الْعِزُّ وَالْعِزَّةُ
صِفةٌ ذاتيَّةٌ ثابتةٌ للهِ تعالى بالكِتابِ والسُّنَّةِ، و(العزيز) و(الأعزُّ) من أسماءِ اللهِ عزَّ وجلَّ.
الدَّليلُ مِن الكِتابِ: 1- قولُه تَعالى:
إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [البقرة: 129] .
2- قَولُه:
وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ [آل عمران: 26] .
3- قَولُه:
فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا [النساء: 139] ،
إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا [يونس: 65] ،
فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا [فاطر: 10] ،
وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ [المنافقون: 8] .
الدَّليلُ من السُّنَّةِ: 1- عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((العز إزاره، والكبرياء رداؤه، فمن ينازعني عذبته )) [2469] أخرجه مسلم (2620) .
2- حديثُ
عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما مرفوعًا:
((... اللهمَّ إنِّي أعوذُ بعِزَّتك... )) [2470] أخرجه مطولاً البخاري (7383)، ومسلم (2717) واللفظ له. .
3- حديثُ
أنسٍ رَضِيَ اللهُ عنه مرفوعًا:
((لا تزالُ جهنَّمُ تقولُ: هل مِنْ مزيدٍ؟ حتى يَضعَ ربُّ العِزَّةِ فيها قَدَمَه، فتقول: قَطْ قَطْ وعِزَّتِكَ، ويُزْوَى بعضُها إلى بعضٍ )) [2471] أخرجه البخاري (6661) واللفظ له، ومسلم (2848). .
4- أثرُ
عبدِ اللهِ بن مسعودٍ و
عبدِ اللهِ بن عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّهما كانا يَقولانِ في السَّعي بَينَ الصَّفا والمروةِ: (ربِّ اغْفِرْ وارحمْ، وتجاوَزْ عمَّا تعلمُ؛ إنَّك أنتَ الأعزُّ الأكرمُ)
[2472] أخرجه ابنُ أبي شيبة (15807)، والطبراني في ((الدعاء)) (870)، والبيهقي (9620) موقوفًا على ابنِ مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه صححه الألباني في ((حجة النبي)) (120). وأخرجه ابن أبي شيبة (15812)، والبيهقي (9621) موقوفًا على ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما. صححه الألباني في ((حجة النبي)) (120)، وصحح إسناده ابن تيمية في ((شرح العمدة - المناسك)) (2/461)، والعراقي في ((تخريج الإحياء)) (1/424)، وابن حجر كما في ((الفتوحات الربانية)) لابن علان (4/401). .
فثبَت بالسُّنَّةِ أنَّ (الأعَزَّ) من أسماءِ اللهِ؛ وهذا له حُكمُ الرَّفعِ، فهُو ممَّا لا يُقالُ بالرَّأيِ، وممَّن أَثبتَه
ابنُ حزمٍ [2473] يُنظر: ((المحلى)) (6، 282). ، و
القرطبيُّ [2474] يُنظر: ((التلخيص الحبير)) لابن حجر (4، 424). ، وابنُ الوزيرِ الصَّنعانيُّ
[2475] يُنظر: ((إيثار الحق على الخلق)) (ص: 137). .
و(الأكرمُ) ثابتٌ بالكِتابِ والسُّنَّةِ. انظر صِفة (الكرم).
بوَّبَ
البخاريُّ البابَ الثَّانيَ عَشَرَ من كِتاب
الأَيمانِ والنُّذور بقَولِه: (بابٌ: الحَلِفُ بعِزَّةِ اللهِ وصِفاتِه وكَلماتِه)
[2476] ينظر: ((صحيح البخاري)) (8/167) ، وفي كِتاب التوحيدِ: (بابٌ: قولُ اللهِ تعالى:
وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [الجاثية: 37] ،
سُبحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ [الصافات: 180] ،
وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ [المنافقين: 8]، ومَن حَلَف بعِزَّةِ اللهِ وصِفاتِه)
[2477] ينظر: ((صحيح البخاري)) (9/143) قال
ابنُ حَجَر: (الذي يظهرُ أنَّ مُرادَ
البخاريِّ بالترجمةِ إثباتُ العِزَّةِ لله، رادًّا على مَن قال: إنَّه عزيزٌ بلا عِزَّة، كما قالوا: العليمُ بلا عِلمٍ)
[2478] يُنظر: ((فتح الباري)) (13/370). .
قال الغُنيمانُ تعقيبًا: (قلتُ: لا يَقْصِدُ إثباتَ العِزَّة بخُصوصِها، بل مع سائرِ الصِّفاتِ، كما هو ظاهِرٌ)
[2479] يُنظر: ((شرح كتاب التوحيد)) (1/150). .
وقال أيضًا: (العِزَّةُ مِن صِفاتِ ذاتِه تعالى التي لا تنفَكُّ عنه، فغَلَب بعِزَّته، وقَهرَ بها كُلَّ شيءٍ، وكُلُّ عِزَّةٍ حصَلتْ لخلقِه فهي منه...)
[2480] يُنظر: ((المصدر السابق)) (1/149). .
ومعنى (العِزَّة): المَنَعَةُ والغَلَبَةُ، ومنه قَولُه تعالى:
وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ [ص: 23] أي: غَلَبني وقَهَرنِي، ومِن أمثالِ العَرَبِ: (مَنْ عزَّ بزَّ)، أي: مَن غلَبَ اسْتَلَب
[2481] يُنظر: ((معاني القرآن الكريم)) للنحاس (2/219). .
قال
الزَّجَّاجيُّ: (العزيزُ في كلامِ العَرَبِ على أربعةِ أوجُهٍ:
العزيزُ: الغالِبُ القاهِرُ، والعِزَّةُ: الغَلَبةُ، والمُعازَّةُ: المُغالَبةُ. ومنه قَولُه عَزَّ وجَلَّ:
وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ، أي: غَلَبَني في محاورةِ الكلامِ، ومنه قَولُهم: «من عَزَّ بزَّ»: أي: من غَلَب سَلَب،...
والعزيزُ: الجَليلُ الشَّريفُ، ومنه قَولُهم: إذا عَزَّ أخوك فهُنْ، وقَولُهم: فُلانٌ يعتَزُّ بفُلانٍ: أي: يتجالَلُ به ويتشَرَّفُ ويتكَبَّرُ، وكذلك قَولُه عَزَّ وجَلَّ:
لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ [المنافقون: 8] ، أي: لِيُخرِجَنَّ الجليلُ الشَّريفُ منها الذَّليلَ...
والوَجهُ الثَّالثُ: أن يكونَ العزيزُ بمعنى القَوِيِّ، يقالُ: عَزَّ فلانٌ بعدَ ضَعفٍ أي: قَوِيَ، يَعِزُّ عِزًّا، وأعَزَّه اللهُ بوَلَدِه أي: قَوَّاه بهم. كذلك حكى الخليلُ عن العَرَبِ.
والوَجهُ الرَّابِعُ: أن يكونَ العزيزُ بمعنى الشَّيءِ القَليلِ الوُجودِ، المنقَطِعِ النَّظيرِ، يقالُ: «عَزَّ الشَّيءُ عِزَّةً فهو عزيزٌ»: غيرُ موجودٍ.
فهذه أربعةُ أوجُهٍ في العزيزِ يجوزُ وَصْفُ اللهِ عَزَّ وجَلَّ بها، يقالُ: اللهُ العزيزُ: بمعنى الغالِبِ القاهِرِ، واللهُ العزيزُ: أي: هو الجَليلُ العظيمُ، واللهُ العزيزُ: بمعنى القَوِيِّ ... واللهُ العزيزُ: أي: هو غيرُ موجودِ النَّظيرِ والمِثْلِ، جَلَّ وتعالى عن ذلك عُلُوًّا كبيرًا. وأصلُ هذا كُلِّه في اللُّغةِ راجِعٌ إلى الشِّدَّةِ والامتِناعِ، لا يَخرُجُ شَيءٌ منه عن ذلك)
[2482] يُنظر: ((اشتقاق أسماء الله)) (ص: 237 - 239). .
وقال
الخَطَّابيُّ: (العزيزُ: هو المنيعُ الذي لا يُغلَبُ. والعِزُّ في كلامِ العَرَبِ على ثلاثةِ أوجُهٍ؛ أحَدُها: بمعنى الغَلَبةِ، ومنه قَولُهم: "من عَزَّ بَزَّ"، أي: من غَلَب سَلَب، يُقالُ منه: عَزَّ يَعُزُّ -بضَمِّ العينِ مِن يَعُزُّ-، ومنه قَولُ اللهِ سُبحانَه:
وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ. والثَّاني: بمعنى الشِّدَّةِ والقُوَّةِ، يقالُ منه: عَزَّ يَعَزُّ -بفتح العين من يَعَزُّ- كقَولِ الهُذَليِّ يَصِفُ العُقابَ:
حتى انتَهَيتُ إلى فِراشِ عَزيزةٍ... سوداءَ رَوثةُ أنْفِها كالمِخصَفِ
جعَلَها عزيزةً؛ لأنَّها مِن أقوى جوارحِ الطَّيرِ.
والوَجهُ الثَّالثُ: أن يكونَ بمعنى نَفاسةِ القَدْرِ. يُقالُ منه: عَزَّ الشَّيءُ يَعِزُّ -بكَسرِ العَينِ مِن يَعِزُّ- فيُتأوَّلُ معنى العزيزِ على هذا أنَّه الذي لا يُعادِلُه شيءٌ، وأنَّه لا مِثلَ له، ولا نظيرَ. واللهُ أعلَمُ)
[2483] يُنظر: ((شأن الدعاء)) (ص: 47). .
وقال
البَيهقيُّ: (العزيزُ: هو الغالِبُ الذي لا يُغلَبُ، والمَنيعُ الذي لا يُوصَلُ إليه، وقيل: هو القادِرُ القويُّ. وقيل: هو الذي لا مِثْلَ له، وهو مِن صِفاتِ الذَّاتِ)
[2484] يُنظر: ((الاعتقاد)) (ص: 59). .
وقال
ابنُ عُثَيمين: (ذَكَر أهلُ العِلمِ أنَّ العِزَّةَ تنقَسِمُ إلى ثلاثةِ أقسامٍ: عِزَّةُ القَدْرِ، وعِزَّةُ القَهرِ، وعِزَّةُ الامتناعِ:
1 - فعِزَّةُ القَدْرِ: معناه أنَّ اللهَ تعالى ذو قَدْرٍ عزيزٍ، يعني: لا نظيرَ له.
2 - وعِزَّةُ القَهرِ: هي عِزَّةُ الغَلَبةِ، يعني: أنَّه غالِبٌ كُلَّ شَيءٍ، قاهِرٌ كُلَّ شيءٍ، ومنه قَولُه تعالى:
فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ [ص: 23] ، يعني: غَلَبَني في الخِطابِ، فاللهُ سُبحانَه عزيزٌ له، بل هو غالِبٌ كُلَّ شيءٍ.
3 - وعِزَّةُ الامتناعِ: وهي أنَّ اللهَ تعالى يمتَنِعُ أن ينالَه سوءٌ أو نقصٌ، فهو مأخوذٌ مِن القُوَّةِ والصَّلابةِ، ومنه قَولُهم: أرضٌ عَزازٌ، يعني: قَوِيَّةً شَديدةً.
هذه معاني العِزَّةِ التي أثبَتَها اللهُ تعالى لنَفْسِه، وهي تدُلُّ على كَمالِ قَهْرِه وسُلطانِه، وعلى كَمالِ صِفاتِه، وعلى تمامِ تنَزُّهِه عن النَّقصِ؛ تدُلُّ على كَمالِ قَهْرِه وسُلْطانِه في عِزَّةِ القَهرِ، وعلى تمامِ صِفاتِه وكَمالِها وأنَّه لا مَثيلَ لها في عِزَّةِ القَدْرِ، وعلى تمامِ تنَزُّهِه عن العَيبِ والنَّقصِ في عِزَّةِ الامتِناعِ)
[2485] يُنظر: ((شرح العقيدة الواسطية)) (1/ 345). .