهم بأحوالِ يَومِ القيامةِ، ورَغَّبَهم ورَهَّبَهم، فقال:
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ وهو قَرنٌ عَظيمٌ، لا يَعلَمُ عَظمَتَه إلَّا خالِقُه، ومن أطلَعَه الله على عِلمِه من خَلقِه، فيَنفُخُ فيه
إسرافيلُ عليه السَّلامُ، أحَدُ المَلائِكةِ المُقَرَّبينَ، وأحَدُ حَمَلةِ عَرْشِ الرَّحمَنِ.
فصَعِقَ أي: غشِيَ أو مات، على اختِلافِ القَولينِ:
مَن في السَّمَواتِ ومَن في الأرضِ أي: كُلُّهم، لَمَّا سَمِعوا نَفخةَ الصُّورِ أزعَجَتْهم من شِدَّتِها وعِظَمِها، وما يَعلَمونَ أنَّها مُقَدِّمةٌ له.
إِلَّا من شاءَ اللهُ مِمَّن ثَبَّتَه اللهُ عِندَ النَّفخةِ، فلَم يَصعَقْ، كالشُّهداءِ أو بَعضِهم، وغَيرِهم. وهذه النَّفخةُ الأُولى نَفخةُ الصَّعقِ، ونَفخةُ الفَزعِ.
ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ النَّفخةَ الثَّانيةَ نَفخةَ البَعثِ
فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ أي: قد قاموا من قُبورِهم لبَعثِهم وحِسابِهم، قد تَمَّت منهمُ الخِلْقةُ الجَسَديَّةُ والأرواحُ، وشَخَصَت أبصارُهم
يَنْظُرونَ ماذا يَفعَلُ اللهُ بهم)
[3100] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 729). .
3- قال اللهُ عَزَّ وجلَّ:
فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً [الحاقة: 13] .
قال النَّسَفيُّ: (
فإذا نُفِخَ في الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ هيَ النَّفخةُ الأُولى ويَموتُ عِندَها النَّاسُ، والثَّانيةُ يُبعَثونَ عِندَها
وَحُمِلَتِ الأَرْضُ والجِبَالُ رُفِعَت عن مَوضِعِهما
فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً دُقَّتا وكُسِرَتا، أي: ضُربَ بَعضُها ببَعضٍ حَتَّى تَندَقَّ وتَرجِعَ كثيبًا مَهيلًا وهَباءً مُنبَثًّا)
[3101] يُنظر: ((تفسير النسفي)) (3/ 530). .
4- قال اللهُ تعالى:
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِّنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ [يس: 51] .
قال
البَغَويُّ: (
وَنُفِخَ في الصُّورِ وهيَ النَّفخةُ الأخيرةُ نَفخةُ البَعثِ، وبينَ النَّفخَتينِ أربَعونَ سَنةً،
فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ، يَعني القُبورَ، واحِدها: جَدثٌ،
إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ يَخرُجونَ من القُبورِ أحياءً، ومنه قيلَ للوَلَدِ: نَسْلٌ؛ لخُروجِه من بَطنْ أمِّه)
[3102] يُنظر: ((تفسير البغوي)) (4/ 16). .
5- قال اللهُ سُبحانَه:
وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا [الكهف: 99] .
قال ابنُ جُزَيٍّ: (
وتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ في بَعْضٍ الضَّميرُ في
تَرَكْنَا لله عزَّ وجَلَّ، و
يومَئِذٍ يُحتَمَلُ أن يُريدَ به يَومَ القيامةِ، لأنَّه قد تَقَدَّمَ ذِكرُه، فالضَّميرُ في قَولِه
بَعْضَهُمْ على هذا لجَميعِ النَّاسِ، أو يُريدُ بقَولِه
يَوْمَئِذٍ يَومَ كمالِ السَّدِّ، والضَّميرُ في قَولِه:
بَعْضَهُمْ على هذا ليَأجوجَ ومَأجوجَ، والأوَّلُ أرجَحُ؛ لقَولِه بَعدَ ذلك:
وَنُفِخَ في الصُّورِ فيَتَّصِلُ الكَلامُ، و
يموجُ عِبارةٌ عن اختِلاطِهم واضطِرابِهم.
