موسوعة التفسير

سورةُ الانفِطارِ
الآيات (1-5)

ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ

غريب الكلمات:

انْفَطَرَتْ: أي: انشَقَّت، وأصلُ (فطر): يدُلُّ على فَتحِ شَيءٍ وإبرازِه [6] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/174)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 113)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/510)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 442)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 453)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 202). .
انْتَثَرَتْ: أي: تَساقَطَت مُتفَرِّقةً، ونَثْرُ الشَّيءِ: نَشْرُه وتفريقُه، وأصلُ (نثر): يدُلُّ على إلقاءِ شَيءٍ مُتفَرِّقٍ [7] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/174)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/389)، ((المفردات)) للراغب (ص: 790)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 202). .
فُجِّرَتْ: أي: فُتِحَ بَعضُها في بعضٍ، فصارت بحرًا واحِدًا مُمتَلِئًا، وأصلُ (فجر): يدُلُّ على تَفتُّحٍ في شَيءٍ [8] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 518)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 278)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/475)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 442)، ((تفسير القرطبي)) (19/244)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 453). .
بُعْثِرَتْ: أي: أُثِيرت، وقُلِبَ تُرابُها، وأُخرِجَ ما فيها، وأصلُ (بعثر): مُركَّبٌ مِن: بَعَث وأُثيرَ؛ فإنَّ البَعْثرةَ تتضَمَّنُ معناهما [9] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 518)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 130)، ((المفردات)) للراغب (ص: 133)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 442)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 453). .

المعنى الإجمالي:

افتَتَح اللهُ تعالى هذه السُّورةَ الكريمةَ بالحَديثِ عن أشراطِ السَّاعةِ، فقال تعالى: إذا السَّماءُ انشَقَّت وتَصَدَّعَت يومَ القيامةِ، وإذا الكواكِبُ تَساقَطَت وتفَرَّقَت، وإذا البِحارُ فُجِّرَت واختَلَط بَعضُها ببَعضٍ، فصارت جميعُها بحرًا واحِدًا، وإذا القُبورُ أُثِيرَت وقُلِبَ ما في بَطْنِها مِن الأمواتِ، فبُعِثُوا للحِسابِ- إذا وقَعَت تلك الأمورُ عَلِمَت كُلُّ نفْسٍ حِينَها بجميعِ أعمالِها مِن خَيرٍ وشَرٍّ.

تفسير الآيات:

إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ (1).
أي: إذا السَّماءُ مع قُوَّتَها وشِدَّةِ إحكامِها قد انشَقَّت يومَ القيامةِ [10] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/174)، ((تفسير القرطبي)) (19/244)، ((تفسير ابن كثير)) (8/341)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (21/298، 299). .
كما قال تعالى: السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ [المزمل: 18] .
وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ (2).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا كان يَلزَمُ مِن انفِطارِها وَهْيُها، وعَدَمُ إمساكِها لِما أُثبِتَ بها؛ ليَكونَ ذلك أشَدَّ تخويفًا لِمَن تحتَها بأنَّهم يَترَقَّبونَ كُلَّ وَقتٍ سُقوطَها أو سُقوطَ طائفةٍ منها فَوقَهم، فيَكونونَ بحيثُ لا يَقِرُّ لهم قَرارٌ؛ قال [11] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (21/299). :
وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ (2).
أي: وإذا الكواكِبُ تَساقَطَت وتفَرَّقَت [12] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/174)، ((تفسير القرطبي)) (19/244)، ((تفسير ابن كثير)) (8/341)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (21/299)، ((تفسير ابن عثيمين- جزء عم)) (ص: 88). .
وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ (3).
أي: وإذا البِحارُ المتفَرِّقةُ في الأرضِ قد فُجِّرَت تَفجيرًا كَثيرًا، وفُتِح بعضُها إلى بعضٍ [13] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/174)، ((تفسير القرطبي)) (19/244)، ((تفسير ابن كثير)) (8/341)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (21/300)، ((تفسير السعدي)) (ص: 914). قال الماوَرْدي: (وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ فيه ثلاثةُ أقاويلَ: أحَدُها: يَبِسَت. قاله الحسَنُ. الثَّاني: خُلِطَت فصارت بحرًا واحدًا. وهذا معنى قَولِ ابنِ عبَّاسٍ، قال: وهو سَبعةُ أبحُرٍ، فتصيرُ بحرًا واحدًا. الثَّالثُ: فُجِّر عَذبُها في مالحِها: ومالِحُها في عَذْبِها. قاله قَتادةُ. ويحتَمِلُ رابعًا: أي: فاضت). ((تفسير الماوردي)) (6/220، 221). وممَّن قال بأنَّ المرادَ: فُتِح بَعضُها إلى بعضٍ، فصارت بحرًا واحِدًا مُمتَلِئًا: ابنُ جرير، والسمرقنديُّ، ومكِّي، وابن الجوزي، والقرطبي، والبيضاوي، والقاسمي، والسعدي. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/174)، ((تفسير السمرقندي)) (3/554)، ((الهداية إلى بلوغ النهاية)) لمكي (12/8100)، ((تفسير ابن الجوزي)) (4/410)، ((تفسير القرطبي)) (19/244)، ((تفسير البيضاوي)) (5/292)، ((تفسير القاسمي)) (9/422)، ((تفسير السعدي)) (ص: 914). وممَّن ذهب إلى المعنى الثَّالثِ -وهو قريبٌ مِن القولِ السَّابقِ- أنَّه اختلاطُ العَذبِ بالمِلْحِ الأُجاجِ، وزَوالُ ما بيْنَهما مِن البَرزخِ فتَصيرُ البِحارُ بحرًا واحدًا: مقاتلُ بنُ سُلَيمانَ، والزَّجَّاجُ، والثعلبي، والبغوي، وأبو السعود، والشوكاني، والألوسي. يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (4/613)، ((معاني القرآن)) للزجاج (5/295)، ((تفسير الثعلبي)) (10/145)، ((تفسير البغوي)) (5/219)، ((تفسير أبي السعود)) (9/120)، ((تفسير الشوكاني)) (5/478)، ((تفسير الألوسي)) (15/267). وممَّن ذهب إلى المعنى الرابعِ: ابنُ عاشور، فقال: (تفجيرُ البِحارِ: انطِلاقُ مائِها مِن مُستواه، وفَيضانُه على ما حولَها مِن الأرَضِينَ كما يتفَجَّرُ ماءُ العَينِ حينَ حَفْرِها...، وبذلك التَّفجيرِ يَعُمُّ الماءُ على الأرضِ، فيَهْلِكُ ما عليها، ويختَلُّ سَطْحُها). ((تفسير ابن عاشور)) (30/171، 172). .
وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (4).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا كان ما سبَق مُقتَضِيًا لغَمْرِ القُبورِ، فأوهمَ أنَّ أهلَها لا يقومونَ -كما كان العَرَبُ يَعتَقِدونَ أنَّ مَن مات فات- قال دافِعًا لذلك على نَمَطِ كلامِ القادِرينَ؛ إشارةً إلى سُهولةِ ذلك عليه [14] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (21/300). :
وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (4).
أي: وإذا القُبورُ أُثِيرَت وقُلِبَ ما في بَطْنِها مِن الأمواتِ إلى ظَهْرِها، فبَعَثَهم اللهُ تعالى أحياءً [15] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/175)، ((تفسير القرطبي)) (19/244)، ((تفسير ابن كثير)) (8/341)، ((تفسير السعدي)) (ص: 914)، ((تفسير ابن عاشور)) (30/172)، ((تفسير ابن عثيمين- جزء عم)) (ص: 88). .
كما قال تعالى: أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ [العاديات: 9] .
عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ (5).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا كانت هذه الشُّروطُ كُلُّها -الَّتي جُعِلَت أشراطًا على السَّاعةِ- مُوجِبةً لعُلومٍ دقيقةٍ، وتَكشِفُ كُلُّ واحدةٍ منها عن أمورٍ عَجيبةٍ، وكانت كُلُّها دالَّةً على الانتِقالِ مِن هذه الدَّارِ إلى دارٍ أُخرى لخرابِ هذه الدَّارِ؛ ناسَبَ أن يجيبَ «إذا» بقَولِه [16] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (21/300). :
عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ (5).
أي: إذا وقَعَت تلك الأمورُ عَلِمَتْ كُلُّ نفْسٍ حِينَها بجميعِ أعمالِها؛ خَيْرِها وشَرِّها [17] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/175 - 177)، ((تفسير ابن عطية)) (5/446)، ((تفسير القرطبي)) (19/98، 99)، ((تفسير ابن كثير)) (8/341)، ((تفسير السعدي)) (ص: 914)، ((تفسير ابن عاشور)) (30/173). قوله: مَا قَدَّمَتْ قيل: المرادُ به: ما عَمِلَتْه مِن عمَلٍ صالحٍ وقَدَّمَتْه مِن خَيرٍ. وممَّن اختار هذا المعنى: مقاتلُ بنُ سُلَيمانَ، وابنُ جرير، والزَّجَّاجُ، وهو ظاهرُ اختيارِ السَّمْعانيِّ. يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (4/613)، ((تفسير ابن جرير)) (24/175)، ((معاني القرآن وإعرابه)) للزجاج (5/295)، ((تفسير السمعاني)) (6/172). وقال الواحدي: (قال ابنُ مسعودٍ: ما قدَّمَتْ مِن خيرٍ... وهو قولُ الكلبيِّ، ومجاهِدٍ، وقَتادةَ، وعَطاءٍ، والقُرَظيِّ). ((البسيط)) (23/292). وقيل: المرادُ: ما قدَّمَتْ مِن عمَلٍ صالحٍ أو سَيِّئٍ، أو خيرٍ أو شرٍّ. وممَّن اختار هذا المعنى: ابنُ أبي زَمَنِين، والثعلبيُّ، والخازن، والعُلَيمي، والشوكاني. يُنظر: ((تفسير ابن أبي زمنين)) (5/103)، ((تفسير الثعلبي)) (10/145)، ((تفسير الخازن)) (4/401)، ((تفسير العليمي)) (7/303)، ((تفسير الشوكاني)) (5/479). وقولُه: وَأَخَّرَتْ قيل: أي: مِن سُنَّةٍ يُعمَلُ بها بعدَ مَوتِها مما سَنَّتْه مِن سُنَّةٍ حسَنةٍ أو سَيِّئةٍ. وممَّن اختار هذا المعنى: ابنُ جرير، وابن أبي زَمَنِين، والثعلبيُّ، والعُلَيمي، والشوكاني. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/175، 177)، ((تفسير ابن أبي زمنين)) (5/103)، ((تفسير الثعلبي)) (10/145)، ((تفسير العليمي)) (7/303)، ((تفسير الشوكاني)). وقال الواحديُّ: (قال ابن مسعودٍ: ... وما أخَّرَتْ مِن سُنَّةٍ استُنَّ بها بعدَه. وهو قولُ الكلبيِّ، ومجاهدٍ، وقَتادةَ، وعَطاءٍ، والقُرَظيِّ). ((البسيط)) (23/292). وقيل: المرادُ: ما تَرَكَتْ وضَيَّعَت مِن خَيرٍ فلمْ تَعمَلْه. وممَّن ذهب إلى هذا المعنى: الزَّجَّاجُ، والسَّمْعانيُّ. يُنظر: ((معاني القرآن وإعرابه)) للزجاج (5/295)، ((تفسير السمعاني)) (6/172). وقال الرازي: (الأصحُّ أنَّ المقصودَ منه الزَّجرُ عن المعصيةِ، والتَّرغيبُ في الطَّاعةِ، أي: يَعلَمُ كلُّ أحدٍ في هذا اليومِ ما قدَّمَ فلمْ يُقَصِّرْ فيه، وما أخَّر فقصَّر فيه؛ لأنَّ قولَه: مَا قَدَّمَتْ يَقتضي فِعلًا، وما أخَّرَتْ يَقتضي تركًا، فهذا الكلامُ يَقتضي فِعلًا وتركًا، وتقصيرًا وتوفيرًا، فإنْ كان قدَّم الكبائرَ وأخَّر العملَ الصَّالحَ فمَأْواه النَّارُ، وإن كان قدَّم العملَ الصَّالحَ وأخَّر الكبائرَ فمأْواه الجنَّةُ). ((تفسير الرازي)) (31/73). وقيل: المرادُ بقولِه: وَأَخَّرَتْ أي: مِن سيِّئةٍ. يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (4/613). قال الماتُرِيدي: (أي: تَعلَمُ الأنفُسُ ما عَمِلَت إلى آخِرِ ما انتهى إليه عَمَلُها، فلا يخفى عليها شيءٌ مِن أمْرِها. ومنهم مَن يقولُ: ما قَدَّمَت مِن خيرٍ، وأخَّرَت مِن شَرٍّ: فستَعرِفُه في ذلك اليومِ. ومنهم مَن يقولُ: عَلِمَت مَا قَدَّمَتْ مِنَ العَمَلِ، أي: بما عَمِلَت بنَفْسِها، وَأَخَّرَتْ أي: ما سَنَّت مِنَ السُّنَّةِ، فعُمِلَ بها بَعْدَها. وهذا الَّذي ذكروه داخِلٌ في تفسيرِ الجُملةِ الَّتي ذكَرْنا أنَّها: تَعلَمُ مِن أوَّلِ ما عَمِلَت إلى آخِرِ ما انتهى إليه عَمَلُها). ((تفسير الماتريدي)) (10/444). وقال ابنُ عطية: (قال كثيرٌ مِن المفَسِّرين في معنى قَولِه تعالى: مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ: إنَّها عبارةٌ عن جميعِ الأعمالِ؛ لأنَّ هذا التَّقسيمَ يَعُمُّ الطَّاعاتِ المعمولةَ والمتروكةَ، وكذلك المعاصي). ((تفسير ابن عطية)) (5/446). .

