موسوعة أصول الفقه

المَسألةُ الثَّانيةُ: الصِّيَغُ الدَّالَّةُ على التَّحريمِ


الصِّيَغُ الدَّالَّةُ على التَّحريمِ مُتَنَوِّعةٌ، أهَمُّها ما يَلي:
1- أن يَرِدَ الخِطابُ صَريحًا بلَفظِ التَّحريمِ، وما يُشتَقُّ مِنه.
ومثالُه: قَولُ اللهِ تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ [النساء: 23] . وقولُه تعالى: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا [البقرة: 275] ، ومِثلُ قَولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((كُلُّ المُسلمِ على المُسلمِ حَرامٌ: دَمُه ومالُه وعِرضُه)) [541] أخرجه مسلم (2564) من حديث أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عنه. .
2- أن يَرِدَ الخِطابُ صَريحًا بلَفظِ النَّهيِ مِن غيرِ قَرينةٍ تَدُلُّ على أنَّه للكراهةِ.
ومِثالُه: قَولُ اللهِ تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ [النحل: 90] .
3- النَّهيُ عنِ الفِعلِ مِن غيرِ قَرينةٍ تَدُلُّ على أنَّه للكراهةِ.
ومثالُه: قَولُ اللهِ تعالى: وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ [الأنعام: 151] ، وقولُه تعالى: وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [الأنعام: 152] .
4- التَّصريحُ بعَدَمِ الحِلِّ، مِثالُ ذلك لَفظُ: "لا يَحِلُّ".
ومثالُه: قَولُ اللهِ تعالى: فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ [البقرة: 230] ، وقَولُه تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا [النساء: 19] ، وقَولُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا يَحِلُّ مالُ امرِئٍ مُسلمٍ إلَّا بطِيبِ نَفسٍ مِنه)) [542] أخرجه أحمد (20695) باختلاف يسير، وأبو يعلى (1570)، والبيهقي (11877) واللَّفظُ لَهما مِن حَديثِ حَنيفةَ عَمِّ أبي حُرَّةَ الرَّقاشيِّ رَضِيَ اللهُ عنه. صحَّحه الشوكاني في ((الفتح الرباني)) (8/3999)، والألباني في ((صحيح الجامع)) (7662)، وصحَّحه لغيره شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (20695). .
5- طَلَبُ اجتِنابِ الفِعلِ.
ومثالُه: قَولُ اللهِ تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [المائدة: 90] ، وقَولُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((اجتَنِبوا السَّبعَ الموبِقاتِ)) [543] أخرجه البخاري (2766)، ومسلم (89) من حديث أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه. .
وهذا أمرٌ يُفيدُ وُجوبَ التَّركِ مِن حيثُ اللَّفظُ، ويُفيدُ تَحريمَ الفِعلِ مِن حيثُ المَعنى.
6- اللَّفظُ الدَّالُّ على إنكارِ الفِعلِ بصيغةٍ مُشَدَّدةٍ، مِثلُ: غَضَبِ اللهِ، حَربِ اللهِ، لَعنةِ اللهِ، أوِ التَّحذيرُ مِنَ الفِعلِ، مِثلُ: قَولِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إيَّاكُم والجُلوسَ على الطُّرُقاتِ)) [544] أخرجه البخاري (2465) واللفظ له، ومسلم (2121) مِن حَديثِ أبي سَعيدٍ الخُدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه. .
وكذا وَصفُ الفاعِلِ بالنِّفاقِ أوِ الكُفرِ أوِ الفِسقِ، مِثلُ: قَولِ اللهِ تعالى: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة: 44] ... الظَّالِمُونَ [المائدة: 45] ... الْفَاسِقُونَ [المائدة: 47] .
ومِثلُ نَفيِ الإيمانِ عنه، كقَولِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((واللَّهِ لا يُؤمِنُ -ثَلاثًا- الذي لا يَأمَنُ جارُه بوائِقَه)) [545] أخرجه البخاري (6016) مِن حَديثِ أبي شُريحٍ العَدَويِّ رَضِيَ اللهُ عنه، بلَفظِ: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((واللَّهِ لا يُؤمِنُ، واللَّهِ لا يُؤمِنُ، واللَّهِ لا يُؤمِنُ)). قيلَ: ومَن يا رَسولَ اللهِ؟ قال: ((الذي لا يَأمَنُ جارُه بوايقَه)). .
7- تَرتيبُ العُقوبةِ على الفِعلِ، سَواءٌ كانت في الدُّنيا، أم في الآخِرةِ، أم فيهما.
فمِثالُ تَرتيبِ العُقوبةِ في الدُّنيا: قَولُ اللهِ تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [النور: 4] ، فالقَذفُ حَرامٌ؛ لترَتُّبِ عُقوبةِ الجَلدِ عليه.
وقَولُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَن بَدَّل دينَه فاقتُلوه)) [546] أخرجه البخاري (3017) من حديثِ عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما. .
ومِثالُ تَرتيبِ العُقوبةِ في الآخِرةِ: قَولُ اللهِ تعالى: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا [النساء: 93] ؛ فالقَتلُ حَرامٌ؛ لتوعُّدِ فاعِلِه بالنَّارِ.
وقَولُه تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا [النساء: 10] ؛ فأكلُ مالِ اليَتيمِ حَرامٌ؛ لتَشبيهِه بأكلِ النَّارِ وتَهديدِه بالعَذابِ يَومَ القيامةِ.
وقَولُه تعالى بَعدَ ذِكرِ بَعضِ المُحرَّماتِ: وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا [الفرقان 68 - 69].
ومِثالُ تَرتيبِ العُقوبةِ في الدُّنيا والآخِرةِ: قَولُ اللهِ تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ [النور: 19]، فإشاعةُ الفاحِشةِ حَرامٌ؛ لتوَعُّدِ صاحِبِها بالعَذابِ الأليمِ في الدُّنيا والآخِرةِ [547] يُنظر: ((علم أصول الفقه)) لخلاف (ص: 113)، ((أثر الاختلاف في القواعد الأصولية)) للخن (ص: 330)، ((الوجيز)) لمحمد الزحيلي (1/351). .

انظر أيضا: