المَطلَبُ الرَّابِعُ: وجوبُ إجراءِ نُصوصِ القُرآنِ والسُّنَّةِ على ظاهِرِها دونَ تحريفٍ
المرادُ بالظَّاهِرِ: الظَّاهِرُ الشَّرعيُّ المتبادِرُ إلى الذِّهنِ، وذلك بإثباتِ الصِّفاتِ الواردةِ في الكِتابِ والسُّنَّةِ على حقيقةِ الإثباتِ، وتَنزيهِ الخالِقِ عن مُشابَهةِ الخَلْقِ له في تلك الصِّفاتِ، مع قَطْعِ الطَّمعِ عن إدراكِ الكيفيَّةِ؛ فنُصوصُ الصِّفاتِ مَفهومةٌ، وإدراكُ كيفيَّةِ الصِّفاتِ شَيءٌ مُمتَنِعٌ.
وأمَّا تَرْكُ التَّحريفِ فالمرادُ به عَدَمُ التَّسلُّطِ على نُصوصِ الصِّفاتِ بصَرفِ مَعانيها المتبادِرةِ إلى الذِّهنِ إلى مَعانٍ أُخرى غيرِ مُتبادِرةٍ.
قال اللهُ تعالى:
نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [الشعراء: 193] .
وقال اللهُ سُبحانَه:
إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [يوسف:2] .
فهذا يَدُلُّ على وُجوبِ فَهْمِه على ما يَقتَضِيه ظاهِرُه باللِّسانِ العَرَبيِّ إلَّا أن يمنَعَ مِن ذلك دليلٌ شَرعيٌّ يَقتَضي صَرْفَ اللَّفظِ عن ظاهِرِه، فاللهُ المتكَلِّمُ بهذه النُّصوصِ أعلَمُ بمُرادِه مِن غَيرِه، وقد خاطَبَنا باللِّسانِ العَرَبيِّ المُبِينِ، فوجَبَ قَبولُ كَلامِه على ظاهِرِه، وإلَّا لاختَلَفَت الآراءُ، وتفَرَّقَت الأُمَّةُ بسَبَبِ التأويلِ الفاسِدِ.
قال
ابنُ جريرٍ: (الواجِبُ أن تكونَ معاني كتابِ اللهِ المنَزَّلِ على نبيِّنا محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لمعاني كلامِ العَرَبِ مُوافِقةً، وظاهِرُه لظاهِرِ كلامِها مُلائِمًا، وإنْ بايَنَه كِتابُ اللهِ بالفَضيلةِ التي فَضَل بها سائِرَ الكلامِ والبَيانِ)
[1055] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (1/ 12). .
وقال أيضًا: (قَولُه تعالى:
إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [يوسف: 2] يقولُ تعالى ذِكْرُه: إنَّا أنزَلْنا هذا الكِتابَ المُبِينَ قُرآنًا عربيًّا على العَرَبِ؛ لأنَّ لِسانَهم وكلامَهم عَرَبيٌّ، فأنزَلْنا هذا الكِتابَ بلِسانِهم؛ ليَعقِلوه ويَفقَهوا منه، وذلك قَولُه عزَّ وجَلَّ:
لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [البقرة: 73] )
[1056] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/ 6). .
وقال
البَغَويُّ: (
إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ، يعني: الكِتابَ،
قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ، أي: أنزَلْناه بلُغَتِكم؛ لكي تَعلَموا معانيَه، وتَفهَموا ما فيه)
[1057] يُنظر: ((تفسير البغوي)) (2/ 473). .
وقال
ابنُ تَيميَّةَ: (اللُّغةُ التي خاطَبَ بها أتَمُّ اللُّغاتِ وأكمَلُها بيانًا، وقد امتَنَّ اللهُ عليهم بذلك، كما في قَولِه تعالى:
الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [يوسف: 1-2] ، وقال تعالى:
إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [الزخرف: 3] ، وقال تعالى:
وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ [إبراهيم: 4] ، وقال تعالى:
نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [الشعراء: 193 - 195] ، وقال تعالى:
لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ [النحل: 103] ، وأمثالِ ذلك.
فإذا كان المخاطَبُ أعلَمَ الخَلقِ بما يُخبرُ به عنه، ويَصِفُه ويُخبِرُ به، وأحرَصَ الخَلْقِ على تَفهيمِ المخاطَبينَ وتَعريفِهم، وتعليمِهم وهُداهم، وأقدَرَ الخَلْقِ على البيانِ والتَّعريفِ لِما يَقصِدُه ويُريدُه؛ كان من المُمتَنِعِ بالضَّرورةِ ألَّا يكونَ كَلامُه مَبيِّنًا للعِلْمِ والهُدى والحَقِّ فيما خاطَبَ به وأخبَرَ عنه، وبَيَّنَه ووصَفَه، بل وَجَب أن يكونَ كَلامُه أحَقَّ الكلامِ بأن يكونَ دالًّا على العِلْمِ والحَقِّ والهُدى، وأن يكونَ ما ناقَضَ كلامَه مِنَ الكلامِ أحَقَّ الكَلامِ بأن يكونَ جَهلًا وكَذِبًا وباطِلًا)
[1058] يُنظر: ((درء تعارض العقل والنقل)) (5/ 373). .