وَنُفِخَ في الصُّورِ الصُّورُ هو القَرْنُ الذي يُنفَخُ فيه يَومَ القيامةِ حَسبَما جاءَ في الحَديثِ، يَنفُخُ فيه
إسرافيلُ نَفخَتينِ إحداهما للصَّعقِ والأُخرى للقيامِ من القُبورِ)
[3103] يُنظر: ((تفسير ابن جزي)) (1/ 475). .
6- قال اللهُ عَزَّ وجلَّ:
يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا [النبأ: 18] .
قال النَّسَفيُّ: (
في الصُّورِ في القَرنِ
فتَأتونَ أفواجًا حالٌ، أي: جَماعاتٍ مُختَلِفةً، أو أُممًا، كُلُّ أمَّةٍ مَعَ رَسولِها)
[3104] يُنظر: ((تفسير النسفي)) (3/ 591). .
7- قال اللهُ تعالى:
فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءلُونَ [المؤمنون: 101] .
قال
السَّعديُّ: (يُخبِرُ تعالى عن هَولِ يَومَ القيامةِ، وما في ذلك اليَومِ من المُزعِجاتِ والمُقلِقاتِ، وأنَّه إذا نُفِخَ في الصُّورِ نَفخةُ البَعثِ، فحُشِرَ النَّاسُ أجمَعونَ، لميقاتِ يَومٍ مَعلومٍ، أنَّه يُصيبُهم من الهولِ ما يُنسيهم أنسابَهم التي هيَ أقوى الأسبابِ، فغَيرُ الأنسابِ من بابِ أَولى، وأنَّه لا يَسألُ أحَدٌ أحَدًا عن حالِه، لاشتِغالِه بنَفسِه)
[3105] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 559). .
8- قال اللهُ سُبحانَه:
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ [ق: 20] .
قال النَّسَفيُّ: (
ونُفِخَ في الصُّورِ يَعني نَفخةَ البَعثِ
ذَلِكَ يَومُ الوَعيدِ أي: وقتُ ذلك يَومُ الوَعيدِ)
[3106] يُنظر: ((تفسير النسفي)) (3/ 365). .
9- قال اللهُ عَزَّ وجلَّ:
قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّوَرِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ [الأنعام: 73] .
قال النَّيسابوريُّ: (المُرادُ أنَّ قَضاءَه في ذلك اليَومِ حَقٌّ وصِدقٌ خالٍ عن الجَورِ والعَبَثِ و
يَومَ يُنفَخُ ظَرفٌ لِقَولِه
وَلَهُ الْمُلْكُ كقَولِه
لِمَنِ الْمُلْكُ اليَوْمَ [غافر: 16] والمَقصودُ أنَّه لا مُلْكَ في ذلك اليَومِ إلَّا له من غَيرِ دافِعٍ ولا مَنازِعٍ.
والصُّورُ باتِّفاقِ أكثَرَ أهلِ الإسلامِ قَرنٌ يَنفُخُ فيه مَلَكٌ من المَلائِكةِ، كما جاءَ في مَواضِعَ من القُرآنِ
ونُفِخَ في الصُّورِ فَصَعِقَ [الزُّمَر: 68] ففَزِعَ
فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ [المُدَّثر: 8] وقال أبو عُبيدةَ: الصُّورُ جَمعُ صُورةٍ، مِثلُ صُوفِ وصُوفةٍ. وخَطَّأَه الأئِمَّةُ... ثُمَّ لَمَّا بيَّنَ كمالَ قُدرَتِه بقَولِه:
وَلَهُ الْمُلْكُ ذَكَرَ كمالَ عِلمِه بقَولِه
عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أي: هو العالِمُ بكُلِّ المَعلوماتِ القادِرُ على كُلِّ المَقدوراتِ، وهو الحَكيمُ المُصيبُ في أقوالِه وأفعالِه، الخَبيرُ النَّافِذُ عِلمُه في بواطِنِ الحَقائِقِ من غَيرِ اشتِباهٍ والتِباسٍ، فإنَّ أمرَ البَعثِ لا يَتِمُّ إلَّا بقُدرةٍ كامِلةٍ وعِلمٍ تامٍّ؛ كي لا يَشتَبِهَ المَطيعُ والعاصي، والصِّدِّيقُ والزِّنديقُ)
[3107] يُنظر: ((تفسير النيسابوري)) (3/ 100). .