موسوعة التفسير

سورةُ الذَّارِياتِ
الآيات (7-14)

ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ

غريب الكلمات:

الْحُبُكِ: أي: الطَّرائِقِ الحَسَنةِ المُحْكَمةِ البِناءِ، وأصلُ (حبك): يدُلُّ على إحكامِ شَيءٍ في امتدادٍ واطِّرادٍ [41] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 420)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 200)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/130)، ((البسيط)) للواحدي (20/430)، ((المفردات)) للراغب (ص: 217)، ((تفسير البغوي)) (7/371). .
يُؤْفَكُ: أي: يُصرَفُ، والإفكُ: كُلُّ ما صُرِفَ عن وَجهِه الَّذي يحِقُّ أن يكونَ عليه، وأصلُ (أفك): يدُلُّ على قَلبِ شَيءٍ، وصَرفِه عن جِهتِه [42] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 420)، ((تفسير ابن جرير)) (21/491)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/118)، ((المفردات)) للراغب (ص: 79)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 369). .
الْخَرَّاصُونَ: أي: الكَذَّابونَ، وأصلُ الخْرَصِ: التَّظَنِّي فيما لا يَستيقِنُه، يُقالُ: خرَصْتُ النَّخلَ، إذا حزَرْتَ ثمرَه، وكلُّ قولٍ مقولٍ عن ظنٍّ وتخمينٍ يقالُ: خَرْصٌ، سواءٌ كان مطابقًا للشيءِ أو مخالفًا له، وقيلَ للكَذِبِ: خَرصٌ؛ لِما يَدخُلُه مِن الظُّنونِ الكاذِبةِ [43] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 421)، ((تفسير ابن جرير)) (21/492)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 212)، ((البسيط)) للواحدي (20/432)، ((المفردات)) للراغب (ص: 279)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 369)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 390). .
غَمْرَةٍ: أي: غَفلةٍ وعَمًى وجَهالةٍ، وأصلُ (غمر): يدُلُّ على تَغطيةٍ وسَترٍ [44] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 298)، ((تفسير ابن جرير)) (17/74)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/392)، ((تفسير البغوي)) (7/372)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 308). .
سَاهُونَ: أي: لاهُونَ غافِلونَ، والسَّهوُ: الغَفلةُ عن الشَّيءِ، وذَهابُ القَلبِ عنه، وأصلُ (سهو): يدُلُّ على غَفلةٍ [45] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/493)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/107)، ((المفردات)) للراغب (ص: 431)، ((تفسير البغوي)) (7/372)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 521). .
أَيَّانَ: أي: متى، وهو عِبارةٌ عن وَقتِ الشَّيءِ. وقيل: أصلُ (أيَّانَ): أيُّ أوانٍ، فخَفَّفوا (الياءَ) مِن (أيٍّ)، وترَكوا همزةَ (أوان)، فالتَقَتْ ياءٌ سَاكِنةٌ بَعْدَها واوٌ، فأُدغِمَت (الواوُ) فِي (الياءِ)؛ فصارَ (أيَّانَ) [46] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 242)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 60)، ((تهذيب اللغة)) للأزهري (15/471)، ((المفردات)) للراغب (ص: 103)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 369)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 213). .
يُفْتَنُونَ: أي: يُعَذَّبون ويُحرَقون، وأصلُ الفَتْنِ: إدخالُ الذَّهبِ النَّارَ لِتَظهَرَ جَودتُه مِن رداءتِه، واستُعمِلَ في إدخالِ الإنسانِ النَّارَ [47] يُنظر: ((العين)) للخليل (8/127)، ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 421)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/472، 473)، ((المفردات)) للراغب (ص: 623)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 369). .

المعنى الإجمالي:

يُقسِمُ تعالى قَسَمًا آخَرَ بالسَّماءِ ذاتِ الخَلْقِ الحَسَنِ المُتقَنِ المُحكَمِ البِناءِ على أنَّ المُشرِكينَ لَفي أقوالٍ مُختَلِفةٍ مُتناقِضةٍ، كوَصفِهم القُرآنَ بأنَّه سِحرٌ وشِعرٌ وأساطيرُ الأوَّلينَ، ووَصْفِهم النَّبيَّ بأنَّه ساحِرٌ ومَجنونٌ وشاعِرٌ!
يُصرَفُ عن الإيمانِ بسَببِ هذا القولِ المختلِفِ مَن صُرِفَ وحُرِمَ منه؛ بسَبَبِ تلك الأقوالِ المُختَلِفةِ الكاذِبةِ الَّتي يَفتَرونَها لِرَدِّ الحَقِّ.
ثمَّ يُبيِّنُ الله تعالى سوءَ عاقِبةِ المكذِّبينَ، فيقولُ: لُعِنَ أولئك الكذَّابونَ الَّذين يَقولونَ الباطِلَ، والَّذين هم في غَفلةٍ وعَمًى وجَهالةٍ عن الحَقِّ.
ثمَّ يبيِّنُ ما كانوا عليه مِن سوءِ أدبٍ، فيقولُ: يَسألُ أولئك المُكَذِّبونَ بالبَعثِ استِهزاءً: متى يَقَعُ هذا اليَومُ الَّذي نُحاسَبُ فيه؟!
ويرُدُّ الله تعالى عليهم مبيِّنًا سوءَ مصيرِهم، فيقولُ: يَقَعُ الجزاءُ عليهم يومَ يُعرَضونَ على النَّارِ، فيُحرَقونَ بها ويُعَذَّبونَ، ويُقالُ لهم: ذُوقُوا حَريقَكم وعَذابَكم؛ جزاءَ كُفرِكم وتَكذيبِكم، هذا هو العَذابُ الَّذي كُنتُم تَطلُبونَ تَعجيلَه في الدُّنيا؛ استِهزاءً به!

تفسير الآيات:

وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ (7).
أي: أُقسِمُ بالسَّماءِ ذاتِ الخَلْقِ الحَسَنِ المُتقَنِ المُحكَمِ البِناءِ [48] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/486)، ((التبيان في أقسام القرآن)) لابن القيم (ص: 286)، ((تفسير ابن كثير)) (7/414، 415)، ((تفسير ابن عاشور)) (26/340، 341)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (7/437، 438)، ((تفسير ابن عثيمين: سورة الحجرات - الحديد)) (ص: 117). قال الشنقيطي: (قَولُه تعالى: ذَاتِ الْحُبُكِ فيه للعُلَماءِ أقوالٌ مُتقارِبةٌ لا يُكَذِّبُ بَعضُها بعضًا؛ فذَهَب بَعضُ أهلِ العِلمِ إلى أنَّ الحُبُكَ جَمعُ حَبيكةٍ أو حِباكٍ، وعليه فالمعنى: ذَاتِ الْحُبُكِ أي: ذاتِ الطَّرائِقِ، فما يَبدو على سطحِ الماءِ السَّاكنِ أو الرَّملِ مِن الطَّرائقِ إذا ضرَبَتْه الرِّيحُ هو الحُبُكُ، وهو جمعُ حَبيكةٍ أو حِباكٍ، قالوا: ولِبُعْدِ السَّماءِ لا تُرى طرائقُها المُعَبَّرُ عنها بالحُبُكِ... وقال بعضُ أهلِ العِلمِ: ذَاتِ الْحُبُكِ أي: ذاتِ الخَلْقِ الحسَنِ المُحكَمِ، ومِمَّن قال به: ابنُ عَبَّاسٍ، وعِكْرِمةُ، وقَتادةُ... وقال بعضُ العُلَماءِ: ذَاتِ الْحُبُكِ: أي: الزِّينةِ... وقال بعضُ العُلَماءِ: ذَاتِ الْحُبُكِ أي: ذاتِ الشِّدَّةِ... والآيةُ تَشملُ الجَميعَ، فكُلُّ الأقوالِ حَقٌّ). ((أضواء البيان)) (7/437). ويُنظر: ((تفسير الماوردي)) (5/362). ونَسَب الواحديُّ القولَ بأنَّها ذاتُ الخَلْقِ الحَسَنِ المُستَوي إلى الأكثَرينَ. يُنظر: ((الوسيط)) للواحدي (4/174). وقال ابنُ كثيرٍ بعدَ أن ذَكَر الأقوالَ في معنى الحُبُكِ: (وكُلُّ هذه الأقوالِ تَرجِعُ إلى شَيءٍ واحدٍ، وهو الحُسْنُ والبهاءُ، كما قال ابنُ عبَّاسٍ رَضِيَ الله عنهما؛ فإنَّها مِن حُسْنِها مُرتَفِعةٌ شَفَّافةٌ صَفيقةٌ شديدةُ البناءِ، مُتَّسِعةُ الأرجاءِ، أنيقةُ البَهاءِ، مُكَلَّلةٌ بالنُّجومِ الثَّوابِتِ والسَّيَّاراتِ، مُوشَّحةٌ بالشَّمسِ والقَمَرِ والكواكِبِ الزَّاهِراتِ). ((تفسير ابن كثير)) (7/415). .
إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ (8).
أي: إنَّكم -أيُّها المُشرِكونَ- لَفي أقوالٍ مُختَلِفةٍ مُتناقِضةٍ مُضطَرِبةٍ في شَأنِ تَكذيبِكم بالحَقِّ، كوَصفِكم القُرآنَ بأنَّه سِحرٌ وشِعرٌ وأساطيرُ الأوَّلينَ، أو وَصْفِكم النَّبيَّ بأنَّه ساحِرٌ ومَجنونٌ وشاعِرٌ [49] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (17/33)، ((التبيان في أقسام القرآن)) لابن القيم (ص: 288)، ((تفسير ابن كثير)) (7/415)، ((تفسير السعدي)) (ص: 808)، ((تفسير ابن عاشور)) (26/ 341، 342)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (7/438). !
كما قال تعالى: بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ [ق: 5] .
يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ (9).
أي: يُصرَفُ عن الإيمانِ بسببِ هذا القولِ المُختلِفِ مَن سبَق في عِلمِ الله أنَّه مصروفٌ [50] يُنظر: ((تفسير الثعلبي)) (9/111)، ((تفسير ابن عطية)) (5/173)، ((التبيان في أقسام القرآن)) لابن القيم (ص: 288، 289)، ((تفسير ابن كثير)) (7/415)، ((تفسير ابن عاشور)) (26/342، 343)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (7/438، 439)، ((تفسير ابن عثيمين: سورة الحجرات - الحديد)) (ص: 118). قال الشنقيطي: (قَولُه تعالى: يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ أظهَرُ الأقوالِ فيه عندي، ولا يَنبغي العُدولُ عنه في نَظَري: أنَّ لفظةَ «عن» في الآيةِ سَبَبيَّةٌ، كقَولِه تعالى: وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آَلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ [هود: 53] ، أي: بسَبَبِ قَولِك، ومِن أَجْلِه، والضَّميرُ المجرورُ بـ «عن» راجِعٌ إلى القَولِ المُختَلِفِ، والمعنى: يُؤْفَكُ أي: يُصرَفُ عن الإيمانِ باللهِ ورَسولِه. عَنْهُ أي: عن ذلك القَولِ المُختَلِفِ، أي: بَسَببِه. مَنْ أُفِكَ أي: مَن سَبَقَت له الشَّقاوةُ في الأَزَلِ، فحُرِمَ الهُدى وأُفِكَ عنه؛ لأنَّ هذا القَولَ المُختَلِفَ يُكَذِّبُ بَعضُه بعضًا ويُناقِضُه). ((أضواء البيان)) (7/438). وقال ابنُ عثيمين: (عَنْهُ قيل: إنَّ الضَّميرَ يعودُ على الرَّسولِ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، أي: يُصرَفُ عن الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مَن صُرِفَ مِنَ النَّاسِ. وقيل: إنَّ الضَّميرَ يعودُ على القَولِ، وعلى هذا القَولِ: تكونُ «عن» بمعنى الباءِ -أي: في إفادَتِها السَّببيَّةَ-، أي: يُؤفَكُ بهذا القَولِ مَن أُفِكَ، يُصْرَفُ بهذا القَولِ عن الحَقِّ مَن صُرِفَ، وهما -أي: المَعنَيانِ- مُتلازِمانِ، والأقرَبُ أنَّ الضَّميرَ في قَولِه عَنْهُ يعودُ على القَولِ؛ لأنَّه أقرَبُ مَذكورٍ، يُؤْفَكُ عَنْهُ أي: عن هذا القَولِ، أي: بسَبَبِه مَنْ أُفِكَ أي: مَن صُرِفَ عن الحَقِّ). ((تفسير ابن عثيمين: سورة الحجرات - الحديد)) (ص: 118). ويُنظر: ((التبيان في أقسام القرآن)) لابن القيم (ص: 289). .
كما قال تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ * كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ [الحج: 3، 4].
وقال سُبحانَه: فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ * مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ * إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ [الصافات: 161 - 163].
قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (10).
أي: لُعِنَ أولئك الكذَّابونَ الَّذين يَقولونَ الباطِلَ في الدِّينِ، ظنًّا منهم بلا يَقينٍ [51] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/492)، ((معاني القرآن)) للزجاج (5/52)، ((تفسير ابن عطية)) (5/173)، ((الصواعق المرسلة)) لابن القيم (4/1431)، ((تفسير ابن كثير)) (7/ 415)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (18/453)، ((تفسير السعدي)) (ص: 808)، ((تفسير ابن عاشور)) (26/343، 344)، ((تفسير ابن عثيمين: سورة الحجرات - الحديد)) (ص: 121). قال السَّمْعاني: (وقولُه: قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ أي: لُعِن الكذَّابون، وهذا هو المُتَّفَقُ عليه مِن أهلِ التَّفسير. وعن بعضِهم: أنَّه لا يُعرَفُ «قُتِل» بمعنى «لُعِن» في اللُّغة، ومعناه: أنَّ الخرَّاصينَ قد أتَوا بما يَستَحِقُّونَ [به] القتلَ، ولَعنةُ الله إيَّاهم إهلاكٌ لهم، فهو قتلهم). ((تفسير السمعاني)) (5/252). وممَّن قال إنَّ معنى «قُتِل»: «لُعِن» مِن السَّلفِ: ابنُ عبَّاسٍ، ومجاهِدٌ، والحسَنُ. يُنظر: ((تفسير مجاهد)) (ص: 618)، ((تفسير ابن جرير)) (21/492)، ((تفسير الماوردي)) (5/363). قال الواحدي: (قالوا جميعًا: لُعِنَ الكَذَّابون. قال ابنُ الأَنْباري: والقَتلُ إذا أُخبِرَ عن اللهِ به كان بمعنى اللَّعنةِ؛ لأنَّ مَن لعَنَه الله كان بمنزلةِ المقتولِ الهالكِ). ((الوسيط)) (4/174). ويُنظر: ((تفسير السمعاني)) (5/252). وقال القرطبي: (معنى قُتِلَ أي: هؤلاء ممَّن يجِبُ أن يُدعَى عليهم بالقَتلِ على أيدي المؤمِنينَ. وقال الفَرَّاءُ: معنى قُتِلَ لُعِنَ، قال: و الْخَرَّاصُونَ الكذَّابون الَّذين يتخَرَّصون بما لا يَعلَمونَ، فيقولونَ: إنَّ مُحمَّدًا مجنونٌ كَذَّابٌ ساحِرٌ شاعِرٌ! وهذا دُعاءٌ عليهم؛ لأنَّ مَن لَعَنه اللهُ فهو بمنزلةِ المقتولِ الهالِكِ. قال ابنُ الأنباري: علَّمَنا الدُّعاءَ عليهم، أي: قولوا: قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ). ((تفسير القرطبي)) (17/33). ويُنظر: ((معاني القرآن)) للفراء (3/83). وقال ابن عطيَّة: (وقولُه تعالى: قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ دعاءٌ عليهم، كما تقولُ: قاتَلَك اللهُ، وقتَلَك اللهُ، وعَقْرَى حَلْقَى، ونحوه. وقال بعضُ المفسِّرينَ: معناه: لُعِن الخَرَّاصونَ. وهذا تفسيرٌ لا تُعطيهِ اللَّفظةُ). ((تفسير ابن عطية)) (5/173). وقال ابن عثيمين: (كثيرٌ مِنَ المُفَسِّرينَ يُفَسِّرُها بلُعِنَ، واللَّعنُ هو الطَّردُ والإبعادُ عن رحمةِ الله، ولكِنَّ الصَّحيحَ أنَّها بمعنى أُهلِكَ؛ لأنَّه لا داعيَ أن نَصرِفَها عن ظاهِرِها، وظاهِرُها صَحيحٌ مُستقيمٌ). ((تفسير ابن عثيمين: سورة الحجرات - الحديد)) (ص: 121). !
كما قال تعالى: قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ [يونس: 69، 70].
الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ (11).
أي: الَّذين هم في الباطِلِ غارِقونَ، وعن الحَقِّ غافِلونَ، وعن الآخِرةِ لاهُونَ [52] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/493)، ((تفسير القرطبي)) (17/34)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (10/596)، ((التبيان في أقسام القرآن)) لابن القيم (ص: 289)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (18/453)، ((تفسير السعدي)) (ص: 808)، ((تفسير ابن عثيمين: سورة الحجرات - الحديد)) (ص: 121). .
كما قال الله تعالى: وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا [الكهف: 28].
وقال سُبحانَه وتعالى: اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ * مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ * لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ [الأنبياء: 1 - 3] .
وقال عزَّ وجلَّ: فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ [المؤمنون: 54] .
يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ (12).
أي: يَسألُ أولئك المُكَذِّبونَ بالبَعثِ؛ استِهزاءً به، واستِبعادًا لوُقوعِه: متى يَقَعُ هذا اليَومُ الَّذي يَبعَثُ اللهُ فيه عِبادَه لِمُحاسَبتِهم ومُجازاتِهم على أعمالِهم [53] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/495)، ((تفسير القرطبي)) (17/34)، ((تفسير ابن كثير)) (7/415)، ((تفسير السعدي)) (ص: 808). قال ابن كثير: (يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ؛ وإنَّما يقولون هذا تكذيبًا وعِنادًا، وشَكًّا واستِبعادًا). ((تفسير ابن كثير)) (7/415). ويُنظر: ((تفسير ابن عثيمين: سورة الحجرات - الحديد)) (ص: 121). وقال أبو السعود: (يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ أيْ: مَتَى وُقوعُ يومِ الجزاءِ، لكنْ لا بطريقِ الاستِعلامِ حقيقةً، بلْ بطريقِ الاستِعجالِ استِهزاءً). ((تفسير أبي السعود)) (8/137). وقال ابن الجوزي: (أي: يَقولونَ: يا محمَّدُ، متى يَومُ الجزاءِ؟! تكذيبًا منهم واستِهزاءً). ((تفسير ابن الجوزي)) (4/168). ويُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (26/345). وقال ابنُ عطيَّة: (يَقولونَ: متى يومُ الدِّينِ؟ على معنَى التَّكذيبِ، وجائزٌ أن يَقتَرِنَ بذلك مِن بعضِهم هُزءٌ وألَّا يَقترِنَ). ((تفسير ابن عطية)) (5/173). ؟!
كما قال الله تعالى: وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ [الملك: 25، 26].
وقال تعالى: عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ * الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ [النبأ: 1 - 3].
وقال عزَّ وجلَّ: يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا * فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا * إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا [النازعات: 42 - 44] .
يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (13).
أي: يَقَعُ الجزاءُ عليهم يومَ يُعرَضونَ على النَّارِ فيُحرَقونَ بها ويُعَذَّبونَ [54] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/495، 498)، ((تفسير القرطبي)) (17/34)، ((تفسير السعدي)) (ص: 808)، ((تفسير ابن عثيمين: سورة الحجرات - الحديد)) (ص: 122). قال ابنُ عطية: (يُفْتَنُونَ معناه: يُحرَقونَ ويُعَذَّبونَ في النَّارِ. قاله ابنُ عبَّاسٍ، ومجاهِدٌ، وعِكْرِمةُ، والجَميعُ). ((تفسير ابن عطية)) (5/173). ويُنظر: ((البسيط)) للواحدي (20/434). وقال ابنُ القيِّمِ: (المشهورُ في تفسيرِ هذا الحَرفِ أنَّه بمعنى: يُحرَقونَ، ولكِنَّ لفظةَ عَلَى تُعطي معنًى زائدًا على ما ذَكَروه، ولو كان المرادُ نفْسَ الحَرْقِ لَقيلَ: «يومَ هم في النَّارِ يُفتَنونَ»؛ ولهذا لَمَّا عَلِمَ هؤلاء ذلك قال كثيرٌ منهم: «على» بمعنى «في»، كما تكونُ «في» بمعنى «على». والظَّاهِرُ أنَّ فِتنتَهم على النَّارِ قبْلَ فِتنتِهم فيها! فلَهم عندَ عَرْضِهم عليها ووُقوفِهم عليها فِتنةٌ، وعندَ دُخولِهم والتَّعذيبِ بها فِتنةٌ أشَدُّ منها... وحقيقةُ الأمرِ: أنَّ الفِتنةَ تُطلَقُ على العَذابِ وسَبَبِه؛ ولهذا سَمَّى اللهُ الكُفرَ فِتنةً؛ فهم لَمَّا أتَوْا بالفِتنةِ -الَّتي هي أسبابُ العذابِ- في الدُّنيا سَمَّى جزاءَهم فِتنةً؛ ولهذا قال: ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ، وكان وُقوفُهم على النَّارِ وعَرضُهم عليها مِن أعظَمِ فِتنَتِهم، وآخِرُ هذه الفتنةِ دُخولُ النَّارِ والتَّعذيبُ بها، ففُتِنوا أوَّلًا بأسبابِ الدُّنيا وزينتِها، ثمَّ فُتِنوا بإرسالِ الرُّسُلِ إليهم، ثمَّ فُتِنوا بمُخالَفتِهم وتكذيبِهم، ثمَّ فُتِنوا بعذابِ الدُّنيا، ثمَّ فُتِنوا بعذابِ الموتِ، ثمَّ يُفتَنونَ في مَوقِفِ القيامةِ، ثمَّ إذا حُشِروا إلى النَّارِ وَوُقِفوا عليها وعُرِضوا عليها، وذلك مِن أعظَمِ فِتنَتِهم، ثمَّ الفِتنةُ الكُبرى الَّتي أنسَتْهم جميعَ الفِتَنِ قَبْلَها!). ((التبيان في أقسام القرآن)) (ص: 290). ويُنظر: ((تفسير الرازي)) (28/164)، ((تفسير ابن عاشور)) (26/ 345)، ((تفسير ابن عثيمين: سورة الحجرات - الحديد)) (ص: 122). .
كما قال تعالى: وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا [الكهف: 100] .
وقال سُبحانَه: وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ * وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ [فاطر: 36، 37].
ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (14).
ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ.
أي: يُقالُ لهم وهم يُعَذَّبونَ حينَها في النَّارِ: ذُوقُوا حَريقَكم وعَذابَكم؛ جزاءَ كُفرِكم وتَكذيبِكم [55] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/499)، ((تفسير القرطبي)) (17/35)، ((زاد المعاد)) لابن القيم (3/151)، ((تفسير السعدي)) (ص: 808)، ((تفسير ابن عاشور)) (26/345، 346). قال ابن كثير: (يُقالُ لهم ذلك؛ تقريعًا وتوبيخًا، وتحقيرًا وتصغيرًا). ((تفسير ابن كثير)) (7/416). .
هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ.
أي: هذا هو العَذابُ الَّذي كُنتُم تَطلُبونَ تَعجيلَه في الدُّنيا؛ استِهزاءً به، وتَكذيبًا واستِبعادًا لِوُقوعِه [56] يُنظر: ((الوسيط)) للواحدي (4/174)، ((تفسير القرطبي)) (17/35)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (18/454)، ((تفسير السعدي)) (ص: 808)، ((تفسير ابن عاشور)) (26/346). !
كما قال تعالى: وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ [ص: 16].
وقال سُبحانَه: يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا [الشورى: 18] .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- الكُفَّارُ بالأنبياءِ مِن عاداتِهم أن تقولَ كُلُّ طائفةٍ في النَّبيِّ قَولًا يُناقِضُ قَولَ الطَّائِفةِ الأُخرى، وكذلك قَولُهم في الكِتابِ الَّذي أُنزِلَ عليه، وأقوالُهم كُلُّها أقوالٌ مُختَلِفةٌ باطِلةٌ، وهذا هو الاختِلافُ المذمومُ الَّذي ذكَرَه اللهُ تعالى في قَولِه: وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ [هود: 118، 119]، وفي قَولِه: إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ * يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ [الذَّارِيات: 8، 9]، وقَولِه تعالى: وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ [57] يُنظر: ((الجواب الصحيح)) لابن تيمية (1/155). [البقرة: 176].
2- الحَقُّ لا يَنقُضُ بَعضُه بَعضًا، بل يُصَدِّقُ بَعضُه بَعضًا، بخِلافِ الباطِلِ؛ فإنَّه مُختَلِفٌ مُتناقِضٌ، كما قال تعالى في المُخالِفينَ للرُّسُلِ: وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ * إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ * يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ، وإنَّ ما عُلِمَ بمَعقولٍ صَريحٍ لا يُخالِفُه قَطُّ لا خَبَرٌ صَحيحٌ، ولا حِسٌّ صَحيحٌ! وكذلك ما عُلِمَ بالسَّمعِ الصَّحيحِ لا يُعارِضُه عَقلٌ ولا حِسٌّ، وكذلك ما عُلِمَ بالحِسِّ الصَّحيحِ لا يُناقِضُه خَبَرٌ ولا مَعقولٌ [58] يُنظر: ((الجواب الصحيح)) لابن تيمية (4/395). .
3- قال اللهُ تعالى: وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ * إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ * يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ فاختِلافُ قَولِهم في الرَّسولِ وفي القرآنِ، ووصْفُهما بأوصافٍ مُتناقِضةٍ معَ الواقعِ، ومعَ بعضِهم البعضِ دَليلٌ على فَسادِه وبُطلانِه، كما أنَّ الحَقَّ الَّذي جاء به محمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مُتَّفِقٌ يُصَدِّقُ بَعضُه بَعضًا، لا تَناقُضَ فيه ولا اختِلافَ، وذلك دليلٌ على صِحَّتِه وأنَّه مِن عندِ اللهِ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا [59] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 808). [النساء: 82] . وإنَّهم لَمَّا كذَّبوا بالحَقِّ اختَلَفتْ مَذاهِبُهم وآراؤُهم، وطرائِقُهم وأقوالُهم؛ فإنَّ الحَقَّ شَيءٌ واحِدٌ، وطَريقٌ مُستقيمٌ؛ فمَن خالفَه اختلَفَت به الطُّرُقُ والمذاهِبُ، كما قال تعالى: بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ [ق: 5] ، أي: مُختلِطٍ مُلتَبِسٍ [60] يُنظر: ((التبيان في أقسام القرآن)) لابن القيم (ص: 288). . وكلُّ مَن خالَفَ الرَّسولَ فلا بُدَّ أنَّه يَتناقَضُ؛ قال تعالى: إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ * يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ، وقال: وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا [61] يُنظر: ((بغية المرتاد)) لابن تيمية (ص: 395). [النساء: 82] .
4- في قَولِه تعالى: الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ * يَسْأَلُونَ أي: حِينًا بعدَ حينٍ على سَبيلِ الاستِمرارِ استِهزاءً، بقَولِهم: أَيَّانَ أي: متى وأيَّ حينٍ يَوْمُ الدِّينِ أي: وُقوعُ الجزاءِ الَّذي يُخبِرُنا به؟ ولولا أنَّهم بهذه الحالةِ لَتذَكَّروا مِن أنفُسِهم أنَّه ليس أحَدٌ منهم يَبُثُّ عَبيدَه أو أُجَراءَه في عَمَلٍ مِنَ الأعمالِ إلَّا وهو يُحاسِبُهم على أعمالِهم، ويَنظُرُ قَطعًا في أحوالِهم، ويَحكُمُ بيْنَهم في أقوالِهم وأفعالِهم، فكيف يُظَنُّ بأحكَمِ الحاكِمينَ أن يَترُكَ عَبيدَه الَّذين خلَقَهم على هذا النِّظامِ المُحكَمِ، وأبدَعَ لهم هذَينِ الخافِقَينِ، وهيَّأ مِن أجْلِهم فيهما ما لا ضَرورةَ لهم في التَّزَوُّدِ للمَعادِ إلى سِواه؛ فيَترُكَهم سُدًى، ويُوجِدَهم عَبَثًا [62] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (18/453). ؟!
5- قَولُه تعالى: يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ يَحتَمِلُ أن يكونَ جَوابًا عن قَولِهم: «أيَّانَ يقَعُ؟»، وحينَئذٍ كما أنَّهم لم يَسألوا سُؤالَ مُستَفهِمٍ طالِبٍ لحُصولِ العِلمِ، كذلك لم يُجِبْهم جوابَ مُجيبٍ مُعْلِمٍ مُبَيِّنٍ؛ حيثُ قال: يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ! وجَهْلُهم بالثَّاني أقوى مِن جَهلِهم بالأوَّلِ، ولا يجوزُ أن يكونَ الجَوابُ بالأخفى، فلو قال قائلٌ: متى يَقْدَمُ زَيْدٌ؟ فلو أُجيبَ بقولِه: «يَومَ يَقدَمُ رفِيقُه»، ولا يَعلَمُ يومَ قُدومِ الرَّفيقِ؛ لم يَصِحَّ هذا الجوابُ إلَّا إذا كان الكلامُ في صورةِ جوابٍ ولا يكونُ جوابًا، كقولِ القائلِ لِمَن يَعِدُ عِدَاتٍ ويُخلِفُها: «إلى متى هذا الإخلافُ؟»، فيَغضَبُ ويقولُ: «إلى أَشْأَمِ يَومٍ عليك»؛ فالكلامانِ في صورةِ سؤالٍ وجوابٍ، ولا يُريدُ الأوَّلُ بكلامِه السُّؤالَ، ولا الثَّاني يريدُ به الجَوابَ؛ فكذلك هاهنا قال: يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ؛ مُقابَلةً لاستِهزائِهم بالإيعادِ لا على وَجهِ الإتيانِ. ويحتَمِلُ أن يكونَ ذلك ابتداءَ كَلامٍ، تَمامُه في قَولِه تعالى: ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ [63] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (28/164)، ((تفسير ابن عادل)) (18/65، 66). .
6- في قَولِه تعالى: يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ أنَّ مِن إطلاقاتِ الفِتنةِ: الإحراقَ بالنَّارِ [64] يُنظر: ((العذب النمير)) للشنقيطي (4/197). .

بلاغة الآيات:

1- قولُه تعالَى: وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ قَسَمٌ لتَحقيقِ اضْطِرابِ أقوالِهم في الطَّعنِ في الدِّينِ، وهو كالتَّذْييلِ للَّذي قبْلَه؛ لأنَّ ما قبْلَه خاصٌّ بإثباتِ الجَزاءِ، وهذا يعُمُّ إبطالَ أقوالِهم الضَّالَّةِ؛ فالقَسَمُ لتأكيدِ المُقسَمِ عليه؛ لأنَّهم غيرُ شاعِرينَ بحالِهم المُقسَمِ على وُقوعِه، ومُتهالِكونَ على الاستِزادةِ منه، فهم مُنكِرون لِما في أقوالِهم مِن اختِلافٍ واضطرابٍ، جاهِلون به جَهلًا مُركَّبًا، والجَهلُ المركَّبُ إنكارٌ للعِلمِ الصَّحيحِ [65] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (26/340). .
- وإجراءُ هذا الوصْفِ ذَاتِ الْحُبُكِ على السَّماءِ: إدماجٌ [66] الإدماجُ: أنْ يُدمِجَ المتكلِّمُ غرَضًا في غرَضٍ، أو بديعًا في بديعٍ، بحَيثُ لا يَظهرُ في الكلامِ إلَّا أحدُ الغرَضينِ أو أحدُ البَديعينِ، بمعنى: أن يَجعلَ المتكلِّمُ الكلامَ الَّذي سِيق لِمَعنًى -مِن مَدحٍ أو غيرِه- مُتضَمِّنًا معنًى آخَرَ، كقولِه تعالى: لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآَخِرَةِ [القصص: 70] ؛ فهذا مِن إدماجِ غرَضٍ في غَرَضٍ؛ فإنَّ الغرَضَ منها تَفرُّدُه تعالى بوصْفِ الحَمدِ، وأُدمِجَ فيه الإشارةُ إلى البعثِ والجزاءِ. وقيل: أُدمِجتِ المبالَغةُ في المطابقةِ؛ لأنَّ انفرادَه بالحَمدِ في الآخِرةِ -وهي الوقتُ الَّذي لا يُحمَدُ فيه سِواه- مُبالَغةٌ في الوَصفِ بالانفرادِ بالحَمدِ. يُنظر: ((التبيان في البيان)) للطِّيبي (ص: 225)، ((الإتقان)) للسيوطي (3/298)، ((علوم البلاغة البيان المعاني البديع)) للمراغي (ص: 344)، ((تفسير ابن عاشور)) (1/339)، ((البلاغة العربية)) لعبد الرحمن حَبَنَّكَة الميداني (2/427). ؛ أُدمِجَ به الاستِدلالُ على قُدْرةِ اللهِ تعالى معَ الامتِنانِ بحُسْنِ المَرْأى [67] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (26/341). .
2- قولُه تعالَى: إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ * يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ
- قولُه: إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ كِنايةٌ عن لازمِ الاختِلافِ، وهو التَّردُّدُ في الاعتقادِ، ويَلزَمُه بُطلانُ قَولِهم، وذلك مَصَبُّ التَّأكيدِ بالقسَمِ وحرْفِ (إنَّ) واللَّامِ [68] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (26/342). .
- وَلفظُ قَوْلٍ يَقتضي شيئًا مَقولًا في شأنِه؛ فإذ لم يُذكَرْ بعْدَ قَوْلٍ ما يدُلُّ على مَقولٍ صلَحَ لِجَميعِ أقوالِهم الَّتي اختَلَقوها في شأْنِ القرآنِ، ودَعوةِ الإسلامِ [69] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (26/342). .
- وجُملةُ يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ يَجوزُ أنْ تكونَ في مَحلِّ صِفةٍ ثانيةٍ لـ قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ، ويجوزُ أنْ تكونَ مُستأنَفةً استِئنافًا بَيانيًّا ناشئًا عن قولِه: وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ [الذَّارِيات: 6]؛ فتَكونَ جُملةُ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ * إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ مُعتَرِضةً بيْنَ الجُملةِ البَيانيَّةِ والجُملةِ المُبيَّنِ عنها [70] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (26/342). .
- والمُرادُ بقَولِه: مَنْ أُفِكَ المشرِكونَ المَصروفونَ عن الإيمانِ، والمُرادُ باَّلذي فعَلَ الإفكَ المجهولَ المشرِكون الصَّارِفون لقَومِهم عن الإيمانِ، وهما الفريقانِ اللَّذانِ تَضمَّنهما قولُه تعالى: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآَنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ [فصلت: 26] . وإنَّما حُذِفَ فاعلُ يُؤْفَكُ، وأُبهِمَ مفعولُه بالمَوصوليَّةِ؛ للاستِيعابِ، معَ الإيجازِ [71] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (26/342). ، وذلك على قول في التَّفسيرِ.
- قولُه: يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ كِنايةٌ عن مَوصوفٍ، وهو المكذِّبُ الجاحدُ للحقِّ. وفائدةُ الكِنايةِ هنا أنَّه لَمَّا خصَّصَ هذا بأنَّه هو الَّذي صُرِفَ، أفهَمَ أنَّ غَيرَه لم يُصْرَفْ، فكأنَّه قال: لا يَثبُتُ الصَّرفُ في الحَقيقةِ إلَّا لهذا، وكلُّ صَرفٍ دَونَه يُعدُّ كالمَعدومِ بالنِّسبةِ إليه [72] يُنظر: ((تفسير الزمخشري - حاشية ابن المنير)) (4/396)، ((تفسير البيضاوي)) (5/146، 147)، ((تفسير أبي حيان)) (9/550)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (9/304، 305). .
3- قولُه تعالَى: قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ * يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ
- قولُه: قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ قيل: هو دُعاءٌ بالهلاكِ على أصحابِ ذلك القولِ المُختلِفِ؛ لأنَّ المقصودَ بقَتْلِهم أنَّ اللهَ يُهلِكُهم؛ ولذلك يَكثُرُ أنْ يُقالَ: قاتَلَه اللهُ، ثم أُجرِيَ مُجرى اللَّعنِ والتَّحقيرِ والتَّعجيبِ مِن سُوءِ أحوالِ المدعوِّ عليه بمِثلِ هذا [73] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/397)، ((تفسير البيضاوي)) (5/147)، ((تفسير أبي السعود)) (8/137)، ((تفسير ابن عاشور)) (26/343). . وجُملةُ الدُّعاءِ لا تُعطَفُ؛ لأنَّها شَديدةُ الاتِّصالِ بما قبْلَها؛ ممَّا أوجَبَ ذلك الوصفَ لدُخولِهم في هذا الدُّعاءِ، كما كان تَعقيبُ الجُمَلِ الَّتي قبْلَها بها إيماءً إلى أنَّ ما قبْلَها سَببٌ للدُّعاءِ عليهم، وهذا مِن بَديعِ الإيجازِ [74] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (26/343). .
- والخَرْصُ: الظَّنُّ الَّذي لا حُجَّةَ لصاحبِه على ظنِّه، وذلك كِنايةٌ عن الضَّلالِ عَمْدًا أو تَساهُلًا؛ فالخرَّاصونَ هم أصحابُ القولِ المُختلِفِ، فأفاد أنَّ قولَهم المختلِفَ ناشئٌ عن خَواطرَ لا دَليلَ عليها [75] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (26/343). .
- وهذه الجُملةُ يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ يَجوزُ أنْ تكونَ حالًا مِن ضَميرِ الْخَرَّاصُونَ، ويَجوزُ أنْ تَكونَ استِئنافًا بَيانيًّا ناشئًا عن جُملةِ قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ؛ لأنَّ جُملةَ قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ أفادَت تَعجيبًا مِن سُوءِ عُقولِهم وأحوالِهم؛ فهو مَثارُ سُؤالٍ في نفْسِ السامعِ يَتطلَّبُ البيانَ، فأُجيبَ بأنَّهم يَسأَلون عن يومِ الدِّينِ سُؤالَ مُتهكِّمينَ، يَعنون أنَّه لا وُقوعَ ليومِ الدِّينِ [76] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (26/344). .
- وجُملةُ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ مَقولُ قَولٍ مَحذوفٍ دلَّ عليه يَسْأَلُونَ؛ لأنَّ في فِعلِ السُّؤالِ معنى القولِ، فتَقديرُ الكلامِ: يقولون: أيَّانَ يَومُ الدِّينِ؟ ويجوزُ جعْلُ جُملةِ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ بدَلًا من جُملةِ يَسْأَلُونَ؛ لتفْصيلِ إجمالِه، وهو مِن نَوعِ البدَلِ المُطابقِ [77] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (26/345). .
4- قولُه تعالَى: يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ جَوابٌ لسُؤالِهم جرَى على الأسلوبِ الحَكيمِ [78] الأسلوبُ الحكيمُ: هو تلقِّي المخاطَبِ بغيرِ ما يترقَّبُ بحملِ كلامِه على غيرِ مُرادِه؛ تنبيهًا على أنَّه هو الأَولَى بالقصدِ، وكذلك أيضًا تلقِّي السَّائلِ بغيرِ ما يتطلَّبُ؛ تنبيهًا على ما هو الأَولى بحالِه وبالسُّؤالِ عنه، وهو مِن خلافِ مقتضَى الظاهرِ. يُنظر: ((مفتاح العلوم)) للسكاكي (ص: 327)، ((البرهان في علوم القرآن)) للزركشي (4/42، 43)، ((مفاتيح التفسير)) للخطيب (1/132). مِن تَلقِّي السَّائلِ بغَيرِ ما يَتطلَّبُ؛ إذ هم حينَ قالوا: أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ، أرادوا التَّهكُّمَ والإحالةَ، فتُلُقِّيَ كَلامُهم بغَيرِ مُرادِهم؛ لأنَّ في الجوابِ ما يَشفي وَقْعَ تَهكُّمِهم، والمعنى: يومُ الدِّينِ يقَعُ يومَ تُصْلَونَ النَّارَ ويُقالُ لكم: ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ [79] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (26/345). .
- قولُه: يُفْتَنُونَ الفَتْنُ: التَّعذيبُ والتَّحريقُ، أي: يومَ هم يُعذَّبون في نارِ جهنَّمَ، وأصلُ الفَتْنِ الاختبارُ، وشاع إطلاقُه على مَعانٍ؛ منها إذابةُ الذَّهبِ على النَّارِ في البُوتَقةِ [80] البُوتَقةُ: الوِعاءُ الَّذي يُذابُ فيه المَعدِنُ. يُنظر: ((المعجم الوسيط)) (1/75)، ((معجم اللغة العربية المعاصرة)) (1/260). لاختبارِ ما فيه مِن مَعدِنٍ غَيرِ ذهَبٍ، ولا يُذابُ إلَّا بحَرارةِ نارٍ شديدةٍ؛ فهو هنا كِنايةٌ عن الإحراقِ الشَّديدِ [81] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (26/345). .
5- قولُه تعالَى: ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ
- قولُه: ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ مَقولُ قولٍ مَحذوفٍ دلَّ عليه الخِطابُ، أي: يقالُ لهم حينَئذٍ، أو مَقولًا لهم: ذُوقوا فِتنتَكم، أي: عذابَكم [82] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (26/345). .
- والأمرُ في قولِه: ذُوقُوا مُستعمَلٌ في التَّنكيلِ [83] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (26/345). .
- والذَّوقُ: مُعبَّرٌ به عن الإحساسِ القويِّ؛ لأنَّ اللِّسانَ أشَدُّ الأعضاءِ إحساسًا [84] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (26/346). قال ابنُ تيميَّةَ: (لفظُ الذَّوقِ يُستعمَلُ في كُلِّ ما يُحِسُّ به [الإنسانُ]، ويجِدُ ألَمَه أو لَذَّتَه، فدعوَى المدَّعي اختِصاصَ لَفظِ الذَّوقِ بما يكونُ بالفَمِ تحَكُّمٌ منه، لكِنَّ ذاك مُقَيَّدٌ، فيُقالُ: ذُقتُ الطَّعامَ، وذُقتُ هذا الشَّرابَ؛ فيَكونُ معه مِن القيودِ ما يدُلُّ على أنَّه ذوقٌ بالفَمِ، وإذا كان الذَّوقُ مُستعمَلًا فيما يُحِسُّه الإنسانُ بباطنِه أو بظاهِرِه حتَّى الماءُ الحَميمُ يُقالُ: ذاقه؛ فالشَّرابُ إذا كان باردًا أو حارًّا يقالُ: ذُقتُ حَرَّه وبَرْدَه). ((مجموع الفتاوى)) (7/ 110). .
- وإضافةُ فِتنةٍ إلى ضَميرِ المُخاطَبين مِن إضافةِ المصدرِ إلى مَفعولِه. وفي الإضافةِ دَلالةٌ على اختِصاصِها بهم؛ لأنَّهم استحَقُّوها بكُفْرِهم. ويجوزُ أن تكونَ الإضافةُ مِن إضافةِ المصدرِ إلى فاعِلِه. والمعنى: ذُوقوا جزاءَ فِتنتِكم. ويُجعَلَ الكلامُ مُوجَّهًا بتَذكيرِ المُخاطَبينَ في ذلك اليَومِ بما كانوا يَفتِنون به المؤمنينَ مِن التَّعذيبِ. وجُعِلَ المَذوقُ فِتنتَهم؛ إظهارًا لِكَونِه جَزاءً عن فِتنَتِهم المؤمنينَ؛ لِيَزدادوا نَدامةً [85] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (26/346). .
- والإشارةُ في قَولِه: هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ إلى الشَّيءِ الحاضِرِ نُصبَ أعيُنِهم؛ لاستِحضارِ صُورةِ العذابِ [86] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (26/346). .
- وجُملةُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ استِئنافٌ في مَقامِ التَّوبيخِ وتَعديدِ المَجارمِ، كما يُقالُ للمُجرمِ: فعلْتَ كذا، وهي مِن مَقولِ القولِ [87] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (26/346). .