وقال
ابنُ تَيميَّةَ أيضًا: (ضلالُ بني آدَمَ مِن قِبَلِ التَّشابُهِ والقياسِ الفاسِدِ لا يَنضَبِطُ، كما قال
الإمامُ أحمَدُ: أكثَرُ ما يخطِئُ النَّاسُ مِن جهةِ التَّأويلِ والقياسِ؛ فالتأويلُ: في الأدِلَّة السَّمعيَّةِ، والقياسُ: في الأدِلَّةِ العَقليَّةِ. وهو كما قال، والتَّأويلُ الخَطَأُ إنَّما يكونُ في الألفاظِ المتشابِهةِ، والقياسُ الخَطَأُ إنَّما يكونُ في المعاني المتشابِهةِ)
[1059] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (3/ 63). .
وقال عبدُ العزيزِ البُخاريُّ: (قال بعضُ المحَقِّقينَ: إنَّه لا يجوزُ أن يَثبُتَ بخِطابِ الشَّارعِ إلَّا ما يَقتَضِيه ظاهِرُه إنْ تجَرَّد عن قرينةٍ، وإن احتَمَل غيرَ ظاهِرِه أو ما يقتضيه مع قرينةٍ إن وُجدَت معه قرينةٌ؛ إذ لو جاز أن يَثبُتَ به غيرُ ما يَدُلُّ عليه ظاهِرُه، لَمَا حَصَل الوُثوقُ بخِطابِه؛ لجوازِ أن يكونَ المرادُ به غيرَ ظاهِرِه، مع أنَّه لم يُبَيِّنْه، وذلك يُفضي إلى اشتباهِ الأمرِ على النَّاسِ، ألا ترى أنَّا نَعلَمُ الشَّيءَ جائِزَ الوقوعِ قَطْعًا، ثمَّ نَقطَعُ بأنَّه لا يقَعُ؛ فإنَّه يجوزُ انقِلابُ ماءِ جَيحونَ دَمًا، وانقِلابُ الجُدرانِ ذَهَبًا، وظهورُ الإنسانِ الشَّيخِ لا من الأبوَينِ دَفعةً واحِدةً، ومع ذلك نقطَعُ بأنَّه لا يَقَعُ، فكذا هاهنا، وإن جَوَّزْنا من الله تعالى كُلَّ شَيءٍ، ولكِنَّه تعالى خَلَق فينا عِلمًا بَديهيًّا؛ فإنَّه لا يعني لهذه الألفاظِ إلَّا ظواهِرَها، فكذلك أَمِنَّا عن الالتِباسِ، وعَرَفْنا أنَّ الظَّواهِرَ قاطِعةٌ يجوزُ التمَسُّكُ بها في الأحكامِ القَطعيَّةِ)
[1060] يُنظر: ((كشف الأسرار)) (3/ 255). .
وقال
ابنُ القَيِّمِ: (مَقامُ أهلِ التَّخييلِ، قالوا: إنَّ الرُّسُلَ لَم يُمكِنهْم مخاطَبةُ الخَلقِ بِالحَقِّ في نَفسِ الأمرِ، فَخاطَبوهم بِما يُخَيَّلُ إلَيهم، وَضَرَبوا لَهم الأمثالَ، وَعَبَّروا عَنِ المَعاني المَعقولةِ بِالأُمورِ القَريبةِ مِنَ الحِسِّ، وَسَلَكوا ذَلِكَ في بابِ الإخبارِ عَنِ اللهِ وَأسمائِه وَصِفاتِه واليَومِ الآخِرِ، وَأقَرُّوا بابَ الطَّلَبِ على حَقيقَتِه، وَمِنهم مَن سَلَكَ هذه المَسلَكَ في الطَّلَبِ أيضًا، وَجَعَلَ الأمرَ والنَّهيَ إشاراتٍ وَأمثالًا...أهل التَّأويلِ، قالوا: لَم يُرَد مِنَّا اعتِقادُ حَقائِقِها، وإنَّما أُريدَ مِنَّا تَأويلُها بِما يُخرِجُها عَن ظاهرِها وَحَقائِقِها، فَتَكَلَّفوا لَها وُجوهَ التَّأويلاتِ المستَكرَهةِ، والمَجازاتِ المستَنكَرةِ الَّتي يَعلَم العُقَلاءُ أنَّها أبعَدُ شَيءٍ عَنِ احتِمالِ ألفاظِ النُّصوصِ لَها، وأنَّها بِالتَّحريفِ أشبَهُ مِنها بِالتَّفسيرِ.
والطَّائِفَتانِ اتَّفَقَتا عَلَى أنَّ الرَّسولَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لَم يُبَيِّنِ الحَقَّ لِلأُمّةِ في خِطابِه لَهم وَلا أوضَحَه، بَل خاطَبَهم بِما ظاهِرُه باطِلٌ وَمحالٌ! ثُمَّ اختَلَفوا، فَقالَ أصحابُ التَّخييلِ: أرادَ مِنهم اعتِقادَ خِلافِ الحَقِّ والصَّوابِ، وَإن كانَ في ذَلِكَ مَفسَدةٌ فالمَصلَحةُ المتَرَتِّبةُ عَلَيه أعظَمُ مِنَ المَفسَدةِ الَّتي فيه، فَقالَ أصحابُ التَّأويلِ: بَل أرادَ مِنَّا أن نَعتَقِدَ خِلافَ ظاهرِه وَحَقيقَتِه، ولم يُبَيِّنْ لَنا المرادَ؛ تَعريضًا إلَى حُصولِ الثَّوابِ بِالِاجتِهادِ والبَحثِ والنَّظَرِ وإعمالِ الفِكرةِ في مَعرِفةِ الحَقِّ بِعُقولِنا، وَصَرَفَ تِلكَ الألفاظَ عَن حَقائِقِها وَظَواهرِها؛ لِنَنالَ ثَوابَ الاجتِهادِ والسَّعيِ في ذلك، فالطَّائِفَتانِ متَّفِقَتانِ على أنَّ ظاهرَ خِطابِ الرَّسولِ ضَلالٌ وكُفرٌ وباطِلٌ، وأنَّه لَم يُبَيِّنِ الحَقَّ، وَلا هَدَى إليه الخَلقَ)
[1061] يُنظر: ((الصواعق المرسلة)) (3/ 918 - 920). .
وقال اللهُ تعالى:
وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكِتاب تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ [النحل: 89] .
وقال اللهُ سُبحانَه:
وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الكِتاب إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [النحل: 64] .
فوَصَف اللهُ تعالى القُرآنَ بالبَيانِ والهُدى.
قال
ابنُ جريرٍ: (قَولُه:
وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ [النحل: 89] يقولُ: نَزَّل عليك -يا محمَّدُ- هذا القُرآنَ بيانًا لكُلِّ ما بالنَّاسِ إليه الحاجةُ مِن مَعرفةِ الحَلالِ والحرامِ، والثَّوابِ والعِقابِ،
وَهُدًى مِنَ الضَّلالةِ
وَرَحْمَةً لِمَن صَدَّق به، وعَمِل بما فيه من حُدودِ اللهِ وأمْرِه ونَهْيِه، فأحَلَّ حلالَه وحَرَّمَ حرامَه
وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ يقولُ: وبِشارةً لِمن أطاع اللهَ، وخَضَع له بالتَّوحيدِ، وأذعَنَ له بالطَّاعةِ، يُبَشِّرُه بجَزيلِ ثوابِه في الآخِرةِ، وعَظيمِ كرامتِه)
[1062] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (14/ 333). .
وقال
الشَّوكاني: (معنى كونِه تِبيانًا لكُلِّ شَيءٍ: أنَّ فيه البيانَ لكثيرٍ مِن الأحكامِ، والإحالةَ فيما بَقِيَ منها على السُّنَّةِ، وأمْرَهم باتِّباعِ رَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فيما يأتي به مِن الأحكامِ، وطاعتِه، كما في الآياتِ القُرآنيةِ الدَّالَّةِ على ذلك)
[1063] يُنظر: ((تفسير الشوكاني)) (3/ 224). .
وقال
السَّعْديُّ: (قَولُه:
وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ في أُصولِ الدِّينِ وفُروعِه، وفي أحكامِ الدَّارَينِ وكُلِّ ما يَحتاجُ إليه العِبادُ، فهو مُبَيَّنٌ فيه أتَمَّ تبيينٍ بألفاظٍ واضِحةٍ ومَعانٍ جَليَّةٍ، حتَّى إنَّه تعالى يُثَنِّي فيه الأمورَ الكِبارَ التي يحتاجُ القَلبُ لِمُرورها عليه كُلَّ وَقتٍ، وإعادتِها في كُلِّ ساعةٍ، ويُعيدُها ويُبدِيها بألفاظٍ مُختَلِفةٍ وأدِلَّةٍ مُتنَوِّعةٍ؛ لتستَقِرَّ في القُلوبِ، فتُثمِرَ مِنَ الخَيرِ والبِرِّ بحَسَبِ ثُبوتِها في القَلْبِ، وحتَّى إنَّه تعالى يجمَعُ في اللَّفظِ القَليلِ الواضِحِ مَعانيَ كثيرةً يكونُ اللَّفظُ لها كالقاعِدةِ والأساسِ، واعتَبِرْ هذا بالآيةِ التي بعد هذه الآيةِ وما فيها من أنواعِ الأوامِرِ والنَّواهي التي لا تُحصى، فلمَّا كان هذا القُرآنُ تِبيانًا لكُلِّ شَيءٍ صار حُجَّةَ اللهِ على العِبادِ كُلِّهم)
[1064] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 447). .
وقال اللهُ تعالى:
أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [البقرة:75] .
وقال اللهُ سُبحانَه:
مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا [النساء:46] .
فقد ذَمَّ اللهُ تعالى اليهودَ على تحريفِهم، وبَيَّن أنَّهم بتَحريفِهم من أبعَدِ النَّاسِ عن الإيمانِ
[1065] يُنظر: ((القواعد المثلى)) لابن عثيمين (ص: 33)، ((منهج أهل السنة والجماعة ومنهج الأشاعرة في توحيد الله تعالى)) لخالد عبد اللطيف (2/454). .
قال
ابنُ جرير: (قَولُه:
يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ [النساء: 46] فإنَّه يقولُ: يُبَدِّلونَ معناها ويُغَيِّرونَها عن تأويلِه)
[1066] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/ 103). .
وقال
ابنُ كثيرٍ: (قَولُه:
يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ أي: يتأوَّلون على غيرِ تأويلِه، ويُفَسِّرونَه بغيرِ مُرادِ اللهِ عزَّ وجَلَّ؛ قَصدًا منهم وافتراءً
وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا أي: يقولون: سَمِعْنا ما قُلْتَه -يا محمَّدُ- ولا نُطيعُك فيه. هكذا فَسَّره مجاهِدٌ، وابنُ زَيدٍ. وهو المرادُ، وهذا أبلَغُ في عنادِهم وكُفرِهم، أنَّهم يتوَلَّونَ عن كِتابِ اللهِ بَعْدَما عَقَلوه، وهم يَعلَمون ما عليهم في ذلك من الإثمِ والعُقوبةِ)
[1067] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (2/ 323). .
قال
ابنُ سريجٍ وقد سُئل عن صفاتِ اللهِ عزَّ وجَلَّ وتوحيدِه: (حرامٌ على العُقولِ أن تمثِّلَ، وعلى الأوهامِ أن تحُدَّه، وعلى الظُّنونِ أن تَقطَعَ، وعلى الضَّمائِرِ أن تَعمَّقَ، وعلى النُّفوسِ أن تفكِّرَ، وعلى الأفكارِ أن تحيطَ، وعلى الألبابِ أن تَصِفَ، إلَّا ما وصف به نَفْسَه في كتابه، أو على لسانِ رَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
وقد صَحَّ وتقَرَّر واتَّضَح عند جميعِ أهلِ الدِّيانةِ والسُّنَّة والجماعة... إلى زمانِنا هذا: أنَّ جميعَ الآيِ الواردةِ عن اللهِ عزَّ وجَلَّ في ذاتِه وصِفاتِه، والأخبارِ الصَّادقةِ الصَّادرةِ عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في اللهِ وصفاتِه التي صَحَّحها أهلُ النَّقلِ وقَبِلَها النقَّادُ الأثباتُ: يجبُ على المرءِ المسلمِ المؤمِنِ الموقِنِ الإيمانُ بكُلِّ واحدٍ منه كما ورد، وتسليمُ أمرِه إلى اللهِ تعالى كما أمر، وأنَّ السُّؤالَ عن معانيها بدعةٌ، والجوابَ عن السؤالِ كُفرٌ وزَنْدَقةٌ. وذلك مِثلُ قَولِه تعالى:
هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ [البقرة: 210] ، وقَولِه:
وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [الفجر: 22] ، وقَولِه:
الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى، وقَولِه:
وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ [الزمر: 67] ، ونظائِرِها مما نطق به القرآنُ؛ كالفوقيَّةِ والنَّفسِ، واليَدَينِ والسَّمعِ والبَصَرِ، والكلامِ والعَينِ والنَّظَرِ، والإرادةِ والرِّضا والغَضَبِ، والمحبَّةِ والكراهيةِ، والعنايةِ والقُربِ والبُعدِ، والسَّخَطِ والغَيظِ... وغيرِ ذلك من صفاتِه المتعَلِّقةِ به، المذكورةِ في كتابِه المنَزَّلِ على نبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
وجميعُ ما لفَظ به المصطفى صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من صفاتِه؛ كغَرْسِه جنَّةَ الفِردَوسِ بيَدِه... والأصابعِ، والضَّحِكِ، والتعَجُّبِ، ونزولِه كُلَّ ليلةٍ... وإثباتِ الكلامِ بالحَرفِ والصَّوتِ... وغيرِ هذا ممَّا صَحَّ عنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من الأخبارِ المتشابهةِ الواردةِ في صِفاتِ اللهِ سُبحانه وتعالى ما بلَغْناه مما صَحَّ عنه؛ اعتقادُنا فيه وفي الآيِ المتشابهةِ في القرآنِ: أنَّا نَقْبَلُها ولا نَرُدُّها، ولا نتأوَّلُها بتأويِل المخالفين، ولا نحمِلُها على تشبيهِ المشَبِّهين، لا نزيدُ عليها ولا نَنقُصُ منها، ولا نُفَسِّرُها ولا نُكَيِّفُها... ونفسِّرُ الذي فَسَّره النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأصحابُه والتَّابعون والأئمَّةُ المرضِيُّون من السَّلَفِ المعروفين بالدِّينِ والأمانةِ.
