المَطْلَبُ الأوَّلُ: معنى شَهادةِ أنَّ مُحَمَّدًا رسولُ اللهِ
إنَّ الشَّهادةَ بأنَّ محمدًا رَسولُ اللهِ تتضمَّنُ أمرَينِ:
أوَّلًا: تصديقُه في كُلِّ ما أخبَرَ به.ويتعَلَّقُ به أمرانِ:
أ- إثباتُ نبُوَّتِه وصِدقِه فيما بلَّغَه عن اللهِ:ويندَرِجُ تحتَ هذا الإثباتِ والتَّصديقِ عِدَّةُ أُمورٍ؛ منها:
1- الإيمانُ بعُمومِ رِسالتِه إلى كافَّةِ الثَّقَلينِ إنسِهم وجِنِّهم.
2- الإيمانُ بكَونِه خاتَمَ النبيِّينَ، ورِسالتِه خاتِمةَ الرِّسالاتِ.
3- الإيمانُ بكَونِ رِسالتِه ناسِخةً لِما قَبْلَها مِنَ الشَّرائِعِ.
4- الإيمانُ بأنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قد بلَّغ الرِّسالةَ وأكمَلَها، وأدَّى الأمانةَ، ونَصَح لأمَّتِه حتَّى تركَهم على البَيضاءِ لَيلُها كنَهارِها.
5- الإيمانُ بحُقوقِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من التَّعظيمِ والمَحَبَّةِ والنُّصرةِ وغيرِ ذلك.
ب- تصديقُه فيما جاء به، وأنَّ ما جاء به مِن عِنْدِ اللهِ حَقٌّ يَجِبُ اتِّباعُه:يَجِبُ تَصديقُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في جميعِ ما أخبَرَ به عن اللهِ عزَّ وجَلَّ من أنباءِ ما قد سَبَق، وأخبارِ ما سيأتي، وفيما أحَلَّ وحرَّم؛ والإيمانُ بأنَّ ذلك كُلَّه مِن عِنْدِ اللهِ عزَّ وجَلَّ؛ قال تعالى:
وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم: 3-4] .
قال عِياضٌ: (إذا تقَرَّر بما قدَّمْناه ثُبوتُ نبُوَّتِه وصِحَّةُ رِسالتِه، وَجَب الإيمانُ به، وتصديقُه فيما أتى به؛ قال اللهُ تعالى:
فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا [التغابن: 8] ، وقال:
إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [الفتح: 8، 9]، وقال:
فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [الأعراف: 158]، فالإيمانُ بالنَّبيِّ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم واجِبٌ مُتعَيَّنٌ، لا يَتِمُّ إيمانٌ إلَّا به، ولا يَصِحُّ إسلامٌ إلَّا معه)
[755] يُنظر: ((الشفا)) (2/ 2). .
ثانيًا: طاعتُه في كُلِّ ما أمَرَ به واتِّباعُ شَريعتِه.ما أحَلَّه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وَجَب إثباتُ حِلِّه، وما حَرَّمه وَجَب إثباتُ حُرمتِه، ويجِبُ طاعتُه في أمْرِه ونَهْيِه.
قال اللهُ تعالى:
قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ [آل عمران: 31، 32].
وقال اللهُ سُبحانَه:
وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر: 7] .
وقال اللهُ عزَّ وجلَّ:
قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ [التوبة: 29] .
فقَرَن عَدَمَ إيمانِهم باللهِ واليَومِ الآخِرِ بأنَّهم لا يُحَرِّمونَ ما حَرَّمه اللهُ ورَسولُه، ولا يَدينونَ دِينَ الحَقِّ.
ويَجِبُ اتِّباعُ شَريعتِه، والالتزامُ بسُنَّتِه، مع الرِّضا بما قَضاه والتَّسليمِ له، والاعتِقادِ الجازِمِ أنَّ طاعتَه هي طاعةٌ للهِ، وأنَّ مَعصيتَه مَعصيةٌ لله.
قال اللهُ عزَّ وجَلَّ:
فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء: 65] [756] يُنظر: ((الشفا)) لعياض (2/2)، ((اقتضاء الصراط المستقيم)) (2/374)، ((مجموع الفتاوى)) (5/154) (15/91) كلاهما لابن تيمية. ويُنظر: ((حقوق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته)) لمحمد التميمي (1/34). .
قال
محمَّدُ بنُ نَصرٍ المَرْوزيُّ: (من دان بدِينِ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فلْيَقبَلْ ما أتاه على ما وافق رأيَه أو خالَفَه، ولا يَشُكَّنَّ في شيءٍ مِن قَولِه؛ فإنَّ الشَّكَّ في قَولِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كُفرٌ)
[757])) يُنظر: ((تعظيم قدر الصلاة)) (2/ 652). .
وقال عِياضٌ: (أمَّا وُجوبُ طاعتِه: فإذا وَجَب الإيمانُ به وتصديقُه فيما جاء به وَجَبَت طاعتُه؛ لأنَّ ذلك ممَّا أتى به؛ قال اللهُ تعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ [الأنفال: 20] ، وقال:
قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [النور: 54] ، وقال:
وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [آل عمران: 132] ، وقال:
وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا [النور: 54] ، وقال:
مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [النساء: 80] ، وقال:
وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر: 7] ، وقال:
وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا [النساء: 69] ، وقال:
وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ [النساء: 64] ، فجَعَل تعالى طاعةَ رَسولِه طاعتَه، وقَرَن طاعتَه بطاعتِه، ووَعَد على ذلك بجزيلِ الثَّوابِ، وأوعَدَ على مخالفتِه بسُوءِ العِقابِ، وأوجَبَ امتِثالَ أمْرِه واجتِنابَ نَهْيِه، قال المُفَسِّرون والأئِمَّةُ: طاعةُ الرَّسُولِ في التزامِ سُنَّتِه والتَّسليمِ لِما جاء به، وقالوا: ما أرسَلَ اللهُ مِن رَسولٍ إلَّا فَرَض طاعتَه على من أرسَلَه إليه، وقالوا: مَن يُطِعِ الرَّسُولَ في سُنَّتِه يُطِعِ اللهَ في فرائِضِه)
[758] يُنظر: ((الشفا)) (2/ 6). .
وقال
مُحَمَّدُ بنُ عَبدِ الوَهَّابِ: (معنى شَهادةِ أنَّ مُحمَّدًا رَسولُ اللهِ: طاعتُه فيما أمَرَ، وتصديقُه فيما أخبَرَ، واجتِنابُ ما عنه نهى وزَجَر، وأنْ لا يُعبَدَ اللهُ إلَّا بما شَرَع)
[759] يُنظر: ((ثلاثة الأصول)) (ص: 15). .
وقال عبدُ الرَّحمنِ بنُ حَسَن آل الشَّيخِ: (شَهادةُ أنَّ مُحمَّدًا رَسولُ اللهِ تَقتَضي الإيمانَ به، وتصديقَه فيما أخبَرَ، وطاعتَه فيما أمَرَ، والانتِهاءَ عَمَّا عنه نهى وزَجَر، وأن يُعَظَّمَ أمْرُه ونَهْيُه، ولا يُقدَّمَ عليه قَولُ أحَدٍ كائِنًا مَن كان)
[760] يُنظر: ((فتح المجيد)) (ص: 39). .
وقال
ابنُ باز: (معنى شَهادةِ أنَّ مُحمَّدًا رَسولُ اللهِ: أن تَشهَدَ عن عِلمٍ ويَقينٍ وصِدقٍ أنَّ محمَّدَ بنَ عبدِ اللهِ بنِ عَبدِ المُطَّلِبِ هو رَسولُ اللهِ حَقًّا إلى جميعِ الثَّقَلينِ؛ جِنِّهم وإنْسِهم، وأنَّه خاتَمُ الأنبياءِ، ليس بَعْدَه نبيٌّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ)
[761] يُنظر: ((فتاوى نور على الدرب)) (1/ 50). .
وقال
ابنُ عثيمين: (مُقتضى هذه الشَّهادةِ أن تُصَدِّقَ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فيما أخبَرَ، وأن تمتَثِلَ أمْرَه فيما أمَرَ، وأن تجتَنِبَ ما عنه نهى وزَجَر، وألَّا تَعبُدَ اللهَ إلَّا بما شَرَع، ومُقتضى هذه الشَّهادةِ أيضًا ألَّا تعتَقِدَ أنَّ لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حقًّا في الرُّبوبيَّةِ وتصريفِ الكَونِ، أو حَقًّا في العِبادةِ، بل هو صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عَبدٌ لا يُعبَدُ، ورَسولٌ لا يُكذَّبُ، ولا يَملِكُ لنَفْسِه ولا لغيرِه شَيئًا مِنَ النَّفعِ أو الضُّرِّ إلَّا ما شاء اللهُ)
[762] يُنظر: ((شرح ثلاثة الأصول)) (ص: 75). .