موسوعة الآداب الشرعية

خامسًا: عَدَمُ ظُلمِه أو أكلِ مالِه بغيرِ حَقٍّ


يَحرُمُ ظُلمُ اليَتيمِ، أو أكلُ مالِه بغيرِ حَقٍّ، وهذا مِنَ الكبائِرِ الموبِقاتِ.
الدَّليلُ على ذلك مِن الكتابِ والسُّنَّةِ والآثارِ:
أ- مِنَ الكِتابِ
1- قال تعالى: وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [الأنعام: 152] .
قال الشِّنقيطيُّ: (كانت عادةُ العَرَبِ أن يَأخُذوا مِنَ اليَتيمِ مالَه الذي تَرَك أبوه، ويَظلِموه في حَقِّه، ويَظلِموا المَرأةَ، ويَقولونَ: إنَّ الذي يَستَحِقُّ المالَ هو مَن يَحمي الذِّمارَ [2168] الذِّمارُ: ما لزِمَك حِفظُه، وما وراءَ الرَّجُلِ مِمَّا يَحِقُّ عليه أن يَحميَه، يُقالُ: فُلانٌ حامي الذِّمارِ: أي يَحمي ما يَلزَمُه أن يَحفظَه ويَحميَه، قيل: إنَّما سُمِّيَ ذِمارًا؛ لأنَّ الإنسانَ يَذمرُ نَفسَه، أي: يَحُضُّها على القيامِ به، يُقالُ: ذَمَرتُ الرَّجُلَ أذمُرُه: إذا حَرَّضتَه. يُنظر: ((الزاهر)) لابن الأنباري (2/ 307)، ((الصحاح)) للجوهري (2/ 665)، ((كشف المشكل)) لابن الجوزي (4/ 9). ، ويُدافِعُ عَنِ الحَريمِ، وهمُ الرِّجالُ الذينَ يَستَعينونَ بالمالِ على الدِّفاعِ، أمَّا اليَتيمُ والمَرأةُ فإعطاءُ المالِ لهما ضَياعٌ له! ولذا كانوا يَدفعونَ اليَتيمَ عن حَقِّه ويَظلِمونَه كما في قَولِه تعالى: أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ [الماعون: 1-2] ، والدَّعُّ: الدَّفعُ بقوَّةٍ، أي: يَدفعُه بقوَّةٍ عن حَقِّه ويَظلِمُه، واللهُ جَلَّ وعَلا أرسَل هذا النَّبيَّ الكريمَ -صَلواتُ اللهِ وسَلامُه عليه- بكمالِ الإنصافِ، ومَكارِمِ الأخلاقِ، والمُحافظةِ على حُقوقِ الضَّعيفِ الذي لا يَقدِرُ على الدِّفاعِ عن نَفسِه؛ ولذا نَهى عن قِربانِ مالِ اليَتيمِ إلَّا بالتي هي أحسَنُ... والحِكمةُ في النَّهيِ عن قُربِ الشَّيءِ المُرادُ بها سَدُّ الذَّريعةِ والتَّباعُدُ مِنه بالكُلِّيَّةِ.
ومالُ اليَتيمِ: هو مالُه الذي هو مِلكٌ له، سَواءٌ ورِثَه مِن أبيه، أو حَصَل له بطَريقٍ أخرى...
والمَعنى: إذا ماتَ والدُ الإنسانِ، وبَقيَ الطِّفلُ صَغيرًا مِسكينًا لا يَقدِرُ على الدِّفاعِ عن نَفسِه، ولا يَقدِرُ على حِفظِ مالِه، فلا تَأخُذوا مالَه وتَظلِموه لضَعفِه، بَل لا تَقرَبوا مالَه إلَّا بالتي هي أحسَنُ، أي: إلَّا بالخَصلةِ التي هي أحسَنُ الخِصالِ وأنفعُها لليَتيمِ، وذلك بالمُحافظةِ عليه وتَنميَتِه وتَثميرِه بالتِّجارةِ في مَواقِعِ النَّظَرِ والسَّدادِ... حتَّى يَبلُغَ أشُدَّه، فإن بَلغَ أشُدَّه وآنَستُم مِنه رُشدًا فادفَعوا إليه مالَه.
والأشُدُّ هنا: التَّحقيقُ الذي لا شَكَّ فيه أنَّه بُلوغُ الحُلُمِ مَعَ إيناسِ الرُّشدِ؛ لأنَّ خيرَ ما يُفسَّرُ به القُرآنُ القُرآنُ، وقد قال اللهُ تعالى: وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ [النساء: 6] ، فدَلَّت آيةُ النِّساءِ على أنَّ الأشُدَّ في الغايةِ هنا: أنَّه أن يَبلُغَ الحُلُمَ، ويُؤنَسَ مِنه الرُّشدُ؛ لأنَّ ببُلوغِ الحُلُمِ يَتَقَوَّى بَدَنُه ويَكونُ في قوَّةِ الرِّجالِ، وبإيناسِ الرُّشدِ يَتَقَوَّى عَقلُه ونَظَرُه؛ فاجتَمَعَ أشُدُّه بَدَنًا وفِكرًا ونَظَرًا، فعِندَ ذلك يُعطى مالَه.
وهذه الآيةُ الكريمةُ تَدُلُّ على أنَّ ظُلمَ اليَتيمِ حَرامٌ،... وقال هنا: وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ أي: إلَّا بالخَصلةِ التي هي أحسَنُ الخِصالِ وأتَمُّها وأحوطُها وأحفَظُها لمالِ اليَتيمِ، بالمُحافَظةِ عليه وتَثميرِه وتَنميَتِه بالطُّرُقِ المَأمونةِ، التي يَغلِبُ على الظَّنِّ أنَّها لا خَسارَ فيها ولا ضَياعَ، حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ أي: يَبلُغَ الحُلُمَ، ويُؤنَسُ مِنه رُشدٌ؛ فادفَعوا إليه مالَه، وأشهِدوا عليه إذا دَفَعتُموه إليه) [2169] يُنظر: ((العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير)) (2/ 504-513). .
2- قال تعالى: وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا [الإسراء: 34] .
3- قال تعالى: وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا * وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا * وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا * وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا * وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا [النساء: 2 - 6] .
يَأمُرُ اللهُ سُبحانَه وتعالى في هذه الآياتِ الكريمةِ الأوصياءَ بإعطاءِ اليَتامى أموالَهم، مُتبِعًا ذلك الأمرَ بنَهيهم عَنِ استِبدالِ الخَبيثِ مِنَ المالِ بالطَّيِّبِ مِنه، وذلك حينَ يَأخُذونَ مِن مالِ الأيتامِ، ويَترُكونَ ما أحَلَّه اللهُ لهم من غيرِه، أو أن يَجعَلوا رَديءَ المالِ لهم بَدَلَ الجيِّدِ، كما نَهاهم عن ضَمِّ أموالِ الأيتامِ إلى أموالِهم بقَصدِ أكلِها بالباطِلِ؛ فإنَّه إثمٌ عَظيمٌ.
ثُمَّ يُرشِدُ اللهُ سُبحانَه وتعالى مَن يَخافونَ ألَّا يَعدِلوا في حالِ تَزَوَّجوا بنِساءٍ يَتامى مِمَّن تَحتَ وِلايَتِهم، أو أن يُقَصِّروا في حُقوقِهنَّ؛ يوصيهم أن يَدعوهنَّ ويَتَزَوَّجوا غيرَهنَّ مِمَّن تَرتَضي نُفوسُهم اثنَتينِ أو ثَلاثًا أو أربَعًا، فإن خافوا ألَّا يُقيموا العَدلَ في حالةِ عَدَّدوا النِّساءَ فليَقتَصِروا على الزَّواجِ بزَوجةٍ واحِدةٍ، أوِ الاكتِفاءِ بما يَملِكونَ مِنَ الجَواري؛ فإنَّ ذلك أقرَبُ إلى ألَّا يَظلِموا.
ثُمَّ يَأمُرُ اللَّهُ تعالى مَن أرادَ الزَّواجَ بإعطاءِ النِّساءِ المُرادِ الزَّواجُ مِنهنَّ مُهورَهنَّ عَطيَّةً واجِبةً، طيِّبةً بها نُفوسُهم، فإن طابَت نُفوسُ النِّساءِ عن بَعضِ المَهرِ أو كُلِّه، فوهَبْنَه لأزواجِهنَّ، فلا حَرَجَ عليهم مِن أخذِه.
ثُمَّ يَنهى اللهُ النَّاسَ أن يُعطوا أموالَهمُ التي يَقومُ بها عَيشُهم مَن لا يُحسِنُ التَّصَرُّفَ فيها، كذلك نَهاهم أن يُعطوا مَن لا يُحسِنونَ التَّصَرُّفَ في أموالِهمُ التي يملِكونَها، إن كانوا أوصياءَ عليهم، ولكِنْ عليهم أن يُنفِقوا عليهم مِنها فيما يَحتاجونَه في حياتِهم؛ مِن طَعامٍ وشَرابٍ، ومَلبَسٍ ومَسكَنٍ، وأن يَقولوا لهم قَولًا طيِّبًا تَطيبُ به نُفوسُهم.
ثَّم يأمُر تعالى الأوصياءَ أن يختبِروا الأيتامَ في دِينهم وعقولِهم وتصرُّفِهم قَبلَ بُلوغِهم، فإذا ما بلغوا الحُلُمَ ورأَوْا فيهم حُسْنَ التَّصرُّفِ، والقُدرةَ على إصلاحِ المالِ، فلْيعُطوهم أموالَهم، ونهاهم سُبحانَه عن أنْ يأخُذوا مِن أموالِ اليَتامى شيئًا مِن غيرِ حاجةٍ، أو أنْ يُبادِروا بأكْلِها في حالِ صِغَرِهم قبلَ أنْ يَكبَروا فيَأخُذوا أموالَهم ويمنعوهم منها، وأمَرَ اللهُ تعالى مَن كان غنيًّا أن يترُكَ للأيتامِ أموالَهم، ويكتفيَ بما رزَقَه اللهُ، ومَن كان منهم ذَا حاجةٍ فليأخُذْ ما تعارَفَ عليه النَّاسُ أنَّه يَسُدُّ حاجةَ أمثالِه من الفُقَراءِ، وأرشَدَهم اللهُ أن يُشهِدوا على الأيتامِ حين يُسلِّمونَهم أموالَهم، وكفَى باللهِ شهيدًا ومُحاسِبًا، ورقيبًا عليهم [2170] يُنظر: ((التَّفسير المُحَرَّر)) إعداد القسم العلمي بمؤسسة الدُّرر السَّنية (3/ 31-33). .
4- قال تعالى: أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ [الماعون: 1-2] .
قال الطَّبَريُّ: (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ أرَأيتَ -يا مُحَمَّدُ- الذي يُكذِّبُ بثَوابِ اللهِ وعِقابِه، فلا يُطيعُه في أمرِه ونَهيِه... فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ فهذا الذي يُكذِّبُ بالدِّينِ، هو الذي يَدفعُ اليَتيمَ عن حَقِّه، ويَظلِمُه) [2171] ((جامع البيان)) (24/ 657، 658). .
وقال ابنُ عَطيَّةَ: (هذا تَوقيفٌ وتَنبيهٌ لتَتَذَكَّرَ نَفسُ السَّامِعِ كُلَّ مَن يَعرِفُه بهذه الصِّفةِ. والدِّينُ: الجَزاءُ ثَوابًا وعِقابًا، والحِسابُ هنا قَريبٌ مِنَ الجَزاءِ. ثُمَّ قال تعالى: فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ أيِ: ارقُبْ فيه هذه الخِلالَ السَّيِّئةَ تَجِدْها، ودَعُّ اليَتيمِ: دَفعُه بعُنفٍ، وذلك إمَّا أن يَكونَ المَعنى عن إطعامِه والإحسانِ إليه، وإمَّا أن يَكونَ عن حَقِّه ومالِه، فهذا أشَدُّ) [2172] ((المحرر الوجيز)) (5/ 527). .
ففي الآيةِ عِظةٌ وتَنبيهٌ للمُؤمِنينَ وزَجرٌ لهم عن مِثلِ هذا الصَّنيعِ [2173] يُنظر: ((تأويلات أهل السنة)) للماتريدي (10/ 623). .
5- قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا [النساء: 10] .
زَجَرَ اللَّهُ تعالى عن أكلِ أموالِ اليَتامى، وتَوعَّدَ على ذلك أشَدَّ العَذابِ، فقال: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا أي: بغَيرِ حَقٍّ. وهذا القَيدُ يَخرُجُ به جَوازُ الأكلِ للفقيرِ بالمَعروفِ، وجَوازُ خَلطِ طَعامِهم بطَعامِ اليَتامى.
فمَنْ أكلها ظُلمًا فـ إنما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا أي: فإنَّ الذي أكَلوه نارٌ تَتَأجَّجُ في أجوافِهم وهمُ الذينَ أدخَلوها في بُطونِهم. وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا أي: نارًا مُحرِقةً مُتَوقِّدةً. وهذا أعظَمُ وعيدٍ ورَدَ في الذُّنوبِ، يَدُلُّ على شَناعةِ أكلِ أموالِ اليَتامى وقُبحِها، وأنَّها موجِبةٌ لدُخولِ النَّارِ، فدَلَّ ذلك أنَّها مِن أكبَرِ الكَبائِرِ [2174] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 165). .
ب- مِنَ السُّنَّةِ
1- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((اجتَنِبوا السَّبعَ المُوبِقاتِ، قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، وما هُنَّ؟ قال: الشِّركُ باللَّهِ، والسِّحرُ، وقَتلُ النَّفسِ التي حَرَّم اللَّهُ إلَّا بالحَقِّ، وأكلُ الرِّبا، وأكلُ مالِ اليتيمِ، والتَّولِّي يومَ الزَّحفِ، وقَذفُ المُحصَناتِ المُؤمِناتِ الغافِلاتِ)) [2175] أخرجه البخاري (2766) واللَّفظ له، ومسلم (89). .
2- عن أمِّ سَلَمةَ رَضِيَ اللهُ عنها زَوجِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قالت: ((لمَّا نزَلْنا أرضَ الحَبَشةِ جاوَرْنا بها خَيرَ جارٍ؛ النَّجاشيَّ، أمِنَّا على دِينِنا، وعَبَدْنا اللهَ لا نُؤْذى، ولا نَسمَعُ شَيئًا نَكرَهُه، فلمَّا بلَغَ ذلك قُرَيشًا ائْتَمَروا أنْ يَبعَثوا إلى النَّجاشيِّ فينا رَجُلَينِ جَلْدَينِ وأن يُهدوا النَّجاشيَّ هدايا ممَّا يُستَطرَفُ مِن مَتاعِ مكةَ، ... وفيه: قالت: ثمَّ أرسَلَ إلى أصحابِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فدَعاهم، فلمَّا جاءَهم رَسولُه اجتَمَعوا، ثمَّ قال بَعضُهم لِبَعضٍ: ما تَقولونَ لِلرَّجُلِ إذا جِئتُموهُ. قالوا: نَقولُ –واللهِ- ما عَلِمْنا وما أمَرَنا به نَبيُّنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، كائنٌ في ذلك ما هو كائنٌ! فلمَّا جاؤُوهُ وقد دعا النَّجاشيُّ أساقِفَتَه فنَشَروا مَصاحِفَهم حَولَه، سألَهم، فقال: ما هذا الدِّينُ الذي فارَقتُم فيه قَومَكم، ولم تَدخُلوا في دِيني ولا في دِينِ أحَدٍ مِن هذه الأُمَمِ؟ قالت: فكان الذي كَلَّمَه جَعفَرُ بنُ أبي طالِبٍ، فقال له: أيُّها المَلِكُ، كُنَّا قَومًا أهلَ جاهِليَّةٍ، نَعبُدُ الأصنامَ، ونأكُلُ المَيتةَ، ونأتي الفَواحِشَ، ونَقطَعُ الأرحامَ، ونُسيءُ الجِوارَ، يأكُلُ القَويُّ مِنَّا الضَّعيفَ، فكُنَّا على ذلك حتَّى بعَثَ اللهُ إلينا رَسولًا مِنَّا، نَعرِفُ نَسَبَه وصِدقَه وأمانَتَه وعَفافَه، فدَعانا إلى اللهِ لِنُوَحِّدَه ونَعبُدَه، ونَخلَعَ ما كُنَّا نَعبُدُ نحن وآباؤنا مِن دُونِه مِنَ الحِجارةِ والأوثانِ، وأمَرَنا بصِدقِ الحَديثِ، وأداءِ الأمانةِ، وصِلةِ الرَّحِمِ، وحُسنِ الجِوارِ، والكَفِّ عنِ المَحارِمِ والدِّماءِ، ونَهانا عنِ الفَواحِشِ، وقَولِ الزُّورِ، وأكلِ مالِ اليَتيمِ، وقَذفِ المُحصَناتِ...)) الحَديثَ [2176] أخرجه أحمد (1740) واللَّفظُ له، وابن خزيمة (2260)، وأبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (1/115). حسَّنه الوادِعي في ((صحيح دلائل النبوة)) (96)، وصَحَّحَ إسناده أحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (3/180)، والألباني في ((فقه السيرة)) (115). .
ج- مِنَ الآثارِ
عَن عَبدِ اللَّهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّه قال في الكبائِرِ: (هنَّ تِسعٌ: الإشراكُ باللهِ، وقَتلُ نَسَمةٍ، والفِرارُ مِنَ الزَّحفِ، وقَذفُ المُحصَنةِ، وأكلُ الرِّبا، وأكلُ مالِ اليَتيمِ، وإلحادٌ [2177] إلحادٌ: أي: ظُلمٌ ومَيلٌ عنِ الحَقِّ، والإلحادُ: العُدولُ عنِ القَصدِ والمَيلُ عنِ الاستِقامةِ، يُقالُ: ألحَدَ الرَّجُلُ: إذا مال عن طَريقةِ الحَقِّ والإيمانِ، وألحَدَ الرَّجُلُ، أي: ظَلَم في الحَرَمِ. يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 291)، ((معاني القرآن وإعرابه)) للزجاج (3/ 421)، ((الصحاح)) للجوهري (2/ 534)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/ 236)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 244). وقال الطَّبَريُّ بَعدَ أن ساقَ بَعضَ الأقوالِ في تَفسيرِ قَولِه تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ [الحج: 25] : (وأَولى الأقوالِ التي ذَكَرناها في تَأويلِ ذلك بالصَّوابِ القَولُ الذي ذَكَرناه عن ابنِ مَسعودٍ وابنِ عبَّاسٍ مِن أنَّه مَعنيٌّ بالظُّلمِ في هذا المَوضِعِ كُلُّ مَعصيةٍ للَّهِ، وذلك أنَّ اللَّهَ عَمَّ بقَولِه: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ [الحج: 25] ، ولم يُخصَصْ به ظُلمٌ دونَ ظُلمٍ في خَبَرٍ ولا عَقلٍ، فهو على عُمومِه. فإذا كان ذلك كذلك فتَأويلُ الكَلامِ: ومَن يُرِدْ في المَسجِدِ الحَرامِ بأن يَميلَ بظُلمٍ، فيَعصيَ اللَّهَ فيه، نُذِقْه يَومَ القيامةِ مِن عَذابٍ موجِعٍ له). ((جامع البيان)) (16/ 510). في المَسجِدِ، والذي يَستَسخِرُ [2178] مِنَ الاستِسخارِ، وهو السُّخريةُ والاستِهزاءُ. وفي بَعضِ النُّسَخِ بالحاءِ المُهمَلةِ: (يسَتسحِرُ)، على أنَّها مِنَ الاستِسحارِ، وهو طَلَبُ السِّحرِ. وقيل غيرُ ذلك. يُنظر: ((فضل الله الصمد)) للجيلاني (1/ 58). ، وبُكاءُ الوالِدَينِ مِنَ العُقوقِ) [2179] أخرجه البخاري في ((الأدب المفرد)) (8) واللفظ له، والطبري في ((التفسير)) (9187). صَحَّحَه الألبانيُّ في ((صحيح الأدب المفرد)) (6)، وصَحَّحَ إسنادَه أحمد شاكر في تخريج ((عمدة التفسير)) (1/491) .



انظر أيضا: