موسوعة أصول الفقه

المَطلَبُ السَّادِسُ: تَطبيقاتٌ فِقهيَّةٌ


انبَنى على دَليلِ العُرفِ كَثيرٌ مِنَ المَسائِلِ الفِقهيَّةِ [2743] يُنظر: ((الفوائد السنية)) للبرماوي (5/ 2154)، ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص:90). ، مِنها:
1- البَيعُ بالمُعاطاةِ:
وصورَتُه: أن يَأخُذَ المُشتَري المَبيعَ ويَدفعَ للبائِعِ الثَّمَنَ، أو يَدفعَ البائِعُ المَبيعَ فيَدفعَ له الآخَرُ ثَمَنَه، مِن غَيرِ تَكَلُّمٍ ولا إشارةٍ [2744] يُنظر: ((الشرح الكبير)) للدردير (3/3). ويُنظر أيضًا: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/134). .
وهو جائِزٌ عِندَ الحَنَفيَّةِ [2745] يُنظر: ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (4/4)، ((حاشية ابن عابدين)) (4/513). ، والمالِكيَّةِ [2746] يُنظر: ((مختصر خليل)) (ص:143)، ((الشامل في فقه الإمام مالك)) لأبي البقاء الدميري (2/517). ، والصَّحيحُ عِندَ الحَنابلةِ [2747] يُنظر: ((الهداية)) لأبي الخطاب الكلوذاني (ص:235)، ((المغني)) لابن قدامة (3/481)، ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (4/5). ، وبَعضِ الشَّافِعيَّةِ [2748] يُنظر: ((المجموع)) للنووي (9/162، 163). ، واستَدَلُّوا على الجَوازِ بأنَّ البَيعَ مَوجودٌ قَبلَ الشَّرعِ، وإنَّما عَلَّقَ الشَّرعُ عليه أحكامًا، ولم يُعَيِّنْ له لفظًا؛ فوجَبَ رَدُّه إلى العُرفِ، كالقَبضِ والحِرزِ، ولم يَزَلِ المُسلِمونَ في أسواقِهم وبَيوعِهم على ذلك، ولم يُنقَلْ عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ولا عن أحَدٍ مِن أصحابِه استِعمالُ إيجابٍ وقَبولٍ في بَيعِهم، ولوِ استُعمِل لنُقِل نَقلًا شائِعًا، ولبَيَّنه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لعُمومِ البَلوى به، ولم يَخْفَ حُكمُه [2749] يُنظر: ((المجموع)) للنووي (9/163)، ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (4/6). .
2- الحِنثُ في الحَلِفِ:
فلو حَلَف لا يَأكُلُ لحمًا فلا يَحنَثُ بأكلِ لحمِ السَّمَكِ وإن سَمَّاه اللَّهُ لحمًا؛ إذ قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا [النحل: 14] ، أو حَلَف لا يَجلِسُ على بِساطٍ لم يَحنَثْ بالجُلوسِ على الأرضِ وإن سَمَّاها اللَّهُ بِساطًا؛ إذ قال تعالى: وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا [نوح: 19] ، ولو حَلَف لا يَقعُدُ في سِراجٍ لم يَحنَثْ بالقُعودِ في الشَّمسِ وإن سَمَّاها اللهُ سِراجًا؛ إذ قال تعالى: وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا [نوح: 16] ، ولو حَلَف لا يَقعُدُ تَحتَ سَقفٍ فقَعَدَ تَحتَ السَّماءِ لم يَحنَثْ وإن سَمَّاها اللَّهُ سَقفًا؛ إذ قال تعالى: وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا [الأنبياء: 32] ، ولو حَلَف لا يَضَعُ رَأسَه على وتَدٍ فوضَعَها على جَبَلٍ لم يَحنَثْ وإن سَمَّى اللَّهُ الجِبالَ أوتادًا؛ إذ قال تعالى: وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا [النبأ: 7] .
ولو حَلَف لا يَأكُلُ دَمًا فأكَل الكَبِدَ والطِّحالَ لم يَحنَثْ.
ووجهُه في الكُلِّ: أنَّ أهلَ العُرفِ لا يُسَمُّونَها بذلك، فقُدِّمَ عُرفُ الاستِعمالِ على عُرفِ الشَّرعِ؛ لأنَّها تَسميةٌ لم يَتَعَلَّقْ بها تَكليفٌ، ولأنَّ الإنسانَ إنَّما يُؤاخَذُ بما نَواه وفعَلَه؛ قال اللهُ تعالى: وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ [المائدة: 89] ، أي: قَصَدتُم، وعَقدُ القَلبِ: قَصدُه وتَصميمُه [2750] يُنظر: ((شرح مختصر الطحاوي)) للجصاص (7/483)، ((التنبيه)) للشيرازي (ص:196)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (11/258)، ((المنثور في القواعد الفقهية)) للزركشي (2/379). .

انظر أيضا: