فوائِدُ ومَسائِلُ مُتفَرِّقةٌ
مِن فوائدِ صلةِ الرَّحمِقال السَّمَرقَنديُّ: (اعلَمْ بأنَّ في صِلةِ الرَّحِمِ عَشرَ خِصالٍ مَحمودةٍ:
أوَّلُها: أنَّ فيها رِضا اللهِ تعالى؛ لأنَّه أمَرَ بصِلةِ الرَّحِمِ.
والثَّاني: إدخالُ السُّرورِ عليهم.
والثَّالثُ: أنَّ فيها فرَحَ المَلائِكةِ؛ لأنَّهم يَفرَحونَ بصِلةِ الرَّحِمِ.
والرَّابعُ: أنَّ فيها حُسنَ الثَّناءِ مِنَ المُسلِمينَ عليه.
والخامِسُ: أنَّ فيها إدخالَ الغَمِّ على إبليسَ عليه اللَّعنةُ.
والسَّادِسُ: زيادةٌ في العُمُرِ.
والسَّابعُ: بَرَكةٌ في الرِّزقِ.
والثَّامِنُ: سُرورُ الأمواتِ؛ لأنَّ الآباءَ والأجدادَ يُسَرُّونَ بصِلةِ الرَّحِمِ والقَرابةِ.
والتَّاسِعُ: زيادةٌ في المودَّةِ؛ لأنَّه إذا وقعَ له سَبَبٌ من السُّرُورِ والحُزنِ يجتَمِعون إليه ويُعينونه على ذلك، فيكونُ له زيادةً في المودَّةِ.
والعاشِرُ: زيادةُ الأجرِ بعدَ مَوتِه؛ لأنَّهم يدعونَ له بعدَ موتِه كلَّما ذكَروا إحسانَه)
[1346] ((تنبيه الغافلين)) (ص: 138). .
حَدُّ الرَّحِمِ التي يَجِبُ صِلتُهاقال عِياضٌ: (لا خِلافَ أنَّ صِلةَ الرَّحِمِ واجِبةٌ على الجُملةِ، وقَطعُها كبيرةٌ. والأحاديثُ في هذا البابِ مِن مَنعِه الجَنَّةَ يَشهَدُ لذلك، ولكِنَّ الصِّلةَ دَرَجاتٌ، بَعضُها فوقَ بَعضٍ، وأدناها تَركُ المُهاجَرةِ، وصِلتُها ولو بالسَّلامِ... وهذا بحُكمِ القُدرةِ على الصِّلةِ وحاجَتِها إليها؛ فمِنها ما يَتَعيَّنُ ويَلزَمُ، ومِنها ما يُستَحَبُّ ويُرغَّبُ فيه، وليس مَن لم يبلُغْ أقصى الصِّلةِ يُسَمَّى قاطِعًا، ولا مَن قَصَّرَ عَمَّا ينبغي له ويَقدِرُ عليه يُسَمَّى واصِلًا.
واختُلِف في حَدِّ الرَّحِمِ التي يَجِبُ صِلتُها؛ فقال بَعضُ أهلِ العِلمِ: هي كُلُّ رَحِمٍ مَحرَميَّةٍ مِمَّا لو كان أحَدُهما ذَكرًا حَرُمَ عليه نِكاحُ الآخَرِ، فعلى هذا لا يَجِبُ في بَني الأعمامِ وبَني الأخوالِ وبَني العَمَّاتِ، واستدلَّ على قَولِه بتَحريمِ الجَمعِ بينَ الأختينِ، والمَرأةِ وعَمَّتِها وخالتِها مَخافةَ التَّقاطُعِ
[1347] لفظُه: عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((نَهى رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن تُزَوَّجَ المَرأةُ على العَمَّةِ والخالةِ قال: إنَّكُنَّ إذا فعَلتُنَّ ذلك قَطَعتُنَّ أرحامَكُنَّ)). أخرجه ابن حبان (4116) واللفظ له، والطبراني (11/337) (11931)، وابن عدي في ((الكامل في الضعفاء)) (4/159). قال الألباني في ((سلسلة الأحاديث الضعيفة)) (6528): منكر بزيادة الشطر الثاني، وذكر الذهبي في ((ميزان الاعتدال)) (2/407) أن فيه عبد الله بن الحسين أبو حريز فيه شيء، وقال ابن الملقن في ((خلاصة البدر المنير)) (2/193): فيه رجال فيه مقال، وذكر ابن القطان في ((الوهم والإيهام)) (4/430) أن فيه أبو حريز عبد الله بن الحسين، قاضي سجستان ، وجَوازِ ذلك بينَ بَني العَمِّ والخالِ. وقيل: بَل هذا في كُلِّ ذي رَحِمٍ مِمَّن يَنطَلقُ عليه ذلك في ذَوي الأرحامِ في المَواريثِ، مَحرَميًّا كان أو غيرَه... ويَدُلُّ على هذا قَولُه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: «ثُمَّ أدناك فأدناك»
[1348] لَفظُه: عن أبي رِمثةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((أتيتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وعِندَه ناسٌ مِن رَبيعةَ يَختَصِمونَ في دَمِ العَمدِ، فسَمِعتُه يَقولُ: أمَّك وأباك، وأختَك وأخاك، ثُمَّ أدناك فأدناك)). أخرجه أحمد (7108) واللفظ له، والطبراني (22/278) (713). صحَّح إسناده أحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (12/64)، ووثَّق رجالَه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (7108). [1349] ((إكمال المعلم)) (8/ 20، 21). .
وقد نَقَل النَّوويُّ كلامَ عِياضٍ، ثُمَّ جَزَمَ بأنَّ الصَّوابَ هو القَولُ الثَّاني، واستَدَلَّ بقَولِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في أهلِ مِصرَ:
((إنَّكُم ستَفتَحونَ أرضًا يُذكَرُ فيها القيراطُ، فاستَوصوا بأهلِها خيرًا؛ فإنَّ لهم ذِمَّةً ورَحِمًا)) [1350] أخرجه مسلم (2543) من حديثِ أبي ذَرٍّ الغِفاريِّ رَضِيَ اللهُ عنه. ، وبقَولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((إنَّ أبَرَّ البِرِّ صِلةُ الوَلَدِ أهلَ وُدِّ أبيه)) [1351] أخرجه مسلم (2552) من حديثِ عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما. ، مَعَ أنَّه لا مَحرَميَّةَ
[1352] يُنظر: ((شرح مسلم)) للنووي (16/ 113). وقال ابنُ حَجَرٍ: (الرَّحِمُ -بفتحِ الرَّاءِ وكسرِ الحاءِ المُهمَلةِ-: يُطلقُ على الأقارِبِ، وهم مَن بينَه وبينَ الآخَرِ نَسَبٌ، سَواءٌ كان يَرِثُه أم لا، سَواءٌ كان ذا مَحرَمٍ أم لا، وقيل: همُ المَحارِمُ فقَط، والأوَّلُ هو المُرَجَّحُ؛ لأنَّ الثَّانيَ يَستَلزِمُ خُروجَ أولادِ الأعمامِ وأولادِ الأخوالِ مِن ذَوي الأرحامِ، وليس كذلك). ((فتح الباري) (10/ 414). وقال المُلَّا علي القاري: (صِلةُ الرَّحِمِ كِنايةٌ عَنِ الإحسانِ إلى الأقرَبينَ مِن ذَوي النَّسَبِ والأصهارِ، والتَّعَطُّفِ عليهم، والرِّفقِ بهم، والرِّعايةِ لأحوالِهم، وقَطعُ الرَّحِمِ ضِدُّ ذلك، يُقالُ: وصَل رَحِمَه يَصِلُها وصلًا وصِلةً، والهاءُ فيها عِوَضٌ عَنِ الواوِ المَحذوفةِ، فكأنَّه بالإحسانِ إليهم قَد وصَل ما بينَه وبينَهم مِن عَلاقةِ القَرابةِ والصِّهرِ). ((مرقاة المفاتيح)) (7/ 3079). .
كيفيةُ صلةِ الرَّحمِقال ابنُ أبي جَمرةَ: (أمَّا كيفيَّةُ الوَصلِ فهو على ضُروبٍ مُختَلفةٍ: مِنه ما يَكونُ ببَذلِ المالِ، ومِنه ما يَكونُ ببَذلِ العَونِ على ما يَحتاجونَ إليه، أعني: أهلَ رَحِمِه. ومِنه ما يَكونُ بالزِّيارةِ لهم. ومِنه ما يَكونُ بالدُّعاءِ لهم. ومِنه ما يَكونُ بإكرامِهم والبَشاشةِ لهم. ومِنه ما يَكونُ بدَفعِ المَضارِّ عَنهم. والمَعنى الجامِعُ له إيصالُ ما أمكنَك مِنَ الخيرِ إليهم على قَدرِ طاقَتِك، بنيَّةِ القُربةِ إلى اللهِ تعالى.
إلَّا أنَّ ذلك بشُروطٍ ذَكرَها العُلماءُ، وهي: أن يَكونوا على الاستِقامةِ، وإلَّا فمُقاطَعَتُهم مِن أجلِ اللهِ هو إيصالٌ لهم، بشَرطِ أن تَبذُلَ جُهدَك في وعظِهم وزَجرِهم والإنكارِ عليهم؛ لأنَّه إذا قيل لك في الأجنَبيِّ الذي هو أخوك في الإسلامِ: «انصُرْه ظالِمًا أو مَظلومًا»
[1353] أخرجه البخاري (2443) مِن حَديثِ أنَسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه، ولفظُه: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((انصُرْ أخاك ظالِمًا أو مَظلومًا)). ، وهو رَدُّه عَنِ الظُّلمِ، فالأقرَبُ مِن بابِ أَولى. فبَعدَ ذلك يَكونُ الهِجرانُ لهم، وتُعلِمُهم أنَّ هِجرانَك لهم إنَّما هو مِن أجلِ تَخَلُّفِهم عَنِ الحَقِّ، فإذا استَقاموا وصَلتَهم قَدرَ طاقَتِك في ذلك. لكِن يبقى عليك مِن صِلتِهم عِندَ المُقاطَعةِ الدُّعاءُ لهم بظَهرِ الغَيبِ أن يُصلِحَ اللهُ حالَهم، ويَجبُرَهم بفَضلِه.
وأمَّا مُقاطَعَتُهم فهي على ضَربينِ: إمَّا كُلِّيَّةٌ أو بَعضيَّةٌ؛ فالكُلِّيَّةُ هي أن تَمنَعَهم جَميعَ ما في وُسعِك مِنَ الإحسانِ إليهم، على نَحوِ ما أشَرْنا إليه قَبلُ، قاصِدًا لذلك، أو تَكونَ مُعاداتُهم لحَظِّ نَفسٍ، أو إبعادِهم عَنك لمِثلِ ذلك. وأمَّا البَعضيُّ فهو مِثلُ أن تَفعَلَ مَعَهم بَعضَ الأشياءِ، وتَحرِمَهم بَعضًا مَعَ قُدرَتِك عليها، وقَصدِك ذلك؛ فكِلاهما محذورانِ، ويُخافُ مِنه وَبالُهما. لكِنَّ الواحِدَ الذي هو الكُلِّيُّ أشَدُّ، أعاذَنا اللَّهُ مِنهما)
[1354] ((بهجة النفوس)) (4/ 146). ويُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (10/ 418). .
أنواعُ الرَّحِمِ المُحَرَّمِ قَطعُها، والمَأمورِ بصِلتِهاقال أبو العَبَّاسِ القُرطُبيُّ: (الرَّحِمُ المُحَرَّمُ قَطعُها، المَأمورُ بصِلتِها على وَجهَينِ: عامَّةٌ وخاصَّةٌ.
فالعامَّةُ: رَحِمُ الدِّينِ، وتَجِبُ مواصَلتُها بمُلازَمةِ الإيمانِ، والمَحَبَّةِ لأهلِه ونُصرَتِهم، والنَّصيحةِ لهم، وتَركِ مُضارَّتِهم، والعَدلِ بينَهم، والنَّصَفةِ في مُعامَلتِهم، والقيامِ بحُقوقِهمُ الواجِبةِ، كتَمريضِ المَرضى، وحُقوقِ المَوتى: مِن غَسلِهم، والصَّلاةِ عليهم، ودَفنِهم، وغيرِ ذلك مِنَ الحُقوقِ المُتَرَتِّبةِ لهم.
وأمَّا الرَّحِمُ الخاصَّةُ: فتَجِبُ لهمُ الحُقوقُ العامَّةُ، وزيادةٌ عليها، كالنَّفقةِ على القَرابةِ القَريبةِ، وتَفقُّدِ أحوالِهم، وتَركِ التَّغافُلِ عن تَعاهدِهم في أوقاتِ ضَروراتِهم، وتَتَأكَّدُ في حَقِّهم حُقوقُ الرَّحِمِ العامَّةُ، حتَّى إذا تَزاحَمَتِ الحُقوقُ بُدِئَ بالأقرَبِ فالأقرَبِ)
[1355] ((المفهم)) (6/ 526). ويُنظر: ((الجامع لأحكام القرآن)) لأبي عبد الله القرطبي (16/ 247، 248)، ((فتح الباري)) لابن حجر (10/ 418). وقال النَّوويُّ: (أمَّا صِلةُ الرَّحِمِ ففِعلُك مَعَ قَريبِك ما تُعَدُّ به واصِلًا غيرَ مُنافِرٍ ومُقاطِعٍ له، ويَحصُلُ ذلك تارةً بالمالِ، وتارةً بقَضاءِ حاجَتِه أو خِدمَتِه أو زيارَتِه. وفي حَقِّ الغائِبِ بنَحوِ هذا، وبالمُكاتَبةِ وإرسالِ السَّلامِ عليه ونَحوِ ذلك). ((روضة الطالبين)) (5/ 390). وقال البلبانيُّ: (اعلَمْ أنَّ المُرادَ بصِلةِ الرَّحِمِ: مُوالاتُهم ومَحَبَّتُهم أكثَرَ مِن غيرِهم لأجلِ قَرابَتِهم، وتَأكيدُ المُبادَرةِ إلى صُلحِهم عِندَ عَداوتِهم، والاجتِهادُ في إيصالِهم كِفايَتَهم بطيبِ نَفسٍ عِندَ فَقرِهم، والإسراعُ إلى مُساعَدَتِهم ومُعاونَتِهم عِندَ حاجَتِهم، ومُراعاةُ جَبرِ خاطِرِهم مَعَ التَّعَطُّفِ والتَّلطُّفِ بهم، وتَقديمُهم في إجابةِ دَعَواتِهم، والتَّواضُعُ مَعَهم في غِناه وفَقرِهم وقوَّتِه وضَعفِهم، ومُداومةُ مَودَّتهم ونُصحِهم في كُلِّ شُؤونِهم، والبَداءةُ بهم في الدَّعوةِ والضِّيافةِ قَبلَ غَيرِهم، وإيثارُهم في الإحسانِ والصَّدَقةِ والهَديَّةِ على مَن سِواهم؛ لأنَّ الصَّدَقةَ عليهم صَدَقةٌ وصِلةٌ، وفي مَعناها الهَديَّةُ ونَحوُها. ويَتَأكَّدُ فِعلُ ذلك مَعَ الرَّحِمِ الكاشِحِ المُبغِضِ؛ عَساه أن يَرجِعَ عن بُغضِه إلى مَودَّةٍ). ((غذاء الألباب)) للسفاريني (1/ 355). .
الأدَبِ مَعَ الإخوةِ مِنَ النَّسَبِقال القاسِميُّ: (يَلزَمُ الفتى أن يَتَأدَّبَ مَعَهم ويَحتَرِمَهم، ويَعرِفَ أنَّهم أقرَبُ النَّاسِ إليه بَعدَ الأبَوينِ، ويُحِبَّ لهمُ النَّفعَ والشَّرَفَ أكثَرَ مِن جَميعِ النَّاسِ.
فأمَّا أخوه الأكبَرُ فإنَّه يَجعَلُه في مَنزِلةِ أبيه، فلا يَرفعُ صَوتَه عليه، ولا يُنازِعُه، ولا يُخالفُه في وصاياه الجَميلةِ ليَكسِبَ حُبَّه، ويَسعى في مَنافِعِه.
وأمَّا الذينَ هم أصغَرُ مِنه فيواسيهم، ويُشفِقُ عليهم، ولا يَضرِبُهم ولا يَشتُمُهم، ويُلاطِفُهم، ويَستَجلبُ صُحبَتَهم بحُسنِ الأخلاقِ ولُطفِ المُعامَلةِ، وإذا رَأى مِنهم ما لا يَليقُ فعليه أن يَنهاهم باللُّطفِ والمَعروفِ، ويُعَرِّفَهم ضَرَرَه، ولا يَسعى بهم عِندَ أبيه بالفِتنةِ، فتَكثُرُ الكَراهةُ بَينَهم، ويَألفونَ الشَّرَّ ويَعتادونَه بسَبَبِه، فيَعودُ الوبالُ عليهم، وجَليٌّ أنَّ إخوةَ المَرءِ هم أعوانُه على سَعادَتِه وحُسنِ حالِه)
((جوامع الآداب)) (ص: 30، 31). .
صلةُ الخالةِ:يَنبَغي أن يُهتَمَّ ببِرِّ الخالةِ وصِلتِها؛ فإنَّها بمَنزِلةِ الأمِّ.
عَنِ البَراءِ بنِ عازِبٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((الخالةُ بمَنزِلةِ الأمِّ)) [1357] أخرجه البخاري (2699). .
عَدَمُ الجَمعِ بينَ المَرأةِ وعَمَّتِها أو خالتِها:لا يَجوزُ أن تُنكَحَ المَرأةُ على عَمَّتِها، ولا العَمَّةُ على بنتِ أخيها، ولا المَرأةُ على خالتِها، ولا الخالةُ على بنتِ أختِها، لا الكُبرى على الصُّغرى، ولا الصُّغرى على الكُبرى؛ فإنَّ الجَمعَ بينَهنَّ مِمَّا يُؤَدِّي إلى قَطعِ الأرحامِ.
الدَّليلُ على ذلك مِن السُّنَّةِ والإجماعِأ- مِنَ السُّنَّةِ1- عن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال:
((نَهى رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن تُنكَحَ المَرأةُ على عَمَّتِها أو خالتِها)) [1358] أخرجه البخاري (5108). .
2- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((لا يُجمَعُ بينَ المَرأةِ وعَمَّتِها، ولا بينَ المَرأةِ وخالتِها)) [1359] أخرجه البخاري (5109)، ومسلم (1408). .
وفي رِوايةٍ:
((لا تُنكَحُ العَمَّةُ على بنتِ الأخِ، ولا ابنةُ الأختِ على الخالةِ)) [1360] أخرجها مسلم (1408). .
وفي أخرى:
((نَهى رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن تُنكَحَ المَرأةُ على عَمَّتِها أو خالتِها، أو أن تَسألَ المَرأةُ طَلاقَ أُختِها لتَكتَفِئَ ما في صَحفتِها؛ فإنَّ اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ رازِقُها)) [1361] أخرجها مسلم (1408). .
ب- مِنَ الإجماعِنَقَل الإجماعَ على التَّحريمِ المَذكورِ غيرُ واحدٍ
[1362] ممن نقل الإجماع على ذلك: ابنُ عَبدِ البَرِّ، والنَّوَويُّ، وابنُ تَيميَّةَ: قال ابنُ عَبدِ البَرِّ: (لا يَجوزُ عِندَ الجَميعِ الجَمعُ بينَ المَرأةِ وعَمَّتِها وإن عَلَت، ولا بينَ المَرأةِ وخالتِها وإن عَلَت، ولا يَجوزُ نِكاحُ المَرأةِ على بنتِ أختِها ولا على بنتِ أخيها وإن سَفُلَت). ((الاستذكار)) (5/451). قال النَّوويُّ: (قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا يُجمَعُ بينَ المَرأةِ وعَمَّتِها، ولا بينَ المَرأةِ وخالتِها)) وفي رِوايةٍ: ((لا تُنكَحُ العَمَّةُ على بنتِ الأخِ، ولا ابنةُ الأختِ على الخالةِ)) هذا دَليلٌ لمَذاهِبِ العُلماءِ كافَّةً أنَّه يَحرُمُ الجَمعُ بينَ المَرأةِ وعَمَّتِها، وبينَها وبينَ خالتِها، سَواءٌ كانت عَمَّةً وخالةً حَقيقةً -وهي أختُ الأبِ، وأختُ الأمِّ-، أو مَجازيَّةً -وهي أختُ أبي الأبِ وأبي الجَدِّ وإن عَلا، أو أختُ أمِّ الأمِّ وأمِّ الجَدَّةِ مِن جِهَتَي الأمِّ والأبِ وإن عَلت-؛ فكُلُّهنَّ بإجماعِ العُلماءِ يَحرُمُ الجَمعُ بينَهما). ((شرح مسلم)) (9/190). قال ابنُ تيميَّةَ: (لا يُجمَعُ بينَ الأختينِ بنَصِّ القُرآنِ، ولا بينَ المَرأةِ وعَمَّتِها ولا بينَ المَرأةِ وخالتِها، لا تُنكَحُ الكُبرى على الصُّغرى، ولا الصُّغرى على الكُبرى... وهذا مُتَّفَقٌ عليه بينَ العُلماءِ، والضَّابطُ في هذا: أنَّ كُلَّ امرَأتينِ بينَهما رَحِمٌ مَحرَمٌ، فإنَّه يَحرُمُ الجَمعُ بينَهما). ((الفتاوى الكبرى)) (4/151). .
مِن الوفاءِ بالعقودِ: صلةُ الرحمِقال السَّعديُّ في تَفسيرِ قَولِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالعُقُودِ [المائِدة: 1] : (هذا أمرٌ مِن اللهِ تعالى لعِبادِه المُؤمِنينَ بما يقتَضيه الإيمانُ بالوفاءِ بالعُقودِ، أي: بإكمالِها، وإتمامِها، وعَدَمِ نَقضِها ونَقصِها. وهذا شامِلٌ للعُقودِ التي بَينَ العَبدِ وبَينَ رَبِّه مِن التِزامِ عُبوديَّتِه، والقيامِ بها أتَمَّ قيامٍ، وعَدَمِ الانتِقاصِ مِن حُقوقِها شَيئًا، والتي بَينَه وبَينَ الرَّسولِ بطاعَتِه واتِّباعِه، والتي بَينَه وبَينَ الوالدَينِ والأقارِبِ ببرِّهم وصِلَتِهم، وعَدَمِ قَطيعَتِهم، والتي بَينَه وبَينَ أصحابِه مِن القيامِ بحُقوقِ الصُّحبةِ في الغِنى والفقرِ، واليُسرِ والعُسرِ، والتي بَينَه وبَينَ الخَلقِ مِن عُقودِ المُعامَلاتِ، كالبَيعِ والإجارةِ، ونَحوِهما، وعُقودِ التَّبَرُّعاتِ، كالهِبةِ ونَحوِها، بَل والقيامِ بحُقوقِ المُسلمينَ التي عَقدَها اللهُ بَينَهم في قَولِه:
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات: 10] بالتَّناصُرِ على الحَقِّ، والتَّعاوُنِ عليه، والتَّآلُفِ بَينَ المُسلمينَ وعَدَمِ التَّقاطُعِ. فهذا الأمرُ شامِلٌ لأُصولِ الدِّينِ وفُروعِه؛ فكُلُّها داخِلةٌ في العُقودِ التي أمَرَ اللهُ بالقيامِ بها)
[1363] ((تيسير الكريم الرحمن)) (ص: 218). .
مِن أسبابِ التشديدِ في صِلةِ الأرحامِ، وتحريمِ قَطعِهاقال ابنُ هُبَيرةَ: (الرَّحِمُ مِمَّا عَظَّمَ اللهُ تعالى شَأنَها...؛ فإنَّ الرَّحِمَ مِنَ الوالدينِ والأقرَبينَ هي في المَعنى تَسَبَّبَت في وُجودِ الآدَميِّينَ، فاللَّهُ تعالى خَلَق عَبدَه في ذلك، فهو كما قال عَزَّ وجَلَّ:
يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ [الشورى: 11] ، فإذا رَعى الآدَميُّ ما ذَرَأه اللهُ فيه وجَعَلَه إكليلًا عليه مِن جَوانِبِه، كان ذلك مِن أكرَمِ الصِّلاتِ وأكثَرِ الوسائِلِ لمَن وصَلَها، كما أنَّه مَن أعظَمِ الحَوبِ لمَن قَطَعَها، مِثلُ الأمانةِ؛ فإنَّ مَن أدَّاها للَّهِ عَزَّ وجَلَّ كان له الفوزُ العَظيمُ، ومَن خانَها وأضاعَها خَسِرَ الخُسرانَ المُبينَ، والرَّحِمُ إنَّما اشتَدَّ الأمرُ في صِلتِها ثَوابًا، وفي قَطعِها عِقابًا؛ مِن حيثُ إنَّ طِباعَ الآدَميِّينَ لَهِجةٌ بالحَسَدِ مِنَ الأقرَبِ فالأقرَبِ، والغيظِ مِنَ الأدنى فالأدنى، ولأنَّ الأقارِبَ قَلَّما يَخلُصونَ مِن موجِباتِ الشَّرِّ والخيرِ في المُشارَكاتِ والمُحاوراتِ والمُعامَلاتِ ونَحوِ ذلك، فللمُسلمِ على المُسلمِ حَقٌّ، وللمُسلمِ على المُسلمِ إذا كان ذا رَحِمٍ حَقَّانِ، فإذا قَطَعَه فقَد قَطَعَ حَقَّينِ، كما أنَّه إذا وصَله وصلَ سَبَبينِ أكَّدَ الأوَّلُ مِنهما الثَّانيَ)
[1364] ((الإفصاح عن معاني الصحاح)) (2/ 247). .
أُولُو الأرحامِ بَعْضُهم أولَى ببعضٍقال السَّعديُّ في قَولِه تعالى:
النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا [الأحزاب: 6] :
(يُخبرُ تعالى المُؤمِنينَ خَبَرًا يَعرِفونَ به حالةَ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ومَرتَبَتَه، فيُعامِلونَه بمُقتَضى تلك الحالةِ، فقال:
النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ أقرَبُ ما للإنسانِ، وأَولى ما له نَفسُه، فالرَّسولُ أَولى به مِن نَفسِه؛ لأنَّه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ بَذَل لهم مِنَ النُّصحِ والشَّفقةِ والرَّأفةِ ما كان به أرحَمَ الخَلقِ وأرأَفَهم، فرَسولُ اللهِ أعظَمُ الخَلقِ مِنَّةً عليهم مِن كُلِّ أحَدٍ؛ فإنَّه لم يَصِلْ إليهم مِثقالُ ذَرَّةٍ مِنَ الخيرِ ولا اندَفعَ عَنهم مِثقالُ ذَرَّةٍ مِنَ الشَّرِّ إلَّا على يَديه وبسَبَبِه؛ فلذلك وجَبَ عليهم إذا تَعارَضَ مُرادُ النَّفسِ أو مُرادُ أحَدٍ مِنَ النَّاسِ مَعَ مُرادِ الرَّسولِ أن يُقَدِّمَ مُرادَ الرَّسولِ، وأن لا يُعارِضَ قَولَ الرَّسولِ بقَولِ أحَدٍ كائِنًا مَن كان، وأن يَفدوه بأنفُسِهم وأموالِهم وأولادِهم، ويُقَدِّموا مَحَبَّتَه على الخَلقِ كُلِّهم، وألَّا يَقولوا حتَّى يَقولَ، ولا يَتَقَدَّموا بينَ يَديه.
وهو صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أبٌ للمُؤمِنينَ، كما في قِراءةِ بَعضِ الصَّحابةِ
[1365] لفظُه: عن عَمرِو بنِ دينارٍ، قال: سَمِعتُ بجالةَ التَّميميَّ، قال: (وَجَد عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ مُصحَفًا في حِجرِ غُلامٍ في المَسجِدِ فيه: النَّبيُّ أولى بالمُؤمِنينَ مِن أنفُسِهم وهو أبوهم، فقال: احكُكْها يا غُلامُ، فقال: واللهِ لا أحُكُّها وهي في مُصحَفٍ أُبَيِّ بنِ كَعبٍ! فانطَلقَ إلى أُبَيٍّ فقال له: إنِّي شَغَلني القُرآنُ، وشَغَلك الصَّفقُ بالأسواقِ؛ إذ تَعرِضُ رِداءَك على عُنُقِك ببابِ ابنِ العَجماءِ!). أخرجه عبد الرزاق (18748)، وإسحاق بن راهويه كما في ((إتحاف الخيرة المهرة)) للبوصيري (6/254). صحَّح إسناده على شرط البخاري البوصيري في ((إتحاف الخيرة المهرة)) (6/254)، وابن حجر في ((المطالب العالية)) (4/143). ، يُرَبِّيهم كما يُرَبِّي الوالِدُ أولادَه، فتَرَتَّب على هذه الأبوَّةِ أن كان نِساؤُه أمَّهاتِهم، أي: في الحُرمةِ والاحتِرامِ والإكرامِ، لا في الخَلوةِ والمَحرَميَّةِ...
وتَرَتَّبَ على أنَّ زَوجاتِ الرَّسولِ أمَّهاتُ المُؤمِنينَ أنَّهنَّ لا يَحلِلنَ لأحَدٍ مِن بَعدِه، كما صَرَّحَ اللَّهُ بذلك:
وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِه أَبَدًا [الأحزاب: 53] .
وَأُولُو الْأَرْحَامِ أي: الأقارِبُ، قَرُبوا أو بَعُدوا
بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ، أي: في حُكمِه، فيَرِثُ بَعضُهم بَعضًا، ويَبَرُّ بَعضُهم بَعضًا؛ فهم أَولى مِنَ الحِلفِ والنُّصرةِ.
والأدعياءُ: الذينَ كانوا مِن قَبلُ يَرِثونَ بهذه الأسبابِ دونَ ذَوي الأرحامِ، فقَطعَ تعالى التَّوارُثَ بذلك، وجَعَله للأقارِبِ لُطفًا مِنه وحِكمةً؛ فإنَّ الأمرَ لوِ استَمَرَّ على العادةِ السَّابقةِ لحَصَل مِنَ الفسادِ والشَّرِّ والتَّحيُّلِ لحِرمانِ الأقارِبِ مِنَ الميراثِ شيءٌ كثيرٌ!
مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ أي: سَواءٌ كان الأقارِبُ مُؤمِنينَ مُهاجِرينَ وغيرَ مُهاجِرينَ، فإنَّ ذَوي الأرحامِ مُقدَّمونَ في ذلك، وهذه الآيةِ حُجَّةٌ على وِلايةِ ذَوي الأرحامِ في جَميعِ الوِلاياتِ، كوِلايةِ النِّكاحِ، والمالِ، وغيرِ ذلك)
[1366] ((تيسير الكريم الرحمن)) (ص: 659). .
خطرُ هجرانِ ذوي الأرحامِقد يُبتَلى بهذا كثيرٌ مِنَ النَّاسِ، يَهجُرُ أحَدُهم قَرابَتهَ؛ إمَّا تَكبُّرًا عليهم بمالِه أو بجاهِه، كما قال بَعضُ السَّلفِ: "إنَّ اللَّئيمَ إذا ارتَفعَ جَفا أقارِبَه، وأنكرَ مَعارِفَه"، وإمَّا حِقدًا عليهم لعَداوةٍ أو خُصومةٍ أو مُنازَعةٍ جَرَت بينَهم، فيَستَمِرُّ على الهِجرانِ المُفضي إلى حِرمانِ الجِنانِ، وهذا مُرادُ الشَّيطانِ؛ قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((إنَّ الشَّيطانَ قَد أيِسَ أن يَعبُدَه المُصَلُّونَ في جَزيرةِ العَرَبِ، ولكِنْ في التَّحريشِ بينَهم)) [1367] أخرجه مسلم (٢٨١٢) من حديثِ جابِرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنه. ، أي: يُلقي العَداوةَ بينَ الأقارِبِ والأجانِبِ، كما أخبَرَ اللهُ تعالى بقَولِه:
إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا [الإسراء: 53] . فمَن أطاعَ عَدُوَّه الشَّيطانَ واستَمَرَّ على العَداوةِ والهِجرانِ، نال مِنه الشَّيطانُ مُرادَه، وحَرَمَه في الآخِرةِ دُخولَ الجَنَّةِ، نَعوذُ باللهِ مِن ذلك، ونَعوذُ باللهِ مِن هَوى النَّفسِ إذا غَلبَ على الإنسانِ، واستَمَرَّ على الهِجرانِ.
بَل الواجِبُ على المُسلمِ أن يُبادِرَ إلى قَهرِ هَوى نَفسِه، وقَهرِ الشَّيطانِ بخُروجِه مِنَ الهِجرانِ والقَطيعةِ، ويَصِلُ أقارِبَه بما أمكَنَه مِنَ البرِّ والإحسانِ، وإن كان فقيرًا فبالسَّلامِ...
ثم اعلَمْ يا أخي -وفَّقَنا اللهُ وإيَّاك، وجَنَّبَنا وإيَّاك هَوى نُفوسِنا- أنَّ هِجرانَ المُسلمِ لأخيه المُسلمِ حَرامٌ، وإن لم يكُنْ له قَرابةٌ، كما قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((لا يَحِلُّ لمُسلمٍ أن يَهجُرَ أخاه فوقَ ثَلاثِ ليالٍ، يَلتَقيانِ فيُعرِضُ هذا ويُعرِضُ هذا، وخيرُهما الذي يَبدَأُ بالسَّلامِ)) [1368] أخرجه البخاري (6077)، ومسلم (2560) واللفظ له من حديثِ أبي أيُّوبَ الأنصاريِّ رَضِيَ اللهُ عنه. .
ورَوى مُسلِمٌ في صَحيحِه مِن حَديثِ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((تُعرَضُ الأعمالُ كُلَّ اثنينِ وخَميسٍ، فيَغفِرُ اللهُ تعالى لكُلِّ امرِئٍ لا يُشرِكُ باللهِ شيئًا، إلَّا امرَأً كانت بينَه وبينَ أخيه شَحناءُ، فيُقالُ: اترُكوا هَذينِ حتَّى يَصطَلِحا)) [1369] أخرجه مسلم (2565) ولفظُه: ((تُعرَضُ الأعمالُ في كُلِّ يَومِ خَميسٍ واثنينِ، فيَغفِرُ اللهُ عَزَّ وجَلَّ في ذلك اليَومِ لكُلِّ امرِئٍ لا يُشرِكُ باللهِ شيئًا، إلَّا امرَأً كانت بينَه وبينَ أخيه شَحناءُ، فيُقالُ: ارْكوا هَذينِ حتَّى يَصطَلِحا. ارْكوا هَذينِ حتَّى يَصطَلِحا)). .
وجاءَ عَنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال:
((مَن هَجَرَ أخاه سَنةً فهو كسَفكِ دَمِه)) [1370] أخرجه أبو داود (4915)، وأحمد (17935) من حديثِ أبي خِراشٍ السُّلَميِّ رَضِيَ اللهُ عنه. صحَّحه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4915)، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (1220)، وصحَّح إسناده الحاكم في ((المستدرك)) (7498)، والنووي في ((تحقيق رياض الصالحين)) (515)، والعراقي في ((تخريج الإحياء)) (2/280). .
فإذا كان هذا في هِجرانِ الأخِ المُسلِمِ الذي ليس بقَرابةٍ، فكيف بالمُسلمِ الذي هو قَرابةُ الهاجِرِ لأخيه مِنَ النَّسَبِ، أو أختُه، أو خالُه، أو عَمُّه، أوِ ابنُ عَمِّه، أو خالتُه، أو عَمَّتُه، أو غيرُ هؤلاء مَن أقارِبَ؟! فيَجتَمِعُ إثمانِ عَظيمانِ: إثمُ الهِجرانِ، وإثمُ قَطيعةِ الرَّحِمِ الموجِبُ لدُخولِ النَّارِ وحِرمانِ الجِنانِ.
فالواجِبُ على مَن كان واقِعًا في شيءٍ مِن ذلك أن يُبادِرَ إلى التَّوبةِ والمُصالحةِ، ويَترُكَ هَوى نَفسِه وشيطانَه؛ فقَد وعَدَ مَن نَهى نَفسَه عن هَواها الجَنَّةَ، بقَوله تعالى:
وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى [النازعات: 40-41] [1371] يُنظر: ((الترغيب والترهيب)) (ص: 108-116). .