الفوائد التربوية:

1- في قَولِه تعالى: عَلِمَتْ نَفْسٌ لعَلَّه نَكَّرَ؛ إشارةً إلى أنَّه ينبغي لِمَن وَهَبه اللهُ عقلًا أن يُجَوِّزَ أنَّه هو المرادُ، فيَخافَ [18] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (21/301). .
2- في قَولِه تعالى: عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ زَجْرٌ عن المعصيةِ، وترغيبٌ في الطَّاعةِ [19] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (31/73). .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- في قَولِه تعالى: وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ دَلالةٌ على سُرعةِ الانتِشارِ، كبَعْثرةِ الحَبِّ مِن الكَفِّ، كما في قَولِه تعالى: يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا [20] يُنظر: ((تتمة أضواء البيان)) لعطية سالم (8/449). [المعارج: 43] .
2- في قَولِه تعالى: عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ دَلالةٌ على مُؤاخَذةِ الإنسانِ بما عُمِلَ به بَعْدَه مِمَّا سَنَّه مِن هُدًى أو ضَلالةٍ، كقَولِه تعالى: يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ [القيامة: 13] بِناءً على أنَّ المعنَى: بِمَا قَدَّمَ مُباشِرًا له، وَأَخَّرَ مِمَّا عُمِلَ به بَعْدَه مِمَّا سَنَّه مِن هُدًى أو ضَلالٍ [21] يُنظر: ((تتمة أضواء البيان)) لعطية سالم (6/292). .
3- في قَولِه تعالى: عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ سؤالٌ: هذه الآيةُ الكريمةُ يُوهِمُ ظاهِرُها أنَّ الَّذي يَعلَمُ يومَ القيامةِ ما قَدَّم وما أخَّر: نفْسٌ واحِدةٌ، وقد جاءت آياتٌ أُخَرُ تدُلُّ على أنَّ كُلَّ نفْسٍ تَعلَمُ ما قَدَّمت وأخَّرَت، كقَولِه تعالى: هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ [يونس: 30] ، وقَولِه: وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا [الإسراء: 13] إلى غيرِ ذلك مِن الآياتِ.
الجوابُ: أنَّ المرادَ بقَولِه: نَفْسٌ كُلُّ نَفسٍ، والنَّكِرةُ وإن كانت لا تَعُمُّ إلَّا في سياقِ النَّفيِ أو الشَّرطِ أو الامتِنانِ، كما تقَرَّر في الأُصولِ؛ فإنَّ التَّحقيقَ أنَّها رُبَّما أفادت العُمومَ بقرينةِ السِّياقِ مِن غَيرِ نَفيٍ أو شرطٍ أو امتنانٍ، كقَولِه: عَلِمَتْ نَفْسٌ في «التَّكوير» و«الانفطار»، وقَولِه: أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ [الأنعام: 70] ، وقَولِه: أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا [الزمر: 56] ، والعِلمُ عندَ اللهِ تعالى [22] يُنظر: ((دفع إيهام الاضطراب)) للشنقيطي (ص: 253). .

بلاغة الآيات:

- قولُه تعالَى: إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ * وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ * وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ
- الافْتِتاحُ بـ (إِذَا) افْتِتاحٌ مُشوِّقٌ لِما يَرِدُ بَعدَها مِن مُتَعلَّقِها الَّذي هو جَوابُ ما في (إذا) مِن مَعنى الشَّرطِ [23] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/170). .
- وصِيغةُ الماضي المُتَكرِّرةُ في قولِه: انْفَطَرَتْ وما عُطِفَ عليه، مُستعمَلةٌ في المُستَقبَلِ؛ تَشْبيهًا لتَحقيقِ وُقوعِ المُستَقبَلِ بحُصولِ الشَّيءِ في الماضي [24] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/172). .
- وأيضًا الجُملُ الَّتي أُضيفَ إليها (إذا) مُفتتَحةٌ بمُسنَدٍ إليْه مُخبَرٍ عنه بمُسنَدٍ فِعليٍّ دُونَ أنْ يُؤتى بالجُملةِ الفِعليَّةِ، ودُونَ تَقديرِ أفْعالٍ مَحْذوفةٍ قبْلَ الأسْماءِ؛ لقَصْدِ الاهْتمامِ بالمُسنَدِ إليه، وتَقويةِ الخَبَرِ [25] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/170). .
- وفيه مُناسَبةٌ حسَنةٌ؛ فإنَّ الجُمَلَ المُتعاطِفةَ المُضافةَ إلى (إذا) هُنا أقَلُّ مِن اللَّاتي في سورةِ (التَّكويرِ)؛ لأنَّ المَقامَ لم يَقتَضِ تَطْويلَ الإطْنابِ كما اقْتَضاه المَقامُ في سورةِ (التَّكْويرِ)، وإنْ كان في كِلتَيهما مُقتَضٍ للإطْنابِ لكنَّه مُتفاوِتٌ [26] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/170). .
- قولُه: وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ بَعْثرةُ القُبورِ: حالةٌ مِن حالاتِ الانقِلابِ الأرضيِّ والخَسفِ، خُصَّتْ بالذِّكرِ مِن بيْنِ حالاتِ الأرضِ؛ لِما فيها مِن الهَوْلِ باسْتِحضارِ حالةِ الأرضِ وقد أَلْقَتْ على ظاهِرِها ما كان في باطِنِ المَقابِرِ مِن جُثَثٍ كامِلةٍ ورُفاتٍ [27] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/172). .
- وكُرِّرَتْ (إذا)؛ لتَهويلِ ما في حَيِّزِها مِن الدَّواهي [28] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (9/120). .
- قولُه: عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ هذا العِلمُ كِنايةٌ عن الحِسابِ على ما قَدَّمَتِ النُّفوسُ وأخَّرَتْ [29] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/172). ؛ فهذا وَعيدٌ بالحِسابِ على جَميعِ أعمالِ المُشرِكين، وهم المَقصودُ بالسُّورةِ، كما يُشيرُ إليه قولُه بعدَ هذا: بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ [الانفطار: 9]، ووَعْدٌ للمُتَّقينَ، ومُختَلَطٌ لِمَن عَمِلوا عمَلًا صالِحًا وآخَرَ سَيِّئًا [30] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/173). .
- وأيضًا إثْباتُ العِلمِ للنَّاسِ بما قَدَّموا وأَخَّروا عندَ حُصولِ تلك الشُّروطِ إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ * وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ * وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ؛ لعَدَمِ الاعتِدادِ بعِلمِهم بذلك الَّذي كان في الحياةِ الدُّنيا، فنُزِّلَ مَنزِلةَ عدَمِ العِلمِ [31] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/172، 173). .
- ونَفْسٌ نَكِرةٌ مُرادٌ بها العُمومُ [32] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/173). .
- والمَقصودُ مِن قولِه: مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ تَعميمُ التَّوقِيفِ على جَميعِ ما عَمِلَتْه [33] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/173). .