ونُجمِعُ على ما أجمعوا عليه ونمسِكُ عمَّا أمسكوا عنه، ونسَلِّمُ الخبَرَ لظاهِرِه، والآيةُ لظاهِرِ تنزيلِها، لا نقولُ بتأويلِ
المعتزلةِ والأشعَرِيَّة والجَهميَّة والملْحِدة والمجسِّمة والمشَبِّهة والكَرَّامية والمكَيِّفة. بل نقبَلُها بلا تأويلٍ ونؤمِنُ بها بلا تمثيلٍ، ونقولُ: الآيةُ والخَبَرُ صحيحانِ، والإيمانُ بهما واجِبٌ، والقَولُ بهما سُنَّةٌ، وابتغاءُ تأويلِها بدعةٌ وزَندقةٌ)
[1068])) يُنظر: ((جزء فيه أجوبة في أصول الدين)) (54-87). .
وقال
ابنُ خُزَيمة: (إنَّ الأخبارَ في صِفاتِ اللهِ مُوافِقةٌ لكتابِ اللهِ تعالى، نقَلَها الخَلَفُ عن السَّلَفِ قَرنًا بعد قرنٍ مِن لَدُنِ الصَّحابةِ والتابعين إلى عَصْرِنا هذا على سَبيلِ الصِّفاتِ لله تعالى والمعرفةِ والإيمانِ به والتسليمِ لِما أخبَرَ اللهُ تعالى في تنزيلِه، ونبيُّه الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن كتابِه، مع اجتنابِ التأويلِ والجُحودِ، وتَرْكِ
التمثيلِ و
التكييفِ)
[1069])) يُنظر: ((ذم التأويل)) لابن قدامة (ص: 18)، ((الأربعين في صفات رب العالمين)) للذهبي (ص: 87). .
وقال
الطَّحاوي بعد ذِكْرِ بعضِ الصِّفاتِ: (وتفسيرُه على ما أراده اللهُ تعالى وعَلِمَه، وكُلُّ ما جاء في ذلك من الحديثِ الصَّحيحِ عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فهو كما قال، ومعناه على ما أراد، لا ندخُلُ في ذلك متأوِّلين بآرائِنا، ولا متوهِّمين بأهوائِنا؛ فإنَّه ما سَلِمَ في دينِه إلَّا من سَلَّم للهِ عزَّ وجَلَّ ولرَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم)
[1070])) يُنظر: ((متن الطحاوية)) (ص: 43). .
وقال
ابنُ عَبدِ البَرِّ: (مِن حَقِّ الكلامِ أن يُحمَلَ على حقيقتِه حتَّى تتَّفِقَ الأُمَّةُ أنَّه أُريدَ به المجازُ؛ إذ لا سَبيلَ إلى اتِّباعِ ما أُنزِلَ إلينا مِن رَبِّنا إلَّا على ذلك، وإنَّما يُوَجَّهُ كَلامُ اللهِ عزَّ وجَلَّ إلى الأشهَرِ والأظهَرِ مِن وُجوهِه ما لم يَمنَعْ مِن ذلك ما يجِبُ له التَّسليمُ، ولو ساغ ادِّعاءُ المجازِ لكُلِّ مُدَّعٍ، ما ثبتَ شيءٌ مِن العباراتِ، وجَلَّ الله عزَّ وجَلَّ عن أن يخاطِبَ إلَّا بما تَفهَمُه العَرَبُ في معهودِ مُخاطباتِها مِمَّا يَصِحُّ معناه عند السَّامِعينَ. والاستواءُ مَعْلُومٌ في اللُّغةِ ومَفهومٌ، وهو العُلُوُّ والارتفاعُ على الشَّيءِ، والاستِقرارُ والتمَكُّنُ فيه؛ قال أبو عُبَيدةَ في قَولِه تعالى:
اسْتَوَى قال: علا، قال: وتقولُ العَرَبُ: استَوَيتُ فَوقَ الدَّابَّةِ، واستَوَيتُ فَوقَ البَيتِ. وقال غَيرُه: استَوى، أي: انتهى شَبابَه، واستقَرَّ فلم يكُنْ في شَبابِه مزيدٌ... الاستواءُ: الاستِقرارُ في العُلُوِّ، وبهذا خاطَبَنا اللهُ عزَّ وجَلَّ)
[1071] يُنظر: ((التمهيد)) (7/131). .
وقال أيضًا: (ما جاء عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من نَقْلِ الثِّقاتِ، وجاء عن الصَّحابةِ، وصَحَّ عنهم، فهو علمٌ يُدانُ به، وما أُحدِثَ بعدهم ولم يكُنْ له أصلٌ فيما جاء عنهم فبِدعةٌ وضلالةٌ، وما جاء في أسماءِ اللهِ أو صفاتِه عنهم سُلِّمَ له، ولم يناظَرْ فيه كما لم يُناظَروا.
رواها السَّلَفُ، وسَكَتوا عنها، وهم كانوا أعمَقَ النَّاسِ عِلمًا، وأوسَعَهم فهمًا، وأقلَّهم تكلُّفًا، ولم يكن سكوتُهم عن عِيٍّ، فمن لم يسَعْه ما وَسِعَهم قد خاب وخَسِر)
[1072])) يُنظر: ((جامع بيان العلم وفضله)) (2/ 946). .
وقال
ابنُ تَيميَّةَ: (مِنَ المَعْلُومِ أنَّ الرَّبَّ لَمَّا وَصَفَ نَفْسَه بأنَّه حَيٌّ عَليمٌ قَديرٌ، لم يَقُلِ المُسلِمون: إنَّ ظاهِرَ هذا غَيرُ مُرادٍ؛ لأنَّ مَفهومَ ذلك في حَقِّه مِثلُ مَفهومِه في حَقِّنا؛ فكذلك لَمَّا وَصَفَ نَفْسَه بأنَّه خَلَق آدَمَ بيَدَيه، لم يُوجِبْ ذلك أن يكونَ ظاهِرُه غيرَ مرادٍ؛ لأنَّ مفهومَ ذلك في حَقِّه كمَفهومِه في حَقِّنا، بل صِفةُ الموصوفِ تُناسِبُه، فإذا كانت نَفْسُه المقَدَّسةُ ليست مِثلَ ذواتِ المخلوقينَ، فصِفاتُه كذَاتِه ليسَت مِثلَ صِفاتِ المخلوقينَ)
[1073] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (7/ 218). .
وقال
ابنُ القَيِّمِ: (حِفظُ حُرمةِ نُصوصِ الأسماءِ والصِّفاتِ بإجراءِ أخبارِها على ظواهِرِها. وهو اعتقادُ مفهومِها المتبادِرِ إلى أذهانِ العامَّةِ... عامَّةِ الأمَّةِ، كما قال
مالكٌ رحمه الله وقد سُئِل عن قَولِه تعالى:
الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه: 5] كيف استوى؟ فأطرق
مالكٌ حتى علاه الرُّحَضاءُ، ثم قال: الاستواءُ معلومٌ، والكيفُ غيرُ مَعقولٍ، والإيمانُ به واجبٌ، والسُّؤالُ عنه بدعةٌ.
ففَرَّق بين المعنى المعلومِ من هذه اللَّفظةِ، وبين الكيفِ الذي لا يعقِلُه البَشَرُ. وهذا الجوابُ من
مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه شافٍ عامٌّ في جميعِ مسائِلِ الصِّفاتِ.
فمن سأل عن قَولِه:
إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى [طه: 46] كيف يسمعُ ويرى؟ أجيب بهذا الجوابِ بعَينِه. فقيل له: السَّمعُ والبَصَرُ معلومٌ. والكيفُ غيرُ مَعقولٍ.
وكذلك من سأل عن العِلمِ، والحياةِ، والقُدرةِ، والإرادةِ، والنُّزولِ، والغَضَبِ، والرِّضا، والرَّحمةِ، والضَّحِكِ، وغَيرِ ذلك. فمعانيها كُلِّها مفهومةٌ، وأمَّا كيفيَّتُها فغيرُ معقولةٍ؛ إذ تعقُّل الكيفيَّةِ فرعُ العِلمِ بكيفيَّةِ الذَّاتِ وكُنْهِها. فإذا كان ذلك غيرَ مَعقولٍ للبشَرِ، فكيف يُعقَلُ لهم كيفيَّةُ الصِّفاتِ؟
والعِصمةُ النَّافعةُ في هذا البابِ: أن يوصَفَ اللهُ بما وصف به نَفْسَه، وبما وصفه به رسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، من غيرِ تحريفٍ ولا تعطيلٍ، ومن غيرِ تكييفٍ ولا تمثيلٍ، بل تُثبَتُ له الأسماءُ والصِّفاتُ، وتُنفى عنه مشابهةُ المخلوقاتِ. فيكونُ إثباتُك مُنَزَّهًا عن التشبيهِ، ونَفْيُك مُنَزَّهًا عن
التعطيلِ، فمن نفى حقيقةَ الاستواءِ فهو مُعَطِّلٌ، ومن شَبَّهه باستواءِ المخلوقِ على المخلوقِ فهو ممَثِّلٌ، ومن قال: استواءٌ ليس كمِثْلِه شيءٌ، فهو الموحِّدُ المنَزِّهُ)
[1074])) يُنظر: ((مدارج السالكين)) (2/ 84). .
وقال
علي القاري: (اعلَمْ أنَّ نبيَّنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أُوتيَ فواتِحَ الكَلِمِ وخواتمَه وجوامِعَه ولوامِعَه، فبُعِث بالعلومِ الكُلِّيَّة، والمعارفِ الأوَّلِيَّة والآخِريَّة، على أتمِّ الوجوهِ فيما يحتاجُ إليه السَّالكُ في الأمورِ الدِّينيَّة والدُّنيويَّة والأُخرويَّة، ولكِنْ كُلَّما ابتدع شَخصٌ بِدعةً اتَّسَعوا في جوابِها واضطَرَبوا في بيانِ خَطَئِها وصَوابِها، فالعِلمُ نقطةٌ كَثَّرها الجاهِلون؛ ولذلك صار كلامُ المتأخِّرين كثيرًا قليلَ البركةِ، بخِلافِ كلامِ السَّلَفِ؛ فإنَّه قليلٌ كثيرُ البركةِ والمنفعةِ، فالفَضلُ للمتقَدِّمين لا ما يقولُه جَهَلةُ المتكَلِّمين: إنَّ طريقةَ المتقَدِّمين أسلَمُ وطريقتَنا أحكَمُ وأعلَمُ! وكما يقولُ من لم يَقدُرْهم قَدْرَهم من المنتسبينَ إلى الفِقهِ أنَّهم لم يتفَرَّغوا لاستنباطِ وضَبطِ قواعِدِه وأحكامِه اشتغالًا منهم بغيرِه، والمتأخِّرون تفَرَّغوا لذلك؛ فهم أفقَهُ بما يتعلَّقُ هنالك! فكُلُّ هؤلاء محجوبون عن معرفةِ مقاديرِ السَّلَفِ وعن عُلومِهم وقِلَّةِ تكَلُّفِهم؛ فتاللهِ ما امتاز عنهم المتأخِّرون إلَّا بالتكَلُّفِ والاشتغالِ بالأطرافِ التي همَّةُ القومِ مُراعاةُ أُصولها ومعاهِدِها، وضَبطُ قواعِدِها، وشَدُّ معاقِدِها، وهمَمُهم مُشَمِّرة إلى المطالِبِ العاليةِ والمراتِبِ الغاليةِ، فالمتأخِّرون في شأنٍ والقَومُ في شأنٍ، وهو سُبحانَه وتعالى:
كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ [الرحمن: 29] و
قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا [الطلاق: 3] )
[1075])) يُنظر: ((الرد على القائلين بوحدة الوجود)) (ص: 28). .
وقال
الشِّنقيطيُّ: (اعلَمْ أنَّ أئِمَّةَ القائِلينَ بالتَّأويلِ رَجَعوا قبل موتِهم عنه؛ لأنَّه مَذهَبٌ غَيرُ مأمونِ العاقبةِ؛ لأنَّ مَبْناه على ادِّعاءِ أنَّ ظواهِرَ آياتِ الصِّفاتِ وأحاديثِها لا تليقُ باللهِ؛ لظُهورِها وتَبادُرِها في مُشابَهةِ صِفاتِ الخَلْقِ، ثمَّ نَفْيِ تلك الصِّفاتِ الواردةِ في الآياتِ والأحاديثِ لأجْلِ تلك الدَّعوى الكاذِبةِ المَشؤومةِ، ثمَّ تأويلِها بأشياءَ أُخَرَ دونَ مُستَنَدٍ مِن كتابٍ أو سُنَّةٍ، أو قَولِ صَحابيٍّ أو أحَدٍ مِنَ السَّلَفِ. وكلُّ مَذهَبٍ هذه حالُه فإنَّه جديرٌ بالعاقِلِ المفَكِّرِ أن يَرجِعَ عنه إلى مَذهَبِ السَّلَفِ)
[1076] يُنظر: ((أضواء البيان)) (7/290). .
وقال أيضًا: (يلزَمُ كُلَّ مُكَلَّفٍ أن يؤمِنَ بما وصف اللهُ به نَفْسَه، أو وصفه به رسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ويُنَزِّهَ رَبَّه جَلَّ وعلا عن أن تُشبِهَ صِفتُه صفةَ المخلوقين. وحيث أخَلَّ بأحدِ هذين الأصلينِ وقع في هُوَّةِ ضلالٍ؛ لأنَّ من تنطَّع بين يدَيْ رَبِّ السَّمَواتِ والأرضِ، وتجَرَّأَ على اللهِ بهذه الجرأةِ العظيمةِ، ونفى عن رَبِّه وصفًا أثبته لنَفْسِه، فهذا مجنونٌ؛ فاللهُ جَلَّ وعلا يثبِتُ لنَفْسِه صفاتِ كَمالٍ وجلالٍ، فكيف يليقُ لمِسكينٍ جاهلٍ أن يتقدَّمَ بين يَدَيْ رَبِّ السَّمَواتِ والأرضِ، ويقولُ: هذا الذي وصَفْتَ به نَفْسَك لا يليقُ بك، ويلزَمُه من النَّقصِ كذا وكذا، فإني أؤَوِّلُه وأُلغِيه وآتي ببَدَلِه من تلقاءِ نفسي، من غيرِ استنادٍ إلى كتابٍ أو سُنَّةٍ. سبحانَك هذا بهتانٌ عظيمٌ!)
[1077])) يُنظر: ((منهج ودراسات لآيات الأسماء والصفات)) (ص: 10). .
وقال أيضًا: (مقارنةٌ بين ما سَمَّوه مَذهَبَ السَّلَفِ ومَذهَبَ الخَلَفِ... وقولهم: إنَّ مَذهَبَ السَّلَفِ أسلَمُ، ومذهَبَ الخَلَفِ أحكَمُ وأعلَمُ، فنقولُ: وصفوا مَذهَبَ السَّلَفِ بأنَّه أسلَمُ، وهي صيغةُ تفضيلٍ من السَّلامة، وما كان يفوق غيرَه ويَفضُلُه في السَّلامةِ، فلا شَكَّ أنَّه أعلَمُ منه وأحكَمُ... وإيضاحُ المقارنةِ: أنَّ من كان على معتَقَدِ السَّلَفِ الصَّالحِ إذا سمع مثلًا قَولَه تعالى:
الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه: 5] ، امتلأ قَلْبُه من الإجلالِ والتعظيمِ والإكبارِ لصِفةِ رَبِّ العالَمين التي مدح بها نفسَه وأثنى عليه بها، فجزم بأنَّ تلك الصِّفةَ التي تمدَّحَ بها خالِقَ السَّمَواتِ والأرضِ بالغةٌ من غاياتِ الكَمالِ والجلالِ ما يقطَعُ علائِقَ أوهامِ المشابهةِ بينها وبين صِفاتِ الخَلْقِ... وبإجلالِ تلك الصِّفةِ وتعظيمِها وحَمْلِها على أشرفِ المعاني اللَّائقةِ بكَمالِ من وصف بها نَفْسَه وجلالِه، يَسهُلُ على ذلك المؤمِنِ السَّلَفيِّ أن يؤمِنَ بتلك الصِّفةِ، ويثبِتَها لله كما أثبتها اللهُ لنَفْسِه على أساسِ التنزيهِ، فيكون أولًا مُنزِّهًا سالِمًا من أقذار التشبيهِ، وثانيًا مُؤمِنًا بالصِّفاتِ، مُصَدِّقًا بها على أساسِ التنزيهِ، فيكونُ سالِمًا من أقذار
التعطيل، فيَجمَعُ بين التنزيهِ والإيمانِ بالصِّفاتِ على نحوِ:
لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى: 11] ، فمُعتَقَدُه طريقُ سلامةٍ مُحَقَّقةٍ؛ لأنَّه مبنيٌّ على ما تضمَّنَتْه آيةُ:
لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ الآية، من التنزيهِ والإيمانِ بالصِّفاتِ، فهو تنزيهٌ من غيرِ تعطيلٍ، وإيمانٌ من غيرِ تشبيهٍ ولا تمثيلٍ، وكُلُّ هذا طريقُ سلامةٍ مُحَقَّقةٍ، وعَمَل بالقرآنِ، فهذا هو مذهَبُ السَّلَفِ)
[1078])) يُنظر: ((منهج ودراسات لآيات الأسماء والصفات)) (ص: 46-48). .