الْعِلْمُ
صِفةٌ ذاتيَّةٌ ثابتةٌ للهِ عزَّ وجلَّ بالكِتابِ والسُّنَّةِ، ومن أسْمائِهِ (العليم).
الدَّليلُ مِن الكِتابِ: 1- قولُه تَعالَى:
عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ [الأنعام: 73، الرعد: 9، التغابن: 18].
2- قَولُه:
وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ [البقرة: 255] .
3- قَولُه:
وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [المائدة: 97] .
4- قَولُه:
إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ [المائدة: 116] .
الدَّليلُ من السُّنَّةِ: 1- حديثُ الاستخَارةِ عن
جابِرٍ رَضِيَ اللهُ عنه مَرفوعًا:
((اللهُمَّ إنِّي أستخِيرُك بعِلمِكَ ... )) [2520] أخرجه البخاري (1162). .
2- حديثُ الخَضِرِ المشهورُ عن أُبَيِّ بنِ كَعبٍ رَضِيَ اللهُ عنه مرفوعًا، وفيه قَولُ الخَضِرِ لموسى عليهما السَّلامُ:
((إنَّكَ على عِلمٍ مِنْ عِلْمِ اللهِ عَلَّمَكَهُ اللهُ لا أَعلمُهُ، وأنا على عِلمٍ مِن عِلمِ اللهِ عَلَّمَنِيه لا تعلَمُه )) [2521] أخرجه البخاري (4727)، ومسلم (2380) مطولاً. .
والأدلَّة لإثباتِ هذهِ الصِّفَةِ كثيرةٌ جدًّا.
قال
الزَّجَّاجيُّ: (العَليمُ والعالِمُ صِفتانِ مُشتقَّتانِ من العِلمِ؛ فالعالِمُ اسمُ الفاعِلِ مِن عَلِمَ يَعلَمُ، فهو عالمٌ، والعَليمُ مِن أبنيةِ المبالَغةِ في الوَصفِ بالعِلمِ، وهو بمَنزلةِ قَديرٍ مِنَ القادِرِ... وقد يأتي عليمٌ على تأويلٍ آخَرَ يُفارِقُ فيه عَلِمَ، وهو أن يرادَ بعَليمٍ مَدْحُ الذَّاتِ بالعِلمِ، فيُرادُ به أنَّ ذاتَه عالِمةٌ لا يجوزُ عليه الجَهلُ، فيَصيرُ مِن بابِ ظريفٍ، وشريفٍ وكريمٍ... عِلْمُ اللهِ عَزَّ وجَلَّ ليس كعِلمِ الآدميِّينَ، وهو يَعرِفُ الأشياءَ على حقائقِها بغيرِ استِدلالٍ ولا سَبَبٍ، عَزَّ وجَلَّ وعلا عُلُوًّا كبيرًا)
[2522] يُنظر: ((اشتقاق أسماء الله)) (ص: 50 - 52). .
وقال الأزهريُّ: (من صِفاتِ اللهِ العليمُ والعالِمُ والعَلَّامُ)
[2523] يُنظر: ((تهذيب اللغة)) (2/ 253). .
وقال
الخَطَّابيُّ: (العليمُ: هو العالِمُ بالسَّرائِرِ والخَفِيَّاتِ التي لا يُدرِكُها عِلمُ الخَلقِ، كقَولِه تعالى:
إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) [لقمان: 23] ، وجاء على بناءِ فَعيلٍ للمبالغةِ في وَصْفِه بكَمالِ العِلمِ؛ ولذلك قال سُبحانَه: وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ)
[يوسف:76] . والآدميُّون وإن كانوا يُوصَفونَ بالعِلمِ فإنَّ ذلك ينصَرِفُ منهم إلى نوعٍ مِن المعلوماتِ دونَ نَوعٍ، وقد يوجَدُ ذلك منهم في حالٍ دونَ حالٍ، وقد تعترِضُهم الآفاتُ، فيَخلُفُ عِلْمَهم الجَهلُ، ويَعقُبُ ذِكْرَهم النِّسيانُ، وقد نجِدُ الواحِدَ منهم عالِمًا بالفِقْهِ غيرَ عالمٍ بالنَّحوِ، وعالِمًا بهما غيرَ عالمٍ بالحِسابِ وبالطِّبِّ ونحوِهما مِن الأمورِ، وعِلْمُ اللهِ سُبحانَه علمُ حقيقةٍ وكَمالٍ
قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا [الطلاق: 12] ،
وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا) [الجن: 28] ) [2524] يُنظر: ((شأن الدعاء)) (ص: 57). . وقال
البَيهقيُّ: (العليمُ: هو العالِمُ على المبالَغةِ، والعِلمُ صِفةٌ له قائِمةٌ بذاتِه)
[2525] يُنظر: ((الاعتقاد)) (ص: 59) .
وقال
اللَّالكائيُّ: (سياقُ ما دَلَّ مِن كِتابِ اللهِ وما رُوِيَ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في أنَّ اللهَ عالمٌ بعِلمٍ، وأنَّ عِلْمَه غيرُ مخلوقٍ؛ قال اللهُ عَزَّ وجَلَّ:
فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ [الأعراف: 7] ، وقال:
وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ [الشورى: 25] ، وقال:
وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ [البقرة: 255] ، وقال:
بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ [النساء: 166] ، وقال:
فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ [هود: 14] ، وقال:
وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ [فاطر: 11] )
[2526] يُنظر: ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة)) (3/ 447) .
وقال
البُخاريُّ في (صحيحِه) (كِتاب التوحيد): (بابُ قولِ اللهِ تعالى:
عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا [الجن: 26] ، و
إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ، و
أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ [النساء: 166] ،
وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ [فاطر: 11] ،
إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ [فصلت: 47] ).
قال الغُنيمانُ: (أراد
البخاريُّ رَحِمَه الله بيانَ ثبوتِ عِلم اللهِ تعالى، وعِلمُه تعالى من لوازمِ نفْسِه المقدَّسَةِ، وبراهينُ عِلمِه تعالى ظاهرةٌ مُشاهَدَةٌ في خَلْقِه وشَرعِهِ، ومعلومٌ عند كُلِّ عاقلٍ أنَّ الخلْقَ يستلزمُ الإرادةَ، ولا بدَّ للإرادةِ من عِلْمٍ بالمرادِ، كما قال تعالى:
أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك: 14] …)، ثمَّ قال: (والأدلَّةُ على وصفِ اللهِ بالعِلمِ كثيرةٌ، ولا يُنكِرُها إِلَّا ضالٌّ أو معانِدٌ مُكابِرٌ)
[2527] يُنظر: ((شرح كتاب التوحيد)) (1/103). .
وقال
أحمدُ: (إذا قال الرَّجُلُ: العِلمُ مخلوقٌ، فهو كافرٌ؛ لأنَّه يَزعُمُ أنَّه لم يكُنْ له عِلْمٌ حتى خَلَقَه!)
[2528] يُنظر: ((كتاب السنة)) لعبد الله بن أحمد (ص: 27). .
وقال أيضًا: (هو يَعلمُ ما في السَّمواتِ، والأَرَضِينَ السَّبعِ، وما بَينهما، وما تحتَ الثَّرَى، وما في قَعْرِ البِحار، ومَنْبَتَ كُلِّ شَعرةٍ وشجرةٍ، وكلِّ زَرعٍ وكلِّ نباتٍ، ومَسْقَطَ كُلِّ ورقةٍ، وعددَ كُلِّ كَلِمةٍ، وعددَ الحَصى والرَّمْلِ والتُّرابِ، ومثاقيلَ الجِبالِ، وأعمالَ العبادِ وآثارَهم، وكلامَهم، وأنفاسَهم، ويَعلمُ كُلَّ شَيءٍ، لا يَخفَى عليه مِن ذلك شَيءٌ، وهو على العَرشِ فوقَ السَّماءِ السَّابعةِ)
[2529] يُنظر: ((مسائل حرب)) لحرب الكرماني (3/973)، ((طبقات الحنابلة)) لابن أبي يَعلى (ص: 28). .