موسوعة الآداب الشرعية

أولًا: مَحَبَّتُهم


مِن حُقوقِ المَلائِكةِ والأدَبِ مَعَهم: مَحَبَّتُهم.
والأسبابُ الحامِلةُ على مَحَبَّتِهم كَثيرةٌ؛ مِنها:
-ثَناءُ اللهِ عَزَّ وجَلَّ عليهم، في مِثلِ قَولِه تعالى: بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ [الأنبياء: 26 - 28] ، وقوله تعالى: بِأَيْدِي سَفَرَةٍ * كِرَامٍ بَرَرَةٍ [عبس: 15-16] ، شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [آل عمران: 18] .
- كَثرةُ عِبادَتِهم، ودَوامُ تَسبيحِهم للَّهِ عَزَّ وجَلَّ وطاعَتِهم، وشِدَّةُ تَعظيمِهم لرَبِّهم:
قال تعالى: وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ * يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ [الأنبياء: 19، 20]، وقال تعالى: فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ [فصلت: 38]، وحكى الله عنهم قولهم: وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ * وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ * وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ [الصافات: 164 - 166] ، وقال تعالى: وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ * يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [النحل: 49-50] ، وقال تعالى: وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا [البقرة: 34] ، وقال تعالى: قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم: 6] .
وقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في حديثِ المِعراجِ: ((رُفِع لي البَيتُ المَعمورُ، فسَألتُ جِبريلَ، فقال: هذا البَيتُ المَعمورُ يُصَلِّي فيه كُلَّ يَومٍ سَبعونَ ألفَ مَلَكٍ، إذا خَرَجوا لم يَعودوا إليه آخِرَ ما عليهم)). [655] أخرجه البخاري (3207) من حديثِ مالِكِ بنِ صَعصَعةَ رَضِيَ اللهُ عنه.
وفي رِوايةٍ: ((ثُمَّ عُرِجَ بنا إلى السَّماءِ السَّابعةِ، فاستَفتَحَ جِبريلُ، فقيل: مَن هذا؟ قال: جِبريلُ، قيل: ومَن مَعَك؟ قال: مُحَمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قيل: وقد بُعِثَ إليه؟ قال: قد بُعِثَ إليه، ففُتِح لنا، فإذا أنا بإبراهيمَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مُسنِدًا ظَهرَه إلى البَيتِ المَعمورِ، وإذا هو يَدخُلُه كُلَّ يَومٍ سَبعونَ ألفَ مَلَكٍ لا يَعودونَ إليه)). [656] أخرجها مُسلم (162) من حديثِ أنَسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه.
قال ابنُ كَثيرٍ: («وإذا هو يَدخُلُه في كُلِّ يَومٍ سَبعونَ ألفًا لا يَعودونَ إليه آخِرَ ما عليهم» يَعني: يَتَعَبَّدونَ فيه ويَطوفونَ كما يَطوفُ أهلُ الأرضِ بكَعبَتِهم، كذلك ذاكَ البَيتُ هو كَعبةُ أهلِ السَّماءِ السَّابعةِ؛ ولهذا وجَدَ إبراهيمَ الخَليلَ عليه السَّلامُ مُسنِدًا ظَهرَه إلى البَيتِ المَعمورِ؛ لأنَّه باني الكَعبةِ الأرضيَّةِ، والجَزاءُ مِن جِنسِ العَمَلِ، وهو بحيالِ الكَعبةِ، وفي كُلِّ سَماءٍ بَيتٌ يَتَعَبَّدُ فيه أهلُها، ويُصَلُّونَ إليه، والذي في السَّماءِ الدُّنيا يُقالُ له: بَيتُ العِزَّةِ. واللهُ أعلمُ) [657] ((تفسير القرآن العظيم)) (7/ 427، 428). ويُنظر: ((البداية والنهاية)) لابن كثير (1/ 93). .
وعن جابِرِ بنِ سَمُرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((خَرَجَ علينا رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: ما لي أراكُم رافِعي أيديكُم كَأنَّها أذنابُ خَيلٍ شُمُسٍ [658] الشُّمُسُ: جَمعُ شَموسٍ: وهو مِنَ الدَّوابِّ الذي لا يَكادُ يَستَقِرُّ. يُنظر: ((كشف المشكل)) لابن الجوزي (1/ 456). ؟! اسكُنوا في الصَّلاةِ. قال: ثُمَّ خَرَجَ علينا فرَآنا حِلَقًا فقال: ما لي أراكُم عِزينَ [659] عِزينَ: يُريدُ فِرَقًا مُختَلِفينَ لا يَجمَعُكُم مَجلِسٌ واحِدٌ. يُنظر: ((معالم السنن)) للخطابي (4/ 114). ؟! قال: ثُمَّ خَرَجَ علينا فقال: ألَا تَصفُّونَ كَما تَصُفُّ المَلائِكةُ عِندَ رَبِّها؟ فقُلْنا: يا رَسولَ اللهِ، وكَيف تَصُفُّ المَلائِكةُ عِندَ رَبِّها؟ قال: يُتِمُّونَ الصُّفوفَ الأُوَلَ ويتراصُّون في الصَّفِّ)). [660] أخرجه مسلم (430)
وعن حُذَيفةَ بنِ اليَمانِ رَضِيَ اللهُ عنهما، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((فُضِّلَت هذه الأُمَّةُ على سائِرِ الأُمَمِ بثَلاثٍ: جُعِلَت لها الأرضُ طَهورًا ومَسجِدًا، وجُعِلَت صُفوفُها على صُفوفِ المَلائِكةِ، وأُعطِيتُ هذه الآياتِ مِن آخِرِ البَقَرةِ مِن كَنزٍ تَحتَ العَرشِ، لم يُعطَها نَبيٌّ قَبلي)). [661] أخرجه أحمد (23251)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (7968)، وابن حبان (1697). صَحَّحه ابنُ خزيمة في ((صحيحه)) (1/366)، وابن حبان في ((صحيحه)) (6400)، والقرطبي في ((التفسير)) (4/505)، والشوكاني في ((فتح القدير)) (1/462)، والألباني في ((صحيح الجامع)) (4223). وأخرجه مسلم (522) دونَ ذِكرِ أواخِرِ سورةِ البَقَرةِ، ولفظُه: عن حُذَيفةَ، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((فُضِّلنا على النَّاسِ بثَلاثٍ: جُعِلَت صُفوفُنا كَصُفوفِ المَلائِكةِ، وجُعِلَت لنا الأرضُ كُلُّها مَسجِدًا، وجُعِلت تُربَتُها لنا طَهورًا إذا لم نَجِدِ الماءَ، وذَكَرَ خَصلةً أُخرى)).
- استِغفارُهم للمُؤمِنين، ودعاؤهم لهم:
قال تعالى: الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [غافر: 7-9] ، وقال تعالى: وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الشورى: 5] ، وقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56] ، وقال تعالى: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا [الأحزاب: 43] .
وعن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((صَلاةُ الرَّجُلِ في جَماعةٍ تَزيدُ على صَلاتِه في بَيتِه وصَلاتِه في سوقِه بضعًا وعِشرينَ دَرَجةً، وذلك أنَّ أحَدَكُم إذا تَوضَّأ فأحسَنَ الوُضوءَ، ثُمَّ أتى المَسجِدَ لا يَنهَزُه [662] أي: لا يُزعِجُه ولا يُنهِضُه إلى المَسجِدِ إلَّا الصَّلاةُ، وأصلُ النَّهزِ: الدَّفعُ. يُنظر: ((أعلام الحديث)) للخطابي (2/ 1035). إلَّا الصَّلاةُ، لا يُريدُ إلَّا الصَّلاةَ، فلم يَخطُ خَطوةً إلَّا رَفعَ اللهُ له بها دَرَجةً، وحَطَّ عنه بها خَطيئةً، حتَّى يَدخُلَ المَسجِدَ، فإذا دَخَل المَسجِدَ كان في صَلاةٍ ما كانتِ الصَّلاةُ هيَ تَحبِسُه، والمَلائِكةُ يُصَلُّونَ على أحَدِكُم ما دامَ في مَجلِسِه الذي صَلَّى فيه، يَقولونَ: اللهُمَّ ارحَمْه، اللهُمَّ اغفِرْ له، اللهُمَّ تُبْ عليه، ما لم يُؤذِ فيه، ما لم يُحدِثْ فيه)) [663] أخرجه البخاري (477)، ومسلم (649) واللفظ له. .
وعنِ البَراءِ بنِ عازِبٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: ((إنَّ اللَّهَ ومَلائِكَتَه يُصلُّونَ على الصَّفِّ الأوَّلِ)) [664] أخرجه من طرقٍ: أبو داود (664) باختلاف يسير، وابن ماجه (997)، وأحمد (18621) واللفظ لهما صحَّحه العقيلي في ((الضعفاء الكبير)) (4/86)، وابن حبان في ((صحيحه)) (2157)، والنووي في ((المجموع)) (4/300)، والألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (997) .
وعنِ البَراءِ بنِ عازِبٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((كان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَتَخَلَّلُ الصُّفوفَ مِن ناحيةٍ إلى ناحيةٍ يَمسَحُ مَناكِبَنا وصُدورَنا، ويَقولُ: لا تَختَلِفوا فتَختَلِفَ قُلوبُكُم، وكان يَقولُ: إنَّ اللَّهَ ومَلائِكَتَه يُصَلُّونَ على الصُّفوفِ المُتَقدِّمةِ)). [665] أخرجه النسائي (811) واللَّفظُ له، والحاكِم (2131). صَحَّحه الألبانيُّ في ((صحيح سنن النسائي)) (811).
وعن أبي أُمامةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ اللَّهَ ومَلائِكَتَه يُصَلُّونَ على الصَّفِّ الأوَّلِ. قالوا: يا رَسولَ اللهِ، وعلى الثَّاني؟ قال: إنَّ اللَّهَ ومَلائِكَتَه يُصَلُّونَ على الصَّفِّ الأوَّلِ. قالوا: يا رَسولَ اللهِ، وعلى الثَّاني؟ قال: إنَّ اللَّهَ ومَلائِكَتَه يُصَلُّونَ على الصَّفِّ الأوَّلِ. قالوا: يا رَسولَ اللهِ، وعلى الثَّاني؟ قال: وعلى الثَّاني...)) الحديثَ [666] أخرجه أحمد (22263) واللفظ له، والطبراني (8/205) (7727). صحَّحه لغيره شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (22263)، وحسنه لغيره الألباني في ((صحيح الترغيب)) (491)، وقال المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (1/231): إسناده لا بأس به .
وعن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ ومَلائِكَتَه عليهمُ السَّلامُ يُصَلُّونَ على الذينَ يَصِلونَ الصُّفوفَ)). [667] أخرجه مِن طُرُقِ: ابن ماجه (995)، وأحمد (24381). صَحَّحه ابنُ خُزَيمة في ((صحيحه)) (3/72)، وابن حبان في ((صحيحه)) (2164)، والطبراني كما في ((السنن الكبرى)) للبيهقي (3/103)، والحاكم على شرط مسلم في ((المستدرك)) (871).
وعن عليِّ بنِ أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: ((مَن أتى أخاه المُسلمَ عائِدًا، مَشى في خِرافةِ [668] أي: في اجتناءِ ثَمَرِها. يقالُ: خَرَفتُ النَّخلةَ أخرُفُها خَرفًا وخِرافًا. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (2/ 24). الجَنَّةِ حتَّى يَجلسَ، فإذا جَلسَ غَمَرَته الرَّحمةُ، فإن كان غُدوةً صَلَّى عليه سَبعونَ ألفَ مَلَكٍ حتَّى يُمسيَ، وإن كان مَساءً صَلَّى عليه سَبعونَ ألفَ مَلَكٍ حتَّى يُصبِحَ)) [669] أخرجه أبو داود (3099)، وابن ماجه (1442) واللَّفظُ له، وأحمد (612). صَحَّحه الحاكم في ((المستدرك)) (1311) وقال: على شرط الشَّيخَينِ، وابن عبد البر في ((الاستذكار)) (7/427)، والألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (1442)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (3099) .
وفي رِوايةٍ عن عليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: (ما مِن رَجُلٍ يَعودُ مَريضًا مُمسيًا إلَّا خَرَجَ مَعَه سَبعونَ ألفَ مَلكٍ يَستَغفِرونَ له حتَّى يُصبحَ، وكان له خَريفٌ [670] أي: مخروفٌ مِن ثَمَرِها، فعيلٌ بمعنى مفعولٍ. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (2/ 24). في الجَنَّةِ، ومَن أتاه مُصبِحًا خَرَجَ مَعَه سَبعونَ ألفَ مَلكٍ يَستَغفِرونَ له حتَّى يُمسيَ، وكان له خَريفٌ في الجَنَّةِ) [671] أخرجها أبو داود (3098) واللَّفظُ له، وأحمد (976). صَحَّحها الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (3098)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (3098)، وصَحَّحَ إسنادَها الحاكم في ((المستدرك)) (1282) وقال: على شرطِ الشَّيخين، وأحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (2/206). .
وعن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((ما مِن يَومٍ يُصبحُ العِبادُ فيه إلَّا مَلَكانِ يَنزِلانِ، فيَقولُ أحَدُهما: اللهُمَّ أعطِ مُنفِقًا خَلَفًا، ويَقولُ الآخَرُ: اللهُمَّ أعطِ مُمسِكًا تَلَفًا)) [672] أخرجه البخاري (1442)، ومسلم (1010). .
وعن أُمِّ الدَّرداءِ رَضِيَ اللهُ عنها، عن أبي الدَّرداءِ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((ما مِن عَبدٍ مُسلمٍ يَدعو لأخيه بظَهرِ الغَيبِ، إلَّا قال المَلَكُ: ولك بمِثلٍ)) [673] أخرجه مسلم (2732). ، وفي رِوايةٍ: ((دَعوةُ المَرءِ المُسلمِ لأخيه بظَهرِ الغَيبِ مُستَجابةٌ [674] قال النَّوويُّ: (كان بَعضُ السَّلَفِ إذا أرادَ أن يَدعوَ لنَفسِه يَدعو لأخيه المُسلمِ بتلك الدَّعوةِ؛ لأنَّها تُستَجابُ ويَحصُلُ له مِثلُها). ((شرح مسلم)) (17/ 49). ، عِندَ رَأسِه مَلَكٌ موكَّلٌ، كُلَّما دَعا لأخيه بخَيرٍ قال المَلَكُ الموكَّلُ به: آمينَ ولك بمِثلٍ)) [675] أخرجها مُسلم (2733). .
- مَحَبَّتُهم للمُؤمِنينَ:
فعن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ اللَّهَ تَبارَكَ وتعالى إذا أحَبَّ عَبدًا نادى جِبريلَ: إنَّ اللَّهَ قد أحَبَّ فلانًا فأحِبَّه، فيُحِبُّه جِبريلُ، ثُمَّ يُنادي جِبريلُ في السَّماءِ: إنَّ اللَّهَ قد أحَبَّ فلانًا فأحِبُّوه، فيُحِبُّه أهلُ السَّماءِ، ويوضَعُ له القَبولُ في أهلِ الأرضِ)). [676] أخرجه البخاري (7485) واللَّفظُ له، ومسلم (2637).
- تَنَزُّلُهم في اللَّيلةِ المُبارَكةِ، ولقِراءةِ القُرآنِ، وإحاطَتُهم بأهلِ الذِّكرِ واجتِماعُهم حَولَهم:
قال تعالى: لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ [القدر: 3-4] .
وعن أبي سَعيدٍ الخُدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، ((أنَّ أُسَيدَ بنَ حُضَيرٍ بَينَما هو ليلةً يَقرَأُ في مِربَدِه [677] المِربَدُ: مَوقِفُ الإبِلِ، والمُرادُ: مَوضِعُه الذي كان فيه. يُنظر: ((جامع الأصول)) لابن الأثير (8/ 505). ، إذ جالت [678] جالت: اضطَرَبَت. ينظر: ((المفهم)) لأبي العباس القرطبي (2/ 438). فرَسُه، فقَرَأ، ثُمَّ جالت أُخرى، فقَرَأ، ثُمَّ جالت أيضًا، قال أُسَيدٌ: فخَشِيتُ أن تَطَأَ يَحيى، فقُمتُ إليها، فإذا مِثلُ الظُّلَّةِ [679] الظُّلَّةُ: هيَ الغاشيةُ، وقيل: السَّحابةُ. يُنظر: ((الترغيب والترهيب)) للمنذري (2/ 354). فَوقَ رَأسي فيها أمثالُ السُّرُجِ، عَرَجَت [680] العُروجُ: الصُّعودُ إلى فَوقٍ. يُنظر: ((جامع الأصول)) لابن الأثير (8/ 506). في الجَوِّ حتَّى ما أراها، قال: فغَدَوتُ على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، بَينَما أنا البارِحةَ مِن جَوفِ اللَّيلِ أقرَأُ في مِربَدي إذ جالت فرَسي، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: اقرَأِ ابنَ حُضَيرٍ، قال: فقَرَأتُ، ثُمَّ جالت أيضًا، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: اقرَأِ ابنَ حُضَيرٍ، قال: فقَرَأتُ، ثُمَّ جالت أيضًا، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: اقرَأِ ابنَ حُضَيرٍ، قال: فانصَرَفتُ، وكان يَحيى قَريبًا مِنها، خَشيتُ أن تَطَأَه، فرَأيتُ مِثلَ الظُّلَّةِ فيها أمثالُ السُّرُجِ، عَرَجَت في الجَوِّ حتَّى ما أراها، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: تلك المَلائِكةُ كانت تَستَمِعُ لك، ولو قَرَأتَ لأصبَحَت يَراها النَّاسُ ما تَستَتِرُ مِنهم)). [681] أخرجه مسلم (796).
وعنِ البَراءِ بنِ عازِبٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((كان رَجُلٌ يَقرَأُ سورةَ الكَهفِ وعِندَه فرَسٌ مَربوطٌ بشَطَنَينِ [682] الشَّطَنُ: الحَبَلُ، يُريدُ كَأنَّه رَبَطَه بحَبلينِ. ((أعلام الحديث)) للخطابي (3/ 1943). ، فتَغَشَّته سَحابةٌ فجَعَلت تَدورُ وتَدنو، وجَعَل فرَسُه يَنفِرُ مِنها، فلمَّا أصبَحَ أتى النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فذَكَرَ ذلك له، فقال: تلك السَّكينةُ [683] قال النَّوويُّ: (قيل في معنى السَّكينةِ هنا أشياءُ، المختارُ منها أنَّها شيءٌ من مخلوقاتِ اللهِ تعالى فيه طُمَأنينةٌ ورحمةٌ، ومعه الملائكةُ. واللهُ أعلَمُ. وفي هذا الحديثِ ... فضيلةُ القراءةِ وأنَّها سَبَبُ نُزولِ الرَّحمةِ وحُضورِ الملائِكةِ). ((شرح مسلم)) (6/ 82). ويُنظر: ((إكمال المعلم)) لعياض (3/ 162)، ((مطالع الأنوار)) لابن قرقول (5/ 491)، ((فتح الباري)) لابن حجر (9/ 58). تَنَزَّلَت للقُرآنِ)). [684] أخرجه البخاري (5011)، ومسلم (795) واللفظ له.
وعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ لله مَلائِكةً يطوفون في الطُّرُقِ يلتَمِسون أهلَ الذِّكْرِ، فإذا وجدوا قومًا يَذكُرون اللهَ تنادَوا: هَلُمُّوا إلى حاجتِكم، فيَحُفُّونهم [685] يَحُفُّونهم بأجنِحَتِهم، أي: يَدْنون بأجنِحَتِهم حولَ الذَّاكِرين ويطوفون بهم، ويدورون حولَهم من جوانِبِهم. يُنظر: ((جامع الأصول)) لابن الأثير (4/ 471)، ((فتح الباري)) لابن حجر (11/ 212). بأجنِحَتِهم إلى السَّماءِ الدُّنيا...)) الحديثَ. [686] أخرجه البخاري (6408)
وفي رِوايةٍ: ((إنَّ للهِ تَبارَكَ وتعالى مَلائِكةً سَيَّارةً فُضُلًا [687] قال النَّوويُّ: (أمَّا السَّيَّارةُ فمَعناه سَيَّاحونَ في الأرضِ، وأمَّا فُضُلًا فضَبَطوه على أوجُهٍ؛ أحَدُها، وهو أرجَحُها وأشهَرُها في بلادِنا: فُضُلًا -بضَمِّ الفاءِ والضَّادِ-، والثَّانيةُ: بضَمِّ الفاءِ وإسكانِ الضَّادِ، والثَّالِثةُ: بفتحِ الفاءِ وإسكانِ الضَّادِ، والرَّابِعةُ: فُضُلٌ -بضَمِّ الفاءِ والضَّادِ ورَفعِ اللَّامِ- على أنَّه خَبَرُ مُبتَدَأٍ مَحذوفٍ، والخامِسةُ: فُضَلاء، بالمَدِّ، جَمعُ فاضِلٍ، قال العُلماءُ: مَعناه على جَميعِ الرِّواياتِ أنَّهم مَلائِكةٌ زائِدونَ على الحَفظةِ وغَيرِهم مِنَ المُرَتَّبينَ مَعَ الخَلائِقِ، فهؤلاء السَّيَّارةُ لا وظيفةَ لهم، وإنَّما مَقصودُهم حِلَقُ الذِّكرِ). ((شرح مسلم)) (17/ 14). يَتَتَبَّعونَ مَجالِسَ الذِّكرِ، فإذا وجَدوا مَجلسًا فيه ذِكرٌ قَعَدوا مَعَهم، وحَفَّ بَعضُهم بَعضًا بأجنِحَتِهم، حتَّى يَملؤوا ما بَينَهم وبَينَ السَّماءِ الدُّنيا، فإذا تَفرَّقوا عَرَجوا وصَعِدوا إلى السَّماءِ...)) الحَديث. [688] أخرجها مُسلم (2689).
وعنِ الأغَرِّ أبي مُسلمٍ، أنَّه قال: أشهَدُ على أبي هرَيرةَ وأبي سَعيدٍ الخُدريِّ أنَّهما شَهِدا على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: ((لا يَقعُدُ قَومٌ يَذكُرونَ اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ إلَّا حَفَّتهم [689] حَفَّتهم المَلائِكةُ: أي: أحاطَت بهم مِن جَوانِبِهم. يُنظر: ((كشف المشكل)) لابن الجوزي (3/ 554)، ((جامع الأصول)) لابن الأثير (8/ 496). المَلائِكةُ، وغَشِيَتهمُ الرَّحمةُ، ونَزَلت عليهمُ السَّكينةُ، وذَكَرَهمُ اللهُ فيمن عِندَه)). [690] أخرجه مسلم (2700).
وفي رِوايةٍ عن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((... وما اجتَمَعَ قَومٌ في بَيتٍ مِن بُيوتِ اللهِ يَتْلونَ كِتابَ اللهِ ويَتَدارَسونَه بَينَهم، إلَّا نَزَلت عليهمُ السَّكِينةُ، وغَشيَتهمُ الرَّحمةُ، وحَفَّتهمُ المَلائِكةُ، وذَكَرَهمُ اللهُ فيمَن عِندَه)). [691] أخرجها مسلم (2699).
- شَهادَتُهم للمُؤمِنينَ بالأعمالِ الصَّالحةِ:
فعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((يَتَعاقَبونَ فيكُم مَلائِكةٌ باللَّيلِ ومَلائِكةٌ بالنَّهارِ، ويَجتَمِعونَ في صَلاةِ الفَجرِ وصَلاةِ العَصرِ، ثُمَّ يَعرُجُ الذينَ باتوا فيكُم، فيَسألُهم وهو أعلمُ بهم: كَيف تَرَكتُم عِبادي؟ فيَقولونَ: تَرَكناهم وهم يُصَلُّونَ، وأتَيناهم وهم يُصَلُّونَ)). [692] أخرجه البخاري (555) واللفظ له، ومسلم (632).
وعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ لله مَلائِكةً يطوفون في الطُّرُقِ يلتَمِسون أهلَ الذِّكْرِ، فإذا وجدوا قومًا يَذكُرون اللهَ تنادَوا: هَلُمُّوا إلى حاجتِكم، فيَحُفُّونهم [693] يَحُفُّونهم بأجنِحَتِهم، أي: يَدْنون بأجنِحَتِهم حولَ الذَّاكِرين ويطوفون بهم، ويدورون حولَهم من جوانِبِهم. يُنظر: ((جامع الأصول)) لابن الأثير (4/ 471)، ((فتح الباري)) لابن حجر (11/ 212). بأجنِحَتِهم إلى السَّماءِ الدُّنيا، فيسألُهم رَبُّهم وهو أعلَمُ منهم، ما يقولُ عبادي؟ قالوا: يقولون: يُسَبِّحونك ويُكَبِّرونك ويحمَدونَك ويمجِّدونك، فيقولُ: هل رأَوني؟ فيقولون: لا واللهِ ما رأَوك، فيقول: وكيف لو رأَوني؟! يقولون: لو رأوك كانوا أشَدَّ لك عبادةً، وأشَدَّ لك تمجيدًا وتحميدًا، وأكثَرَ لك تسبيحًا، يقولُ: فما يسألوني؟ قال: يسألونَك الجنَّةَ، يقولُ: وهل رأوها؟ يقولونَ: لا واللهِ يا رَبِّ ما رأَوها، يقول: فكيف لو أنَّهم رأَوها؟! يقولون: لو أنَّهم رأوها كانوا أشَدَّ عليها حِرصًا، وأشَدَّ لها طلَبًا، وأعظَمَ فيها رغبةً، قال: فمِمَّ يتعوَّذون؟ يقولون: من النَّارِ، يقولُ: وهل رأوها؟ يقولون: لا واللهِ يا رَبِّ ما رأوها، يقول: فكيف لو رأوها؟! يقولون: لو رأوها كانوا أشَدَّ منها فِرارًا، وأشَدَّ لها مخافةً، فيقولُ: فأُشهِدُكم أنِّي قد غفَرْتُ لهم، يقولُ مَلَكٌ من المَلائِكةِ: فيهم فلانٌ ليس منهم، إنَّما جاء لحاجةٍ! قال: هم الجُلَساءُ لا يشقى بهم جَليسُهم)) [694] أخرجه البخاري (6408) واللفظ له، ومسلم (2689). .
- تثبيتُهم للمُؤمِنين عِندَ الشَّدائِدِ وإعانتُهم وتأييدُهم وقِتالُهم معهم:
قال تعالى: وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ * بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ [آل عمران: 123 - 126] ، وقال تعالى: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ [الأنفال: 9-10] ، وقال تعالى: إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا [الأنفال: 12] .
وعن أبي زُمَيلٍ سِماكٍ الحَنَفيِّ، قال: حَدَّثَني عَبدُ اللَّهِ بنُ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: حَدَّثَني عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ، قال: ((لَمَّا كان يومُ بَدرٍ نَظَر رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى المُشرِكين وهم ألفٌ، وأصحابُه ثلاثُمائةٍ وتِسعةَ عَشَرَ رَجُلًا، فاستَقبَلَ نَبيُّ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم القِبلةَ، ثُمَّ مَدَّ يَدَيه، فجَعَلَ يَهتِفُ برَبِّه: اللَّهُمَّ أنجِزْ لي ما وعَدتَني، اللَّهُمَّ آتِ ما وعَدْتَني، اللَّهُمَّ إن تُهلِكْ هذه العصابةَ مِن أهلِ الإسلامِ لا تُعبَدْ في الأرضِ، فما زال يَهتِفُ برَبِّه مادًّا يَدَيه مُستَقبِلَ القِبلةِ حتَّى سَقَط رداؤُه عن مَنكِبَيه، فأتاه أبو بكرٍ فأخذ رداءَه، فألقاه على مَنكِبَيه، ثمَّ التَزَمه من ورائِه وقال: يا نبيَّ اللهِ، كفاك مناشَدَتُك رَبَّك؛ فإنَّه سيُنجِزُ لك ما وعَدَك، فأنزل اللهُ عَزَّ وجَلَّ: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ [الأنفال: 9] ، فأمَدَّه اللهُ بالملائِكةِ.
قال أبو زُمَيلٍ: فحَدَّثَني ابنُ عبَّاسٍ، قال: بَينَما رَجُلٌ مِنَ المُسلمينَ يَومَئِذٍ يَشتَدُّ في أثَرِ رَجُلٍ مِنَ المُشرِكينَ أمامَه، إذ سَمِعَ ضَربةً بالسَّوطِ فوقَه وصَوتَ الفارِسِ يَقولُ: أقدِمْ حَيزومُ [695] أقدِمْ حَيزومُ: هو خِطابُ المَلَكِ لفرَسِه، وحَيزومُ: اسمُ الفَرَسِ، وأَقدِمْ -بهَمزةِ قَطعٍ مَفتوحةٍ وبكَسرِ الدَّالِ- مِنَ الإقدامِ، وهيَ كَلِمةُ زَجرٍ للفَرَسِ مَعلومةٌ في كَلامِهم. وضُبِطَ بضَمِّ الدَّالِ وبهَمزةِ وَصلٍ مَضمومةٍ، مِنَ التَّقدُّمِ. يُنظر: ((إكمال المعلم)) لعياض (6/ 95)، ((كشف المشكل)) لابن الجوزي (1/ 138)، ((شرح مسلم)) للنووي (12/ 85، 86). ، فنَظَرَ إلى المُشرِكِ أمامَه فخَرَّ مُستَلقيًا، فنَظَر إليه فإذا هو قد خُطِمَ أنفُه [696] خُطِم أنفُه: أي: أُصيبَ بضَربةٍ أثَّرَت فيه، والخَطمُ: الأثَرُ على الأنفِ، كَما يُخطَمُ البَعيرُ بالكَيِّ. يُنظر: ((إكمال المعلم)) لعياض (6/ 95)، ((كشف المشكل)) لابن الجوزي (1/ 138). ، وشُقَّ وَجهُه، كَضَربةِ السَّوطِ، فاخضَرَّ ذلك أجمَعُ، فجاءَ الأنصاريُّ، فحَدَّثَ بذلك رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: صَدَقتَ، ذلك مِن مَدَدِ السَّماءِ الثَّالثةِ))
[697] أخرجه مسلم (1763). .
وعن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال يَومَ بَدرٍ: هذا جِبريلُ آخِذٌ برَأسِ فرَسِه، عليه أداةُ الحَربِ)) [698] أخرجه البخاري (3995). .
وعن عبدِ اللهِ بنِ ثَعلبةَ بنِ صُعَيرٍ، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال لأبي بَكرٍ رَضِيَ اللهُ عنه يَومَ بَدرٍ: ((أبشِرْ يا أبا بَكرٍ، هذا جِبريلُ مُعتَجِرٌ بعِمامَتِه، آخِذٌ بعِنانِ فرَسِه يَقودُه، على ثَناياه النَّقعُ [699] النَّقع: الغُبارُ. يُنظر: ((العين)) للخليل (1/ 172)، ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 536). ، أتاك نَصرُ اللهِ وعِدَتُه. وأمَرَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فأخَذَ كَفًّا مِنَ الحَصى بيَدِه، ثُمَّ خَرَجَ فاستَقبَل القَومَ، فقال: شاهَتِ الوُجوهُ، ثُمَّ نفَحَهم بها، ثُمَّ قال لأصحابِه: احمِلوا، فلم تَكُنْ إلَّا الهَزيمةُ)). [700] أخرجه الأموي كما في ((البداية والنهاية)) لابن كثير (3/347). حَسَّنَ إسنادَه الألبانيُّ في ((فقه السيرة)) (227)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((زاد المعاد)) (3/161).
وعن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: ((لمَّا رَجَعَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِنَ الخَندَقِ، ووضَعَ السِّلاحَ واغتَسَل، أتاه جِبريلُ عليه السَّلامُ، فقال: قد وضَعتَ السِّلاحَ؟ واللهِ ما وضَعناه، فاخرُجْ إليهم، قال: فإلى أينَ؟ قال: هاهنا، وأشارَ إلى بَني قُرَيظةَ، فخَرَجَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إليهم)). [701] أخرجه البخاري (4117) واللفظ له، ومسلم (1769).
وقال تعالى: وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ [البقرة: 87] . قال السعدي: (وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أي: قَوَّاه اللَّهُ بروحِ القُدُسِ. قال أكثَرُ المُفسِّرينَ: إنَّه جِبريلُ عليه السَّلامُ، وقيل: إنَّه الإيمانُ الذي يُؤَيِّدُ اللهُ به عِبادَه) [702] ((تيسير الكريم الرحمن)) (ص: 58). وقال ابنُ الجَوزيِّ: (رُوحُ القُدُسِ جِبريلُ، والقُدُسُ: الطَّهارةُ). ((تذكرة الأريب)) (ص: 19). وقال ابنُ الهائِمِ: (بِرُوحِ القُدُسِ هو جِبريلُ عليه السَّلامُ؛ سُمِّيَ بذلك لأنَّه يَأتي بما فيه حَياةُ القُلوبِ). ((التبيان في تفسير غريب القرآن)) (ص: 85). وقال الكَفَويُّ في قَولِه تعالى: (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ [النحل: 102] : يَعني جِبريلَ مِن حَيثُ إنَّه يَنزِلُ بالقُدُسِ، أي: بما يُطَهِّرُ به نُفوسَنا مِنَ القُرآنِ والحِكمةِ والفَيضِ الإلهيِّ). ((الكليات)) (ص: 484). .
وقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لحَسَّانَ بنِ ثابتٍ رَضِيَ اللهُ عنه: ((إنَّ رُوحَ القُدُسِ لا يَزالُ يُؤَيِّدُك ما نافَحتَ عنِ اللهِ ورَسولِه)). [703] أخرجه مسلم (2490) من حديثِ عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها.
وقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((يا حَسَّانُ، أجِبْ عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، اللهُمَّ أيِّدْه برُوحِ القُدُسِ)). [704] أخرجه البخاري (453)، ومسلم (2485) من حديثِ حَسَّانَ بنِ ثابتٍ وأبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنهما.
- تَبليغُهم رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سَلامَ مَن يُسَلِّمُ عليه مِن أمَّتِه:
فعن عَبدِ اللَّهِ بنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ للَّهِ مَلائِكةً سيَّاحينَ [705] سَيَّاحين، أي: ذاهِبين وسيَّارين بكثرةٍ في ساحةِ الأرضِ، من السِّياحةِ، وهي السَّيرُ، يقالُ: ساح يسيحُ سياحةً: إذا ذهَبَ على وَجهِ الأرضِ، وأصلُه مِنَ السَّيحِ، وهو الماءُ الجاري المنبَسِطُ علي الأرضِ. يُنظر: ((المفاتيح)) للمظهري (2/ 162)، ((الكاشف عن حقائق السنن)) للطيبي (3/ 1043)، ((مرقاة المفاتيح)) للقاري (2/ 743)، ((التيسير)) للمناوي (1/ 329). في الأرضِ يُبَلِّغوني مِن أمَّتي السَّلامَ)) [706] أخرجه النسائي (1282)، وأحمد (4320). صحَّحه ابنُ حبان في ((صحيحه)) (914)، وابن باز في ((فتاوى نور على الدرب)) (4/179)، والألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (1282)، والوادعي على شرط مسلم في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (866) .
- رَدُّهمُ السَّلامَ على مَن لم يَرُدَّ عليه مِنَ المُؤمِنينَ:
فعَن عَبدِ اللَّهِ بنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: (إنَّ السَّلامَ اسمٌ مِن أسماءِ اللهِ وضَعَه اللهُ في الأرضِ، فأفشوه بينَكُم، إنَّ الرَّجُلَ إذا سَلَّمَ على القَومِ فرَدُّوا عليه كانت عليهم فضلُ دَرَجةٍ؛ لأنَّه ذَكَّرَهم بالسَّلامِ، وإن لم يَرُدَّ عليه رَدَّ عليه مَن هو خيرٌ مِنه وأطيَبُ) [707] أخرجه البخاري في ((الأدب المفرد)) (1039) واللفظ له، والخطيب في ((الموضح)) (1/ 419). صَحَّحه الألباني في ((صحيح الأدب المفرد)) (793). .
وعَن عَبدِ اللَّهِ بنِ الصَّامِتِ، قال: (قُلتُ لأبي ذَرٍّ: مَرَرتُ بعَبدِ الرَّحمنِ بنِ أمِّ الحَكمِ، فسَلَّمتُ فما رَدَّ عليَّ شيئًا، فقال: يا ابنَ أخي، ما يَكونُ عليك مِن ذلك؟ رَدَّ عليك مَن هو خيرٌ مِنه؛ مَلكٌ عَن يَمينِه) [708] أخرجه البخاري في ((الأدب المفرد)) (1038). صَحَّح إسنادَه الألباني في ((صحيح الأدب المفرد)) (792). .
- تَأمينُهم على دُعاءِ المُؤمِنينَ:
فعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إِذَا سَمِعْتُمْ صِيَاحَ الدِّيَكَةِ، فَاسْألُوا اللهَ مِن فَضْلِهِ؛ فإنَّهَا رَأتْ مَلَكًا)) [709] أخرجه البخاري (3303)، ومسلم (2729) .
قال عياضٌ: (ذلك -واللهُ أعلَمُ- لتأمينِ المَلائِكةِ على دُعاءِ بنى آدَمَ، واستغفارِهم له؛ فَرَحًا ببركةِ ذلك، وحُسنِ عَونِ الملَكِ به، إذا دعا بحَضرتِه بالتأمينِ والاستغفارِ له، وإشهادِه له بالتضَرُّعِ إلى اللهِ والإخلاصِ) [710] ((إكمال المعلم)) (8/ 224). .
وقال أبو العَبَّاسِ القُرطبي: (وكأنَّه إنَّما أمر النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالدُّعاءِ عند صُراخِ الدِّيَكةِ؛ لتؤمِّنَ المَلائِكةُ على ذلك الدُّعاءِ، فتتوافقَ الدَّعوتان، فيُستجابَ للدَّاعي. واللهُ أعلَمُ) [711] ((المفهم)) (7/ 58). .
وعن أُمِّ سَلَمةَ رَضِيَ اللهُ عنها، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إذا حَضَرْتُمُ المَرِيضَ أوِ المَيِّتَ، فَقُولوا خَيْرًا؛ فإنَّ المَلائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ علَى ما تَقُولونَ)) [712] أخرجه مسلم (919) مطولًا. .
قال أبو العبَّاسِ القُرطبيُّ: (إخبارٌ بتأمينِ المَلائِكة على دُعاءِ مَن هناك. ومن هذا استَحَبَّ عُلَماؤُنا أن يحضُرَ الميِّتَ الصَّالحون وأهلُ الخيرِ حالَة مَوتِه ليُذَكِّروه، ويَدْعُوا له ولِمن يَخلُفُه، ويقولوا خيرًا؛ فيجتَمِعَ دُعاؤهم وتأمينُ المَلائِكة، فينتَفِعَ بذلك المَيِّتُ ومن يُصابُ به، ومن يَخلُفُه) [713] ((المفهم)) (2/ 571). .
وعن صَفوانَ بنِ عَبدِ اللَّهِ بنِ صَفوانَ، وكانت تَحتَه الدَّرداءُ، قال: قَدِمتُ الشَّامَ، فأتَيتُ أبا الدَّرداءِ في مَنزِلِه، فلم أجِدْه، ووجَدتُ أمَّ الدَّرداءِ، فقالت: أتُريدُ الحَجَّ العامَ، فقُلتُ: نَعَم، قالت: فادعُ اللَّهَ لنا بخَيرٍ؛ فإنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يقولُ: ((دعوةُ المرءِ المُسلِمِ لأخيه بظَهرِ الغَيبِ مُستجابةٌ، عندَ رأسِه مَلَكٌ مُوَكَّلٌ، كُلَّما دعا لأخيه بخَيرٍ قال الملَكُ الموكَّلُ به: آمِينَ، ولك بمِثلٍ)) [714] أخرجه مسلم (2733). .
وفي رِوايةٍ عن أُمِّ الدَّرداءِ، قالت: حَدَّثَني سَيِّدي [715] قال النَّوويُّ: ("حَدَّثَني سَيِّدي" تَعني زَوجَها أبا الدَّرداءَ، ففيه جَوازُ تَسميةِ المَرأةِ زَوجَها سَيِّدَها وتَوقيرُه، وأُمُّ الدَّرداءِ هذه هيَ الصُّغرى التَّابعيَّةُ، واسمُها هُجَيمةُ، وقيل: جُهَيمةُ). ((شرح مسلم)) (17/ 50). ويُنظر: ((إكمال المعلم)) لعياض (8/ 229). أنَّه سَمِعَ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: ((مَن دَعا لأخيه بظَهرِ الغَيبِ قال المَلَكُ الموكَّلُ به: آمينَ، ولك بمِثلٍ)) [716] أخرجه مسلم (2732). .
- شَفاعَتُهم للمُؤمِنينَ:
فعن أبي سَعيدٍ الخُدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((... ثُمَّ يُضرَبُ الجِسرُ على جَهَنَّمَ، وتَحِلُّ الشَّفاعةُ، ويَقولونَ: اللهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ... فيَقولُ اللهُ عَزَّ وجَلَّ: شَفعَتِ المَلائِكةُ، وشَفعَ النَّبيُّونَ، وشَفعَ المُؤمِنونَ، ولم يَبقَ إلَّا أرحَمُ الرَّاحِمينَ...)) الحَديث. [717] أخرجه مسلم (183).

انظر أيضا: