المَبْحَثُ الحادي والعِشرون: (ما)
تأتي على عِدَّةِ وُجوهٍ:
(1) أَن تكونَ حرفيَّةً نافِيةً، وَتدْخُلُ على الجُمْلةِ الفِعليَّةِ؛ نَحْوُ قَولِه تعالَى فِي التَّنْزِيلِ العَزِيزِ:
وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ [الأنبياء: 34] ، وقَولِه تعالَى:
قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي [يونس: 15] ، وعَلى الجُمْلةِ الاسميَّةِ؛ مِثْلُ قَوْلِه سُبْحانَهُ فِي التَّنْزِيلِ العَزِيزِ:
وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ [البقرة: 96] ، وَقد يكونُ الخَبَرُ بَعْدَها مَنْصُوبًا؛ مِثْلُ قَولِه تعالَى:
مَا هَذَا بَشَرًا [يوسف: 31] ، وتُسمَّى (ما) الحِجازيَّةَ، أمَّا بَنو تَميمٍ فلا يُعمِلونها فيما بعْدَها، ويُعرَبُ ما بعْدَها مُبتدأً وخبَرًا على أصلِه، وهذا هو القياسُ، إلَّا أنَّ الأكثرَ استعمالًا هو لُغةُ الحجازيِّينَ، وبه ورَدَ القرآنُ الكريمُ
[152] ينظر: ((أسرار العربية)) لابن الأنباري (ص: 119)، ((تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد)) لناظر الجيش (3/1189)، ((تعليق الفرائد على تسهيل الفوائد)) للدماميني (3/241)، ((شرح ابن الناظم على الألفية)) (103)، (توضيح المقاصد والمسالك)) للمرادي (1/506). .
(2) أَن تكونَ مَعَ الجُمْلةِ بَعْدَها فِي مَوضِعِ مَصدَرٍ، وَتُسَمى مَصْدَرِيَّةً؛ نَحْوُ قَولِه تعالَى فِي التَّنزيلِ العَزيزِ:
وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ [التوبة: 25] ، أي: برُحْبِها، وقَولِه تعالَى:
لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ [التوبة: 128] ، أي: عَنَتُكم.
وَقد يُلْحَظ الوَقْتُ مَعَ المصدريَّةِ فَيُقالُ لَها: مَصْدَرِيَّةٌ ظرفيَّةٌ؛ نَحْوُ قَولِه تعالَى:
وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا [مريم: 31] ، أي: مُدَّةَ دوامي حَيًّا
[153] ينظر: ((أوضح المسالك)) لابن هشام (1/233)، ((مغني اللبيب)) (ص: 400)، ((معاني النحو)) للسامرائي (3/314). .
(3) أَن تكونَ استفهامًا، وَيُسْألُ بها عَمَّا لا يَعقِلُ؛ نَحْوُ قَولِه تعالَى:
وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى [طه: 17] ، وعن صِفاتِ ما يَعقِلُ؛ نَحْوُ: "ما زيدٌ؟"، فتجيبُ مثلًا: "عاقِلٌ أو أحمَقُ".
وَيجِبُ حَذفُ ألِفِ (ما) الاستفهاميَّةِ وإبقاءُ الفَتحةِ إذا سُبِقت بِحرفِ جَرٍّ؛ نَحْوُ قَولِه تعالَى:
فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ [النمل: 35] ، وَقَولِه تعالَى:
فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا [النازعات: 43] ، وَقَولِه تعالَى:
لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ [الصف: 2] ، وَرُبما سُكِّنت المِيمُ، وَهُوَ خاصٌّ بالشِّعر، كَقَوْل الشَّاعِر:
يا أَبا الأسوَدِ لمْ خَلَّفْتَني
لهُمومٍ طارِقاتٍ وَذِكَرْ
[154] يُنظر: ((الكتاب)) لسيبويه (5/35)، ((شرح المفصل)) لابن يعيش (5/240)، ((مغني اللبيب)) (ص: 393)، ((شرح التصريف)) للثمانيني (ص: 275). وَإذا رُكِّبت (ما) الاستِفهاميَّةُ مَعَ (ذا) لم تُحذَفْ ألِفُها؛ نَحْوُ: "لماذا جِئْتَ؟"؛ لِأَن ألِفَها قد صارَت حَشْوًا
[155] ينظر: ((مغني اللبيب)) لابن هشام (ص: 359)، ((المساعد على تسهيل الفوائد)) لابن عقيل (4/203)، ((همع الهوامع)) للسيوطي (4/203). .
(4) أَن تكونَ بِمَعْنى الجَزاءِ، وَتُسَمى شَرْطِيَّةً، كَما فِي التَّنزيلِ العَزيزِ:
وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ [البقرة: 197] [156] ينظر: ((شرح التسهيل)) لابن مالك (4/66)، ((شرح ابن الناظم على الألفية)) (ص: 494)، ((توضيح المقاصد والمسالك)) للمرادي (3/1274)، ((تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد)) لناظر الجيش (9/4320)، ((مغني اللبيب)) لابن هشام (ص: 398). .
(5) أن تكونَ للتعَجُّبِ؛ نَحْوُ: ما أحْسَنَ هذا! وفي التَّنزيلِ العَزيزِ:
قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ [عبس: 17] [157] ينظر: ((الجنى الداني)) للمرادي (ص: 117)، ((التبيين عن مذاهب النحويين)) (ص: 282)، ((شرح المفصل )) لابن يعيش (4/420)، ((المقاصد الشافية في شرح الخلاصة الكافية)) للشاطبي (2/80). .
(6) وَبِمَعْنى (الَّذِي) لغيرِ العاقِلِ، كَما فِي التَّنزيلِ العَزيزِ:
مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ [النحل: 96] ، وَرُبما تسْتَعْمل (ما) فِي مَوضِع (مَن)، ومِن ذَلِك قَوْلُه فِي التَّنزيلِ العَزيزِ:
وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ [النساء: 22] [158] ينظر: ((شرح التسهيل)) لابن مالك (1/217)، ((شرح ابن الناظم على الألفية)) (ص: 58)، ((ارتشاف الضرب)) لأبي حيان (2/1035)، ((توضيح المقاصد والمسالك)) للمرادي (1/429)، ((الجنى الداني)) للمرادي (336)، ((أوضح المسالك)) لابن هشام (1/155). .
(7) وللإبهامِ؛ نَحْوُ: أَعْطِنِي كتابًا ما، أي: أَعْطِنِي أَيَّ كتابٍ كانَ. وَجاء لأمرٍ ما، أي: لأمرٍ من الأُمُور. وَمِنْه ما فِي التَّنزيلِ العَزيزِ:
إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا [البقرة: 26] [159] ينظر: ((شرح شافية ابن الحاجب)) للرضي (4/188)، ((معاني النحو)) للسامرائي (4/96). .
(8) وتكونُ كافَّةً عن العَمَلِ؛ نَحْوُ قَولِه تعالَى:
كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ [الأنفال: 6] ، فدخَلَت على (كأَنَّ) النَّاصِبةَ فمنَعَتْها من العَمَلِ
[160] ينظر: ((شرح المفصل)) لابن يعيش (4/519)، ((شرح ابن الناظم على الألفية)) (ص: 124)، ((توضيح المقاصد والمسالك)) للمرادي (1/533)، ((مغني اللبيب)) لابن هشام (ص: 404)، ((شرح الأشموني)) (1/311). .
(9) وَلها استعمالاتٌ خاصَّةٌ، وهي:
(أ) تَجِيءُ بعد الأَفْعالِ الماضِيةِ الثَّلاثةِ الآتِيةِ: (طال، وَقلَّ، وَكثُر)، فَلا تحْتاجُ هَذِه الأَفْعالُ إلَى فاعلٍ. وَيَجِيءُ بعد (ما) فِعلٌ؛ نَحْوُ: طالما انْتَظَرْتُك، وأَمَّا قَولُ المرارِ:
صَدَدْتِ فَأَطْوَلْتِ الصُّدُودَ وقَلَّما
وِصالٌ عَلى طُولِ الصُّدُودِ يَدُومُ
فضرورةٌ؛ فقد جاء بَعْدَها اسمٌ مَرفوعٌ، وليس فِعلًا.
(ب) وَكَذَلِكَ تَجِيءُ بعد (رُبَّ) فيليها الفِعْلُ، كَقَوْل أُميَّةَ بنِ أبي الصَّلْتِ:
رُبما تَكرَهُ النُّفُوسُ من الأَمـ
ـرِ لَهُ فُرْجةٌ كحَلِّ العِقالِ
(ج) وَبعْدَ (بَيْن)؛ مِثْلُ قَولِ الشَّاعِرِ:
بَيْنَما نَحن بالأراكِ مَعًا
إذْ أَتَى راكِبٌ على جمَلِه
(د) وتُزاد بيْن الجارِّ والمَجْرُور؛ لمُجَرَّدِ تَقوِيةِ الكَلامِ، كَما فِي التَّنزيلِ العَزيزِ:
فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ [آل عمران: 159] ، أي: فبرحمةٍ، وقَولِه تعالَى:
مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا [نوح: 25] ، أي: مِن خَطيئاتِهم
[161] يُنظر: ((الكتاب)) لسيبويه (1/ 31) (3/ 76)، ((مغني اللبيب)) لابن هشام (ص: 403)، ((تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد)) لناظر الجيش (4/4520)، ((ارتشاف الضرب)) لأبي حيان (4/1748)، ((المقاصد الشافية في شرح الخلاصة الكافية)) للشاطبي (3/697)، ((شرح ابن الناظم على الألفية)) (ص: 268)، ((توضيح المقاصد والمسالك)) للمرادي (2/72)، ((مغني اللبيب)) (ص: 410). .