المَطْلَب الثَّالِثُ: ما أُضيفَ إلى اللهِ عَزَّ وجَلَّ وليس بصِفةٍ
الجُلُوسُ والقُعُودُإضافةُ الجُلوسِ والقُعودِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ كإضافةِ الاستواءِ والإتيانِ والمَجيءِ وغيرِها مِن الصِّفاتِ، لا تُستحيلُ عليه سُبحانَه، ولا يَستوحِشُ المُوحِّدُ مِن إضافتِها إليه بما يَليقُ به سُبحانَه لو ثَبتَتْ، إنَّما يَستوحِشُ مِن ذلك أهلُ التَّجهُّمِ و
التَّعطيلِ، وقد أثبَتَها عددٌ مِن أئمَّةِ أهلِ السُّنَّةِ، لكِنْ لم يثبُتْ فيها حديثٌ صحيحٌ عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولا موقوفٌ على أحَدٍ مِن الصَّحابةِ، وكلُّ ما ورَدَ في ذلك ففي إسنادِه نظَرٌ، وفَسَّر بَعضُهم الاستواءَ على العَرْشِ بالجُلوسِ عليه
[3307] يُنظر: ((صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة)) لعلوي السقاف (ص: 123). .
الجَنْبُجعَل بعضُهم (الجَنْبَ) صفةً مِن صفاتِ اللهِ الذَّاتيَّةِ، مُستدلِّينَ بقولِه تعالى:
أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ [الزمر: 56] ، وهذا خطأٌ، والسَّلَفُ على خلافِ ذلك، ومِن هؤلاء الَّذين أثبَتوا هذه الصِّفةَ أبو عُمَرَ الطَّلَمَنْكيُّ، وقد أنكَرَ عليه
الذَّهبيُّ، وأثبَته أيضًا صِدِّيق حسن خان
[3308] يُنظر: ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (17/569)، ((قطف الثمر)) لصدِّيق حسن خان (ص: 71). .
قال
ابنُ جَريرٍ: (قولُه:
عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ يقولُ: على ما ضيَّعْتُ مِن العمَلِ بما أمَرني اللهُ به، وقصَّرْتُ في الدُّنيا في طاعةِ اللهِ)
[3309] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/234). .
وقال أبو سعيد الدَّارِميُّ: (ادَّعى المُعارِضُ أيضًا زُورًا على قومٍ أنَّهم يقولونَ في تفسيرِ قولِ اللهِ:
يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ، قال: يعنُونَ بذلك الجَنْبَ الَّذي هو العُضْوُ، وليس على ما يتوهَّمونَه.
فيُقالُ لهذا المُعارضِ: ما أرخَصَ الكذَبَ عندكَ، وأخَفَّه على لسانِكَ! فإن كنتَ صادقًا في دعواك، فأشِرْ بها إلى أحَدٍ مِن بني آدَمَ قاله، وإلَّا فلِمَ تُشنِّعُ بالكَذِبِ على قومٍ هم أعلَمُ بهذا التَّفسيرِ منكَ، وأبصَرُ بتأويلِ كتابِ اللهِ منكَ ومِن إمامِكَ؟!
إنَّما تفسيرُها عندَهم: تحسُّرُ الكفَّارِ على ما فرَّطوا في الإيمانِ والفضائلِ الَّتي تدعو إلى ذاتِ اللهِ تعالى، واختاروا عليها الكُفرَ والسُّخريَّةَ بأولياءِ اللهِ، فسمَّاهم السَّاخرينَ، فهذا تفسيرُ الجَنْبِ عندَهم، فمَن أنبأكَ أنَّهم قالوا: جَنْبٌ مِن الجُنوبِ؟! فإنَّه لا يجهَلُ هذا المعنى كثيرٌ مِن عوامِّ المُسلِمينَ فضلًا عن علمائِهم)
[3310] يُنظر: ((رد الدارمي على المريسي)) (2/807). .
وقال
أبو يَعلَى الفرَّاءُ: (حكى شيخُنا أبو عبدِ اللهِ رحِمَه اللهُ في كتابِه عن جماعةٍ مِن أصحابِنا الأخذَ بظاهرِ الآيةِ في إثباتِ الجَنْبِ صفةً له سُبحانَه، ونقَلْتُ مِن خطِّ أبي حَفصٍ البَرْمكيِّ: قال
ابنُ بَطَّةَ: قولُه: بذاتِ اللهِ: أمرُ اللهِ، كما تقولُ: في جَنْبِ اللهِ، يعني: في أمرِ اللهِ، وهذا منه يمنَعُ أن يكونَ الجَنْبُ صفةَ ذاتٍ، وهو الصَّحيحُ عندي، وأنَّ المرادَ بذلك التَّقصيرُ في طاعةِ اللهِ، والتَّفريطُ في عبادتِه؛ لأنَّ التَّفريطَ لا يقَعُ في جَنْبِ الصِّفةِ، وإنَّما يقَعُ في الطَّاعةِ والعبادةِ، وهذا مُستعمَلٌ في كلامِهم: فلانٌ في جَنْبِ فلانٍ، يُريدونَ بذلك: في طاعتِه وخدمتِه والتَّقرُّبِ منه)
[3311] يُنظر: ((إبطال التأويلات)) (2/427). .
وذكَر
ابنُ الجَوزيِّ عندَ تفسيرِ الآيةِ السَّابقةِ خمسةَ أقوالٍ لجَنْبِ اللهِ: طاعةُ اللهِ، وحقُّ اللهِ، وأمرُ اللهِ، وذِكْرُ اللهِ، وقُرْبُ اللهِ
[3312] يُنظر: ((تفسير ابن الجوزي)) (4/24). .
وقال
ابنُ تَيميَّةَ: (لا يُعرَفُ عالِمٌ مشهورٌ عندَ المُسلِمينَ، ولا طائفةٌ مشهورةٌ مِن طوائفِ المُسلِمينَ، أثبَتوا للهِ جَنْبًا نظيرَ جَنْبِ الإنسانِ، وهذا اللَّفظُ جاء في القُرآنِ في قولِه:
أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ [الزمر:56] ، فليس في مجرَّدِ الإضافةِ ما يستلزِمُ أن يكونَ المُضافُ إلى اللهِ صفةً له، بل قد يُضافُ إليه مِن الأعيانِ المخلوقةِ وصفاتِها القائمةِ بها ما ليس بصفةٍ له باتِّفاق الخَلْقِ؛ كقَولِه: «بَيتُ اللهِ»، و
نَاقَةَ اللَّهِ، و
عِبَادَ اللَّهِ، بل وكذلكَ:
رَوْحِ اللَّهِ عند سلَفِ المُسلِمينَ وأئمَّتِهم وجمهورِهم، ولكنْ إذا أُضيفَ إليه ما هو صفةٌ له وليس بصفةٍ لغيرِه -مِثْلُ: كلامِ اللهِ، وعِلمِ اللهِ، ويدِ اللهِ، ونحوِ ذلك- كان صِفةً له.
وفي القُرآنِ ما يُبيِّنُ أنَّه ليس المرادُ بالجَنْبِ ما هو نظيرُ جَنْبِ الإنسانِ؛ فإنَّه قال:
أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ، والتَّفريطُ ليس في شيءٍ مِن صِفاتِ اللهِ عزَّ وجلَّ، والإنسانُ إذ قال: فلانٌ قد فرَّطَ في جَنْبِ فلانٍ أو جانبِه، لا يُريدُ به أنَّ التَّفريطَ وقَعَ في شيءٍ مِن نَفْسِ ذلك الشَّخصِ، بل يُريدُ به أنَّه فرَّطَ في جِهتِه وفي حقِّه.
فإذا كان هذا اللَّفظُ إذا أُضيفَ إلى المخلوقِ لا يكونُ ظاهرُه أنَّ التَّفريطَ في نَفْسِ جَنْبِ الإنسانِ المُتَّصلِ بأضلاعِه، بل ذلك التَّفريطُ لم يلاصِقْه، فكيف يُظَنُّ أنَّ ظاهِرَه في حقِّ اللهِ أنَّ التَّفريطَ كان في ذاتِه؟!)
[3313] يُنظر: ((الجواب الصحيح)) (4/415). .
وقال
الذَّهبيُّ في ترجمةِ أبي عُمَرَ الطَّلَمَنْكيِّ: (رأيتُ له كتابًا في السُّنَّةِ في مجلَّدينِ، عامَّتُه جَيِّدٌ، وفي بعضِ تبويبِه ما لا يُوافَقُ عليه أبدًا، مِثلُ: بابُ الجَنْبِ للهِ، وذكَرَ فيه:
يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ [الزمر: 56] فهذه زَلَّةُ عالمٍ)
[3314] يُنظر: ((سير أعلام النبلاء)) (17/ 569). .
وقال
ابنُ القيِّمِ: (... فهذا إخبارٌ عمَّا تقولُه هذه النَّفسُ الموصوفةُ بما وُصِفَتْ به، وعامَّةُ هذه النُّفوسِ لا تعلَمُ أنَّ للهِ جَنْبًا، ولا تُقِرُّ بذلك؛ كما هو الموجودُ منها في الدُّنيا؛ فكيف يكونُ ظاهرُ القُرآنِ أنَّ اللهَ أخبرَ عنهم بذلك، وقد قال عنهم:
يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ [الزمر:56] ، والتَّفريطُ: فِعلٌ أو تَرْكُ فِعلٍ، وهذا لا يكونُ قائمًا بذاتِ اللهِ؛ لا في جَنْبٍ، ولا في غيرِه، بل يكونُ مُنفصِلًا عنِ اللهِ، وهذا معلومٌ بالحِسِّ والمُشاهَدةِ)
[3315] يُنظر: ((الصواعق المرسلة)) (1/250). .
الجِهَةُ والمَكَانُلم يَرِدْ لفظُ (الجِهةِ) ولا (المكانِ)، لا إثباتًا ولا نفيًا، لا في الكتابِ ولا في السُّنَّةِ، ويجوزُ الإخبارُ بِهما بعد التَّفصيلِ، ويُغني عنهما العُلوُّ والفَوقيَّةُ، وأنَّه سُبحانَه وتعالى في السَّماءِ.
قال
ابنُ تيميَّةَ: (فلفظُ الجِهةِ قد يُرادُ به شيءٌ موجودٌ غيرُ اللهِ، فيكونُ مخلوقًا، كما إذا أُريدَ بالجِهةِ نَفْسُ العرشِ، أو نَفْسُ السَّمواتِ، وقد يُرادُ به ما ليس بموجودٍ غَيرُ اللهِ تعالى، كما إذا أُريدَ بالجِهةِ ما فوقَ العالَمِ.
ومعلومٌ أنَّه ليس في النَّصِّ إثباتُ لفظِ الجِهةِ ولا نَفْيُه، كما فيه إثباتُ العُلوِّ، والاستواءِ، والفَوقيَّةِ، والعُروجِ إليه ونحوِ ذلك، وقد عُلِمَ أنَّه ما ثَمَّ موجودٌ إلَّا الخالقُ والمخلوقُ، والخالقُ سُبحانَه وتعالى مُبايِنٌ للمخلوقِ، ليس في مخلوقاتِه شيءٌ مِن ذاتِه، ولا في ذاتِه شيءٌ مِن مخلوقاتِه.
فيُقالُ لِمَن نفَى الجِهةَ: أتُريدُ بالجِهةِ أنَّها شيءٌ موجودٌ مخلوقٌ؟ فاللهُ ليس داخلًا في المخلوقاتِ، أم تُريدُ بالجِهةِ ما وراءَ العالَمِ؟ فلا ريبَ أنَّ اللهَ فوقَ العالَمِ، بائنٌ من المخلوقاتِ. وكذلك يُقالُ لِمَن قال: اللهُ في جِهةٍ: أتُريدُ بذلك أنَّ اللهَ فوقَ العالَمِ؟ أو تُريدُ به أنَّ اللهَ داخلٌ في شيءٍ مِن المخلوقاتِ؟ فإنْ أرَدْتَ الأوَّلَ فهو حَقٌّ، وإنْ أرَدْتَ الثَّانيَ فهو باطِلٌ)
[3316] يُنظر: ((الرسالة التَّدمُرية)) (ص: 66). .
قال
القُرطبيُّ في تفسيرِ قولِه تعالى:
ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الأعراف: 54] (كان السَّلَفُ الأُوَلُ رَضِي اللهُ عنهم لا يقولونَ بنَفْيِ الجِهةِ، ولا ينطِقونَ بذلك، بل نطَقوا هم والكافَّةُ بإثباتِها للهِ تعالى، كما نطَق كتابُه وأخبَرَتْ رُسلُه، ولم يُنكِرْ أحَدٌ مِن السَّلَفِ الصَّالحِ أنَّه استوى على عرشِه حقيقةً، وخَصَّ العرشَ بذلك؛ لأنَّه أعظَمُ مخلوقاتِه، وإنَّما جَهِلوا كيفيَّةَ الاستواءِ؛ فإنَّه لا تُعلَمُ حقيقتُه؛ قال
مالكٌ رحمه الله: الاستِواءُ معلومٌ -يعني في اللُّغةِ- والكَيْفُ مجهولٌ، والسُّؤالُ عن هذا
بِدعةٌ، وكذا قالت
أمُّ سَلَمةَ رَضِي اللهُ عنها، وهذا القَدْرُ كافٍ، ومَن أراد زيادةً عليه، فليقِفْ عليه في موضعِه مِن كُتبِ العُلماءِ)
[3317] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (7/219). .
وقال
ابنُ عُثَيْمين: (فالجِهةُ إثباتُها للهِ فيه تفصيلٌ، أمَّا إطلاقُ لفظِها نَفْيًا وإثباتًا فلا نقولُ به؛ لأنَّه لم يرِدْ أنَّ اللهَ في جهةٍ، ولا أنَّه ليس في جهةٍ، ولكن نُفصِّلُ، فنقولُ: إنَّ اللهَ في جهةِ العُلوِّ؛ لأنَّ الرَّسولَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال للجاريةِ:
((أينَ اللهُ؟)) -و«أينَ» يُستفهَمُ بها عنِ المكانِ- فقالت: في السَّماءِ)
[3318] يُنظر: ((القول المفيد)) (2/543). .
وممَّن أخبَرَ عنِ اللهِ وأنَّه في مكانٍ، ويَعْنونَ به العُلوَّ، وأنَّه في السَّماءِ: أبو سعيد الدَّارمي، قال: (فقد أخبَرَ اللهُ العبادَ أينَ اللهُ، وأينَ مكانُه، وأيَّنَه رسولُ اللهِ في غيرِ حديثٍ... فمَن أنبأَكَ أيُّها المُعارِضُ -غيرَ
المرِّيسيِّ- أنَّ اللهَ لا يوصَفُ بأينَ فأخبِرْنا به؟! وإلَّا فأنتَ المُفتري على اللهِ، الجاهلُ به وبمكانِه)
[3319] يُنظر: ((نقض الدارمي على المريسي)) (1/509-511). .
وقال: (كلُّ أحَدٍ باللهِ وبمكانِه أعلَمُ مِن
الجَهميَّةِ)
[3320] يُنظر: ((المصدر السابق)) (1/229). .
وقال حمَّادُ بنُ زيدٍ: (هو في مكانِه يقرُبُ مِن خَلْقِه كيف شاء)
[3321] يُنظر: ((الضعفاء)) للعقيلي (1/407) .
وقال
الفُضَيلُ بنُ عِياضٍ: (إذا قال لكَ جَهْمِيٌّ: أنا أكفُرُ برَبٍّ يزولُ عن مكانِه، فقُلْ: أنا أُومِنُ برَبٍّ يفعَلُ ما يشاءُ)
[3322] يُنظر: كتاب ((خَلْق أفعال العباد)) للبخاري (2/36). .
والخُلاصةُ: أنَّه يجوزُ الإخبارُ عن الجِهةِ والمكانِ للهِ عزَّ وجلَّ، على أنَّه في العُلوِّ، وأنَّه سُبحانَه في السَّماءِ بذاتِه، وهو سُبحانَه بائنٌ مِن خَلْقِه، تقدَّسَتْ أسماؤُه، وعظُمَتْ صفاتُه.
الحَدُّلم يَرِدْ لفظُ (الحَدِّ) لا إثباتًا ولا نفيًا، لا في الكتابِ ولا في السُّنَّةِ، لكن اختلَف السَّلفُ في إطلاقِه على اللهِ عزَّ وجلَّ مِن بابِ الإخبارِ؛ ولذلك فالحقُّ فيه التَّفصيلُ، والألفاظُ المُحدَثةُ المُجمَلةُ لا يصِحُّ نَفْيُها أو إثباتُها قبْلَ الاستِفصالِ.
قال
أبو القاسم الأصبهانيُّ: (تكَلَّم أهلُ الحقائِقِ في تفسيرِ الحَدِّ بعباراتٍ مُختَلِفةٍ، مَحصولُ تلك العباراتِ: أنَّ حَدَّ كُلِّ شَيءٍ موضِعُ بَينونتِه عن غَيرِه، فإن كان غَرَضُ القائِلِ بقَولِه: «ليس للهِ حَدٌّ»: لا يُحيطُ عِلمُ الخَلْقِ به، فهو مُصيبٌ، وإنْ كان غَرَضُه بذلك: لا يُحيطُ عِلمُ اللهِ بنَفْسِه، فهو ضالٌّ، أو كان غَرَضُه: أنَّ اللهَ في كُلِّ مكانٍ بذاتِه، فهو أيضًا ضالٌّ)
[3323] يُنظر: ((إثبات الحد لله)) للدشتي (ص: 103)، ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (20/86). .
وقال
ابنُ تَيميَّةَ: (إنَّ كثيرًا مِن أئمَّةِ السُّنَّةِ والحديثِ أو أكثَرَهم يقولونَ: إنَّه فوقَ سَمَواتِه على عَرشِه، بائِنٌ منِ خَلْقِه بحَدٍّ، ومنهم مَن لم يُطلِقْ لفظَ الحَدِّ، وبعضُهم أنكَرَ الحَدَّ)
[3324] يُنظر: ((بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية)) (2/527). .
وقال
ابنُ تَيميَّةَ أيضًا: (إذا مُنِعَ إطلاقُ هذه المُجمَلاتُ المُحدَثاتُ في النَّفيِ والإثباتِ، ووقَع الاستفسارُ والتَّفصيلُ، تبيَّنَ سواءُ السَّبيلِ)
[3325] يُنظر: ((درء تعارض العقل والنقل)) (1/73). .
ولفظُ (الحدِّ) كلفظِ (الجِهةِ)، فلمَّا نفَى
الجَهميَّةُ والمُعطِّلةُ جهةَ العلوِّ للهِ عزَّ وجلَّ، أطلَق بعضُ أهلِ السُّنَّة لفظَ: (الجِهةِ)، ولَمَّا نفَى
الجَهميَّةُ بَينونةَ اللهِ عزَّ وجلَّ عن خَلْقِه، أطلَق بعضُ أهلِ السُّنَّةِ لفظَ: (الحَدِّ)، لكنَّ أحَدًا منهم لم يُثبِتِ (الجِهةَ) أو (الحَدَّ) صفةً له سُبحانَه وتعالى.
قال
ابنُ تَيميَّةَ: (هذا اللَّفظُ لم نُثبِتْ به صفةً زائدةً على ما في الكتابِ والسُّنَّةِ، بل بيَّنَّا به ما عطَّله المُبطِلونَ مِن وجودِ الرَّبِّ تعالى ومُبايَنتِه لخَلْقِه، وثُبوتِ حقيقتِه)
[3326] يُنظر: ((بيان تلبيس الجهمية)) (3/48). .
وفي رَدِّه على من نفى الحَدَّ للهِ تعالى قال: (هذا الكَلامُ الذي ذكَرَه إنَّما يتوجَّهُ لو قالوا: إنَّ له صِفةً هي الحَدُّ، كما توهَّمَه هذا الرَّادُّ عليهم، وهذا لم يَقُلْه أحَدٌ، ولا يقولُه عاقِلٌ، فإنَّ هذا الكلامَ لا حقيقةَ له؛ إذ ليس في الصِّفاتِ التي يُوصَفُ بها شيءٌ مِن الموصوفاتِ -كما يُوصَفُ باليَدِ والعِلمِ- صِفةٌ مُعَيَّنةٌ يُقالُ لها الحَدُّ، وإنَّما الحَدُّ ما يتمَيَّزُ به الشَّيءُ عن غَيرِه مِن صِفتِه وقَدْرِه)
[3327] يُنظر: ((بيان تلبيس الجهمية)) (3/42). .
وقال
الذَّهبيُّ: (سُئِلَ أبو القاسِمِ التَّيميُّ رَحِمَه اللهُ: هل يجوزُ أن يقالَ: للهِ حَدٌّ، أو لا؟ وهل جرى هذا الخِلافُ في السَّلَفِ؟ فأجاب: هذه مسألةٌ أستَعْفي من الجَوابِ عنها؛ لغُموضِها، وقِلَّةِ وُقوفي على غَرَضِ السَّائِلِ منها، لكِنِّي أُشيرُ إلى بَعضِ ما بلَغَني: تكَلَّمَ أهلُ الحقائِقِ في تفسيرِ الحَدِّ بعِباراتٍ مُختَلفةٍ، محصولُها: أنَّ حَدَّ كُلِّ شَيءٍ موضِعُ بَينونتِه عن غَيرِه، فإن كان غَرَضُ القائِلِ: ليس للهِ حَدٌّ: لا يحيطُ عِلمُ الحقائِقِ به، فهو مُصيبٌ، وإن كان غَرَضُه بذلك: لا يحيطُ عِلمُه تعالى بنَفْسِه، فهو ضالٌّ، أو كان غَرَضُه: أنَّ اللهَ بذاتِه في كُلِّ مكانٍ، فهو أيضًا ضالٌّ. قلتُ: الصَّوابُ الكَفُّ عن إطلاقِ ذلك؛ إذ لم يأتِ فيه نَصٌّ، ولو فَرَضْنا أنَّ المعنى صحيحٌ، فليس لنا أن نتفَوَّهَ بشَيءٍ لم يأذَنْ به اللهُ؛ خوفًا من أن يَدخُلَ القَلبَ شَيءٌ مِن
البِدعةِ. اللَّهُمَّ احفَظْ علينا إيمانَنا)
[3328] يُنظر: ((سير أعلام النبلاء)) (20/ 85). .
وقال
ابنُ عُثَيْمين: (أمَّا كلمةُ محدودٍ، فإنَّها كلمةٌ كالجِسمِ، لم ترِدْ في القُرآنِ، ولا في السُّنَّةِ، ولا في كلامِ الصَّحابةِ، لا نفيًا ولا إثباتًا، ووردَتْ عن بعضِ الأئمَّةِ في الإنكارِ، وعن بعضِ الأئمَّةِ في الإقرارِ، يعني: أنَّ بعضَ الأئمَّةِ قالوا: إنَّ اللهَ محدودٌ، أو له حَدٌّ، وبعضَهم أنكَرَ ذلك، والحقيقةُ أنَّ الخلافَ لفظيٌّ عندَ التَّحقيقِ؛ لأنَّه إن أُريدَ بالحدِّ أنَّ شيئًا يحُدُّ اللهَ، فهذا مُنْتَفٍ قطعًا؛... وإن أراد بالحَدِّ البَينونةَ عنِ الخَلْقِ، فهذا هو معنى قَولِ السَّلَفِ: إنَّه بائنٌ مِن خَلْقِه؛ ولهذا إنكارُ الحدِّ مُطلَقًا أو إثباتُه مُطلَقًا: فيه نظَرٌ)
[3329] يُنظر: ((شرح صحيح البخاري)) (8/419). .
الحَرَكَةُ لم يرِدْ هذا اللَّفظُ في الكِتابِ والسُّنَّةِ، ويُغني عنه إثباتُ النُّزولِ والإتيانِ والمَجيءِ، ونحوِ ذلك.
قال
ابنُ تَيميَّةَ في شرحِ حديثِ النُّزولِ: (لفظُ: «الحَرَكَةِ» هل يُوصَفُ اللهُ بها أم يجبُ نفيُه عنه؟ اختلف فيه المُسلِمونَ، وغيرُهم مِن أهلِ المِلَلِ، وغيرُ أهلِ المِلَلِ مِن أهلِ الحديثِ وأهلِ الكلامِ وأهلِ الفلسفةِ وغيرِهم؛ على ثلاثةِ أقوالِ، وهذه الثَّلاثةُ موجودةٌ في أصحابِ الأئمَّةِ الأربعةِ مِن أصحابِ
الإمامِ أحمدَ وغيرِهم)
[3330] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (5/565). .
ثمَّ شرَع في ذِكرِ معنى الحركةِ عند المُتكلِّمينَ والفلاسفةِ وأصحابِ أرسْطُو، وأنواعِ الحركةِ... إلى أن قال: (والمقصودُ هنا: أنَّ النَّاسَ مُتنازِعونَ في جِنسِ الحركةِ العامَّةِ الَّتي تتناوَلُ ما يقومُ بذاتِ الموصوفِ مِن الأمورِ الاختياريَّةِ؛ كالغضَبِ، والرِّضا، والفرَحِ، وكالدُّنُوِّ، والقُرْبِ، والاستواءِ، والنُّزولِ، بل والأفعالِ المُتعدِّيَةِ؛ كالخَلْقِ، والإحسانِ، وغيرِ ذلك، على ثلاثةِ أقوالٍ:
أحدُها: قولُ مَن يَنفي ذلك مُطلَقًا وبكلِّ معنًى... وهذا القول أولُ مَن عُرِفَ به هم
الجَهميَّةُ والمُعتزِلةُ...
والقولُ الثَّاني: إثباتُ ذلك، وهو قولُ الهِشاميَّةِ والكَرَّاميَّةِ، وغيرِهم مِن طوائفِ أهلِ الكلامِ، الَّذين صرَّحوا بلفظِ الحركةِ...
وذكَرَ عثمانُ بنُ سعيدٍ الدَّارميُّ إثباتَ لفظِ الحركةِ في كتابِ نقضِه على
بِشرٍ المرِّيسيِّ، ونصَرَه على أنَّه قولُ أهلِ السُّنَّةِ والحديثِ، وذكَرَه حربُ بنُ إسماعيلَ الكَرْمانيُّ -لَمَّا ذكَر مذهبَ أهلِ السُّنَّةِ والأثَرِ-عن أهلِ السُّنَّةِ والحديثِ قاطبةً، وذكَرَ ممَّن لقِيَ منهم على ذلك:
أحمدَ بنَ حَنبلٍ، و
إسحاقَ بنَ رَاهَوَيْهِ، وعبدَ اللهِ بنَ الزُّبَيرِ الحُمَيدِيَّ، وسعيدَ بنَ منصورٍ، وهو قولُ أبي عبدِ اللهِ بنِ حامدٍ وغيرِه.
وكثيرٌ مِن أهلِ الحديثِ والسُّنَّةِ يقولُ: المعنى صحيحٌ، لكن لا يُطلَقُ هذا اللَّفظُ؛ لعدَمِ مَجيءِ الأثَرِ به، كما ذكَرَ ذلك أبو عُمَرَ بنُ عبدِ البَرِّ وغيرُه في كلامِهم على حديثِ النُّزولِ.
والقولُ المشهورُ عنِ السَّلَفِ عندَ أهلِ السُّنَّةِ والحديثِ: هو الإقرارُ بما ورَدَ به الكتابُ والسُّنَّةُ، مِن أنَّه يأتي ويَنزلُ، وغيرُ ذلك مِن الأفعالِ اللَّازمةِ.
قال أبو عُمرَ الطَّلَمَنْكيُّ: أجمَعوا «يعني: أهلَ السُّنَّةِ والجماعةِ» على أنَّ اللهَ يأتي يومَ القيامةِ والملائكةُ صفًّا صفًّا؛ لحسابِ الأُمَمِ وعرضِها كما يشاءُ وكيف يشاءُ؛ قال تعالى:
هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ، وقال تعالى:
وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [الفجر: 22] ، قال: وأجمَعوا على أنَّ اللهَ يَنزلُ كلَّ ليلةٍ إلى سماءِ الدُّنيا على ما أتَتْ به الآثارُ كيف شاءَ، لا يحُدُّونَ في ذلك شيئًا، ثمَّ روى بإسنادِه عن مُحمَّدِ بنِ وضَّاحٍ، قال: وسأَلْتُ
يحيى بنَ مَعينٍ عنِ النُّزولِ؟ فقال: نَعم، أُقِرُّ به، ولا أحُدُّ فيه حَدًّا.
والقولُ الثَّالثُ: الإمساكُ عنِ النَّفيِ والإثباتِ، وهو اختيارُ كثيرٍ مِن أهلِ الحديثِ والفقهاءِ والصُّوفيَّةِ؛ ك
ابنِ بطَّةَ وغيرِه، وهؤلاء فيهم مَن يُعرِضُ بقلبِه عن تقديرِ أحَدِ الأمرينِ، ومنهم مَن يميلُ بقلبِه إلى أحدِهما، ولكن لا يتكلَّمُ لا بنَفيٍ ولا بإثباتٍ.
والَّذي يجبُ القطعُ به أنَّ اللهَ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ في جميعِ ما يصِفُ به نَفْسَه؛ فمَن وصَفَه بمِثلِ صفاتِ المخلوقينَ في شيءٍ مِن الأشياءِ، فهو مُخطئٌ قطعًا؛ كمَن قال: إنَّه يَنزلُ فيتحرَّكُ ويَنتقِلُ، كما يَنزِلُ الإنسانُ مِن السَّطحِ إلى أسفلِ الدَّارِ، كقولِ مَن يقولُ: إنَّه يخلو منه العَرشُ، فيكونُ نزولُه تفريغًا لمكانٍ وشَغلًا لآخَرَ؛ فهذا باطلٌ يجِبُ تنزِيهُ الرَّبِّ عنه، كما تقدَّمَ)
[3331] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (5/565-578). ويُنظر: ((الاستقامة)) (1/70-78). .
وقال
ابنُ عُثَيْمين: (... النُّصوصُ في إثباتِ الفِعلِ والمَجيءِ والاستواءِ والنُّزولِ إلى السَّماءِ الدُّنيا إن كانَتْ تستلزمُ الحركةَ للهِ، فالحركةُ له حقٌّ ثابتٌ بمقتضى هذه النُّصوصِ ولازمِها، وإن كنَّا لا نعقِلُ كيفيَّةَ هذه الحركةِ... وإن كانت هذه النُّصوصُ لا تَستلزمُ الحركةَ للهِ تعالى، لم يكُنْ لنا إثباتُ الحركةِ له بهذه النُّصوصِ، وليس لنا أيضًا أن نَنفيَها عنه بمقتضى استبعادِ عقولِنا لها، أو توهُّمِنا أنَّها تَستلزمُ إثباتَ النَّقصِ؛ وذلك أنَّ صفاتِ اللهِ تعالى توقيفيَّةٌ، يتوقَّفُ إثباتُها ونفيُها على ما جاء به الكتابُ والسُّنَّةُ؛ لامتناعِ القياسِ في حقِّه تعالى؛ فإنَّه لا مِثْلَ له ولا نِدَّ، وليس في الكتابِ والسنَّةِ إثباتُ لفظِ الحركةِ أو نفيُه؛ فالقولُ بإثباتِ نفيِه أو لفظِه قولٌ على اللهِ بلا علمٍ...
وقد تكلَّمَ
شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميَّةَ رحمه الله في كثيرٍ مِن رسائلِه في الصِّفاتِ على مسألةِ الحركةِ، وبيَّنَ أقوالَ النَّاسِ فيها، وما هو الحقُّ مِن ذلك، وأنَّ مِن النَّاسِ مَن جزَمَ بإثباتِها، ومنهم مَن توقَّفَ، ومنهم مَن جزَمَ بنَفيِها، والصَّوابُ في ذلك أنَّ ما دلَّ عليه الكتابُ والسُّنَّةُ مِن أفعالِ اللهِ تعالى ولوازمِها، فهو حقٌّ ثابتٌ يجِبُ الإيمانُ به، وليس فيه نقصٌ ولا مشابهةٌ للخَلْقِ؛ فعليكَ بهذا الأصلِ؛ فإنَّه يُفيدُكَ، وأعرِضْ عمَّا كان عليه أهلُ الكلامِ مِن الأقيسةِ الفاسدةِ الَّتي يُحاولونَ صرفَ نصوصِ الكتابِ والسُّنَّةِ إليها؛ ليُحرِّفوا بها الكلِمَ عن مواضِعِه، سواءٌ عن نيَّةٍ صالحةٍ أو سيِّئةٍ
[3332] يُنظر: ((مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين)) (3/73). .
وقال البرَّاكُ: (لفظُ الحركةِ والتَّحوُّلِ ممَّا لم يرِدْ في كتابٍ ولا سنَّةٍ، فلا يجوزُ الجزمُ بنفيِه، ونسبةُ نفيِه إلى السَّلَفِ والأئمَّةِ مِن أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ لا تصِحُّ، بل منهم مَن يُجوِّزُ ذلك ويُثبِتُ معناه، ويُمسِكُ عن إطلاقِ لفظِه، ومنهم مَن يُثبِتُ لفظَ الحركةِ، ولا منافاةَ بين القولينِ؛ فإنَّ أهلَ السُّنَّةِ مُتَّفقونَ على إثباتِ ما هو مِن جِنسِ الحركةِ؛ كالمَجيءِ، والنُّزولِ، والدُّنُوِّ، والصُّعودِ، ممَّا جاء في الكتابِ والسُّنَّةِ، والأَوْلى: الوقوفُ مع ألفاظِ النُّصوصِ)
[3333] يُنظر: ((تعليقات الشيخ البَرَّاك على المُخالفات العَقَديَّة في فتح الباري)) (7/156). .
الذِّرَاعُ عن أبي هُرَيرةَ رَضِي اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((ضِرْسُ الكافرِ مِثلُ أُحُدٍ، وفَخِذُه مِثلُ البيضاءِ، ومَقعَدُه مِن النَّارِ كما بينَ قُدَيدٍ ومكَّةَ، وكَثافةُ جِلدِه اثنانِ وأربعونَ ذراعًا بذِراعِ الجَبَّارِ )) [3334] أخرجه من طرق الترمذي (2577)، وأحمد (8410) واللفظ له. صَحَّحه الترمذي، وابن حبان في ((صحيحه)) (7486)، والألباني في ((صحيح الجامع)) (3888)، وصحح إسناده الحاكِمُ في ((المستدرك)) ((8760) وقال: على شرطِ الشَّيخَينِ، وابنُ حجر في ((فتح الباري)) (11/431). .
وإثباتُ الذِّراعِ للهِ عزَّ وجلَّ كإثباتِ اليدِ والكفِّ والأصابعِ وغيرِها مِن الصِّفاتِ، لا تستحيلُ عليه سُبحانَه، ولا يستوحِشُ المُوحِّدُ مِن إثباتِها بما يَليقُ به سُبحانَه إذا ثَبتَتْ، إنَّما يستوِحُش مِن ذلك أهلُ
التَّعطيلِ، لكنَّ الحديثَ ليس صريحَ الدَّلالةِ على ذلك؛ لاحتمالِ أن يكونَ المقصودُ بالجبَّارِ اللهَ سُبحانَه وتعالى، أو أن يكونَ جبَّارًا مِن الجبَّارينَ؛ لذلك قال
الذَّهبيُّ: (ليس ذا مِن أحاديثِ الصِّفاتِ في شيءٍ)
[3335] يُنظر: ((فيض القدير)) للمناوي (4/255). ، ولا يُعلَمُ عن أحدٍ مِن السَّلَفِ أنَّه صرَّحَ بإثباتِ الصِّفةِ للهِ عزَّ وجلَّ إلَّا
أبا يَعْلى الفرَّاءَ في كتابِ: (إبطالُ التَّأويلاتِ)؛ حيث قال: (اعلَمْ أنَّه ليس في حملِه على ظاهرِه ما يُحيلُ صِفاتِه، ولا يُخرِجُها عمَّا تَستحقُّه)
[3336] يُنظر: ((إبطال التأويلات)) (1/203). وقد ورد في بعضِ رواياتِ الحديثِ لفظُ: (جَلَّ اسمُه)، ولَفظُ: (عزَّ وجلَّ)، وهي مُدرَجةٌ من بعضِ الرُّواةِ، كما وضَّحه الخطيبُ البغدادي في كتاب: ((الكفاية)) (ص: 243). ، كما بوَّبَ ابنُ أبي عاصمٍ في كِتابِه: (السُّنَّةُ) ببابِ: حديثٌ: (غِلَظُ جِلدِ الكافرِ اثنانِ وأربعونَ بذِراعِ الجبَّارِ، وضِرْسُه مِثلُ أُحُدٍ)
[3337] يُنظر: (1/271). ، واستشهَدَ به
ابنُ مَنْدَهْ في ردِّه على
الجَهميَّةِ [3338] يُنظر: ((الرد على الجهمية)) (ص: 50). .
ولا يُعرَف عن أحدٍ مِن العلماءِ المُعاصرينَ أنَّه جعَلَ الحديثَ مِن أحاديثِ الصِّفاتِ إلَّا كلامَ نورِ الدِّينِ بنِ صِدِّيق حسن خان القِنَّوْجِيِّ؛ قال: (الظَّاهرُ أنَّ المرادَ بالجبَّارِ في هذا الحديثِ القهَّارُ سُبحانَه وتعالى، والكلامُ لا يحتاجُ إلى تأويلٍ)
[3339] يُنظر: ((الجوائز والصلات من جمع الأسامي والصفات)) (ص: 121). ، وكلامُ حمود التُّويجريُّ: (الأَوْلى إمرارُ الحديثِ كما جاءَ، وتَرْكُ التَّكلُّفِ في بيانِ معنَى ذراعِ الجبَّارِ، واللهُ أعلَمُ بمرادِ رسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم)
[3340] يُنظر: ((إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة)) (3/ 418). .
وممَّن لم يَعُدَّه مِن أحاديثِ الصِّفاتِ مِن العُلَمَاءِ المُثبِتينَ للصِّفاتِ:
ابنُ قُتَيبةَ الدِّينَوَرِيُّ [3341] يُنظر: ((تأويل مختلف الحديث)) (ص: 312). ، والأزهريُّ اللُّغويُّ
[3342] يُنظر: ((تهذيب اللغة)) (11/44). ، و
الحاكِمُ [3343] يُنظر: ((المستدرك)) (4/637). ، وشيخُه أبو بكرِ بنُ إسحاقَ
[3344] يُنظر: ((المصدر السابق)) (4/637). ، و
الذَّهبيُّ [3345] يُنظر: ((فيض القدير)) للمناوي (4/255). ، وعبدُ المُحسنِ العبَّادُ
[3346] يُنظر: ((الانتصار لأهل السنة والحديث)) (ص: 94). .
فالأَوْلى تَرْكُ التَّكلُّفِ في بيانِ معنى ذِراعِ الجبَّارِ، واللهُ أعلَمُ بمرادِ رسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
الرُّوحُالرُّوحُ -بالضَّمِّ-: خَلْقٌ مِن مخلوقاتِ اللهِ عزَّ وجلَّ، أُضيفَتْ إلى اللهِ إضافةَ مِلكٍ وتشريفٍ، لا إضافةَ وَصْفٍ؛ فهو خالقُها ومالكُها، يقبِضُها متى شاء، ويُرسِلُها متى شاء سُبحانَه، وقد وردَتْ في الكتابِ والسُّنَّةِ مضافةً إلى اللهِ عزَّ وجلَّ في عدَّةِ مواضِعَ.
ذِكرُها في الكتابِ:1- قولُه تعالى:
وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ [النساء: 171] .
2- قولُه:
فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي [الحجر: 29] ،
[ص: 72] .
3- قولُه:
فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا [ مريم: 17] .
4- قولُه:
ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ [ السجدة: 9] .
ذِكرُها في السُّنَّة:1- حديثُ أبي هُرَيْرةَ رَضِي اللهُ عنه مرفوعًا في استفتاحِ الجنَّةِ، وفيه:
((...اذهَبوا إلى عِيسَى كلمةِ اللهِ ورُوحِه... )) [3347] أخرجه مسلم (195). .
2- حديثُ أبي هُرَيْرةَ رَضِي اللهُ عنه مرفوعًا في الشَّفاعةِ، وفيه:
((...فيَأتونَ آدَمَ عليه السَّلامُ فيقولونَ له: أنتَ أبو البشَرِ، خلَقَك اللهُ بيدِه، ونفَخَ فيكَ مِن رُوحِه... فيأتونَ عِيسَى، فيقولونَ: يا عِيسَى، أنتَ رسولُ اللهِ وكلمتُه ألقاها إلى مريمَ، ورُوحٌ منه... )) [3348] أخرجه البخاري (4712) واللفظ له، ومسلم (194). .
أقوالُ العلماءِ في (الرُّوحِ) المُضافةِ إلى اللهِ تعالى:1- قال
ابنُ تيميَّةَ: (فليس في مجرَّدِ الإضافةِ ما يستلزِمُ أن يكونَ المُضافُ إلى اللهِ صفةً له، بل قد يُضافُ إليه مِن الأعيانِ المخلوقةِ وصفاتِها القائمِةِ بها ما ليس بصفةٍ له باتِّفاقِ الخَلْقِ؛ كقولِه: «بيتُ اللهِ» و
نَاقَةَ اللَّهِ، و
عِبَادَ اللَّهِ، بل وكذلك
رَوْحِ اللَّهِ عند سلَفِ المُسلِمينَ وأئمَّتِهم وجمهورِهم، ولكن إذا أُضيفَ إليه ما هو صفةٌ له وليس بصفةٍ لغيرِه، مِثلُ: كلامِ اللهِ، وعِلمِ اللهِ، ويَدِ اللهِ، ونحوِ ذلك، كان صفةً له)
[3349] يُنظر: ((الجواب الصحيح)) (4/ 416). .
وقال أيضًا: (قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((الرِّيحُ مِن رُوحِ اللهِ))، أي: مِن الرُّوحِ الَّتي خلَقها اللهُ؛ فإضافةُ الرُّوحِ إلى اللهِ إضافةُ مِلْكٍ، لا إضافةُ وصفٍ؛ إذ كلُّ ما يُضافُ إلى اللهِ إن كان عينًا قائمةً بنَفْسِها فهو مِلْكٌ له، وإن كان صفةً قائمةً بغيرِها ليس لها محَلٌّ تقومُ به، فهو صفةٌ للهِ؛ فالأوَّلُ كقولِه:
نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا، وقولِه:
فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا، وهو
جِبريلُ،
فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا * قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا * قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا [مريم: 17-19] ، وقال:
وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا، وقال عن آدَمَ:
فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ [الحجر: 29] )
[3350] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (9/290). .
2- قال
ابنُ القيِّمِ: (المسألةُ السَّابعةَ عَشْرةَ، وهي: هل الرُّوحُ قديمةٌ أم مُحدَثةٌ مخلوقةٌ؟ وإذا كانت مُحدَثةً مخلوقةً، وهي مِن أمرِ اللهِ، فكيف يكونُ أمرُ اللهِ مُحدَثًا مخلوقًا؟ وقد أخبَرَ سُبحانَه أنَّه نفَخَ في آدَمَ مِن رُوحِه، فهذه الإضافةُ إليه هل تدُلُّ على أنَّها قديمةٌ أم لا؟ وما حقيقةُ هذه الإضافةِ؛ فقد أخبَرَ عن آدَمَ أنَّه خلَقَه بيدِه، ونفَخَ فيه مِن رُوحِه، فأضاف اليَدَ والرُّوحَ إليه إضافةً واحدةً؟
فهذه مسألةٌ زلَّ فيها عالِمٌ، وضلَّ فيها طوائفُ مِن بني آدَمَ، وهدى اللهُ أتباعَ رسولِه فيها للحَقِّ المُبينِ والصَّوابِ المُستبينِ؛ فأجمَعتِ الرُّسلُ صلواتُ اللهِ وسلامُه عليهم على أنَّها مُحدَثةٌ مخلوقةٌ مصنوعةٌ مربوبةٌ مُدبَّرةٌ، هذا معلومٌ بالاضطرارِ مِن دِينِ الرُّسلِ صلواتُ اللهِ وسلامُه عليهم، كما يُعلَمُ بالاضطرارِ مِن دِينِهم أنَّ العالَمَ حادِثٌ، وأنَّ مَعادَ الأبدانِ واقعٌ، وأنَّ اللهَ وحدَه الخالقُ، وكلَّ ما سِواه مخلوقٌ له، وقد انطوى عصرُ الصَّحابةِ والتَّابعينَ وتابعيهم -وهم القرونُ الفَضيلةُ- على ذلك مِن غيرِ اختلافٍ بينهم في حُدوثِها، وأنَّها مخلوقةٌ، حتَّى نبَغَتْ نابغةٌ ممَّن قَصُرَ فَهمُه في الكتابِ والسُّنَّةِ، فزعَم أنَّها قديمةٌ غيرُ مخلوقةٍ، واحتَجَّ بأنَّها مِن أمرِ اللهِ، وأمرُه غيرُ مخلوقٍ، وبأنَّ اللهَ تعالى أضافها إليه كما أضاف إليه عِلمَه وكتابَه وقُدرتَه وسَمْعَه وبصَرَه ويدَه، وتوقَّف آخَرونَ فقالوا: لا نقولُ: مخلوقةٌ، ولا غيرُ مخلوقةٍ...).
ثمَّ نقَل كلامَ
ابنِ مَنْدَهْ، و
مُحمَّدِ بنِ نصرٍ المَرْوَزيُّ، وهما مِن القائلينَ بأنَّها مخلوقةٌ، ثمَّ قال: (لا خلافَ بين المُسلِمينَ أنَّ الأرواحَ الَّتي في آدَمَ وبَنِيه وعِيسَى ومَن سواه مِن بني آدَمَ كلُّها مخلوقةٌ للهِ، خلَقَها وأنشأَها وكوَّنها واختَرَعها، ثمَّ أضافها إلى نَفْسِه، كما أضاف إليه سائرَ خَلْقِه؛ قال تعالى:
وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ [الجاثية: 13] )
[3351] يُنظر: ((الروح)) (ص: 208-210). .
3- قال
ابنُ كثيرٍ: (
وَرُوحٌ مِنْهُ كقولِه:
وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ، أي: مِن خَلْقِه ومِن عندِه، وليسَتْ «مِن» للتَّبعيضِ -كما تقولُ النَّصارى، عليهم لعائِنُ اللهِ المُتتابعةُ- بل هي لابتداءِ الغايةِ، وقد قال مُجاهدٌ في قولِه:
وَرُوحٌ مِنْهُ، أي: ورسولٌ منه، وقال غيرُه: ومحبَّةٌ منه، والأظهَرُ الأوَّلُ؛ أنَّه مخلوقٌ مِن رُوحٍ مخلوقةٍ، وأُضيفَتِ الرُّوحُ إلى اللهِ على وجهِ التَّشريفِ، كما أُضيفَتِ النَّاقةُ والبيتُ إلى اللهِ)
[3352] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (2/479). .
ونقَل
أبو موسى المَدِينيُّ كلامًا نافعًا جدًّا لأبي إسحاقَ إبراهيمَ الحَرْبيِّ عنِ الاختلافِ في قراءةِ وتفسيرِ (الرُّوحِ)
[3353] يُنظر: ((المجموع المغيث)) (1/812-814). .
قال
ابنُ تَيميَّةَ: (لَمْ يُعبِّرْ أحَدٌ مِن الأنبياءِ عن حياةِ اللهِ بأنَّها رُوحُ اللهِ، فمَن حمَل كلامَ أحَدٍ مِن الأنبياءِ بلَفظِ الرُّوحِ أنَّه يُرادُ به حياةُ اللهِ، فقد كذَبَ)
[3354] يُنظر: ((الجواب الصحيح)) (4/50). .
الظِّلُّلفظُ الظِّل جاء تارةً مضافًا إلى اللهِ تعالى، وتارةً مضافًا إلى العَرشِ.
أولًا: الظِلُّ مضافًا إلى اللهِ تعالى1- حَديثُ أبي هُرَيرَةَ رضِيَ اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((سَبعةٌ يُظِلُّهم اللهُ في ظِلِّه يومَ لا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّه ... )) [3355] أخرجه البخاري (660)، ومسلم (1031) .
2- حَديثُ أَبِي هُرَيْرةَ رضِيَ اللهُ عنه مرفوعًا:
((... أينَ المتحابُّون بجلالي؟ اليومَ أُظِلُّهُم في ظِلِّي يومَ لا ظِلَّ إِلَّا ظِلِّي )) [3356] أخرجه مسلم (2566). وسيأتي مفسَّرًا بلفظ: (في ظلِّ العرشِ). .
3- حديثُ أبي اليَسَرِ رَضِيَ الله عنه مرفوعًا:
((مَن أَنظَرَ مُعْسِرًا أو وضَعَ عنه، أظَلَّه اللهُ في ظِلِّه )) [3357] أخرجه مسلم (3006). وستأتي الإضافةُ مفسَّرةً بـ(ظِلِّ العَرْشِ) في حديثِ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ الله عنه عند الإمامِ أحمدَ والترمذيِّ. .
ثانيًا: الظلُّ مُضافًا إلى العرشِ1- حديثُ:
((المتحابُّون في اللهِ في ظِلِّ العَرْشِ يومَ لا ظِلَّ إِلَّا ظلُّه... )) [3358] أخرجه مطولاً أحمد (22064)، وابن حبان (577) واللفظ له، والطبراني (20/88) (168). صححه ابن حبان، والألباني في ((صحيح الموارد)) (2129)، وصحح إسناده شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (22064). .
2- حديثُ أبي قَتادَةَ رضِيَ اللهُ عنه مرفوعًا:
((مَن نَفَّسَ عن غَريمِه أو محَا عنه، كان في ظِلِّ العرشِ يومَ القِيامةِ )) [3359] أخرجه أحمد (22559)، والدارمي (2589)، وعبد بن حميد في ((المسند)) (195). صحَّحه الألباني في ((صحيح الجامع)) (6576)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (22559)، وحسنه البغوي في ((شرح السنة)) (4/349)، وصحَّح إسنادَه أحمد شاكر في ((عمدة التفسير)) (1/337). .
3- حَدِيثُ أبي هُرَيرَةَ رضِيَ الله عنه مرفوعًا:
((مَن أنظر مُعْسِرًا، أو وضَع له، أظلَّه اللهُ يومَ القِيامة تحتَ ظِلِّ عرشِه، يومَ لا ظلَّ إِلَّا ظِلُّه)) [3360] أخرجه الترمذي (1306) واللفظ له، وأحمد (8711). صححه الترمذي، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (1306)، والوادعي على شرط مسلم في ((الصحيح المسند)) (1461)، وصحَّح إسنادَه أحمدُ شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (16/289)، وشعيب الأرناؤوط على شرط مسلم في تخريج ((مسند أحمد)) (8711) .
معنى (الظِّل) الواردِ في الأحاديثِ: قال
ابنُ مَنْدَه: (بيانٌ آخرُ يدلُّ على أنَّ للعَرشِ ظلًّا يستَظلُّ فيه مَن يشاءُ اللهُ مِن عِبادِه)
[3361] يُنظر: ((كتاب التوحيد)) (3/190). ، ثمَّ ذكَر بسَنَدِه إلى أبي هُرَيرَةَ رضِيَ الله عنه؛ قال: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((إِنَّ اللهَ يقولُ يومَ القيامةِ: أينَ المتحابُّونَ بجَلالي، اليومَ أظِلُّهُم في ظِلِّ عرشي يومَ لا ظِلَّ إِلَّا ظِلِّي ))، ثمَّ أوردَ حديثَ:
((سبعةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ في ظِلِّه يومَ لا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّه))، وكأنَّه رحمه الله يُشيرُ إلى أنَّ الظلَّ في حديثِ السَّبعةِ هو ظلُّ العرشِ الواردُ في حديثِ المتحابِّين في اللهِ.
وقال
ابنُ رجبٍ: (صحَّ عنِ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أنَّ «مَنْ أنظَرَ مُعْسِرًا أو وضَع عنه أَظلَّه اللهُ في ظِلِّه يومَ لا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّه»، خرَّجه
مسلمٌ من حديث أبي اليَسَرِ الأنصاريِّ، عنِ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وخرَّج
الإمامُ أحمدُ و
الترمذيُّ وصحَّحه من حديث أبي هُرَيرَةَ رضِيَ اللهُ عنه عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: «مَن نفَّسَ عن غَريمِهِ، أو مَحَا عنه، كان في ظِلِّ العَرشِ يَومَ القِيامةِ»، وهذا يدلُّ على أنَّ المُرادَ بظلِّ اللهِ: ظلُّ عرشِه)
[3362] يُنظر: ((فتح الباري)) (4/64). .
وقال
البَغويُّ في شرحِ حديثِ السَّبعةِ: (قيل: المرادُ منه ظلُّ العَرشِ)
[3363] يُنظر: ((شرح السنة)) (2/355). .
وقال
ابنُ حجرٍ عند شَرْحِ حديثِ السَّبعةِ: (قيل: المرادُ ظلُّ عَرشِه، ويدلُّ عليه حديثُ سَلمانَ عندَ سعيدِ بن منصورٍ بإسنادٍ حسَن: «سَبعةٌ يُظلُّهُم اللهُ في ظلِّ عرشِهِ» فذكَرَ الحديثَ، وإذا كان المرادُ ظِلَّ العَرشِ استلزَمَ ما ذُكِر من كونِهم في كنَفِ اللهِ وكرامتِه من غيرِ عكسٍ؛ فهو أرجَحُ، وبه جزمَ
القرطبيُّ، ويؤيِّده أيضًا تقييدُ ذلك بيومِ القِيامَةِ، كما صرَّح به
ابنُ المبارَكِ في روايتِه عن عُبَيدِ اللهِ بنِ عُمرَ، وهو عندَ المصنِّفِ في «كتابِ الحُدودِ»، وبهذا يندفعُ قولُ مَن قال: المرادُ ظِلُّ طُوبَى أو ظلُّ الجَنَّةِ؛ لأنَّ ظلَّهَمُا إنما يَحصُلُ لهم بعدَ الاستقرارِ في الجَنَّةِ، ثم إنَّ ذلك مُشتَركٌ لجميع مَن يَدخُلها، والسِّياقُ يدلُّ على امتيازِ أصحابِ الخِصالِ المذكورةِ؛ فَيُرَجَّحُ أنَّ المرادَ ظلُّ العرشِ)
[3364] يُنظر: ((فتح الباري)) (2/144). .
وسُئِلَتِ اللَّجنةُ الدَّائمةُ للبحوثِ العلميَّة والإفتاء بالسعوديَّة السُّؤالَ التاليَ:
(ما المرادُ بالظِّلِّ المذكورِ في حديث النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((سبعةٌ يُظِلُّهم اللهُ في ظِلِّه يومَ لا ظِلَّ إِلَّا ظلُّه)) الحديث؟
فأجابت: (المرادُ بالظلِّ في الحديثِ: هو ظلُّ عَرْش الرَحمنِ تبارك وتعالى، كما جاء مفسَّرًا في حديثِ سلمانَ رَضِيَ الله عنه في «سُننِ سعيدِ بنِ منصورٍ»، وفيه: «سَبعةٌ يُظلُّهم اللهُ في ظلِّ عَرْشِه» الحديث. حسَّن إسنادَه
الحافظُ ابنُ حَجَرٍ رَحِمَه اللهُ تعالى… وقد أشار
ابنُ القَيِّم رحمه الله تعالى في «الوابل الصَّيِّب» وفي آخِر كتابِه «روضة المحبِّين» إلى هذا المعنَى)
[3365] يُنظر: ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الثانية)) (2/ 486). .
وقال
ابنُ عُثيمين: (قَولُه:
((لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّه)) يعني: إلَّا الظِّلُّ الذي يَخلُقُه، وليس كما توَهَّمَ بعضُ النَّاسِ أنَّه ظِلُّ ذاتِ الرَّبِّ عَزَّ وجَلَّ؛ فإنَّ هذا باطِلٌ؛ لأنَّه يَستلزِمُ أن تكونَ الشَّمسُ حينَئذٍ فوقَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ)
[3366] يُنظر: ((شرح العقيدة الواسطية)) (2/136). .
قال البَرَّاك: (الظِّلُّ مخلوقٌ، وإضافتُه إلى اللهِ سُبحانَه إضافةُ مِلْكٍ وتشريفٍ، كما قال عياضٌ و
الحافظُ رحمهما الله تعالى، وليس إضافةَ صِفةٍ إلى موصوفٍ؛ فلا يُقال: إنَّ لذاتِ اللهِ ظِلًّا، أخذًا من هذا الحديثِ؛ لأنَّ الظلَّ مخلوقٌ)
[3367] يُنظر: ((تعليقات الشيخ البَرَّاك على المُخالفات العَقَديَّة في فتح الباري)) (2/ 144). .
المُصَافَحَةُمِن العُلماءِ مَن أثبَتَ المصافحةَ صِفةً للَّهِ عزَّ وجلَّ؛ مُستدلِّين بحديث:
((الحَجرُ الأسودُ يمينُ اللهِ في الأرضِ، فمَنْ صافَحَه وقَبَّلَه فكَأنَّما صافَحَ اللهَ وقبَّلَ يَمينَه)) [3368] أخرجه الخطيب في ((تاريخ بغداد)) (6/328)، وابن الجوزي في ((العلل المتناهية)) (944) مختصراً بنحوه من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما. ، وفي لفظٍ:
((الحَجَرُ يمينُ اللهِ في الأرضِ؛ يُصافِحُ به عِبادَه)) [3369] أخرجه ابن عدي في ((الكامل في الضعفاء)) (1/342)، والخطيب في ((تاريخ بغداد)) (6/328)، وابن الجوزي في ((العلل المتناهية)) (944) من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما ، وفي لفظٍ:
((يُصافِحُ بها خَلْقَه)) [3370] أخرجه ابن خزيمة (2737)، والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (563)، والحاكم (1681) مطولاً بلفظ: "الركن" بدلاً من "الحجر". ، وهذا الاستدلالُ غيرُ صحيحٍ.
قال
ابنُ تَيميَّةَ: (قولُه: «فمَن صافَحَه وقبَّله فكأنَّما صافَحَ اللهَ، وقبَّل يمينَه» صريحٌ في أنَّ مُصافِحَه ومُقبِّلَه ليس مُصافِحًا للهِ ولا مُقبِّلًا ليمينِه؛ لأنَّ المشبَّهَ ليس هو المشبَّهَ به، وقد أتَى بقَولِه: «فكأنَّما»، وهي صريحةٌ في التَّشبيهِ)
[3371] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (6/581). .
وعَلَّقَ
ابنُ عُثَيمين بقَولِه: (قلتُ: وعلى هذا فلا يكونُ الحديثُ من صِفاتِ اللهِ تعالى التي أُوِّلتْ إلى معنًى يُخالِفُ الظاهرَ؛ فلا تأويلَ فيه أصلًا)
[3372] يُنظر: ((مجموع فتاوى ابن عثيمين)) (1/120). .
الوَطْأَةُ بِوَجٍّ [3373] وَجٌّ: وادٍ بالطَّائِف، أو هو الطَّائفُ. يُنظر: ((مسند إسحاق بن راهويه)) (5/47)، ((معجم البلدان)) لياقوت (5/361). روي في الحديثِ:
((إنَّ آخِرَ وَطْأَةٍ وَطِئَها اللهُ بِوَجٍّ)) [3374] أخرجه أحمد (27314)، والطبراني (241/24) (614)، والبيهقي في ((الأسماء والصفات)) (964) من حديث خولة بنت حكيم رضي الله عنها. .
والوَطْءُ يكونُ بالقَدمِ؛ قال الفَيرُوزَابادي: (وَطِئَه بالكسرِ، يَطؤُه: داسَه)
[3375] يُنظر: ((القاموس المحيط)) (ص: 55). .
وممَّن أَثبتَ الوطأةَ صِفةً للهِ عزَّ وجلَّ:
أبو يَعلَى الفَرَّاءُ [3376] يُنظر: ((إبطال التأويلات)) (2/379). ، و
ابنُ القيِّمِ [3377] يُنظر: ((مختصر الصواعق المرسلة)) لابن الموصلي (ص: 467). .
والحديثُ ضعيفٌ لا تَثبُت به صِفةٌ، وعلى فَرْضِ صحَّتِهِ فقَد قال
ابنُ قُتيبةَ: (أمَّا قَولُه:
((آخِر وطْأةٍ وَطِئَها اللهُ بِوَجٍّ))، فإنِّي أراه -واللهُ أعلَمُ- أنَّ آخِرَ ما أوقعَ اللهُ بالمشركين بالطَّائِفِ، ووَجٌّ هي الطَّائِفُ، وكذلك قال
سفيانُ بنُ عُيينةَ: آخِرُ غَزاةٍ غزاها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الطَّائفُ)
[3378] يُنظر: ((غريب الحديث)) (1/409)، وقدْ مال إلى خِلافِ ذلِك في كتابه ((تأويل مختلف الحديث)). .
وقال عثمانُ بنُ سعيدٍ الدارميُّ: (سمعتُ
عليَّ بنَ المَدينيِّ يقولُ في حديثِ خَولةَ رضِيَ اللهُ عنها، عنِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((إنَّ آخِرَ وَطْأةٍ بِوَجٍّ)): قال:
سفيانُ-يعني:
ابنَ عُيَينةَ- فسَّره، فقال: إنَّما هو آخِرُ خَيلِ اللهِ بوَجٍّ)
[3379] أخرجه البيهقيُّ في ((الأسماء والصفات)) (967) .